الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الوليمة والنثر
قوله: فالوليمة على ما ذكره الشافعي رضي الله عنه والأصحاب تقع على كل دعوة تتخذ لسرور حادث من إملاك وختان وغيرهما لكن استعمالها على الإطلاق في الإملاك أشهر. انتهى.
والمراد بالإملاك: هو النكاح، وقد عدل في "الروضة" إلى التعبير به.
قوله: ويقال في دعوة الختان: إعذار من إعذار الغلام إذا اختتن، وفي الولادة عقيقة، وسلامة المرأة من الطلق خرس، وقيل: الخرس طعام الولادة، ولقدوم المسافر نقيعة، ولإحداث البناء وكيرة، ولما يتخذ للمصيبة وضيمة، وبلا سبب مأدبة. انتهى.
الإعذار بالعين المهملة، والذال المعجمة، والخرس بخاء معجمة مضمومة وراء ساكنة وسين مهملتين، ويقال: بالصاد، والمأدبة بضم الدال المهملة وفتحها وبالباء الموحدة.
والوضيمة بكسر الضاد المعجمة.
والنقيعة بالنون من النقع وهو الغبار قال تعالى: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} (1).
والوكيرة من الوكر وهو المأوى والمستقر.
قوله من "زوائده": وقول الأصحاب: النقيعة لقدوم المسافر، ليس فيه بيان من يتخذها أهو القادم أو المقدوم عليهم؟ وفيه خلاف لأهل اللغة، فنقل الأزهري عن الفراء أنه القادم، وقال صاحب "المحكم": هو طعام يصنع للقادم، وهو الأظهر. انتهى كلامه.
(1) سورة العاديات: 4.
وهو يقتضي أنه لم يقف فيه على نقل لأصحابنا، وقد رأيت ذلك مصرحًا به في "المنهاج" للحليمي في آخر كتاب الحج، وجزم بالأول فقال: ويستحب للمسافر إذا رجع واستقر في منزله أن يطعم الناس. هذه عبارته، ثم نقل فيه آثار عن الصحابة وغيرهم.
قوله: وفي وليمة النكاح قولان أو وجهان: أصحهما: أنها مستحبة، والثاني: واجبة. انتهى.
تردد أيضًا في "الشرح الصغير" و"الروضة" و"المنهاج" بين القولين والوجهين، والصحيح أن الخلاف قولان، كذا صححه الجرجاني في "الشافي".
قوله: أشهر القولين وجوب الإجابة إلى وليمة العرس، ثم قال: وإلى ترجيحه ذهب أصحابنا العراقيون، وتابعهم القاضي الروياني وغيره. انتهى.
واعلم أن هذا الذي نقله عن الروياني قد تابعه عليه في "الروضة" ولا شك أن الروياني في "الحلية" قد اقتصر على وجوبه، وذكر في "البحر" نحوه فقال: فرع إذا دعاه مسلم فالإجابة واجبة قال -أعني: في " البحر"- أيضًا بعد هذا بقليل: فرع: إذا قلنا: لا يلزم الإجابة -وهو الصحيح عندي- وهو ظاهر نص "المختصر" لأنه قال: واجب أن يجيب أخاه فلا شك أنه يستحب الإجابة هذا لفظه فعلمنا أن الصحيح عند الروياني عدم الوجوب فإن الذي ذكره أولًا وهو الذي ظفر به الرافعي إنما هو النقل المعروف في المذهب لا اختياره فتفطن لهذه الدقيقة، فإن كلام الرافعي والنووي يقتضي خلافه.
قوله: وفي إجابة سائر الولائم طريقان:
أحدهما: طرد القولين وبه قال الشيخ أبو حامد.
والثاني: القطع بعدم الوجوب، والأظهر فيها عدم الوجوب وإن ثبت الخلاف. انتهى.
لم يصحح في "الشرح الصغير" أيضًا شيئًا من الطريقين، والأصح طريقة القطع، كذا صححه النووي في "الروضة"، ولم ينبه على أنه من "زياداته"، بل أدخله في كلام الرافعي فتفطن له فإنه غريب.
قوله: وإذا قلنا بوجوب الإجابة، فهي فرض عين أو فرض كفاية؟ فيه وجهان:
أحدهما: فرض عين لما سبق من الخبر، قال في "الشامل": وهذا ظاهر في المذهب.
والثاني: فرض كفاية، ومال الحناطي إلى ترجيحه. انتهى.
لم يصحح شيئًا في "الشرح الصغير" أيضًا والذي صححه صاحب "الشامل" هو الصحيح كذا صححه النووي في أصل "الروضة" وهو مقتضى كلام "المحرر" فإنه قال فيه وجهان رجح منهما أنه على الأعيان، وما ذكره الرافعي عن الحناطي لم يذكره هنا، بل ذكره بعد هذا في أواخر شروط الإجابة.
قوله: فإن دعاه ذمي فوجهان:
أحدهما: أنه كما لو دعاه مسلم لإطلاق الأخبار.
وأصحهما -على ما ذكره المحاملي-: أنه لا يجب. انتهى.
لم يصحح شيئًا في "الشرح الصغير" أيضًا والأصح ما صححه المحاملى كذا جزم به الماوردي بعد الكلام على المسألة بقليل وصححه أيضًا الروياني في "البحر" والنووي في أصل "الروضة".
قوله: وتكره مخالطة الذمي وموادته. انتهى.
وما ذكره هنا من كراهة الموادة قد ذكر ما يخالفه في أواخر كتاب الحرية، فجزم بالتحريم، وسوف أذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى فراجعه.
قوله: أما إذا أو لم ثلاثة أيام فالإجابة في اليوم الثاني لا تجب بلا خلاف، ولا يكون استحبابها كاستحبابها في الأول وإن دعى في الثالث كرهت الإجابة. انتهى.
وما إدعاه من عدم الخلاف في الثاني ليس كذلك، فقد حكى صاحب "التعجيز" وجهين في الوجوب وظاهر عبارة "التنبيه" أن الكراهة في اليوم الثاني لا فرق فيها بين أن يكون هو المدعى في اليوم الأول أو غيره وظاهر عبارة "البيان" اختصاصها بالمدعو في الأول ذكره أيضًا في "المحرر" وتابعه عليه في "الروضة"، وليس كذلك بل فيه وجهان حكاهما ابن يونس في "التعجيز".
قوله في أصل "الروضة": ومنها -أي: من شروط الإجابة- أن لا يكون هناك منكر كشرب الخمر والملاهي فإن كان نظر إن كان الشخص ممن إذا حضر رفع المنكر فليحضر إجابة للدعوة وإزالة للمنكر وإلا فوجهان:
أحدهما: الأولى أن لا يحضر بل يجوز أن يحضر ولا يستمع وينكر بقلبه وعلى هذا جرى العراقيون.
والصحيح: أنه يحرم.
ثم قال: فإذا قلنا بالثاني فلم يعلم حتى حضر نهاهم فإن لم ينتهوا فليخرج، وفي جواز القعود وجهان ثم قال من "زياداته": أصحهما التحريم. انتهى كلامه.
وما ذكره من أن الوجهين في تحريم القعود مفرعان على قولنا لا يجوز الحضور مخالف لما في "الرافعي"، فإن المذكور فيه حكاية وجهين من غير
تفريع على شيء، وحينئذ فيكون الخلاف المذكور محله في ابتداء الحضور، فإن جوزناه جوزنا القعود وإلا فلا وهذا هو المتجه في المعنى.
قوله: ومن المنكرات فرش الحرير وصور الحيوانات في السقوف والجدران والثياب الملبوسة والستور المعلقة والوسائد الكبيرة المنصوبة، ولا بأس بما على الأرض والبساط الذي يداس والمخاد التي يتكأ عليها، وليكن في معناها الطبق والخوان والقصعة. انتهى كلامه.
ذكر مثله في "الروضة" وفيه أمور:
أحدها: أن عده هذه الأشياء في المنكرات مع ما سبق من كلامه أن الحضور في موضع المنكر حرام يقتضي تحريم دخول البيت المشتمل على شيء من هذه الأمور فتأمله، ولكنه ذكر بعد هذا بقليل ما يقتضي أن الأكثرين على جواز دخوله فتفطن له فإنه مخالف، والصواب الجواز.
الأمر الثاني: أن تعبيره في الطبق والخوان والقصعة بما ذكر قد تابعه عليه النووي وابن الرفعة، وهو تعبير يقتضي القول بذلك تفقهًا لا نقلًا، وقد صرح بالمسألة الغزالي في "الإحياء" في الكلام على منكرات الضيافة، وقال: إنه لا بأس بالطبق والخوان، وهذا التعبير يشعر بعدم الكراهة أيضًا.
نعم لو كانت الصورة على إبريق ونحوه فهل يجوز لكونه يستعمل ويمتهن أو لا لكونه لا يجعل عليه شيء؟ فيه نظر، والمتجه الثاني.
واعلم أن الخوان -بكسر الخاء المعجمة- هو الذي يؤكل عليه والقصعة بفتح القاف.
قوله: ولا بأس بصور الأشجار والشمس والقمر، وفي "شرح الجويني" وجه أن صورة الأشجار مكروهة لأن منهم من كان يعبدها. انتهى.
وهذا التعليل المذكور في حكاية هذا الوجه يؤخذ منه طرده في الشمس والقمر بطريق الأولى، وأسقط في "الروضة" هذا التعليل الذي يستفاد منه طرد الوجه في الجميع.
قوله: وفي نسج الثياب المصورة وجهان، جوزه أبو محمد، لأنها قد لا تلبس، ورجح الإمام والغزالي المنع تمسكًا بالحديث إلى آخر ما ذكر.
لم يصرح رحمه الله في "الشرح الصغير" أيضًا بتصحيح، والصحيح: تحريم التصوير مطلقًا على أي شيء كان سواء كان أرضًا أو غيره، كذا صححه في "الروضة" من "زوائده".
قوله: وأما الفطر فينبغي إذا حضر أن يأكل وفيه وجهان:
أحدهما: أنه واجب وأقله لقمة.
وأصحهما: أنه مستحب، انتهى.
تابعه في "الروضة" على عدم الوجوب وصرح به أيضًا في "شرح مسلم" في باب الوليمة، ثم عكس ذلك في الشرح المذكور أيضًا في كتاب الصيام في باب ندب الصائم إذا دعى إلى طعام، فقال ما نصه: وليس الصوم عذرًا في إجابة الدعوة، لكن إذا حضر لا يلزمه الأكل ويكون الصوم عذرًا في ترك الأكل بخلاف المفطر فإنه يلزمه الأكل على أصح الوجهين عندنا كما سيأتي واضحًا إن شاء الله تعالى في بابه. هذا لفظه بحروفه، وذكر في "تصحيح التنبيه" أنه المختار، ولا ذكر للمسألة في "المحرر" ولا في "مختصره".
قوله في أصل "الروضة": والمرأة إذا دعت النساء كما ذكرناه في الرجال، فإن دعت رجلًا أو رجالًا وجبت الإجابة إذا لم تكن خلوة محرمة. انتهى كلامه.
وما ذكره من وجوبها عند دعاء الرجل الواحد كيف يستقيم مع أن شرط وجوب الإجابة مطلقًا أن تكون الدعوة عامة كالعشيرة والإخوان وأهل الصناعة؟ والرافعي عبر بقوله: "فيجاب" وهو تعبير صحيح، وصرح في "الروضة" بالوجوب فحصل الخلل.
قوله من "زوائده": قال إبراهيم المروذى: لو دعته امرأة أجنبية [وليس هناك محرم لها ولم تحصل خلوة بل جلست في](1) بيت وبعثت الطعام مع خادم إليه إلى بيت آخر من دارها، لم يجبها مخافة الفتنة. انتهى كلامه.
وتعبيره بقوله: "لم يجبها" إن كان المراد به عدم الوجوب فلا يصح التقييد بعدم وجود المحرم لما سبق قريبًا من عدم العموم، وإن كان مراده عدم الجواز فهو ممنوع.
قوله: وللضيف أن يأكل إذا قُدِّم إليه الطعام، وفي "الوسيط" وجه أنه لابد من لفظ. انتهى.
تابعه في "الروضة" على نسبته إلى "الوسيط" فقط وهو مؤذن باستغرابه، وقد تقدم بنقله جماعة غير الغزالي منهم إمام الحرمين في "النهاية" وقد نقله عنه الرافعي أيضًا في كتاب الجنايات في الكلام على استيفاء القصاص في مسألة ما إذا استحق القصاص في اليمين فقطع اليسار فقال: قال الإمام وقد ذكر وجه ضعيف أن الضيفان لا يستحقون الطعام ما لم يتلفظ المقدم بالإباحة.
قوله: الثانية هل يملك الضيف ما يأكله؟ قال القفال: لا بل هو إتلاف بإباحة المالك وللمالك أن يرجع ما لم يأكل.
(1) سقط من أ.
وقال أكثرهم. نعم.
وبم يملك؟ فيه وجوه: قيل: بالوضع بين يديه، وقيل: بوضعه في الفم، وقيل: بالازدراد إذا تبين حصول الملك قُبَيْلَه، وزيف المتولي ما سوى الوجه الأخير، وذلك يقتضي ترجيحه وعلى الوجوه ينبني التمكن من الرجوع. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أن ما صححه هنا من كون الضيف يملك قد خالفه في كتاب الأيمان في أثناء الباب الثالث في ما يقع به الحنث مخالفة عجيبة، فإنه نقله هنا عن الجمهور وجعله هناك وجهًا بعيدًا، وسوف أذكر لفظه هناك -إن شاء الله تعالى- فراجعه، ولم يذكر الرافعي هذه المسألة في "المحرر"، وذكرها في "الشرح الصغير" في هذا الباب فقط، وأجاب بما أجاب به هاهنا.
الأمر الثاني: أن الراجح من الوجوه المفرعة على الملك أنه يحصل بالوضع في الفم، قد رجحه الرافعي في "الشرح الصغير" فقال ما نصه: قيل: يملكه بالوضع في الفم، وقيل: بالازدراد يثبت حصول الملك قبله ورجح منهما الأول. هذا لفظه.
الثالث: أن العبد لابد من استثنائه هنا على المعروف، بل في جواز قبوله مثل هذه الإباحة بغير إذن السيد نظر.
قوله: ولا يجوز التطفل إلا إذا كان بينه وبين صاحب الدار انبساط، وهذا قريب مما سبق في الزلة. انتهى.
التطفل هو حضور الوليمة من غير دعوى إليها، ومنه الطفيلي منسوب إلى طفيل رجل من أهل الكوفة من بني عبد الله بن غطفان، كان يأتي الولائم من غير أن يدعى إليها فكان يقال له: طفيل الأعراس، والعرب
تسمى الطفيلي الوارش بالشين المعجمة إن دخل إلى طعام، فإن دخل إلى شراب فهو الواغل بالغين المعجمة أيضًا، قاله الجوهري.
وأما الزلة فهو ما يأخذه حاضر الوليمة من طعامها، ولعله مأخوذ من ما حكاه الجوهري: أزللت إليه نعمة، إذا أسديتها له، واعلم أن لفظ "الزلة" لم يتقدم له ذكر، وإنما تقدم معناها.
نعم ذكرها الغزالي في "الوسيط" فقال وزلة الصوفي حرام.
قوله: وقد عرفت بهذه المسائل أن الخلاف في أنه بم يملك مخصوص بما يأكله ولا يقول بأنه يملك ما يوضع بين يديه أو ما يأخذه بحال، ولو قيل به لما منع من النقل ومن إطعام السائل وسائر التصرفات وهي ممتنعة بالاتفاق. انتهى كلامه.
وما ذكره من الاتفاق على تحريم النقل وإطعام السائل والهرة وعدم الملك في ما لم يأكله ليس كذلك، بل في الأشياء كلها خلاف مشهور مذكور في "الحاوي" و"الشامل" و"البحر" و"البيان" و"الذخائر" وغيرها، ونقلوا القول بالملك وجواز هذه الأشياء عن الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب، بل كلام الرافعي هنا لا يستقيم مع ما قاله قبل ذلك أن الخلاف في وقت الملك فائدته في جواز الرجوع، فإنه إذا خص الخلاف بما أكله كيف يمكن معه امتناع الرجوع على مالك الطعام؟ ، ولم يتعرض في "الروضة" لنفي الخلاف بل حكى من "زوائده" عن "البيان" عن الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب ما حكيناه عنهما.
قوله: ومن آداب الأكل: أن يقول في الابتداء: بسم الله، فإن نسي فإذا تذكره قال: بسم الله أوله وآخره. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أنه سكت هنا عما يقوله بعد الفراغ، وقد ذكره في آخر
باب الأطعمة فقال: يستحب أن يقول: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ووافقه النووى هناك على الاقتصار على هذا اللفظ وزاد فيه هنا بعد قوله "فيه":"غير مكفي ولا مكفور ولا مودع ولا مستغني عنه ربنا". رواه البخاري في "صحيحه"(1)، وقد شرح في "الأذكار" هذه الألفاظ فقال: مكفي بفتح الميم وتشديد الياء هذه الرواية الصحيحة الفصيحة، ورواه أكثرهم بالهمز وهو فاسد من جهة العربية سواء كان من الكفاءة أو من كفأت الإناء كما لا يقال في مقري من القراة مقري ولا في مرمي بالهمز فالمراد بذلك كله هو الطعام وإليه يعود الضمير بالمكفى لا بالمقلوب للاستغناء عنه، وقوله:"غير مكفور" أي: غيو مجحود من قولهم كفر النعم إذا جحدها وسترها، وقال الخطابي وغيره: إن ذلك يعود إلى الله سبحانه وتعالى وأن معنى قوله: "غير مكفي" أنه يطعم ولا يطعم، قال: وقوله: "غير مودع" أي: غير متروك من الطلب منه وينتصب ربنا على هذا بالاختصاص والمدح أو بالنداء، ومن رفعه جعله خبرًا كأنه قال ذلك ربنا أو أنت ربنا ويصح فيه الكسر على البدلية من الاسم في قوله:"الحمد لله".
وقال ابن الأثير: من رفع ربنا فعلى الابتداء المؤخر، أي: ربنا غير مكفي ولا مودع، وعلى هذا فيرفع غير ذلك قال: ويجوز أن يكون ذلك كله راجعًا إلى الحمد. انتهى كلام "الأذكار" ملخصًا.
الأمر الثاني: أن تقييد الرافعي بالنسيان يشعر بأنه لا يستحب التدارك عند التعمد، وليس كذلك، بل يستحب أيضًا وقد نَبَّه عليه النووي من "زوائده".
قوله: ويكره أن يأكل مما يلي أكِيله وأن يأكل من وسط القصعة وأعلى
(1) حديث (43/ 5) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.
الثريد ونحوه، ولا بأس بذلك في الفواكه وأن يقرن بين التمرتين. . . . إلى أخره.
وما ذكره من كراهة هذه الأمور تابعه عليه في "الروضة" وقد نص الشافعي رحمه الله على التحريم، فقال في "الأم": فإن أكل مما لا يليه أو من رأس الطعام أو عرس على قارعة الطريق أثم بالفعل الذي فعله إذا كان عالمًا بنهى النبي صلى الله عليه وسلم. هذا لفظه بحروفه، ذكر ذلك في الربع الأخير في باب صفة نهي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بعد باب من أبواب الصوم وقبل باب من أبواب إبطال الاستحسان، وذكر في "البويطي" نحوه أيضًا وكذلك في "الرسالة" قبل باب أصل العلم.
واعلم أن الأكيل الواقع في لفظ الرافعي وهو بالهمزة المفتوحة وبالياء قبل اللام هو الجالس مع الشخص ليأكل.
قوله: ولا يكره الشرب قائمًا وحملوا النهي الوارد على حالة السير، زاد في "الروضة" على هذا فقال: قلت: هذا التأويل قد قاله ابن قتيبة والمتولي، والمختار أن الشرب قائمًا بلا عذر خلاف الأولى للأحاديث الصحيحة في "مسلم"(1) بالنهي عنه، وأما الحديثان الصحيحان في النهي عنه (2) فمحمولان على الجواز جمعًا بين الأحاديث. انتهى كلامه.
وذكر في "الفتاوى" أنه لا يكره أيضًا فقال في باب الأطعمة: ولا يكره الشرب قائمًا فإن كان لحاجة فجائز، وإن كان لغير حاجة فهو خلاف الأفضل ولا يقال: إنه مكروه. انتهى لفظه.
إذا علمت ذلك فقد خالف في "شرح مسلم" فقال في أول باب الشرب قائمًا وهو في أوائل الربع الأخير من الكتاب ما نصه: والصواب
(1) أخرجه مسلم (2024) من حديث أنس، و (2025) من حديث أبي سعيد.
(2)
انظر السابق.
في الأحاديث أن النهي محمول على كراهة التنزيه، وأما شربه قائمًا فلبيان الجواز، فإن قيل: كيف يكون الشرب قائمًا مكروهًا، وقد فعله عليه الصلاة والسلام؟
فالجواب: أن فعله إذا كان بيانًا للجواز لا يكون مكروهًا، بل البيان واجب. انتهى كلامه.
وذكر في الشرح المذكور أنه يستحب لمن شرب قائمًا عالمًا أو ناسيًا أن يتقيأ لما رواه "مسلم"(1): "لا يشربن أحدكم قائمًا فمن نسي فليستقئ".
قوله من "زياداته": ويستحب لكل واحد من الجماعة أن يسمي فإن سمى واحدًا أجزأ عن الباقين، نص عليه الشافعي وقد ذكرته في كتاب "الأذكار" وفي "طبقات الفقهاء" في ترجمة الشافعي. انتهى كلامه.
وما نقله رحمه الله في آخر كلامه عن "الطبقات" سهو فإن "الطبقات" المذكورة لم يترجم فيها للشافعي فضلًا عن كونه ذكر هذا النص فيها، ووقع له أيضًا نظير هذا الموضع في آخر تعليق الطلاق وسوف أنبه عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.
قوله: والتقاط النثار جائز لكن تركه أولى إلا إذا عرف أن الناثر لا يؤثر بعضهم على بعض، ولم يقدح الالتقاط في مروءته. انتهى كلامه.
وما ذكره من كون التقاطه خلاف الأولى تابعه في "الروضة" هنا عليه وليس كذلك، بل نص الشافعي رحمه الله على أنه يكره، كذا نقله في "الروضة" من "زوائده" في كتاب الشهادات عن "الشامل" عن الشافعي رحمه الله ولم يحك فيه خلافًا، ثم رأيت النص المذكور في
(1) حديث (2026) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
"الأم" فقال في آخر شهادة القاذف ما نصه: وأما أنا فأكرهه لمن أخذه من قبل أن يأخذه من أخذه ولا يأخذه إلا بغلبة لمن حضره، إما بفضل قوة، وإما بفضل قلة حياء. هذا لفظه بحروفه ومن "الأم" نقلت.
قوله: ومن التقط شيئًا من النثار ملكه، وقيل: لا، فعلى الأول هل يخرج عن ملك الناثر بالنثر أو بأخذ الملتقط شيئًا له أو إتلافه؟ فيه أوجه. انتهى.
لم يرجح شيئًا في "الشرح الصغير" أيضًا وقال في "الروضة" من "زياداته": الأصح الثاني كسائر المباحات.
قوله: ومن وقع في حِجْرِه شيء من النثار فإن بسطه لذلك لم يؤخذ منه، فإن سقط كما وقع فهل يبطل حقه لأنه لم يستقر أو لا يبطل ويمنع الغير من أخذه؟ حكى في "الكتاب" فيه وجهين أجراهما الإمام في ما إذا وقع الصيد في الشبكة وأفلت في الحال، وقال: إن الظاهر أن حقه يبقى بحاله. انتهى.
وما رجحه الإمام قد رجحه الرافعي في "الشرح الصغير" وعبر بالظاهر أيضًا، والنووي في أصل "الروضة" وعبر بالأصح.
قوله: وإن لم يبسط حجره لذلك فلا يملكه لكنه أولى من غيره ولا ينبغي لغيره أن يأخذه، ثم قال ما نصه: فإن أخذه فهل يملكه؟ فيه وجهان جاريان في ما لو عشش الطائر في ملكه فأخذ الفرخ غيره، وفيما إذا دخل السمك مع الماء حوضه، وفي ما إذا وقع الثلج في ملكه فأخذه غيره، لكن الأصح أن المحيي يملك، وفي هذه الصورة ميلهم إلى المنع أكثر. انتهى كلامه.
واعلم أن هذه المسألة وهي الكلام على الملك في التعشيش ونظائره مذكورة في الرافعي و"الروضة" في أربعة مواضع:
أحدها: في أوائل إحياء الموات.
والثاني: في أواخره.
والثالث: ما ذكرناه في هذا الباب.
والرابع: في باب الصيد.
واختلف فيها كلام الرافعي والنووي معًا، وسوف أذكره إن شاء الله تعالى مبسوطًا في باب الصيد فراجعه.