المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثالث: في ثمرة اللعان - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٧

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب النكاح

- ‌ خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم في النكاح وغيره

- ‌ الأركان

- ‌الفصل الأول في أسباب الولاية

- ‌الفصل الرابع في تولي طرفي العقد

- ‌الفصل الخامس في التوكيل

- ‌الفصل السادس في ما يجب على الولي

- ‌الفصل السابع في الكفاءة

- ‌الفصل الثامن في تزاحم الأولياء

- ‌ الموانع

- ‌الجنس الأول: المحرمية

- ‌الجنس الثاني: ما لا يوجب حرمة مؤبدة

- ‌الجنس الثالث: من الموانع الرق

- ‌الجنس الرابع: من الموانع الكفر

- ‌ موجبات الخيار

- ‌السبب الأول: العيب

- ‌السبب الثاني: الغرور

- ‌السبب الثالث: [العتق]

- ‌السبب الرابع: العنة

- ‌ فصول متفرقة

- ‌الفصل الأول فيما يحل للزوج

- ‌الفصل الثاني في وطء الأب جارية الابن

- ‌الفصل الرابع في تزويج الإماء

- ‌الفصل الخامس في تزويج العبد

- ‌الفصل السادس في النزاع

- ‌كتاب الصداق

- ‌الباب الأول في الصداق الصحيح

- ‌الباب الثاني في الصداق الفاسد

- ‌الباب الثالث في المفوضة

- ‌الباب الرابع في التشطير

- ‌الفصل الأول: في محله وحكمه

- ‌الفصل الثاني في التغيرات قبل الطلاق

- ‌الفصل الثالث في التصرفات المانعة من الرجوع

- ‌الفصل الرابع في هبة الصداق من الزوج

- ‌الفصل الخامس في المتعة

- ‌الباب الخامس في النزاع

- ‌باب الوليمة والنثر

- ‌كتاب القسم والنشوز

- ‌[كتاب الخلع

- ‌الباب الأول في حقيقة الخلع]

- ‌الباب الثاني في أركان الخلع

- ‌الباب الثالث في موجب الألفاظ

- ‌الباب الرابع في سؤال الطلاق

- ‌الباب الخامس في النزاع

- ‌كتاب الطلاق

- ‌الباب الأول في "السنة والبدعة

- ‌الركن الأول: المطلق

- ‌الركن الثاني: اللفظ وما يقوم مقامه

- ‌الركن الثالث: القصد إلى الطلاق

- ‌الركن الرابع: المحل

- ‌الركن الخامس: الولاية على المحل

- ‌الباب الثالث في تعدد الطلاق

- ‌الباب الرابع في الاستثناء

- ‌الباب الخامس في الشك في الطلاق

- ‌الشرط الثاني من الكتاب في التعليقات

- ‌الفصل الأول في التعليق بالأوقات

- ‌الفصل الثاني في التعليق بالتطليق

- ‌الفصل الثالث في التعليق بالولادة والحمل

- ‌[الفصل الرابع في التعليق بالحيض]

- ‌الفصل الخامس في التعليق بالمشيئة

- ‌الفصل السادس في مسائل الدور

- ‌فصل: في مسائل منثورة ذكرها أبو العباس الروياني

- ‌فصل: قد بقى من كلام الرافعي ألفاظ لم يتقدم ضبطها

- ‌كتاب الرجعة

- ‌الفصل الثاني: في أحكام الرجعة

- ‌كتاب الإيلاء

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: في أحكامه

- ‌كتاب الظهار

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: في حكم الظهار

- ‌كتاب الكفارات

- ‌ العتق

- ‌ الصيام

- ‌ الإطعام

- ‌[كتاب اللعان

- ‌الباب الثاني: في قذف الأزواج

- ‌الباب الثالث: في ثمرة اللعان

الفصل: ‌الباب الثالث: في ثمرة اللعان

‌الباب الثالث: في ثمرة اللعان

قوله: وثمرته نفي النسب وقطع النكاح وتحريمها مؤبدًا ودفع المحذور الذي يلحقه بالقذف وإثبات حد الزنا عليها. انتهى ملخصًا.

وليست الثمرة منحصرة في ما ذكره بل من ثمراته أيضًا سقوط حد قذف الزاني بها عن الزوج إن سماه في لعانه وكذا إن لم يسمه على خلاف فيه.

ومنها: سقوط حصانتها في حق الزوج إن لم يلاعن كما سيأتي.

ومنها: تشطير الصداق قبل الدخول.

ومنها: استباحة نكاح أختها وأربع سواها.

قوله: وإن قذف الكبيرة بزنا ثبت بالبينة أو بالإقرار عزر ولم يلاعن في أصح القولين، ثم قال: والتعزير الواجب في هذه الصورة إنما يستوفي بطلبها، وحكى الإمام وجهًا أنه يستوفيه السلطان على سبيل الإيالة، والمذهب الأول. انتهى.

وما ذكره هنا من توقف التعزير على طلب صاحبه تابعه عليه في "الروضة"، لكنهما قد ذكرا في آخر باب التعزير أن مستحق التعزير إذا عفي عنه جاز للإمام إقامته في أصح الوجهين بخلاف العفو عن الحد فإن الإمام لا يعزر عليه في الأصح، لأن التعزير يتعلق أصله بنظر الإمام فلم يؤثر فيه إسقاط غيره بخلاف الحدود فإنها مقدرة لا نظر للإمام فيها، فإذا ثبت على ما قالاه هناك جواز إقامة الإمام له بعد عفو صاحبه فكيف تتوقف إقامته على طلبه؟ وذكر أيضًا هناك ما حاصله أن الراجح عدم وجوب التعزير إذا طلبه مستحقه، ورأى الإمام أن المصلحة في العفو، وقول الرافعي على سبيل الإيالة هو بكسر الهمزة، وبالياء بنقطتين من تحت وهو السياسة.

قوله: ويعتبر في اللعان أهلية اليمين وذلك بالتكليف، لأن المعروف عند

ص: 512

أصحابنا أن اللعان يمين مؤكدة بلفظ الشهادة، وقيل هو يمين فيها ثبوت الشهادة. انتهى.

واعلم أنه سيأتي في كتاب الأيمان أن لفظ أشهد كناية على الصحيح لابد فيها من النية، وحينئذ فإن لم تشترط النية هاهنا كان مخالفًا لما قرروه في بابه، وإن شرطناها فالقاضي لا يطلع عليها، وقد قالوا: إن ما يشترط فيه الشهود فلا مدخل فيه للكناية لأن الشهود لا يطلعون على النية، وإذا امتنع لهذا المعنى فالمتوقف على القاضي أولى ومقتضى كلامهم هنا هو الأول ولهذا لم يتعرضوا إلى إرشاد القاضي الحالف إلى النية.

نعم أشار الرافعي في كتاب الأيمان إلى طرف من المسألة، فقال: لو قال الملاعن: أشهد بالله وكان كاذبًا ففي وجوب الكفارة [وجهان:

أصحهما: نعم، والخلاف شبيه بالخلاف في وجوب الكفارة] (1) على المؤلي إذا وطيء.

قال الإمام: والصورة مفروضة في ما إذا زعم أنه قصد اليمين أو أطلق وجعلنا مطلقه يمينًا، قال: ويمكن أن يجئ الخلاف، وإن قصد غير اليمين، لأن ألفاظ اللعان مفروضة عليه في مجلس الحكم، ولا أثر للتورية في ذلك المجلس. هذا كلامه، والذي ذكره أخرا مردود لأن التورية هو صرف اللفظ عن مقتضاه وإذا كان مطلقة لا يكون يمينًا لم يكن عدم النية تورية لاسيما نية العدم.

واعلم أن الرافعي قد أهمل قيد الاختيار ولابد منه فإن لعان المكره باطل.

قوله: الثانية: لو بانت زوجته أو أبانها بخلع أو ثلاث طلقات أو فسخ، أو كانت رجعية فبانت بانقضاء العدة، ثم قذفها إما بزنا مطلق أو بزنا مضاف

(1) سقط من أ.

ص: 513

إلى حالة النكاح فينظر إن كان هناك ولد يلحقه فله اللعان للحاجة.

ثم قال: ولو كان هناك فهل له اللعان قبل الإنفصال؟ روى المزني رحمه الله في "المختصر": إن له ذلك، وفي "الجامع الكبير": إنه يؤخره إلى الانفصال، وللأصحاب طريقان: أصحهما: أن فيه قولين:

أحدهما: أنه لا يلاعن قبل الإنفصال لأن هذا اللعان ينفي الولد فيعتبر تحققه فقد يكون هذا الذي يجده ريحًا وهذا أظهر عند الشيخ أبي حامد وجماعة.

والثاني: له ذلك كما في صلب النكاح، وهذا أظهر عند أكثرهم ومنهم صاحب "التهذيب" و"المهذب".

والطريق الثاني وبه قال أبو إسحاق: القطع بالمنع. انتهى كلامه.

وما ذكره هاهنا من ترجيح اللعان في الحمل قد خالفه في "الشرح الصغير" فقال ما نصه: ولو كان هناك حمل فأصح القولين أنه لا يلاعن قبل الانفصال لأن هذا اللعان كنفي الولد فيعتبر تحققه، هذا لفظه.

وكلام "المحرر" يشعر به أيضًا لأنه شرط وجود ولد.

قوله: الثالثة: قذف زوجته بزنا أضافه إلى ما قبل الزوجية، فإن لم يكن هناك ولد لم يلاعن، وإن كان فوجهان:

أحدهما: لا يلاعن، وبه قال أبو إسحاق، وهو الأرجح عند الشيخ أبي حامد، وجماعة لأنه مقصر [بذكر](1) التاريخ.

والثاني: نعم، وبه قال أبو علي ابن أبي هريرة، وأبو علي الطبري، وهو أصح عند القاضي أبي الطيب، ومال الإمام والروياني وغيرهما إلى ترجيحه. انتهى ملخصًا.

وقد اختلف كلام الرافعي في هذه المسألة، فصحح في "المحرر" أنه لا

(1) في ج: بذلك.

ص: 514

يلاعن فقال: ولا لعان إذا قذف زوجته بزنا أضافه إلى ما قبل النكاح إن لم يكن ولد، وكذا إن كان في أظهر الوجهين، وذكر عكسه في "الشرح الصغير" فقال: وأظهرهما عند أكثرهم: أن له اللعان. هذا لفظه، ولم يذكر ترجيحا غيره، ونقل في "الروضة" من زوائده ترجيح "المحرر"، ثم قال: وهو قوي.

وقد علمت أن الفتوى على خلاف المذكور فيها، وفي "المحرر"، لكن الأكثرون، كما صرح به الرافعي على خلافه فتفطن له.

قوله: فرع: قذف زوجته وهي بكر، ثم طلقها قبل اللعان فتزوجت غيره ووطئها وصارت محصنة، فقذفها الثاني ثم طالبت فلاعن كل واحد منهما وامتنعت هي من اللعان فقد ثبت عليها بلعان الأول زنى بكر وبلعان الثاني زنى محصن، وفي ما عليها وجهان:

أحدهما: الرجم فقط لأن شأن الحدود التداخل.

والثاني: وبه قال ابن الحداد أنها تجلد ثم رجم.

قال الشيخ أبو علي: وهو ظاهر المذهب. انتهى.

والذي رجحه الشيخ أبو علي قد صححه النووي في أصل "الروضة" ولم يصحح الرافعي شيئًا من الوجهين في كتاب الحدود.

قوله: ولو قال لها: وطئت بشبهة وهناك ولد فمنهم من أطلق في جواز اللعان وجهين، وقال الأكثرون: إن لم يعين الواطيء بالشبه أو عينه فلم يصدقه فالولد ملحق بالنكاح وله نفيه باللعان، وإن صدقه وادعى الولد عرض على القائف فإن ألحقه بالواطيء فلا لعان، وإن ألحقه بالزوج فلا لعان أيضًا إذا كان يمكن أن لا يلحقه القائف به، واللعان إنما شرع حيث لا طريق سواه، فإن لم يكن قائف ترك حتى يبلغ الصبي فينتسب، لكن لو انتسب إلى الزوج نفاه، إذ لا طريق الآن سواه.

ص: 515

ولقائل أن يقول: إن كان النظر إلى آخر الأمر، ووقت انقطاع الطمع عن انتفاء النسب بطريق آخر فهذا المعنى حاصل في ما إذا ألحقه القائف بالزوج فليجر اللعان، وإن كان النظر إلى الإبتداء، وتوقع الانتفاء بطريق آخر، فهذا المعنى حاصل فيما إذا توقفنا إلى بلوغه وانتسابه، فليمتنع اللعان إذا انتسب إلى الزوج. انتهى ملخصًا.

فيه أمران:

أحدهما: أن حاصله الجزم بأن الولد يعرض على القائف إذا اتفق الزوجان على أن فلانًا وطئها بشبهة، وأن الولد منه، ووافقهما الواطيء على ذلك، وهذا الذي ذكره من العرض عليها عند اتفاقهم على ذلك، قد خالفه في باب دعوى النسب وهو قبل كتاب العتق فذكر أن الاتفاق لا يكفي، بل لابد من [البينة](1) على الوطء، وسوف أذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى.

الأمر الثاني: أن هذا الإشكال الذي ذكره الرافعي على التفريق بين القافة والانتساب غير وارد على هذه المسألة في الحقيقة فإنه إنما أورده بناء على التعليل الذي ذكره هو، وللتفريق معنى آخر غير هذا في غاية الظهور والجودة لا يرد عليه هذا، وهو أن القافة كالبينة، فلذلك قلنا: إذا ألحقت الولد بالزوج ليس له أن يلاعن بخلاف الإنتساب، فظهر أن التفريق حق لا إشكال فيه، فلو علل الرافعي بهذا لم يرد عليه شيء.

وقد جزم ابن الرفعة بأن للزوج أن يلاعن إذا ألحقت القافة الولد به علي العكس مما جزم به الرافعي، ولم يحك فيه خلافًا أصلًا، وهو غريب، وكأنه لم ينظر الرافعي في هذا الموضع.

نعم جزم الروياني في "البحر": بأنه يلاعن موافقًا لما قاله.

(1) في جـ: التنبيه.

ص: 516

قوله: ولو اقتصر على قوله ليس هذا الولد مني، فعن صاحب "التقريب" حكاية تردد في أنه هل يلاعن؟ والذي أجاب به المعظم: أنه لا يلتفت إلى ذلك، ويلحق الولد بالفراش إلا أن يستند التفريق إلى سبب معين ويلاعن. انتهى كلامه.

وهذا الذي ذكره من إشتراط بيان سبب النفي، ذكر بعد ذلك في الركن الرابع ما يعضده أيضًا فقال: وإذا كان هناك ولد فعليه ذكره في الكلمات الخمس فيقول: وأنه من الزنا وليس مني، ثم قال: فإن اقتصر على أنه ليس مني فالمشهور: أنه لا يكفي لاحتمال أنه يراد له عدم المشابهة خلقًا أو خلقًا وفيه وجه. انتهى كلامه.

وقد ذكر موضعين يخالفان هذين الموضعين:

أحدهما: قبل هذا بنحو كراس، وهو في أوائل الشرط الثاني من الركن الثالث، فقال: الثانية إذا وطيء امرأة في نكاح فاسد أو بشبهة، فإن ظنها زوجته أو أمته ثم قذفها وأراد اللعان، فإن كان هناك ولد منفصل فله اللعان، وحينئذ فينتفي به النسب ويسقط به أيضًا حد القذف تبعًا، وفي "أمالي" السرخسي وجه في نظير المسألة: أنه لا يسقط لعدم الزوجية وإنتفاء الضرورة.

ثم قال ما نصه: وكان يمكنه أن يقتصر على أن الولد ليس مني ولا يقذفها. انتهى.

وهو صريح في عكس المتقدم، وذكر مثله أيضًا قبل ذلك في أوائل الباب، فقال متعقبًا لكلام الغزالي أشار بهذه اللفظة إلى أنه لو نفى الولد ولاعن حكم بنفوذه في الظاهر، ولا يكلف بيان السبب الذي بنى عليه النفي، لكن يجب عليه في ما بينه وبين الله تعالى رعاية الأسباب وبناء النفي على ما يجوز البناء عليه. انتهى كلامه.

ص: 517

ووقعت هذه المواضع أيضًا في "الروضة" وأفرد الأخير بفرع ولم يعزه إلى الغزالي.

والمفتى به من ذلك هو: عدم الجواز، فقد نص عليه الشافعي في "الأم" في أوائل كتاب اللعان، وقال ما نصه: ولو قال رجل لامرأته: وقد ولدت هذا الولد: ليس بإبني، قيل له: ما أردت؟ فإن قال: زنت به لاعن، أو حُد إذا طلبت ذلك، فإذا لاعن نفى عنه الحد، وإذا سكت لم ينتف عنه ولم يلاعن، وإن طلبت الحد حلف ما أراد قذفها، وإن حلف بريء وإن نكل حد أو لاعن، وذلك أنه يقال: قد تستدخل المرأة ماء الرجل فتحبل، فلذلك لم نجعله قذفًا ولا تلاعن بينهما حتى يقذفها بالزنا فيحد أو يلتعن لأنه الموضع الذي جعل الله فيه اللعان لا غير. انتهى لفظه بحروفه ومن "الأم" نقلته.

واستفدنا منه أيضًا جواز دعواها إرادة القذف وحلفها عليه عند نكوله.

فإن قلت: إذا علم الزوج أن الولد الذي ولد على فراشه ليس منه ولم يعلم هل هو من زنا أو من وطء شبهة؟ فلا يقبل قوله: إنه ليس مني، لأنه قد تقرر أن الجمهور والنص على اشتراطه بيان السبب، ولا سبيل إلى رميها بالزنا لأنه لا يعلم ضروره منها، وكذلك وطء الشبهة، وحينئذ فكيف السبيل إلي نفيه؟ قلت: اعتراض ظاهر، ولم يتعرض له الرافعي ولا النووي، وطريق الجواب عنه أن يقال: ينسبه إلى وطء غير حلال فإنه إن كان من زنا فدخوله في كلامه واضح، وإن كان من وطء شبهة فيدخل أيضًا لأنه لا يوصف بحل ولا حرمة على الصحيح، وهذا الجواب إستفدته من كلام الإمام في "النهاية" فإنه قال: فصل: اللعان لا يجري إلا بعد أن تنسب المرأة إلى وطء محرم في النكاح، وإن أوجبنا قلنا: إلى وطء لا يحكم بتحليله حتى لا يمنع وطء الشبهة عن الدخول تحت موجب الكلام فإذا أتت المرأة بولد في النكاح لمدة يحتمل أن يكون العلوق بها في النكاح

ص: 518

وثبتت الولادة بلا نزاع فأراد الرجل أن ينفيه، فالمذهب الذي عليه التعويل أنه لا يملك نفيه ما لم ينسبه إلى وطء غير حلال. هذا كلامه.

قوله: إحداهما: إذا قذف زوجته برجل معين، فإن ذكره في اللعان سقط حده وإن أغفله فقولان: أصحهما على ما ذكره الروياني: أنه لا يسقط. انتهى ملخصًا.

والذي صححه الروياني هو الصحيح، كذا صححه الرافعي في "الشرح الصغير" والنووي في "أصل الروضة" وعبرا جميعًا بالأصح.

قوله: واستدل بقصة العسيف إلى آخره.

وقد ذكر في آخر الحديث من أن بعث أنيس إنما كان لأجل أن يخبرها بأن الرجل قذفها، لا للفحص عن زناها، وقد اختلف فيه كلامه، فقال في الوكالة: إنه لاستيفاء الحد منها بالوكالة، وقال في أخر باب القضاء على الغائب: إنه لأجل سماع الدعوى على المخدرة، وسوف أذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى.

والعسيف: بعين مفتوحة وسين مكسورة مهملتين، ثم ياء بنقطتين من تحت ومعناه: الأجير، وقد فسره الرافعي بذلك.

قوله: ولو قال لزوجته: زنيت وأنت مجنونة أو مشركة أو أمة، ولم يعلم حالها، فالقول قولها في الأظهر، ثم قال: ويجيء القولان في ما لو قال: أنت أمة في الحال فقالت: بل حرة، ولا يجيئان فيما لو قال: أنت كافرة في الحال فقالت: بل مسلمة، لأنها إذا قالت أنا مسلمة حكم بإسلامها. انتهى كلامه.

فيه أمور:

أحدها: أن ما جزم به من الحكم بالإسلام إذا اعترف الشخص بكونه مسلما قد ذكر في كتاب الردة ما يخالفه، وسوف أذكر لفظه هناك إن شاء

ص: 519

الله تعالى.

الأمر الثاني: أن الحكم بإسلامها الآن كيف يدفع وجوب الحد لأن الإسلام وإن إستفدناه بقولها: إني مسلمة، فذلك متأخر عن التنازع، والتنازع متأخر عن القذف والإسلام الطارئ، لا ينعطف حكمه علي الماضي؟ فإذا إنما حكمنا به من حين الاعتراف، فأما قبل ذلك فعلى قياس سائر المجهولين.

الأمر الثالث: أن الشافعي قد نص في "الأم" في مسألة الإسلام على قبول قولها فقال ما نصه: وإذا قذف الرجل المرأة فقال: أنت أمة أو كافرة فعليها البينة أنها حرة مسلمة والقول قوله مع يمينه إن لم تكن بينة، لأنه يوجد منه الحد. انتهى لفظه بحروفه من "الأم" نقلته.

ذكر ذلك في كتاب اللعان الذي بعد باب الشك في الطلاق في آخر باب الوقت في نفي الولد.

قوله: وإذا كان هناك ولد ينفيه تعرض له في الكلمات الخمس فيقول: وأن الولد الذي ولدتيه أو هذا الولد -إن كان حاضر- من الزنا وليس مني، فلو قال: هو من زنا واقتصر عليه، فوجهان:

أجاب كثيرون بأنه لا يكفي ولا ينتفي به الولد لأنه قد يعتقد الوطء بالشبهة أو في النكاح الفاسد زنا.

وأصحهما علي ما ذكر في "التهذيب": الاكتفاء حملًا للفظ على حقيقته. انتهى.

وإيراده يشعر برجحان الأول من جهة النقل لكنه صحح في "الشرح الصغير" أنه يكفي وعبر بالأصح، وصححه النووي أيضًا في "الروضة"، ولم ينبه على أنه من زياداته، بل [أدخله] في كلام الرافعي فتفطن له فإنه غريب.

ص: 520

قوله: في أصل "الروضة": فرع: يشترط في لعان الرجل والمرأة أن يأمر الحاكم به فيقول للملاعن: قل: أشهد بالله أني لمن الصادقين إلى أخرها، انتهى.

هذا الكلام ليس فيه تصريح بوجوب تلقين كلمات اللعان كلها، بل يوهم الإكتفاء بتلقين أوله وليس كذلك بل صرح الرافعي بوجوب تلقين الجميع.

قوله: ثم المفهوم من كلام الأكثرين، وفي "الشامل" وغيره التصريح به أنه: يصح لعان الأخرس بالإشارة وحدها وبالكتابة وحدها، وذكر المتولي أنه إذا لاعن بالإشارة أشار بكلمة الشهادة أربع مرات، ثم بكلمة اللعن ويشير إلى كلمة الشهادة أربع مرات، ولا يتكلف أن يكتب أربع مرات. انتهى كلامه.

ذكر مثله في "الروضة" وهو يشعر بأن المتولي قائل بالصحة منه بالإشارة مع قدرته على الكتابة، وليس كذلك، فقد قال -أعني الرافعي- في كتاب الطلاق: وقال المتولي: إنما تعتبر إشارته إذا لم يقدر على الكتابة المفهمة، فإن قدر فالكتابة هي المعتبرة لأنها أضبط، وينبغي أن يكتب مع ذلك: إني قصدت، هذا كلامه، ثم حكى بعد ذلك وجهًا آخر عن حكاية الحناطي والقاضي أبي الطيب في "المجرد" أن الكتابة وحدها لا تكفي، بل لابد معها من الإشارة.

قوله: في المسألة: وأما قول الغزالي في الوجيز: عليه أن يكتب مع الإشارة أو [يورد] اللفظ عليه ناطق فيشير بالإجابة فلم يقله أحد من الأصحاب وإنما قال الإمام: لو قال به قائل لكان قريبًا، وحكاه في "البسيط"[عن] بعض الأصحاب، ولا يعرف عن غيره، انتهى كلامه.

وما نقله عن الإمام من كونه قد ذكر ذلك بحثًا فليس كذلك أيضًا، فإن الذي ذكره الإمام ما نصه: ولو كان في الأصحاب من اشترط الكتابة إن كان

ص: 521

يحسنها أو يشترط من ناطق أن ينطق بالصيغة ويشير إليه بها، ويقول: تشهد هكذا؟ فهذا يقرب بعض القرب هذا [كلامه]، فاكتفى بالكتابة، ولم يشترط الإشارة معها.

قوله: ولو لاعن الأخرس بالإشارة ثم عاد نطقه وقال: لم أرد اللعان بإشارتي، قبل قوله في ما عليه فيلحقه النسب والحد، ولا يقبل في ماله، فلا ترتفع الفرقة والتحريم المؤبد، ولو قال: لم أرد القذف أصلًا لم يقبل. انتهى.

والذي ذكره من وجوب الحد تابعه عليه في "الروضة" وهو خلاف ما نص عليه الشافعي في "الأم" في باب من أبواب اللعان مذكور بعد باب لاشك في لا طلاق، فإنه قال في ما إذا ادعى أنه لم يقذف، ولم يلتعن: إنه لا يحد ولا ترد إليه.

قوله: فمنها التغليظ بالزمان وذلك بالتأخير إلى ما بعد صلاة العصر فإن لم يكن طلب حاث فليؤخر إلى يوم الجمعة، ذكره القفال وغيره، ووجه بما اشتهر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه، قال كعب الأحبار: هي الساعة بعد العصر، واعترض عليه بأنه صلى الله عليه وسلم قال: يصلي، والصلاة بعد صلاة العصر مكروهة، وأجاب بأن العبد في الصلاة مادام ينتظر الصلاة. انتهى كلامه.

والصواب في تفسير ساعة الإجابة ما فسرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حين يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضي الصلاة، كذا رواه مسلم في صحيحه من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما.

قوله: أحدها: من لا ينتحل دينًا كالزنادقة والدهرية لا تغلظ عليهم بالمكان وغيره عند الأكثرين. انتهى.

وما ذكره في تفسير الزنديق قد خالفه في باب صفة الأئمة، وكتاب الفرائض وقتل المرتد، فذكر في الجميع أنه الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر، والصواب هو المذكور هنا.

ص: 522

قوله: الثانية: الحائض تلاعن عند باب المسجد ويخرج إليها الحاكم أو يبعث إليها نائبًا والمشرك والمشركة يمكنان من المكث في المسجد، واللعان فيه في حال الجنابة والحيض ولا يؤاخذان بتفاصيل الأحكام المتعلقة بحق الله تعالى، هذا هو الظاهر وفيه وجه مذكور في آخر الباب الخامس من كتاب الصلاة، انتهى كلامه.

وما ذكره من تمكين الحائض المشركة من المكث في المسجد على الظاهر وأن فيه وجهًا سبق هناك عجيب، فإن المجزوم به هناك هو: المنع، وتخصيص الخلاف بالجنب يوهم هنا أن الخلاف السابق فيها معًا وليس كذلك، وقد سبق ذكر لفظه هناك فراجعه.

قوله: فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على منبري على يمين آثمة ولو شراك وجبت له النار، انتهى.

الشراك: بكسر الشين المعجمة هو: السير الذي في أعلى النعل تدخل فيه الرجل للاستقرار.

قوله: ومنها: إذا فرغ من الكلمات الأربع أمر القاضي رجلًا أن يضع يده على فيه فلعله ينزجر، انتهي.

واعلم أن الغزالي في "الوجيز" قد ذكر أن الواضع يده يأتي من ورائه فقال: وأن يأتيه رجل من ورائه عند الخامسة فيضع يده على فيه، هذا لفظه، ونسيه الرافعي، فلم يتعرض له في الشرحين معًا، وكأنها سقطت من مسودة "الكبير" نسيانًا أو لغلط في نسخة "الوجيز" المشروح، وقد ذكره الغزالي أيضًا في "الوسيط" و"البسيط" وإمام الحرمين في "النهاية".

قوله: ولو أتت زوجته بولد فنفاه بعد الولادة باللعان، ثم ولدت آخر فله حالان:

أحدهما: أن يكون بينهما دون ستة أشهر منهما حمل واحد، فإن نفى

ص: 523

الثاني بلعان آخر انتفى الأول، وإن لم ينف الثاني بل استلحقه أو سكت عن نفيه مع إمكان النفي لحقاه جميعًا، ولكن لا يلزمه الحد عند السكوت لأنه لم يناقض كلامه الأول، واللحوق حكم الشرع، وهذا بخلاف ما لو حصل اللعان بعد البينونة، ثم أتت بولد آخر قبل ستة أشهر فسكت عن نفيه لزمه الحد، كما لو استلحقه.

والفرق أن اللعان بعد [البينونة] لا يكون إلا لنفي النسب، فإذا ألحق النسب لم يبق للعان حكم، فحذف اللعان في صلب النكاح يتعلق به مقاصد من درء الحد، ووقوع الفرقة ونفي النسب، فإذا ألحق النسب نفى سائر المقاصد التي تفرد باللعان، انتهى كلامه.

وما ذكره من كون اللعان بعد البينونة لا حكم له إلا قطع النسب ليس كذلك، بل له فائدة أخرى وهو تأبد التحريم على أظهر الوجهين.

قوله: في المسألة: الحال الثاني: أن يكون بينهما ستة أشهر فصاعدًا، فالثاني حمل آخر، [فإن نفاه] باللعان انتفى أيضًا، وإن استلحقه أو سكت عن نفيه لحقه، ولا يمنع من ذلك كونها بانت بعد اللعان لاحتمال أنه وطئها بعد وضع الأول فعلقت قبل اللعان فتكون حاملًا حال البينونة فتصير كالمطلقة ثلاثًا إذا ولدت لدون أربعة سنين من وقت الطلاق يثبت نسبه للمطلق لاحتمال كونها حاملًا وقت الطلاق فلا يلزمه من لحوق الثاني لحوق الأول، وهذا الذي ذكرناه من لحوق الثاني [إذا] لم ينفه هو الصواب، وبه قطع الأصحاب وقال في "المهذب": ينتفي الثاني بلا لعان لحدوثه بعد الفراش، وهذا ليس وجهًا آخر بل الأشبه أنه سهو والتوجيه الذي ذكره ممنوع، انتهى كلامه.

وما ذكره في آخر كلامه من تغليط "المهذب" في هذه المقالة قد تابعه عليه النووي في "الروضة" وكذلك ابن الرفعة في "الكفاية" فإنه نقل تغليط الرافعي له ووافقه عليه وليس الأمر كما زعموه، فقد جزم بذلك شيخه

ص: 524

القاضي أبو الطيب في "تعليقته" ثم ذكر ما استند إليه الرافعي من القياس على المطلقة ثلاثًا فإنه تكلم أولًا على ما إذا أتت امرأته بولد فنفاه باللعان، ثم أتت بعده بولد آخر لدون ستة أشهر، ثم تكلم بعد ذلك على ما إذا أتت به لأكثر من ذلك وهي المسألة التي أجاب فيها صاحب "المهذب" بما تقدم فقال -أعني القاضي- ما نصه: فأما إن أتت به لستة أشهر فصاعدًا فإن الولد الثاني ينتفي عنه بغير لعان هذا لفظه بحروفه، ثم استدل عليه فقال: لأنه لا يجوز أن يكون منه على وجه يلحقه، فإنه حمل حادث، فإما أن يكون [الزوج قد وطئها بعد فرقة اللعان فيكون زنا فلا يلحقه، وإما أن يكون](1) من غيره فلا يلحق به.

فإن قيل: هلا [قلتم] إنه يلحق به كما قلتم أن رجلًا لو طلق امرأته ثلاثًا واعتدت بثلاثة أقراء ثم أتت بولد لستة أشهر فصاعدًا، ولدون أربع سنين إن ولدها يلحقه؟ قلنا: الولد هناك إنما لحقه لجواز أن تكون قد حملت منه قبل الطلاق ويكون الدم الذي رأته حيضًا: على الجديد، ودم فساد: على القديم، وليس كذلك في الطلاق لأنا تحققنا أن الولد هناك حادث بعد الطلاق لأن الله تعالى قد أجرى العادة بأن لا يتوسط بين الوضعين مدة حمل، فوزان مسألتنا من مسألة الطلاق أن تطلق امرأته ثلاثًا فتأتي بولد لأكثر من أربع سنين من وقت الطلاق فلا يلحقه لأنه لا يمكن أن يكون منه، هذا كلام القاضي أبي الطيب ذكره في أثناء أبواب اللعان في باب ما يكون قذفًا وما لا يكون بعد ورقتين من أوله فأخذ الشيخ كلام شيخه، وجزم به في "المهذب" والعجب من موافقة ابن الرفعة على الإنكار مع كثيرة نقله عن التعليقة المذكورة.

تم الجزء السابع بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

(1) سقط من أ.

ص: 525