الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد
كتاب النكاح
الباب الأول في
خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم في النكاح وغيره
قوله في أصل "الروضة": ومن الواجبات على النبي صلى الله عليه وسلم الأضحية والوتر والتهجد والسواك والمشاورة على الصحيح في الخمسة. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن كلامه يقتضي أن الرافعي حكى خلافًا في وجوب الخمسة عليه وهو في ما عدا التهجد [صحيح، وأما التهجد](1) فلا، بل المجزوم به في الرافعي وجوبه، ثم حكى وجهًا أنه نسخ في حقه كما في حق الأمة.
قال: وهو ما أورده الشيخ أبو حامد.
واعلم أن الشيخ أبا حامد قد نقل عن نص الشافعي موافقة هذا الوجه، ونقله في "الروضة" عنه، وقال: إنه الأصح.
قال: وفي "صحيح مسلم" عن عائشة رضي الله عنها ما يدل عليه، وذكر من "زوائده" في كتاب السير أن الله تعالى فرض من قيام الليل أولًا ما ذكره في أول سورة المزمل ثم نسخه بما في آخرها، ثم نسخه بالخمس.
الأمر الثاني: أن هذا الكلام يقتضي أن الوتر غير التهجد، وقد وقع فيه اختلاف صريح في عبارة "الروضة" يعرف بمراجعة ما قدمته في صلاة التطوع فليراجع من هناك.
(1) سقط من جـ.
قوله: أما في النكاح فقد أوجب الله تعالى على رسوله تخيير نسائه بين اختياره وبين مفارقته واختيار زينة الدنيا، والمعنى فيه أنه صلى الله عليه وسلم آثر لنفسه الفقر والصبر عليه فأمر بتخييرهن كيلا يكون مكرهًا لهن على الصبر والفقر. انتهى كلامه.
ذكر مثله بعد هذا في الكلام على [الكفاءة](1)، وما ذكره من أنه صلى الله عليه وسلم اختار الفقر لنفسه، كيف يصح مع ما ثبت في الصحيحين من رواية عائشة أنه عليه الصلاة والسلام كان يتعوذ من الفقر (2)، وقد ذكر هو هذا الحديث قبل هذا الموضع بأوراق في الكلام على قسم الصدقات، فقال: إنه عليه السلام كان يستعيذ من الفقر، وقال:"اللهم أحينى مسكينًا"(3)، وما ذكره من الدعاء بالمسكنة قد رواه الترمذي وابن ماجة بإسناد ضعيف ولفظهما:"اللهم أحينى مسكينًا وأمتنى مسكينًا"، قال البيهقي: وقد روي أيضًا في حديث أنس أنه استعاذ من الفقر والمسكنة معًا.
قوله: وهل حرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاقهن بعدما اخترنه؟ فيه وجهان: أظهرهما عند الإمام: أنه لا يحرم. انتهى.
وهذا الذي رجحه الإمام هو الصحيح، فقد قال الرافعي في "الشرح الصغير": إنه أظهر الوجهين والنووي في أصل "الروضة": إنه الأصح.
(1) في جـ: الكفارة.
(2)
أخرجه البخاري (6007) ومسلم (589).
(3)
أخرجه الترمذي (2352) والبيهقي في "الكبرى"(12931) وفي "الشعب"(10507) من حديث أنس رضي الله عنه.
قال الترمذي: هذا حديث غريب.
وقال الألباني: صحيح.
وأخرجه ابن ماجه (4126) وعبد بن حميد (1002) والبخاري في "الكنى"(ص/ 75) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه وسنده ضعيف.
وأخرجه البيهقي في "الكبرى"(12930) والطبراني في "الدعاء"(1427) وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(38/ 194) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
قوله: وفي "الجرجانيات" لأبي العباس الروياني ذكر وجهين في أنه هل كان يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل الاختيار إليهن قبل المشاورة معهن؟ انتهى.
وهذه المسألة أسقطها النووي من "الروضة".
قوله: ومن المحرمات الصدقة على أظهر الوجهين على ما سبق في كتاب قسم الصدقات. انتهى.
وحكاية الخلاف في هذه المسألة وجهين تبع فيه جماعة منهم الإمام هنا والطبري صاحب "العدة" والعجلي في "شرح الوسيط" والجرجاني في "الشافي"، لكن الذي سبق من كلام الرافعي في قسم الصدقات أن الخلاف قولان، وهو الصواب المذكور في بعض نسخ الرافعي هنا وفي "الروضة" أيضًا، فقد قال الماوردي في كتاب الوقف: إنهما منصوصان في "الأم".
قوله: وعد من المحرمات الخط والشعر، وإنما يتجه القول بتحريمهما ممن يقول: إنه صلى الله عليه وسلم كان يحسنهما، وقد اختلفوا فيه، والأصح أنه كان لا يحسنهما. انتهى.
وهذا البحث الذي ذكره ضعيف كما نبه عليه في "الروضة"، فإنه لا يمتنع أن يحرم على الشخص ما لا يحسنه حتى يحرم عليه التوصل إليه.
قوله: وكان يحرم عليه صلى الله عليه وسلم إذا لبس لأمته أن [ينزعها حتى](1) يلقى العدو ويقاتل (2)، وقيل: كان مكروهًا. انتهى.
(1) سقط من أ.
(2)
أخرجه البخاري تعليقًا (6/ 2681) ووصله النسائي في "الكبرى"(7647) وعبد الرزاق (5/ 363) وابن الجارود في "المنتقي"(1061) وأحمد (14829).
والحديث صحيح بشواهده، والله أعلم.
اللأمة بهمزة ساكنة هي الدرع، يجمع على لائم كثمرة وثمر وعلى لؤم كرطب، وهذا الثاني على غير القياس كما قاله الجوهري، فإنه جمع لُؤمة بضم اللام.
قوله: وفي "الجرجانيات" لأبي العباس الروياني ذكر وجهين في أنه هل كان يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي على من كان عليه دين؟ وطريقتين في أنه هل كان يجوز أن يصلي مع وجود الضامن؟ . انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن النووي في "الروضة" لم يذكر المسألة الثانية -أعني مسألة الضامن- طريقين كما ذكرهما الرافعي، بل عبر بالوجهين أيضًا.
الثاني: أن الصحيح فيها -أعني في المسألة الثانية- هو الجواز، فقد قال في "الروضة" من "زياداته": إن الصواب الجزم به قال: ثم نسخ التحريم فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يصلي على من عليه دين ولا ضامن له يوفيه من عنده (1).
قوله: ولا يحل له الكتابية في أصح الوجهين، ثم قال: ويجرى الوجهان في التسرى بالأمة الكتابية. انتهى كلامه.
وهو وإن كان يقتضي عدم الجواز في التسرى بالأمة لكنه قد أعادها بعدها بقليل.
وقال: إن أظهر الوجهين فيها الجواز فاعلم ذلك، ولم يذكر هذه الزيادة في "الشرح الصغير" فصار ظاهره مخالفًا لما في "الكبير".
قوله: ومن المباح له صلى الله عليه وسلم اصطفاء ما يختاره من الغنيمة قبل القسمة من جارية وغيرها، ويقال لذلك المختار: الصفى والصفية والجمع الصفايا،
(1) أخرجه البخاري (2176) ومسلم (1619) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ومن صفاياه صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي اصطفاها وأعتقها وتزوجها، وذو الفقار. انتهى كلامه.
والذي ذكره من أن صفية بنت حيي من صفاياه قبل القسمة ليس كذلك، فقد روى مسلم في "صحيحه"(1) عن أنس أنها وقعت في سهم دحية الكلبى واشتراها منه النبي صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس.
وفي "صحيح البخاري"(2) أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها بعد أن وقعت في سهم دحية الكلبي.
وأما ذو الفقار بفاء تفتح وتكسر وبعدها قاف، وبالراء المهملة فهو سيف كان للنبي صلى الله عليه وسلم، والفقار هي العظام التي في سلسلة الظهر، ومفرده يقال فيه: فقارة بالفتح والمفتوح جمعه، وفقرة بالكسر والمكسور جمعه.
قال ابن الأثير في "النهاية": هي خرزات الظهر، قال: وفي حديث زيد بن ثابت: ما بين عجب الذنب إلى فقارة القفا ثنتان وثلاثون فقارة في كل فقارة أحد وثلاثون دينارًا، وقد تعرض لأخبار هذا السيف جماعة منهم الطبري في "تاريخه الكبير" والكلبي في "جمهرة النسب"، وجمع ابن خلكان خلاصة ذلك في تاريخه في الكلام على ترجمة مرثد بن يزيد بن زائدة، فقال: لما كانت وقعة بدر [وكان ممن حضرها منبه ونبيه أبناء الحجاج القرشي السهمي، وكانا](3) إذ ذاك سيدى بني سهم، وكان العاص ابن نبيه قد حضرها مع أبيه فقتل هو وأبوه وعمه كفارًا، وكان هذا السيف له -أي للعاص- فقال الكلبي: إن عليًا رضي الله عنه قتله وأخذ سيفه، وقال غيره إنه صلى الله عليه وسلم أخذه من جملة ما أخذ، ثم أعطاه لعلى فانتقل في أولاده إلى أن وصل إلى محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين ابن
(1) حديث (1365) من حديث أنس رضي الله عنه.
(2)
حديث (905) من حديث أنس رضي الله عنه.
(3)
سقط من جـ.
على، ثم إن محمدًا المذكور خرج على الخليفة أبي جعفر المنصور العباسي فأرسل إليه جيشًا فانهزم أصحاب محمد وقتل هو في تلك الفتنة، فلما أحس محمد بالموت دفع ذا الفقار إلى رجل من التجار كان معه، وكان له عليه أربعمائة دينار، وقال له خذ هذا السيف فإنك لا تلقى أحدًا من آل أبي طالب إلا أخذه منك وأعطاك حقك فكان السيف عند ذلك الشخص إلى أن ولى جعفر بن سليمان بن على بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه اليمن والمدينة فوصل إليه الخبر فدعا الرجل فأخذ منه السيف وأعطاه أربعمائة دينار فلم يزل عنده إلى زمان المهدى بن المنصور فاتصل به خبره فأخذه فبقي في أيدى خلفاء بني العباس.
قال الأصمعي: رأيت الرشيد بطوس متقلدًا سيفًا، فقال: يا أصمعي ألا أريك ذا الفقار قلت: بلى جعلنى الله فداك، فقال: استل سيفي هذا فاستللته فرأيت فيه ثماني عشرة فقارة.
قوله: ومن خصائصه أنه لا يورث ماله، لكن هل هو باق على ملكه ينفق منه على أهله كما في حياته أو هو صدقة؟ فيه وجهان: صحح الإمام الأول، وقطع أبو العباس الروياني بالثاني لقوله صلى الله عليه وسلم:"إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة"(1)، ثم حكى أبو العباس المذكور وجهين في ما إذا قلنا: إنه صدقة، هل تكون وقفًا على ورثته؟ ووجهين إذا جعلناه وقفًا، هل هو الواقف بقوله في الحديث السابق:"ما تركناه فهو صدقة". انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن الصحيح أنه صدقة فقد قال في "الشرح الصغير": إنه المشهور، وقال في "الروضة" من "زياداته": الصواب الجزم بذلك،
(1) أخرجه مالك (1802) والبخاري (2926) ومسلم (1759) من حديث عائشة رضي الله عنها.
وبأنه لا يختص به الورثة، بل يكون صدقة على المسلمين.
الأمر الثاني: أن الرافعي قد ذكر قبل هذا في الباب الأول من كتاب قسم [الفيء](1) والغنيمة أن خمس الفيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق منه على نفسه وأهله، وفي مصالحه، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يملكه ولا ينتقل منه إلى غيره إرثًا.
هذا كلامه، فقد حكم في ذلك الباب بأن جهة الإنفاق غير مملوكة، وحكم هنا بأنها مملوكة فتفطن له، واجمع بينهما بأن لتلك الجهة مادتين مملوكة وغير مملوكة، والخلاف في إحداهما على أن العمراني قد ذكر في آخر إحياء الموات من "البيان" عن الشيخ أبي حامد أن بعضهم قال: إنه عليه الصلاة والسلام ما كان يملك شيئًا ولا يتأتى منه الملك، وإنما أبيح له ما يأكله وما يحتاج إليه، قال الشيخ أبو حامد: وهذا غلط لقوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ [مِنْ أَهْلِ الْقُرَى] (2) فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} (3)، وأيضًا فقد أعتق صفية (4) واستولد مارية، والحديث الذي ذكره الرافعي صحيح.
قوله: وكذلك حكى -يعني أبا العباس الروياني- وجهين في انتقاض وضوءه باللمس. انتهى.
والراجح الانتقاض فقد قال في "الروضة": المذهب الجزم به.
قوله: وفي ما حكى صاحب "التلخيص" أنه كان يجوز له أن يدخل المسجد جنبًا ولم يسلمه القفال، قال: ولا أخاله صحيحًا. انتهى.
وقد أنكر ذلك أيضًا إمام الحرمين فقال: إنه شيء لا ندري من أين قاله وإلى أي أصل أسنده.
(1) في ب: الصدقات.
(2)
سقط من الأصل.
(3)
سورة الحشر: 7.
(4)
تقدم.
والذي قالوه غريب فإن مستند صاحب "التلخيص" ما رواه الترمذي عن عطية عن أبى سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك"(1).
قال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
نعم عطية ضعيف عند جمهور المحدثين.
قال الترمذي: قال ضرار بن صرد: معناه لا يحل لأحد يستطرقه جنبًا غيري وغيرك.
وقد ضعف في "الروضة" هذا التأويل وسببه أنه يدل على تحريم العبور مع أنه جائز بنص القرآن.
قوله: وحكى صاحب ["التلخيص"](2) أنه يجوز له القتل بعد الأمان وخطؤوه فيه. انتهى.
وهذا الذي نقله الرافعي هنا لم يتعرض له في "الروضة" بالكلية.
قوله: وكان له صلى الله عليه وسلم أن يزيد على تسع نسوة في أصح الوجهين، ثم قال: وفي انحصار طلاقه في الثلاث وجهان كالوجهين في انحصار الزوجات في التسع، ورأى صاحب "التتمة" الانحصار. انتهى.
(1) أخرجه الترمذي (3727) والبيهقي في "الكبرى"(13181) والمزني في "تهذيب الكمال"(9/ 344) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد سمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث. فاستخرجه.
وقال الألباني: ضعيف.
وأخرجه البزار (1197) من حديث خارجة بن سعد عن أبيه سعد، وقال: وهذا الكلام لا نعلمه يروي عن سعد إلا عن هذا الوجه بهذا الإسناد. . . . ولا نعلم روى عن خارجة بن سعد إلا الحسن ابن زيد هذا.
(2)
سقط من ب.
ذكر في "الشرح الصغير" مثله أيضًا، وصحح في أصل "الروضة" الانحصار وهو غريب، فإن كلام الرافعي إن لم يشعر برجحان عدم الانحصار فلا أقل من عدم الشعور برجحان عكسه لمعارضة الأول له.
قوله: وفي انعقاد نكاحه بلفظ الهبة وجهان أظهرهما: الانعقاد، ولكن هل يشترط لفظ النكاح من جهة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيه وجهان أرجحهما عند الشيخ أبى حامد: أنه يشترط. انتهى.
والأصح ما رجحه أبو حامد، كذا صححه النووي في أصل "الروضة".
قوله: في أصل "الروضة" وأكثر هذه المسائل مخرج على أصل اختلف فيه الأصحاب، وهو أن النكاح في حقه صلى الله عليه وسلم هل هو كالتسرى في حقنا؟ إن قلنا: لا، لم ينحصر عدد المنكوحات والطلاق وانعقد بالهبة ومعناها وبلا ولى [وشهود](1)، وفي الإحرام ولم يجب القسم وإلا انعكس الحكم. انتهى كلامه.
وتعبيره بقوله إن قلنا لا سهو وصوابه إن قلنا نعم، وهو المذكور أيضًا في الرافعي.
قوله: وكان يحل له نكاح المعتدة في أحد الوجهين.
قال في "الروضة" من زياداته: الصواب القطع بامتناعه وغلطوا قائل هذا الوجه.
قوله: وهل كان يلزمه نفقة زوجاته؟ فيه وجهان بناء على الخلاف في المهر. انتهى.
وهذا البناء يشعر بترجيح عدم الوجوب، فإنه الراجح في المهر لكن في "الروضة" من زياداته أن الصحيح الوجوب.
(1) سقط من أ.
قوله: وأعتق صلى الله عليه وسلم صفية وجعل عتقها صداقها، فقيل. أعتقها وشرط أن ينكحها فلزمها الوفاء بخلاف غيره، [وقيل: جعل نفس العتق صداقًا، وجاز ذلك بخلاف غيره] (1). انتهى.
ذكر في "الروضة" تفسيرًا ثالثًا وصححه وهو: أن معناه أنه أعتقها بلا عوض وتزوجها بلا مهر لا في الحال ولا في ما بعده.
قوله: ومنها: أن زوجاته اللاتي توفى عنهن محرمات على غيره أبدًا، وفي التي فارقها في حياته كالتي وجد بكشحها بياضًا فردها وكالمستعيذة منه ثلاثة أوجه:
أحدها ويحكى عن نصه في "أحكام القرآن": أنها حرام.
والثاني: لا.
والثالث -وصححه الشيخ أبو حامد-: أنها إن كانت مدخولًا بها حرمت وإلا فلا. انتهى ملخصًا.
وهذا الثالث صححه الرافعي في "الشرح الصغير" وعبر بالأظهر وقال في "الروضة" من "زياداته": الأول أرجح، ولم يذكر ترجيحًا غيره.
والكشح بكاف مفتوحة وشين معجمة ساكنة وحاء مهملة هو الجنب.
وقال الجوهري: ما بين الخصر وأقصر الأضلاع.
قوله: ويشفع في أهل الكبائر.
أعلم أن هذه العبارة ناقصة أو باطلة كما قاله في "الروضة" فإن لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس شفاعات:
أولاهن: الشفاعة العظمى في الفصل بين أهل الموقف حين يهرعون
(1) سقط من أ، جـ.
إليه بعد الأنبياء، كما ثبت في الحديث الصحيح، حديث الشفاعة (1).
والثانية: في جماعات يدخلون الجنة بغير حساب.
والثالثة: في أناس استحقوا دخول النار فلا يدخلونها.
والرابعة: في أناس دخلوا النار فيخرجون منها.
والخامسة: في رفع درجات أناس في الجنة، والشفاعة المختصة به صلى الله عليه وسلم هي الأولى والثانية، ويجوز أن تكون الثالثة والخامسة. هذا كلام "الروضة".
قوله: وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة.
اعلم أن التعبير بالناس وقع في القرآن والحديث والنبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى الإنس والجن والتعبير بالناس يشملهما.
قال الجوهري: والناس قد تكون من الإنس ومن الجن، وأصله أناس فخفف. هذا كلامه.
قوله: وهو سيد ولد آدم.
اعلم أن التعبير بولد آدم وقع أيضًا في الحديث فعبر به الرافعي رضي الله عنه، لكن مذهب أهل السنة أنه أفضل المخلوقات على الإطلاق سواء فيه الإنس والجن والملائكة.
قوله من "زياداته" في التكنى بأبي القاسم: وهذه المسألة فيها ثلاثة مذاهب:
أحدها: مذهب الشافعي أنه لا يجوز لأحد أن يتكنى به مطلقًا سواء كان اسمه محمد أم لا.
(1) أخرجه البخاري (3162) و (4435) ومسلم (194) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ثم قال: الثاني مذهب مالك: أنه يجوز التكنى بأبي القاسم لمن اسمه محمد ولغيره.
والثالث: لمن اسمه محمد دون غيره [هذا لفظه](1).
والعبارة التي ذكرها في المذهب الثالث سهو فإن حاصلها أنه يجوز لمن اسمه محمد ولا يجوز لغيره وهذا لم يقل به أحد، والصواب أن يقول والثالث لمن ليس اسمه محمدًا دون غيره أي يجوز لمن لم يسم بمحمد دون من سمى به.
واعلم أن هذا المذهب الثالث هو الصواب الراجح دليلًا فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من تسمى باسمى فلا يتكنى بكنيتي ومن تكنى بكنيتى فلا يتسمى باسمى"(2) رواه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث جابر وقال الترمذي: حسن غريب، وقال البيهقي في "شعب الإيمان": إسناده صحيح، وكذا صححه ابن حبان، وأخرجه أيضًا من حديث أبي هريرة، وصححه الترمذي من هذا الوجه.
قوله أيضًا من "زياداته": ومنها: أنه لا يجوز الجنون على الأنبياء بخلاف الإغماء. انتهى.
والجواز في الإغماء مشروط بكونه في لحظة أو لحظتين كذا في حفظي قديمًا عن "تعليقه" القاضي الحسين عن الداركي من غير مخالفة.
(1) سقط من أ.
(2)
أخرجه أبو داود (4966) وأحمد (14396) والطيالسي (1750) والبيهقي في "الشعب"(8634) وفي "الكبرى"(19111)، والطحاوي في "شرح المعاني"(6729) وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(3/ 41) من حديث جابر رضي الله عنه.
قال الألباني: منكر.
قال رحمه الله:
المقدمة الثانية
قوله: الناس ضربان تائق إلى النكاح وغيره، فغير التائق إذا وجد الأهبة ولم يكن به علة فلا يكره له النكاح، ولكن التخلي للعبادة أفضل منه، وعكس أبو حنيفة، وحكى الشيخ ملكداد القزويني في "تعليقه" عن أبي سعيد الهروي وجهًا مثله، وإن لم يكن منشغلًا بالعبادة فالنكاح أفضل من تركه في أصح الوجهين؛ لئلا تفضى به البطالة والفراغ إلى الفواحش. انتهي.
فيه أمران:
أحدهما: أن هذا الوجه الذي أغرب الرافعي بحكايته قد حكاه الغزالي في "الوسيط".
الثاني: قال الشيخ عماد الدين إبراهيم بن عبد الوهاب الريحاني في "شرح الوجيز" المسمى "بالموجز": لم يتعرض الأصحاب للنساء.
قال: والذي يغلب على الظن أن النكاح في حقهن أولى مطلقًا لأنهن يحتجن إلى القيام بأمورهن والتستر عن الرجال، ولم يتحقق فيهن الضرر الناشئ من النفقة.
واعلم أن التائق: بالتاء المثناة هو المشتاق إلى الشيء المشتهى له.
والبطالة: بفتح الباء والماضي منه بطل بفتح الطاء أي تعطل.
قوله: وفي "شرح مختصر الجويني" أنه إن خاف الزنا وجب عليه النكاح. انتهى.
واعلم أن هذا الوجه لا يقول بتحتم النكاح بل يخير بينه وبين التسري،
وقد نبه عليه في "الروضة".
قوله: والأولى في المرأة أن تكون بكرًا إذا لم يكن عذر وأن تكون ولودًا منظورًا إليها نسيبة لما روى أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إياكم وخضراء الدمن، قيل: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء"(1)، والتي ليست قرابة أولى لقوله صلى الله عليه وسلم:"ولا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاويًا"(2). أي: نحيفًا، وذلك لضعف الشهوة. انتهى.
أشار بقوله إذا لم يكن له عذر إلى ما رواه البخاري في "صحيحه"(3) عن جابر قال: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تزوجت يا جابر؟ قلت: نعم، قال: ماذا أبكرًا أم ثيبًا؟ قلت: لا بل ثيبًا، قال: هلا جارية تلاعبك؟ قلت: يا رسول الله إن أبي قتل يوم أحد وترك سبع بنات فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن، ولكن امرأة تمشطهن وتقوم عليهن، قال: أصبت".
وخضراء الدِّمن: هي الشجرة الخضراء النابتة في مطارح البحر.
وهي الدِّمن بكسر الدال وفتح الميم جمع دمنة، شبه بها المرأة الحسناء ذات النسب الفاسد مثل أن تكون بنت الزنا، والحديث المذكور رواه الواقدي بإسناده عن أبي سعيد والواقدي ضعيف، وهذا معدود من
(1) أخرجه الشهاب في "مسنده"(957) والرامهرمزي في "أمثال الحديث"(84) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
قال الدارقطني: لا يصح.
وقال السخاوي: تفرد به الواقدي.
وقال الألباني: ضعيف جدًا.
(2)
قال ابن الصلاح: لم أجد له أصلًا معتمدًا.
وقال الألباني: لا أصل له مرفوعًا.
(3)
حديث (5058) و (6024).
أفراده، كذا قاله ابن الصلاح في "مشكل الوسيط"، قال: وأما الضاوي فهو بتشديد الياء، قال الجوهري: غلام ضاوي وزنه فاعول إذا كان قليل الجسم وقد ضوي بالكسر يضوي ضوًا بفتح الضاد مقصور وهو الهزال قلت: وأصل الضاوى بالتشديد ضاووي فأجمع الواو والياء وسبق أحدهما بالسكون فقلبنا الواو ياء وادغمتا ثم قلبنا ضمة الواو كسرة ليسهل الانتقال إلى الياء، قال ابن الصلاح: ولم أجد الحديث في أصل يعتمد.
واعلم أن عبارة الرافعي لا يؤخذ فيها الأولى في الأجنبية مع القرابة غير القريبة، وقد صرح في "الروضة" من "زوائده" بأن القريبة أولى وهو مقتضى كلام جماعة، لكن ذكر صاحب "البحر" و"البيان" أن الشافعي نص على أنه يستحب له أن لا يتزوج من عشيرته، فإن الولد يجيء أحمق.
قال: وقد رأينا جماعة تزوجوا من عشائرهم فجاءت أولادهم حمقى، وقد أهمل الرافعي من المستحبات أن تكون عاقلة.
قال في "التتمة": وأن لا يكون معها ولد من غيره إلا لمصلحة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أم سلمة ومعها ولد أبي سلمة للمصلحة، وأن تكون بالغة كما نص عليه الشافعي، فهذه المواضع ذكرها في "الروضة" وضم إليها أن تكون جميلة.
وقد يقال: لا حاجة إليه، لأن المنظور إليها قد يغني عنه والعقل المذكور هنا يتجه أن يكون المراد به العقل العرفي وهو زيادة على مناط التكليف.
ويستحب أيضًا أن تكون خفيفة المهر حسنة الخلق قاله الغزالي في "الإحياء".
ويستحب العقد في المسجد، وأن يحضره جمع من أهل الخير والصلاح كما قاله ابن الصلاح.
قوله من "زوائده": والمستحب أن لا يزيد على امرأة من غير حاجة ظاهرة. انتهى.
وهذه المسألة قد ذكرها الرافعي في أول كتاب النفقات فقال: ذكر الشافعي هاهنا استحباب الاقتصار على امرأة واحدة.
وقال الماوردي: هذا إذا كان يكفيه واحدة ومن لا يقنع بالواحدة لقوة شهوته فالأولى به الزيادة، هذا كلام الرافعي وحذفه النووي من "الروضة" هناك فلم يصر لها ذكر في ما يخصه من كلام الرافعي، وهذا الذي ذكره الماوردي قد ذكر مثله أيضًا الغزالي في "الإحياء".
قوله: ثم المنظور إليه الوجه والكفان ظهرًا وبطنًا ولا ينظر إلى ما سواهما لأنه عورة، وهي تعد أجنبية. انتهى.
وهذا التعليل قد حذفه النووي من "الروضة" وهو يقتضي اختصاص هذا الحكم بالحرة فقد صحح الرافعي في الأمة أنه ينظر منها من غير حاجة لما ينظره الرجل من الرجل فمع حاجة النكاح أولى، وقد صرح به ابن الرفعة فقال: إنه مفهوم كلامهم فيتجه استحبابه على قولنا: إن النظر إلى وجه الحرة وكفيها مستحب لا مباح وهو الصحيح.
قوله: وأما وقت النظر فالأظهر أنه ينبغي أن يكون بعد العزم على نكاحها إن ارتضاها، وقيل: الخطبة لأنه لو كان بعد الخطبة وتركها شق عليها. انتهى.
واعلم أن ما رجحه الرافعي معارض بالحديث والمعنى.
أما الحديث: فروى البيهقي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خطب
أحدكم المرأة فقدر على أن يرى منها ما يعجبه ويدعوه إليها فليفعل" (1)، فدل على أن النظر بعد الخطبة.
وأما المعنى: فلأنه لو رآها قبل ذلك فقد تعجبه ولا تجيبه هي أولا يجيبه أهلها فيشق عليه بل يتضرر.
قوله في النظر لغير حاجة النكاح: وإن لم يخف من النظر إلى الوجه والكفن فوجهان: قال أكثر الأصحاب سيما المتقدمين: لا يحرم لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (2) وهو مفسر بالوجه والكفين. انتهى.
خالفه في "المحرر" فقال: أولى الوجهين المنع، والصواب هو الجواز لتصريحه في "الشرح" بأن الأكثرين عليه، وقد وقع هذا الاختلاف أيضًا بين "الروضة" و"المنهاج" على وجه غريب فإنه عبر في "المنهاج" بالصحيح، واصطلاحه فيه أن يكون مقابله وجهًا ضعيفًا، وإذا استحضرت مثل هذه المواضع علمت أن ما ادعاه في خطبة "المنهاج" من كون الرافعي قد التزم في "المحرر" أنه ينص على ما صححه معظم الأصحاب وأنه قد وفى بما التزمه ليس كذلك، ولم يصرح في "الشرح الصغير" في هذه المسألة بترجيح.
قوله: وإذا رددنا الكلام إلى أن المنظور إليها هل يلزمها الاحتجاب من الصبي. . . . إلى آخره.
هذا الكلام يوهم أن جعل الصبي كالبالغ في النظر معناه أنه يلزم المرأة الاحتجاب عنه لا غيره من المعاني وليس محصورًا في ذلك، بل إذا قلنا
(1) أخرجه أبو داود (2082) وأحمد (14626) والحاكم (2696) وابن أبي شيبة (4/ 21) والبيهقي في "الكبرى"(13265) والطحاوي في "شرح المعاني"(3960) من حديث جابر رضي الله عنه.
قال الألباني: حسن.
(2)
سورة النور: 31.
به فيلزم الولى أن يمنعه من النظر كما يلزمه أن يمنعه الزنا وسائر المحرمات، وقد نبه على ذلك في "الروضة".
قوله: والمخنث هو المشبه بالنساء إلى آخره.
اعلم أن المخنث بكسر النون وفتحها يقال: خنث الرجل بالتشديد إذا تشبه فهو مخنث، كما نقول حدث فهو محدث وخبر فهو مخبر لكن الفتح أشهر، وإن كان الكسر أفصح قاله النووي في "تهذيب الأسماء واللغات".
قال الجوهري: الانخناث هو التثني والتكسر، والاسم منه الخنث بضم الخاء والإسكان قال: وتقول: خنَّثت الشيء بالتشديد فتخنث أي عطفته فانعطف، والخنث بفتح الخاء وكسر النون هو المسترخي المتثني.
قوله: مملوك المرأة محرم لها عند الأكثرين. انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن النووي قد صحح التحريم في نكت له على "المهذب" وكذلك ابن الرفعة في "المطلب".
الثاني: أن [القول](1) بالجواز له شرطان:
أحدهما: أن يكون العبد ثقة فإن كان فاسقًا فلا، كذا ذكره البغوي في تفسير سورة النور وهو ظاهر، وقياس المرأة كذلك وصرح به الهروي في تفسيره وهو معدود من الشافعية.
الثاني: ألا تكاتبه المرأة فإن كاتبته فليس بمحرم، فقد صرح الرافعي به في عكسه وهو ما إذا كاتبَ الرجل أمته فقال: لا يحل له النظر إليها، وصرح به في مسألتنا القاضي الحسين ونقله عنه في "الروضة" من
(1) سقط من أ.
"زياداته"، ورأى ابن الرفعة في "المطلب" تخريج وجهين فيه، وقد ذهب إلى الجواز أبو نصر ولد الأستاذ أبى القاسم القشيرى.
[الأمر الثالث: أن المبعض هنا حكمه حكم الأجنبي، صرح به الماوردي في شروط الصلاة، وذكر الرافعي في الأمة المشتركة نحوه فإنه جزم بتحريم نظر الشريك لما بين السرة والركبة، وحكى فيما عداه وجهين، وصحح الجواز وتابعه عليه في "الروضة" وهو مخالف لتصحيحه أن الأمة كالحرة](1).
الأمر الرابع: أن إطلاق المحرمية غير مستقيم فإن مس كل واحد منهما للآخر ناقض بشرطه بلا نزاع فالصواب التعبير بجواز الخلوة والنظر ونحوهما لا بالمحرمية، أو يقال إنه كالمحرم في ذلك.
قوله: ولا يحرم النظر إلى الأمرد بغير شهوة إن لم يخف فتنة، وإن خافها حرم عند الأكثرين زاد في "الروضة" فقال: أطلق صاحب "المهذب" وغيره أنه يحرم النظر إلى الأمرد بغير حاجة، ونقله الداركي عن نص الشافعي رضي الله عنه. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن هذا الذي قاله النووي ليس صريحًا في ذهابه إلى التحريم لكنه قد صرح بتصحيحه في "المنهاج" وفي مواضع من "شرح المهذب" فقال: الصحيح أنه يحرم النظر بغير شهوة، ونص عليه الشافعي، والذي ادعاه من تنصيص الشافعي عليه [غير](2) صحيح، بل الصادر من الشافعي على ما بينه هو في "الروضة" إنما هو إطلاق يصح حمله على حالة الشهوة وأن هذا النوع أيضًا مما يوصف بتحريم النظر.
(1) بياض في أ.
(2)
سقط من أ.
الثاني: أن الأمرد المذكور شرطه أن يكون حسنًا، كذا قيده النووي في "رياض الصالحين".
قوله: وفي نظر الذمية إلى المسلمة وجهان:
أصحهما عند صاحب "الكتاب": أنه كنظر المسلمة إلى المسلمة.
وأصحهما: عند صاحب "التهذيب": المنع لقوله تعالى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} وليست الذميات من نسائهن. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن الأصح ما صححه البغوي كذا صححه النووي في "فتاويه" و"زيادات الروضة" قال: وسائر الكافرات كالذمية في هذا كما ذكره صاحب "البيان".
الأمر الثاني: قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في تفسيره: إن الفاسقة حكمها حكم الذمية في ذلك.
قوله: القسم الرابع: نظر المرأة إلى الرجل وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يجوز لها أن تنظر إلى ما يبدو عند المهنة دون غيره.
والثاني: أنها لا ترى إلا ما يرى الرجل منها.
والثالث: وهو الأصح أنه كنظر الرجل إلى الرجل. انتهى ملخصًا.
والذي صححه الرافعي هنا قد ناقضه في كتاب الصلاة في الكلام على شرائطها في مسألة وصل الشعر، فإنه جزم هناك بأن المرأة يحرم عليها النظر إلى شعر الرجل، وقد ذكرت لفظه هناك فراجعه.
قوله: ولا يجوز أن يضاجع الرجل الرجل ولا المرأة المرأة، وإن كان كل واحد منهما في جانب الفراش لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في
الثوب" (1) انتهى كلامه.
وما ذكره من التحريم مشروط بما إذا كانا عاريين كما ذكره النووي في "شرح مسلم"، وصرح به أيضًا جماعة منهم القاضي الحسين في تعليقه، والخوارزمي في "الكافي" فقال: فإن كانا لابسين أو أحدهما فلا بأس هذه عبارته.
قوله: في أصل "الروضة": وقد يحرم المس [حيث لا يحرم](2) النظر فيحرم مس وجه الأم، وإن جاز النظر إليه [ومس كل ما جاز النظر إليه](3) من المحارم والإماء، بل لا يجوز للرجل مس بطن أمه ولا ظهرها ولا أن يغمز ساقها ولا رجلها ولا أن يقبل وجهها. انتهى كلامه.
وتعبيره عطفًا على التحريم بقوله: "ومس كل ما جاز النظر إليه" حاصله أن جميع ما يجوز النظر إليه من المحارم يحرم مسه حتى يحرم مس وجه الأم ويدها ورجلها، وهو غلط عجيب مخالف لإجماع الأمة، وهذا الغلط حصل من سوء اختصاره لكلام الرافعي، فإن الرافعي عبر بقوله، وقد يحرم المس حيث لا يحرم النظر فلا يجوز للرجل مس وجه الأجنبية، وإن جوزنا النظر إليه، ولا مس كل ما يجوز النظر إليه من المحارم والإماء لا يجوز للرجل مس بطن أمه، هذه عبارة الرافعي رحمه الله وحاصلها أنه لا يجوز مس الكل بل البعض، وهو بمثابة قولنا لا يجوز للإنسان أن يتزوج كل امرأة وهو المسمى بسلب العموم المشروط بتقدم النفي، فعبر النووي عنه بالإثبات فقال: يحرم، وأسنده إلى كل فرد وهو المسمى بعموم السلب فوقع في الغلط وركاكة اللفظ حيث عبر بقوله: لا
(1) أخرجه مسلم (338) وأبو داود (4018) والترمذي (2793) وابن خزيمة (72) وابن حبان (5574) والطبراني في "الكبير"(5438) وفي "الأوسط"(3680)، وأبو يعلى (1136) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
(2)
في جـ: دون.
(3)
سقط من أ.
بل لا يجوز كذا.
قوله: وتكره المعانقة والتقبيل إلا تقبيل الولد للشفقة. انتهى.
وهذه العبارة ناقصة، والحصر باطل فإن معانقة القادم من السفر سنة أيضًا، أما التقبيل فسنة أيضًا في القادم، وكذلك تقبيل الصغار للشفقة سواء كان ولده أم ولد غيره، قد نبه على ذلك النووي في "الروضة".
قوله: ومنها: إذا عامل امرأة ببيع أو غيره، أو تحمل شهادة عليها جاز النظر إلى وجهها فقط ليعرفها. انتهى كلامه.
وما ذكره من الاقتصار على الوجه تابعه عليه في "الروضة" وهو غير مستقيم فقد تقدم أنه يجوز النظر إلى الكفين عند الأكثرين لا لحاجة فكيف ينفيه مع هذه الحاجة؟ .
ولو خاف [الناظر](1) لتحمل الشهادة من الفتنة، قال الرافعي في الباب الثاني من أبواب الشهادات: يشبه أن يقال: إن لم يتعين لم ينظر وإن تعين فينظر ويضبط نفسه.
(1) في جـ: النظر.
المقدمة الثالثة في "الخطبة"
قوله في "الروضة": ثم إن المرأة إن كانت خلية عن النكاح والعدة جازت خطبتها وإن كانت معتدة. . . . إلى آخره.
ثم قال ما نصه: ثم سواء كانت العدة في هذه الصورة بالأقراء أو بالأشهر؛ وقيل: إن كانت بالأقراء حرم. انتهى.
ومراده أن الحكم في هذه الصور سواء لا يختلف، والتركيب المذكور غير مستقيم ولو عبر "بالكون" عوضًا عن "كان" لاستقام، فإنه حينئذ يكون مبتدأ وسواء خبر مقدم.
قوله: والتصريح في الخطبة [أن يقول](1) أريد أن أنكحك وإذا حللت فلا تفوتي على نفسك، والتعريض ما يحتمل الرغبة في النكاح وغيرها كقوله: أنا راغب فيك. . . . إلى آخره.
تابعه عليه في "الروضة" وهو يوهم أنه لو قال: إني راغب فيك لم يكن تعريضًا، وليس كذلك، بل حاصل ما في "الأم" للشافعي أنه تعويض فإنه روى بسنده إلى القاسم بن محمد في باب التعريض في النكاح أن التعريض كذا وكذا، وذكر من جملته: إني راغب فيك، ثم قال -أعني: الشافعي- بعد نقله: إنه كثير، وإن القاسم ذكر بعضه.
قوله: وأما صاحب العدة الذي يحل له نكاحها فيها فله التصريح بخطبتها. انتهى.
والتقييد بحل النكاح في العدة للاحتراز عن من لا تحل كالمطلقة ثلاثًا ولم يتعرض هو ولا النووي في "الروضة" لبيان حكمه ولا يقال: إنه كغيره مطلقًا، فإن المطلق ثلاثًا لا يجوز له نكاحها بعد انقضاء العدة بل لابد من المحلل، والملاعن حرمته مؤبدة.
(1) سقط من أ.
قوله: وتحرم الخطبة على خطبة غيره بعد تصريح الإجابة كقولها أجبتك إلى ذلك، فإن ذكرت ما يشعر بالرضا كقولها لا رغبة عنك، لم يحرم على الجديد، ولو لم يوجد إجابة ولا رد فقيل يجوز قطعًا، وقيل بالقولين. انتهى ملخصًا.
فيه أمور:
أحدها: أن هذا كله في غير البكر، أم البكر فسكوتها كصريح إذن الثيب، كذا نص عليه الشافعي في كتبه الجديدة، فقال في "الأم" في باب النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه ما نصه: فوجدنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه إذا كانت المرأة راضية، قال: رضاها إذا كانت ثيبًا أن تأذن بالنكاح بنعم، وإن كانت بكرًا أن تسكت فيكون ذلك إذنًا. هذا لفظ الشافعي بحروفه ومن "الأم" نقلته.
الأمر الثاني: حيث اشترطنا التصريح بالإجابة فلابد معه من الإذن للولى في زواجها له، فإن لم تأذن في ذلك فلا يحرم كذا نص عليه الشافعي في "الرسالة" في باب النهي عن معنى يدل عليه معنى في حديث غيره.
الأمر الثالث: أن شرط التحريم أن تكون الخطبة الأولى جائزة، فإن كانت محرمة كالواقعة في العدة لم تحرم الخطبة عليها، كذا ذكره الروياني في "البحر".
الرابع: نص في "الأم" على أن المرأة لو أذنت لوليها أن يزوجها ممن يشاء صح وحل لكل أحد أن يخطبها على خطبة الغير، كذا نقله عنه الروياني في "البحر"، واستفدنا منه أن شرط تأثير إذنها في التحريم أن يكون الإذن في شخص معين، وإلا فالإذن المعتبر قد وجد منها.
قوله: تحرم الخطبة على خطبة غيره بعد تصريح الإجابة إلا إذا أذن
الغير أو ترك، قال الأئمة: والمعتبر رد الولي وإجابته إن كانت بكرًا، والولي الأب والجد دون ردها وإجابتها، ورد المرأة وإجابتها إن كانت ثيبًا أو بكرًا، والولي غيرهما دون رد الولي وإجابته. انتهي.
تابعه في "الروضة" على هذا الإطلاق وهو غير مستقيم فإنه إذا كان الخاطب غير كفء يكون النكاح متوقفًا على رضي الولي والمرأة معًا، وحينئذ فيعتبر في تحريم الخطبة إجابتهما معًا، وفي الجواز ردهما أو رد أحدهما، وأيضًا فينبغي في ما إذا كانت بكرًا أن يكون الاعتبار بالولى مخرجًا على الخلاف فيما إذا عينت كفؤًا وعين المجيز كفؤًا آخر، هل المجاب تعيينها أم تعيينه؟ .
واعلم أن هذا التقسيم كله ماشٍ على الغالب في خطبة النساء للرجال، وقد نصوا على استحباب خطبة أهل الفضل من الرجال، فإذا وقع ذلك فلا شك أنه يأتي في التحريم ما سبق في المرأة.
قوله: فرع: يجوز الهجوم على خطبة التي لم يدر أنها خطبت أم لا، ولو خطبت ولم يدر أن الخاطب أجيب أم لا، وكذلك الجواب واحتج له بخبر فاطمة بنت قيس، وذلك أن زوجها طلقها فبَتَّ طلاقها فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم وقال لها: إذا أنت حللت فآذنينى، فلما حلت أخبرته أن معاوية وأبا جهم قد خطباها فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه انكحى أسامة"(1).
والاستدلال أنه خطبها لأسامة بعد خطبة غيره لما لم يعلم أنها أجابت أو ردت. انتهى.
(1) أخرجه مالك (1210) ومسلم (1480) وأبو داود (2284) والترمذي (1134) والنسائي (3245) وأحمد (27368) وابن حبان (4049) والحاكم (6882).
وهذا الذي قاله لا دلالة له فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نصحها، ونهاية الحال أن يعلم عليه الصلاة والسلام أنها أجابت، ومع العلم بذلك لا يترك النصح الواجب وإرشادها إلى ما هو خير لها.
قوله: ولا فرق في تحريم الخطبة على الخطبة بين أن يكون الخاطب الأول مسلمًا أو ذميًا، ثم قال: وعن أبي عبيد بن حربويه: أنه يختص بالمسلم وطرده في السوم. انتهى كلامه.
وما ذكره الرافعي من طرد هذا الوجه في السوم على السوم لم يذكره في "الروضة" لا هنا ولا في بابه فاعلمه.
قوله: الثانية: يجوز الصدق في ذكر مساوئ الخاطب لتحذر، لخبر فاطمة بنت قيس السابق، وكذا إذا أراد نصيحة غيره ليحترز عن مشاركة ونحوها. انتهى ملخصًا.
تابعه عليه في "الروضة" وفيه أمور:
أحدها: أن جواز ذكر المساوئ ر محله إذا لم يحصل الغرض بدون التفصيل كقوله لا يصلح لك معاملته أو مصاهرته أو لا يفعل هذا أو نحو ذلك.
فإن حصل وجب الاقتصار عليه، ولا يجوز ذكر ما فيه من العيوب، صرح به النووي في "كتاب الأذكار".
الثاني: أن التعبير بالجواز مشعر بعدم وجوب الذكر، وسيأتي من كلام النووي ما يقوي ذلك أيضًا، وليس كذلك فقد جزم في "الأذكار" بأنه يجب على المستشار ذكر المساوئ ر، وصرح به أيضًا في "رياض الصالحين"، وفي "شرح مسلم" في باب المطلقة البائن لا نفقة لها فقال ما نصه: ولا يكون هذا من الغيبة المحرمة، بل من النصيحة الواجبة، وذكر في "الروضة" في كتاب البيع من "زياداته" مثله، وكذلك الشيخ
عز الدين بن عبد السلام.
ولو استشير في أمر نفسه فهل يجب عليه الإخبار بعيوبها أم يستحب أم لا يجب ولا يستحب؟ فيه نظر، وعموم كلام الرافعي والنووي يقتضي الذكر.
واعلم أن مقتضى جواز تعاطي ما تقدم لأجل النصيحة جواز إصلاح الخطأ من الكتب المستعارة، لكن رأيت في "الزيادات" للعبادي أنه لا يصلحه، قال: إلا أن يكون قرآنًا فإنه يجب عليه ذلك.
الثالث: أن ما قاله الرافعي من جواز ذكر الشخص بما يسوءه عند الحاجة، وذكر مثله أيضًا في أول النفقات فقال: ويجوز لمن منع حقه أن يشكو ويتظلم، وذكر الغائب بما يسوءه عند الحاجة، هذا كلامه.
وذكر في "الروضة" وفي غيرها تفصيل ما دخل بطريق الإجمال في تعبير الرافعي فقال: الغيبة تباح بستة أسباب:
أحدها: التظلم فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه فيقول: ظلمني فلان وفعل بي كذا.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل معي كذا فازجره عنه ونحو ذلك.
الثالث: الاستفتاء بأن يقول للمفتي: ظلمني فلان أو أبي أو أخي بكذا، فهل له ذلك أم لا؟ وما طريقي في الخلاص منه؟ .
الرابع: تحذير المسلمين من الشر، وذلك من وجوه منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين، وذلك واجب.
ومنها: الإخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته.
ومنها: إذا رأيت من يشتري شيئًا معيبًا فتذكره له لا تقصد الإيذاء.
ومنها: إذا رأيت متفقهًا يتردد إلى فاسق أو مبتدع يأخذ عنه علمًا وخفت عليه ضرره.
ومنها: أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته أو فسقه فتذكره لمن له عليه ولاية ليستدل به أو يعرف حاله.
الخامس: أن يكون مجاهرًا بفسقه أو بدعته فيجوز ذكره بما يجاهر به ولا يجوز بغيره إلا لسبب آخر.
السادس: التعريف كالمعروف بالأعمش والأعرج، ويحرم ذكره به تنقيصًا ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى. انتهى ملخصًا.