الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع في الاستثناء
قوله: وسكتة التنفس والعى لا تمنع الاتصال، ثم قال: ولذلك لا ينقطع الاتصال بين الإيجاب والقبول بالكلام اليسير على الأصح. انتهى.
وهذه المسألة -أعني الفصل بين الإيجاب والقبول بالكلام اليسير- ذكرها الرافعي في مواضع واختلف كلامه فيها وقد أوضحت ذلك كله في أوائل النكاح فراجعه.
قوله في "الروضة": وهل يشترط قرن نية الاستثناء بأول اللفظ؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا بل لو بدا له الاستثناء بعد تمام المستثنى منه فاستثنى حكم بصحة الاستثناء.
وأصحهما وادعى أبو بكر الفارسي الإجماع عليه: أنه لا يعمل بالاستثناء حتى يتصل بأول الكلام.
قلت: الأصح وجه ثالث وهو صحة الاستثناء بشرط وجود النية قبل فراغ اليمين، وإن لم يقارن أولها، والله أعلم.
وهذا الذي ذكره رحمه الله أصلًا وزيادة صريح في أن الرافعي نقل عن الفارسي أنه يذهب إلى وجوب اقتران النية بأول اليمين حتى لا يكفي اقترانها في أثنائه وأنه حكى الإجماع على ذلك وليس الأمر فيه كما فهمه النووي، بل الذي نقل عنه الرافعي وأنه نقل فيه الإجماع إنما هو عدم الاكتفاء بوجودها بعد فراغ اليمين متصلة بأول الاستثناء، وعلله بقوله؛ لأن الاستثناء بعد الفصل ينشأ بعد لحوق الطلاق فيلغوا، بل المفهوم من كلام
الرافعي إنما هو حكاية الوجهين في ما بعد الفراغ من اليمين خاصة كما يدل عليه تعليله إلا أن في ابتداء تعبيره إيهامًا يندفع بالتأمل فإنه قال: وهل يشترط أن يكون قصد الاستثناء مقرونًا بأول الكلام؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا ولو بدا له الإستثناء بعد تمام المستثنى منه فاستثنى حكم بموجبه.
وأصحهما وادعى أبو بكر الفارسي الإجماع عليه: أنه لا يعمل بالاستثناء ويقع الطلاق؛ لأن الاستثناء بعد الفصل ينشأ بعد لحوق الطلاق فيلغوا، هذه عبارته، وهي كما قلناه إلا أنه عبر بأول الكلام عن المستثنى منه ويكون المستثنى هو الأخير، وهو تعبير صحيح يدل عليه التعليل إلا أنه موهم ووقع التعبير به أيضًا في كتب جماعة من أصحابنا، ثم إن النووي أبدل ألفاظًا من ألفاظ الرافعي بألفاظ مطابقة لما فهمه هو فوقع في صريح الغلط، وكلام الغزالي يبين المراد ويعين غلط النووي في فهمه هنا وكذلك إمام الحرمين فإنه قال: فإذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق ولم يخطر له الاستثناء إلى استتمام لفظ الطلاق ثم لما تم اللفظ خطر له أن يقول على الإتصال إن شاء الله تعالى، فقال ذلك بعد، قال أبو بكر الفارسي في كتابه المترجم "بمسائل الإجماع": يقع الطلاق في هذه المسألة إجماعًا، ووافقه معظم الأصحاب في دعوى الإجماع، ومن أصحابنا من قال: لا يقدح. هذا لفظه، ذكر ذلك في باب ما يقع به الطلاق من الكلام.
في فصل أوله، قال: ولو جعل لها أن تطلق نفسها، وذكر الرافعي في أوائل الباب الثالث نحوه أيضًا.
نعم لو نوى في أثناء اليمين ففيه وجهان مشهوران في "التنبيه" و"المهذب" وغيرهما، أصحهما: أنه يكفي كما أشعر به كلام الرافعي وصححه النووي من زوائده، وقد حكى الرافعي هذين الوجهين في أول كتاب الأيمان فقال: لو حلف ثم بدا له أن يستثني فأتى بلفظ الاستثناء لم يعتد به وإن كان موصولًا باليمين، وإن قصد الاستثناء في خلال اليمين
واستثني على الاتصال ففيه وجهان ذكرناهما في كتاب الطلاق، وممن صحح هذا الاستثناء الداركي والقاضيان أبو الطيب والروياني، وممن لم يصححه أبو الحسن ابن المرزبان والقاضي ابن كج هذه عبارته وهو يشعر بأن المصححين أكثر وذلك ينفي إرادة الوجهين المذكورين في الحضور بعد تمام اليمين لأن الخلاف هناك ضعيف حتى ادعى أكثر الأصحاب الإجماع فيها على البطلان كما تقدم، نقله عن الإمام، وحينئذ فيتحصل من الموضعين ثلاثة أوجه، وإذا علمت ذلك كله علمت أن ما قاله الرافعي في الأيمان أن الوجهين سبقا في الطلاق غلط، فإن الوجهين غير الوجهين فسبحان من لا يتطرق إليه سهو ولا خلل.
قوله: ولو قال: أنت طالق طلقتين وواحدة إلا واحدة، فعلى الأول -أي الوجه الذاهب إلى جمع المفرق- يجمع بينهما فتكون الواحدة مستثناة من الثلاث فتقع طلقتان، وعلى الثاني -أى الذي لا يجمع وهو الأصح- تكون الواحدة مستثناة من الواحدة فتقع الثلاث. انتهى.
وما ذكره تفريعًا على الوجه الأول واضح، وأما الثاني فينبغي بناؤه على أن الاستثناء عقب الجمل هل يعود إليها أم إلى الأخيرة؟ فإن أعدناه إليها وقعت طلقتان وإلا ثلاثًا، ويؤيد ما قلناه أنه لو قال ثلاثًا وثلاثًا إن شاء الله كان مخرجًا عليه عند الرافعي كما سيأتي بعد هذه المسألة.
قوله قال: أنت بائن إلا بائنًا ونوى بقوله أنت بائن الثلاث، قال إسماعيل البوشنجي يبني على أنه لو قال: أنت واحدة ونوى الثلاث هل تقع الثلاث اعتبارًا بالنية أم واحدة اعتبارًا باللفظ؟ فإن غلبنا اللفظ بطل الاستثناء كما لو قال: أنت طالق واحدة إلا واحدة، وإن غلبنا النية صح الاستثناء ووقع طلقتان وهذا هو الذي رجحه ونصره. انتهى كلامه.
وهذا البناء الذي قاله البوشنجي ظاهر، فأما إذا غلبنا اللفظ في ما إذا
تلفظ بالواحدة ونوى الثلاث فلا تصح في مسألتنا؛ لأنه تلفظ ببائن واستثني منها بائنًا فلا يصح كاستثناء الواحدة من الواحدة، وإن غلبنا النية صح هاهنا، وقد اعترض في "الروضة" على البوشنجي اعتراضًا فاسدًا سببه أنه فهم كلامه على غير وجهه فقال: قلت: الأول غلط ظاهر فإنه لا خلاف أنه إذا قال: أنت بائن ونوى الثلاث وقع الثلاث فكيف يبنى على الخلاف في قوله: أنت واحدة هذا كلامه، وقد ظهر لك بطلانه.
قوله: ولو قال: أنت طالق ثلاثًا إلا طلاقًا صح الاستثناء كقوله ثلاثًا إلا طلقة، وكذا لو قال: طالق وطالق وطالق إلا طالقًا ونوى التكرار وفيه إحتمال. انتهى كلامه.
والقياس في هذه المسألة وقوع ثلاث: لأن القاعدة أنه لا يجمع المفرق على الصحيح فيكون استثناء مستغرقًا كما لو قال: أنت طالق إلا طالقًا من غير تكرار، فإن قلنا أنا لا نجمع المفرق فيأتي الذي قاله الرافعي.
قوله: فرع: لو قدم المستثني على المستثنى منه فقال: أنت إلا واحدة طالق ثلاثًا، حكى صاحب "المهذب" عن بعض الأصحاب أنه لا يصح الاستثناء وتقع الثلاث، لأن الاستثناء لاستدراك ما تقدم من الكلام، قال: ويحتمل عندى أنه يصح ولا تقع إلا طلقتان، واستشهد بقول الفرزدق.
وما مثله في الناس إلا ملكًا
…
أبو أمه حي أبوه يقاربه
الملك الذي ملك الشيء يقال ملكته المال والملك وتقدير البيت وما مثله في الناس حي يقاربه إلا ملك أبو أم ذلك الملك أبو الممدوح. انتهى كلامه.
تابعه في "الروضة" على حكاية ذلك من غير ترجيح وزاد فعبر بقوله قال: وعندي ولم يذكره احتمالًا فأوهم أن الشيخ جازم به على خلاف ما في الرافعي وما في "المهذب" أيضًا، وقد ظهر لك من الاستدلال ومن المعني أنه لا فرق في تقديمه بين أن يكون في طلاق أو إقرار أو غيرهما،
وهو الأصح.
إذا علمت ذلك فقد صحح الرافعي في أوائل الباب الأول من أبواب الأيمان أنه يصح التقديم فقال: ولا فرق بين التقديم والتأخير، وكذا لو قال لفلان على إلا عشرة دراهم مائة درهم، وفي هذه الصورة وجه آخر في كتاب القاضي ابن كج. هذا لفظه، وبالغ في "الروضة" فعبر بقوله وجه ضعيف، والوجهان قد رأيتهما في كتاب ابن كج في أول كتاب الأيمان ولم يرجح منهما شيئًا، وجزم الدارمي في كتاب الأيمان من "الاستذكار" بالصحة ولم يتعرض الرافعي للمسألة في كتاب الإقرار أيضًا والبعض الذي أشار إليه في "المهذب" هو الماوردي.
واعلم أن الرافعي إذ تكلم على البيت لم يوضح حاله وقد أوضحه الجوهري فقال: إن الفرزدق مدح بذلك حال هشام بن عبد الملك، قال: والمعنى وما مثله في الناس حي يقارنه إلا ملك أي شخص قد ملكه الناس عليهم أبو أم ذلك الملك هو أبوه.
الفصل الثاني في التعليق [بالمشيئة](1)
قوله: وإذا قال: أنت طالق إن شاء الله نظر إن سبقت الكلمة إلى لسانه لتعوده بها، أو قصد التبرك بذكر الله تعالى، أو الإشارة إلى أن الأمور كلها بمشيئة الله تعالى ولم يقصد تعليقًا محققًا لم يؤثر ذلك، وإن قصد التعليق حقيقة لم تطلق. انتهى.
أهمل قسمًا ثالثًا وهو ما إذا أطلق، وحكمه أن الطلاق لا يقع كما سبق إيضاحه في نية الوضوء.
قوله: وفي قول آخر أنه لا يؤثر الاستثناء عند قصد حقيقة التعليق، وأخذ بعضهم هذا القول من نص روى في الظهار أنه لو قال: أنت على كظهر أمي إن شاء الله يكون مظاهرًا ويلغو الاستثناء، وفرق بعضهم بأن الظهار إخبار، والإخبار عن الواقع لا يتعلق بالصفات بخلاف الإنشاء، ثم قال: وكذا يمنع الاستثناء انعقاد التعليق والعتق واليمين والنذر، وصحة العفو عن القصاص والبيع وسائر التصرفات. انتهى ملخصًا.
فيه أمور:
أحدها: أن الرافعي لم يتكلم على تعليق الظهار بالمشيئة في بابه واقتصر على ما ذكره فيه هاهنا، وليس فيه تصريح بحكمه إلا أن عموم الكلام الأخير قد يؤخذ منه أنه لا يصح عند التعليق كغيره من التصرفات، وقد صرح الغزالي هنا في "الوجيز" بحكم المسألة فقال: فإذا قال: أنت طالق إن شاء الله لم يقع، ونص أنه لو قال: أنت على كظهر أمى إن شاء الله يكون مظاهرًا، وقد قيل ويطرد هذا القول في سائر التصرفات، هذا كلامه. وحاصله تسليم النص والعمل به، والعجب من الرافعي في عدم
(1) في أ: بالتطليق ونفيه.
شرحه لهذه المسألة وكأنه توهم أنها تأتي في بابها فأهملها هنا وذكر في "الوسيط" نحوه إلا أنه قال في آخر كلامه: إن التفريع على الصحة في الجميع والصحيح أن الظهار كغيره في صحة الاستثناء، صرح به إمام الحرمين فقال: نقلوا أيضًا للشافعي أن الاستثناء فيه لا يؤثر وطرد المحققون هذا القول في جميع العقود والحلول، ثم قال ما نصه: ورام بعض الأصحاب أن يفرق بين الظهار وغيره، ولست أرى لذكر ما لا أفهمه وجهًا، والصحيح أن التعليق بالمشيئة يفسد جميع ما تقدم من [إقرار](1) وإنشاء وحَلّ وعقد وطلاق وظهار. هذا لفظ الإمام بحروفه، وعجب من الغزالي في نقل كلام إمامه على غير وجهه.
الأمر الثاني: أن النووي قد حذف هذه المسألة من "الروضة" لتوهمه أن الرافعي يأتي بها في بابها فلزم خلو "الروضة" عنها.
الأمر الثالث: أن ما نقله الرافعي من كون الظهار إخبارًا وأقره ليس كذلك فاعرفه فقد رجح في كتاب الظهار في الكلام على ما إذا قال لأربع نسوة: أنتن على كظهر أمى أنه إنشاء وعبر بقوله الظاهر.
الأمر الرابع: أن الذي نقله أيضًا وأقره من أن الإخبار لا يعلق بالمشيئة يتعلق بها مسألة مهمة نفيسة وقل من نقلها وقد ذكرها المتولى في كتاب الأيمان وصرح بأن تعليقها بالمشيئة صحيح، ويأتيك إن شاء الله تعالى في كتاب الدعاوى.
قوله: قال ابن الصباغ: وكذا لو قال: إن شاء الله أنت طالق أي بحذف الفاء لم يقع، وفي هذه الصيغة وجه حكاه الحناطي. انتهى.
وما نقله عن ابن الصباغ قد جزم به في أول تعليق الطلاق نقلًا عن جماعة، وفي أول الأيمان نقلًا عن القاضي أبي الطيب.
(1) في ب: تقرير.
قوله في "الروضة": ولو قال: أنت طالق إن شاء الله [أو أن شاء الله](1) بفتح الهمزة وقع الطلاق في الحال، وكذا لو قال [إن شاء زيد أو أن](2) شاء زيد، ونقل الحناطي وجهًا في أن شاء الله أنه لا يقع، وثالثًا أنه يفرق بين عارف النحو وغيره، واختار الروياني هذا. انتهى كلامه.
وما اقتضاه كلامه من أن الثالث هو في التعليق بمشيئة الله تعالى صرح به الرافعي، وحاصل هذا الكلام الجزم بالوقوع في غير مشيئة الله وتصحيحه معها -أي مع المشيئة المذكورة- سواء كان المتكلم خبيرًا باللغة أم لا وقد خالف ذلك في باب تعليق الطلاق قبيل الفصل الثالث المعقود للتعليق بالحمل والولادة وصحح من زوائده أن الطلاق مع فتح أن لا يقع عند صدوره من الجاهل وسوف أذكر لفظه هناك فراجعه.
قوله: ولو قال: أنت طالق ثلاثًا وثلاثًا إن شاء الله، قال ابن الصباغ: الذي يقتضيه المذهب أنه لا يقع شيء، وتابعه المتولى عليه والوجه بناؤه على الخلاف السابق في أن الاستثناء بعد الجملتين ينصرف إليهما أو إلى الأخيرة، ولذلك أورده الإمام، وقد ذكرنا أن الظاهر الانصراف إلى الأخيرة [وحدها. انتهى كلامه.
وما رجحه في الاستثناء عقب الجمل من عوده إلى الأخير] (3) فقط قد ذكر في الوقف ما يخالفه، وتبعه في "الروضة" على الموضعين وزاد فصحح في أول كتاب الأيمان أنه يعود إليهما كما في الوقف، ولفظ كل من الموضعين مذكور في بابه.
واعلم أن محل هذا الخلاف ما إذا لم ينو المتكلم عود الاستثناء إلى الجملتين، فإن نوى ذلك عاد إليهما جزمًا، كذا ذكره الرافعي في أول كتاب الأيمان فتفطن له.
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من أ.
(3)
سقط من أ، ب.
قوله في المسألة: ويوافق هذا البناء ما ذكره في "التهذيب" أنه لو قال: حفصة وعمرة طالقان إن شاء الله فيرجع الاستثناء إلى عمرة وحدها أو إليهما جميعًا؟ وجهان والأصح الأول. انتهى كلامه.
وهذا الذي نقله عن "التهذيب" غلط تبعه عليه في "الروضة" سببه انتقال نظره أو نظر الكاتب للنسخة التي وقف عليها، فإن البغوي قد قال ما نصه: ولو قال: حفصة وعمرة طالقان إن شاء الله، لا تطلق واحدة منهما، ولو قال: حفصة طالق وعمرة طالق إن شاء الله، تطلق حفصة ولا تطلق عمرة، لأن الاستثناء يرجع إلى ما يليه، وقيل: يرجع إليهما والأول أصح. هذا لفظه في "التهذيب"، فسقط المتوسط كله كما قلنا وقد سلم ابن الرفعة من هذا الغلط من وجه دون وجه.
قوله: ولو قال: أنت طالق إلا أن يشاء الله فعن القفال أنه حكى عن النصر أنه لا يقع واختاره؛ لأن هذه الصيغة أيضًا تعليق بعدم المشيئة؛ لأنها توجب حصر الوقوع في حال عدم المشيئة، وعن ابن سريج أنه يقع الطلاق لأنه أوقعه وجعل الخلاص والمخرج عنه المشيئة وأنها غير معلومة فلا يحصل الخلاف وصار كما لو قال: أنت طالق إلا أن يشاء زيد ولم يعلم مشيئته فإنه يقع الطلاق، والأقوى الأول. انتهى كلامه.
وفيه إشكال يظهر بذكر شيء استدركه الرافعي في آخر المسألة فقال: ولتعلم أن قول القائل: أنت طالق إلا أن يشاء الله معناه إلا أن يشاء وقوع الطلاق، [وحينئذ فالطلاق معلق بعدم مشيئة الطلاق](1) لا بمشيئة عدم الطلاق، وعدم مشيئة الطلاق تحصل بأن يشاء عدم الطلاق وبأن لا يشاء شيئًا أصلًا، وإنما لا يقع إذا شاء زيد أن يقع، وذكر بعضهم أن معناه أنت طالق إلا أن يشاء زيد أن لا تطلقي، والصحيح الأول. انتهى كلامه.
وإذا علمت ذلك علمت أن اختلافهم في الحكم نشأ من اختلافهم في
(1) سقط من أ.
تنزيل التعليق على أي شيء، وإذا كان كذلك فكيف يستقيم كما قاله الرافعي من جعل واحد من المعنيين دليلًا لقائله على القائل الآخر؟ وكان ينبغي أن يقدم ما أخره ويستدل على ما ذكره كل منهم من الخلاف المتأخر ثم يبني عليه الخلاف في الوقوع وعدمه.
قوله: ولو قال: أنت طالق إن لم يشأ زيد، أو إن لم يدخل الدار، أو إن لم يفعل كذا، فإن وجدت المشيئة أو غيرها مما علق عليه لم يقع الطلاق، وإن لم توجد وقع، وإن شككنا فوجهان سواء عبر بقوله إن لم يدخل كما ذكرناه أو بقوله إلا أن يدخل، أجاب الأكثرون بالوقوع حيث شككنا في الفعل المعلق عليه، واختار الإمام عدم الوقوع في الصورتين وهو أوجه وأقوى ، انتهى.
وهذه المسألة -أعني مسألة الشك- قد اختلف فيها تصحيح النووي في "الروضة" فصحح هنا من زياداته عدم الوقوع وذكر مثله في آخر تعليق الطلاق، وصحح في أوائل كتاب الأيمان وفي أواخره عكسه وسوف أذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى، والفتوى في ذلك على الوقوع فقد نص عليه الشافعي في "الأم" في السدس الأخير منها في باب الاستثناء في اليمين إلا أنه خص ذلك باليمين على الإثبات وأجاب في النافية بالعكس فقال ما نصه: قال الشافعي كذا وكذا إلا أن يشاء فلان لم يحنث إن شاء فلان، فإن مات فلان أو خرس أو غاب عنا معنى فلان حتي يمضي وقت يمينه حنث؛ لأنه إنما يخرجه من الحنث مشيئة فلان، ولو كانت المسألة بحالها وقال: والله لا أفعل كذا وكذا إلا أن يشاء فلان لم يفعل حتى يشاء فلان، وإن غاب عنا معنى فلان فلم يعرف شيئًا أو لم يشأ لم يفعل حتي يشاء فلان، وإن غاب فإن فعله لم أحنثه من قبل أن يمكن أن يكون قد شاء، هذا لفظه بحروفه ومن "الأم" نقلته وفي الفرق بين المسألتين نظر.