الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال رحمه الله: الخصلة الثانية:
الصيام
قوله: ويشترط في العبد كونه فاضلًا عن حاجته كنفقته وكسوته ونفقة عياله وكسوتهم، ثم قال: ولم يقدر للنفقة والكسوة مدة، ويجوز أن تعتبر بكفاية العمر، ويجوز أن تعتبر بسنة لأن المؤنات تتكرر فيهما، ويتجدد الإعداد لها، وقد يؤيده أن صاحب "التهذيب" قال: يترك له ثوب للشتاء وثوب للصيف، انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ذكره من التوقف في هذه المسألة، وسكوت الأصحاب عنها غريب، فإن المسألة مشهورة في كتب الأصحاب المتقدمين والمتأخرين، إلا أنهم ذكروها في كتاب الأيمان، والذي نص عليه الشافعي وذهب إليه الجمهور وبه جزم الرافعي والنووي في "الروضة": أن من يحل له أن يأخذ من الزكوات والكفارات فهو فقير يكفر بالصوم، ومن لا يحل له الأخذ فهو غني، وقال الماوردي: أن العبرة بكفاية الوقت، حتى أن التكفير بالمال قد يجب على من تحل له الزكاة والكفارة، وهو من كان عنده شيء فاضل عن قوته، وقوت عياله في ذلك الوقت، ولا يصير بفضلها غنيًا، وعلى الأول، وهو اعتبار الأخذ من الزكاة، منهم من قال: يشترط أن يكون ثمن الرقبة فاضلًا عن كفاية سنة وبه جزم البغوي في "فتاويه" وقال الأكثرون: يعتبر العمر الغالب.
والخلاف ينبني على أنه يأخذ من الزكاة كفاية السنة أو العمر؟ وقد تلخص من مجموع ذلك ثلاثة أوجه في المسألة.
الأمر الثاني: أن النووي رحمه الله قد قال من "زوائده": إذن الصواب اعتبار السنة، واعتباره لذلك لا يلائم ما نقله بعد هذا عن
الجمهور، ووافقهم عليه أن من كان له رأس مال يتجر فيه ولو بيع لصار مسكينًا أنه يكفر بالصوم.
قوله: ولو كان ماله غائبًا أو لم يجد الرقبة فلا يجوز العدول إلى الصوم في كفارة القتل واليمين والجماع في رمضان، بل يصبر إلى أن يصل إلى المال أو يجد الرقبة لأن الكفارة على التراخي. انتهى كلامه.
وهو صريح في أن الكفارة التي وجبت بسبب محرم لا تجب على الفور، وقد ذكر أيضًا ما يقتضيه في كتاب التيمم في الكلام على ما إذا قدر على بعض الماء -وفي باب الوصاية، وفي الباب الثاني من كتاب الأيمان.
إذا علمت ذلك فقد ذكر ما يخالف هذه المواضع كلها في كتاب الصيام في أوائل صوم التطوع فجزم بأنها على الفور، ونقله أيضًا في كتاب الحج في الكلام علي تحريم الجماع عن القفال من غير اعتراض عليه، وهناك ذكر ضابط أحوال الواجبات في الفورية والتراخ، وقد سبق ذكر عبارته في كل من الموضعين فراجعها.
وقد وقع هذا الاختلاف أيضًا في "الروضة" وصرح في "شرح مسلم" في حديث المجامع في نهار رمضان بأنها على التراخي.
قوله: إحداهما يبين أن الموسر المتمكن من الإعتاق يعتق. انتهى.
اعلم أن الرافعي رحمه الله قد ذكر في كتاب الحجر أن السفيه حكمه حكم المعسر حتى إذا حلف وحنث كفر بالصوم، وفيه وجه حكاه في "الروضة" أنه يكفر بالمال، فاستحضر ما ذكرناه، فإن كلامهما هنا يقتضي خلافه، فإنهما تعرضا للذمي والمرتد والعبد والمبعض لكونهم لا يكفرون بجميع الخصال، وسكتوا عن من عداهم، فاقتضى ذلك عدم الاستثناء مع أنه ليس كذلك.
قوله: ولو شرع المعسر في الصوم ثم آيس لم يلزمه الإعتاق خلافًا لأبي
حنيفة والمزني وبعض أصحابنا، ثم قال: واحتج الأصحاب للمذهب بأنه قدر علي البدل بعد شروعه في صوم البدل فلا يلزمه الرجوع إلى المبدل، كما لو وجد الهدي بعد الشروع في صوم السبعة، انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن هذا الاحتجاج على المزني غفلة عن مذهبه، فإنه قائل في صوم السبعة باللزوم أيضًا، وقد نقله عنه الرافعي هناك.
الأمر الثاني: أن تقييده بالسبعة عجيب يوهم أن القدرة على الهدي بعد شروع المتمتع أو القارن في الثلاثة موجبة لإخراجه وليس كذلك، بل الحكم فيهما واحد كما صرح به في ذلك الموضع.
قوله في "الروضة": فصل: العبد لا يملك بغير تمليك سيده قطعًا. انتهى.
وما ذكره هنا من نفي الخلاف ذكره أيضًا في مواضع من "الروضة" بعضها قلّد فيه الرافعي، وبعضها من تصرفه، وليس الأمر كذلك، بل فيه خلاف سبق بيانه وبيان المواضع التي أشرنا إليها في أواخر البيع في باب معاملات العبيد.
قوله: وإن حلف بإذنه وحنث بغير إذنه فوجهان:
أحدهما: أنه له أن يصوم بغير إذنه، وهذا ما رجحه في "التهذيب"، وأصحهما عند الأكثرين وهو المذكور في الكتاب: أنه لا يستقل بالصوم لأن لزوم الكفارة لا يلازم اليمين.
وإن حلف بغير إذنه وحنث بإذنه ففيه طريقان:
أحدهما: وهو الذي أورده في الكتاب أن فيه وجهين:
أحدهما: أنه لا يصوم إلا بإذنه لأن الحلف هو السبب ولم يأذن السيد فيه.
والثاني: يجوز لأن الحنث يستعقب الكفارات.
والطريق الثاني: القطع بالجواز: وهذا هو الأظهر على طريقة إثبات الخلاف، انتهى ملخصًا.
فيه أمران:
أحدهما: أن حاصل ما ذكره أن الاعتبار بالحنث وهو الذي صححه أيضًا في "الشرح الصغير" هنا وصحح في "المحرر" في كتاب الأيمان أن العبرة بالحلف، وعبر بالأصح، ووقع الموضعان كذلك في "الروضة" و"المنهاج".
الأمر الثاني: أنه لم يصحح شيئًا من الطريقين في المسألة الثانية وهو ما إذا حلف بغير إذنه وحنث بإذنه، وكذلك أيضًا في "الروضة" فإنه عبر بالمذهب وليس له فيه إصطلاح سوى أنه من الطريقين أو الطرق، والأصح منهما هو: طريقة الوجهين، كذا صححه الرافعي في "الشرح الصغير" فقال: فإن حلف بغير إذنه وحنث بإذنه فوجهان أيضًا، وأظهرهما: أن له ذلك وقطع به قاطعون، هذا لفظه.
وقد علمت بأن اعتبار الحنث هو رأي الأكثرين فلتكن الفتوى عليه لا على المذكور في "المحرر" و"المنهاج".
قوله من زوائده: ولو أراد العبد صوم تطوع في وقت يضر بالسيد فله منعه، وفي غيره ليس له المنع حكاه المحاملي عن أبي إسحاق المروزي، بخلاف الزوجة فإن للزوج معها من صوم التطوع لأنه يمنعه الوطئ، وحكى في "البيان" أنه ليس للسيد منعه من صلاة النفل في غير وقت الخدمة إذ لا ضرر. انتهى كلامه.
فأما ما حكاه عن أبي إسحاق في صوم التطوع، وعن صاحب "البيان" في صلاة النفل فقد ذكر الرافعي في كتاب الأيمان في الكلام على تكفير العبد، وصحح الجواز، وتابعه عليه النووي فتأمل ذلك، وكلامه هنا يوهم
ضعف المنقول عن "البيان".
وأما تعليل منع الصوم بكونه يمنع الوطئ فيستشكل بأن لكل من الزوجين الخروج من التطوع بالجماع وغيره، لكنه أجاب في "شرح مسلم" بجواب أذكره إن شاء الله تعالى في كتاب النفقات مع زيادات أخرى يتعين الوقوف عليها، وقياس تجويز منع الزوجة من الصوم أن تكون الأمة الموطؤة كذلك، فإن لم يطأها مع كونها تحل له ففي المنع نظر.
قوله: ومن بعضه حر وبعضه رقيق كالحر في التكفير بالمال على ظاهر المذهب. انتهى.
تابعه في "الروضة" على إلحاقه بالموسرين وفيه كلام أذكره إن شاء الله تعالى في أوائل النفقات.
قوله أيضًا من زوائده: ولو أفطرت الحامل المرضع خوفًا على أنفسهما فقال المحاملي في "المجموع" وصاحب "الشامل" والأكثرون: هو كالمرض، وفي "تجريد" المحاملي: أنه لا ينقطع قطعًا، انتهى كلامه.
وما نقله رحمه الله عن "التجريد" سهو، والمذكور فيه الجزم بما قاله في "المجموع" وقال به غيره وهو إلحاقه بالمرض فإنه قال ما نصه: فأما الحامل والمرضع إذا أفطرتا، فإنهما إن أفطرتا لمرض لحقهما في أنفسهما فحكمهما حكم المريض، وإن أفطرتا خوفًا على ولدهما فمن أصحابنا من قال: إنه كالمرض لأنه عذر، ومنهم من قال: إنه يقطع التتابع قولًا واحدًا. هذا لفظه على ما نقله بعضهم، فمن أحب الوقوف عليه فليراجعه، وحينئذ فلا خلاف في المسألة.
قوله فيها أيضًا: ولو أوجر الطعام مكرهًا لم يفطر ولم يبطل تتابعه، وهكذا قطع به الأصحاب في كل الطرق، وشذ المحاملي فحكى في "التجريد" وجهًا أنه يفطر وينقطع تتابعه وهذا غلط. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ادعاه من قطع الأصحاب في جميع الطرق بعدم الإفطار بالإيجار غريب: فقد حكى في كتاب الصيام تبعًا للرافعي عن الحناطي أن في الفطر بالإيجار وجهين.
الأمر الثاني: أن ما نقله رحمه الله عن "التجريد" غلط منه عليه فإن المحاملي لم يذكر فيه خلافًا، بل صرح بنفي الخلاف فقال ما نصه: أما إذا أكره علي الفطر فإن أوجر الطعام والشراب لم يفطر قولًا واحدًا، وإن ضرب حتى أفطر فهل يفطر؟ على قولين، فإن قلنا: لا يفطر هنا، وفي القسم قبله فالصوم على حاله والتتابع باق، وإن قلنا: إنه يفطر [إذا أكره وأكل فالتتابع ينقطع لأنه أفطر بسبب لا يعود إليه. هذا لفظه بحروفه على ما نقله الناقل عنه في الفرع قبله وكأنه رحمه الله يمسك بقوله، وإن قلنا أنه يفطر](1) هنا وفي القسم قبله، ذاهلًا عما صرح به قبل هذا من الإتفاق على أنه لو لم يصرح أيضًا بنفي الخلاف لما أمكن إثبات خلاف بمجرد هذه اللفظة، فإنه إنما عطفه عليه لمشاركته له في التفريع.
قوله: وإذا أوجبنا التتابع في كفارة اليمين فحاضت في خلال الأيام الثلاثة فقد قيل: هو كالإفطار بالمرض أي حتى يكون فيه قولان، ويشبه أن يكون فيه طريقة قاطعة بانقطاع التتابع، لأن إيقاع الثلاثة في الوقت الذي لا يطرأ الحيض فيه متيسر. انتهى.
وهذه الطريقة التي توقف الرافعي رحمه الله في أثنائها وحاول إثباتها تفقهًا قد صرح هو بها في الباب الثاني من كتاب الأيمان مع طريقين آخرين وسوف أذكر ذلك في موضعه لغرض آخر، ولم يستحضر النووي ذلك، بل شرع في إثبات هذه الطريقة بنقلها من غير الرافعي فقال: قلت: صرح
(1) سقط من أ.
بالطريقة الجازمة الدارمي وصاحب "التتمة" فقالا: المذهب إنقطاعه.
ذكره الدارمي في كتاب الصيام، وفيه طريق ثالثًا أنه لا ينقطع قطعًا لأن وجوب التتابع في كفارة اليمين هو القول القديم، والمرض لا يقطع على القديم. هذا لفظه.
وما نقله عن الدارمي من حكاية طريقين صحيح، وأما حكايته إياهما عن "التتمة" فغلط عجيب، وإن كان قد عبر بالمذهب، فإن كون هذا اللفظ موضوعًا للطريقين أو للطرق إنما هو إصطلاح من النووي، وكأنه لما تقرر عنده إصطلاحه وتكيف به نسي أنه من جهته.