المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السادس في مسائل الدور - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٧

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب النكاح

- ‌ خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم في النكاح وغيره

- ‌ الأركان

- ‌الفصل الأول في أسباب الولاية

- ‌الفصل الرابع في تولي طرفي العقد

- ‌الفصل الخامس في التوكيل

- ‌الفصل السادس في ما يجب على الولي

- ‌الفصل السابع في الكفاءة

- ‌الفصل الثامن في تزاحم الأولياء

- ‌ الموانع

- ‌الجنس الأول: المحرمية

- ‌الجنس الثاني: ما لا يوجب حرمة مؤبدة

- ‌الجنس الثالث: من الموانع الرق

- ‌الجنس الرابع: من الموانع الكفر

- ‌ موجبات الخيار

- ‌السبب الأول: العيب

- ‌السبب الثاني: الغرور

- ‌السبب الثالث: [العتق]

- ‌السبب الرابع: العنة

- ‌ فصول متفرقة

- ‌الفصل الأول فيما يحل للزوج

- ‌الفصل الثاني في وطء الأب جارية الابن

- ‌الفصل الرابع في تزويج الإماء

- ‌الفصل الخامس في تزويج العبد

- ‌الفصل السادس في النزاع

- ‌كتاب الصداق

- ‌الباب الأول في الصداق الصحيح

- ‌الباب الثاني في الصداق الفاسد

- ‌الباب الثالث في المفوضة

- ‌الباب الرابع في التشطير

- ‌الفصل الأول: في محله وحكمه

- ‌الفصل الثاني في التغيرات قبل الطلاق

- ‌الفصل الثالث في التصرفات المانعة من الرجوع

- ‌الفصل الرابع في هبة الصداق من الزوج

- ‌الفصل الخامس في المتعة

- ‌الباب الخامس في النزاع

- ‌باب الوليمة والنثر

- ‌كتاب القسم والنشوز

- ‌[كتاب الخلع

- ‌الباب الأول في حقيقة الخلع]

- ‌الباب الثاني في أركان الخلع

- ‌الباب الثالث في موجب الألفاظ

- ‌الباب الرابع في سؤال الطلاق

- ‌الباب الخامس في النزاع

- ‌كتاب الطلاق

- ‌الباب الأول في "السنة والبدعة

- ‌الركن الأول: المطلق

- ‌الركن الثاني: اللفظ وما يقوم مقامه

- ‌الركن الثالث: القصد إلى الطلاق

- ‌الركن الرابع: المحل

- ‌الركن الخامس: الولاية على المحل

- ‌الباب الثالث في تعدد الطلاق

- ‌الباب الرابع في الاستثناء

- ‌الباب الخامس في الشك في الطلاق

- ‌الشرط الثاني من الكتاب في التعليقات

- ‌الفصل الأول في التعليق بالأوقات

- ‌الفصل الثاني في التعليق بالتطليق

- ‌الفصل الثالث في التعليق بالولادة والحمل

- ‌[الفصل الرابع في التعليق بالحيض]

- ‌الفصل الخامس في التعليق بالمشيئة

- ‌الفصل السادس في مسائل الدور

- ‌فصل: في مسائل منثورة ذكرها أبو العباس الروياني

- ‌فصل: قد بقى من كلام الرافعي ألفاظ لم يتقدم ضبطها

- ‌كتاب الرجعة

- ‌الفصل الثاني: في أحكام الرجعة

- ‌كتاب الإيلاء

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: في أحكامه

- ‌كتاب الظهار

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: في حكم الظهار

- ‌كتاب الكفارات

- ‌ العتق

- ‌ الصيام

- ‌ الإطعام

- ‌[كتاب اللعان

- ‌الباب الثاني: في قذف الأزواج

- ‌الباب الثالث: في ثمرة اللعان

الفصل: ‌الفصل السادس في مسائل الدور

‌الفصل السادس في مسائل الدور

قوله: وإذا قال لامرأته: إذا طلقتك أو مهما أو متى فأنت طالق قبله ثلاثًا ثم طلقها ففيه ثلاثة أوجه:

أحدها: لا يقع عليها شيء وهو المشهور عن ابن سريج وإليه ذهب ابن الحداد والقفال الشاشي والقفال المروزي، والشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب، والشيخ أبو علي والشيخ أبو إسحاق الشيرازي والروياني، وأجاب به المزني في "المنثور" وحكاه صاحب "الإيضاح" عن نص الشافعي.

والثاني: يقع المنجز ولا يقع المعلق؛ لأنه جعل الجزاء سابقًا على الشرط حيث قال: فأنت طالق قبله ثلاثًا والجزاء لا يتقدم على الشرط فيلغو التعليق ولأن الطلاق تصرف شرعي والزوج أهل له وهي محل فبعد أن ينسد عليه باب التصرف، وهذا ما اختاره صاحب "التلخيص" والشيخ أبو زيد وابن الصباغ وصاحب "التتمة" والشريف ناصر العمري واختاره الغزالي بعد أن كان يختار الأول وصنف على كل اختيار تصنيفًا ويشبه أن تكون الفتوى به أولى.

والثالث: وهو اختيار أبي بكر الإسماعيلي وختنه وهو أبو عبد الله المشهور بالختن أنه يقع ثلاث طلقات، وله تنزيلان:

أظهرهما: تقع المطلقة المنجزة وطلقتان من الثلاث المعلقة.

والثاني: تقع الثلاث المعلقة ولا تقع المنجزة ويجعل كأنه قال: متى تلفظت بأنك طالق فأنت طالق قبله ثلاثًا، انتهى ملخصًا.

فيه أمور:

أحدها: أن ما نقله عن ابن الصباغ من اختيار وقوع المنجز خاصة قد تبعه عليه في "الروضة" وهو غلط فإن الذي اختاره إنما هو وقوع الثلاث

ص: 402

المطلقة المنجزة وطلقتين من الثلاثة المعلقة كذا صرح به في الشامل، إلا أنه ذكره في فصل يلي الفصل المعقود للمسألة فرجح في الفصل الأول وقوع المنجز، ثم ذكر في أول الفصل الذي يليه أنه يقع مع المنجز طلقتان أخريان وهو التنزيل الأول على الوجه الثالث كما سبق، وتفريق الحكم في الفصلين هو الذي أوقع الرافعي في الوهم، وذكر ابن الصباغ بعد هذا فرعًا مبنيًا على المسألة فقال: ويترتب على هذه المسألة مسألة جاءت من عمان وهي بلاد شرقي اليمن بساحل البحر أن رجلًا حلف بالطلاق الثلاث أنه يحج في هذه السنة فأفتاه بعض من ذهب إلى أنه لا يقع الطلاق بالكلية بأن يقول لامرأته إن حنثت في يميني فأنت طالق قبل ذلك ثلاثًا فإذا قال ذلك ولم يحج لم يطلق، وامتنع منهم قوم وفرقوا بأن هذا قد انعقدت يمينه على الحج فلا يملك حلها، وأما تلك المسألة فإنه علق بها ما يحلها قبل أن يعقدها قال: وأجاب القاضي أبو الطيب بحل اليمين.

الأمر الثاني: أن ما أشار إليه الرافعي من رجحان وقوع المنجز قد ذكر في "الشرح الصغير" مثله أيضًا.

وقال في "المحرر": أنه أولى الوجوه، وهذا الترجيح الذي ذكره في هذه الكتب مخالف للنص كما تقدم، ولكلام الأكثرين كما دل عليه كلامه، وتعداده للقائلين بكل منهما، وقد صرح الإمام بذلك فقال: ذهب معظم الأصحاب إلى أنه لا يقع شيء بالكلية، وكذلك الكيا الهراسى، وصنف في دْلك تصنيفًا إلا أنه صحح فيه وقوع المنجز وطلقتين من المعلق، ونقل في "البحر" عن القاضي أبي الطيب أن الشافعي نص في "المنثور" عليه -أي: على عدم الوقوع- فكيف شرع الفتوى بما يخالف نص الإمام وكلام الأكثرين، وقد صححه أيضا الغزالي في "الوسيط" في آخر الفصل فقال: إنه الصحيح وكذلك صاحب "الذخائر" وصنف فيه تصنيفًا واقتصر عليه أبو حاتم القزويني في كتاب "الحيل" وصححه أيضًا الشاشي في "المعتمد"

ص: 403

وكذلك ابن الخل شارح "التنبيه" وكان يفتي به ببغداد كما نقله عنه ابن خلكان في تاريخه.

الأمر الثالث: أن تعليله عدم وقوع المعلق يكون الجزاء لا يسبق الشرط باطل فإنه قد نص في مسائل على عكسه منها: ما هو مذكور هاهنا فإنه قال في أثناء هذه المسألة: أنه إذا قال: إذا طلقتك فأنت طالق قبلها طلقتين وهي مدخول بها وطلقها وقعت الطلقتان المعلقتان.

الأمر الرابع: أن تعليله بانسداد باب الطلاق فيه بحثان:

أحدهما: ذكره الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد في مجموع له سماه بـ"اقتناص السوانح" ونقلته من خطه فقال: ذكر بعضهم أنه إذا عكس التعليق فقال: كلما تلفظت بطلاقك فلم يقع عليك فأنت طالق قبله ثلاثًا فإذا طلقها انحل الدور ووقع الطلاق قال: لأن الطلاق القبلي قد صار والحالة هذه معلقًا على النقيضين وهو الوقوع وعدم الوقوع وكلما كان لازمًا للنقيضين فهو واقع ضرورة لاستحالة خلو الواقع عن أحدهما، قال: وقريب منه قولهم في الوكالة كلما عزلتك فأنت وكيلي فنفاذ العزل أن يقول: وكلما عدت وكيلي فأنت معزول ثم يقول: عزلتك.

قلت: ولك أن تجيب بجوابين.

أحدهما: أن الطلاق إنما يقع على تقدير صحة التعليق المتأخر، ولقائل أن يمنع صحته لكونه غير قادر على التنجيز الذي هو فرعه.

الجواب الثاني: سلمنا صحة التعليق الثاني لكن التعليق الأول لا يترتب عليه شيء؛ لأن التفريع على صحة الدور واستحالة وقوع المعلق فيه وحينئذ فلم يصر الطلاق واقعًا على كل من التقديرين.

واعلم أن المدرك في الطلاق علي تقدير صحة التعليق إنما هو وقوعه على تقدير كل من النقيضين ولهذا يحصل المقصود وهو الطلاق بلا لفظ آخر

ص: 404

على هذا التقدير، والمدرك في الوكالة إنما هو تعارض التعليقين؛ لأن كل تعليق مطلوبه خلاف مطلوب الآخر بخلاف الطلاق، فلما تعارض اعتضد العزل بالأصل؛ إذ الأصل الحجر؛ ولهذا لا يحصل المقصود وهو العزل إلا بلفظ.

البحث الثاني: أن الوقوع بالسراية إما بالنسبة إلى الطلقة أو إلى المرأة المطلقة هل ينسب إلى المطلق أم لا بل السراية تكميل من الشرع؟ اختلف فيه كلام الرافعي كما سبق إيضاحه في كتاب الخلع، وحينئذ فإذا أضاف الطلاق إلى يدها مثلا وقلنا إنه سراية وأن السراية تكميل من الشرع لم ينسد باب الطلاق؛ لأن المعلق عليه وقوع طلاقه عليها وفي مثالنا لم يقع عليها بل إنما وقع على بعضها.

قوله: والوجهان الأولان يجريان في المدخول بها وغير المدخول بها جريانًا واحدًا.

وأما الثالث: فموضعه ما إذا كانت المرأة مدخولًا بها وغير المدخول بها لا يتعاقب عليها طلاق. انتهى كلامه.

وما ذكره من أن محلهما في المدخول بها تابعه عليه في "الروضة" أيضًا وليس كذلك فإن القائل به له تنزيلات كما سبق، وهذه الدعوى من الرافعي صحيحة على التنزيل الأول منه.

وأما على الثاني: فلا، وحينئذ فتجري الأوجه في المدخول بها وغيرها.

نعم: على ذلك التنزيل هل يقع على غير المدخول بها طلقة واحدة أم طلقتان؟

قوله: ولو قال أنت طالق ثلاثًا قبل أن أطلقك واحدة ثم طلقها واحدة فعلى الوجه الأول وهو انحسام باب الطلاق لا يقع شيء بالكلية، وكذا لو طلق ثلاثا أو اثنتين لاشتمال العدد على واحدة، وإذا مات أحدهما حكم

ص: 405

بوقوع الطلاق قبيل الموت كما لو قال: إن لم أطلقك فأنت طالق، قاله المتولي، وعلى الوجه الثاني وهو القائل بوقوع المنجز يقع المنجز أيضًا، انتهى.

وما ذكره هنا قد تقدم ما يخالفه في آخر الفصل الأول من هذا الباب وقد سبق ذكره واضحًا فراجعه.

قوله: ومن تصويرات ابن الحداد إذا قال لامرأته متى أعتقت جاريتي هذه وأنت زوجتي فهي حرة ثم قال: متى أعتقتها فأنت طالق قبل عتقك إياها بثلاثة أيام، ثم أعتقها قبل مضي ثلاثة أيام فتعتق الجارية لأنها أعتقها وهي زوجة له ولا تطلق لأنه أوقع الطلاق قبل العتق بثلاثة أيام ولو أوقعناه كذلك لقدمناه على اللفظ وذلك محال وإن أمهلت ثلاثة أيام ثم أعتقها قبل مضي ثلاثة أيام لم تعتق لأنه إنما أذن لها في العتق بشرط أن تكون زوجة له، وقد علق الطلاق بثلاثة قبل العتق، ولو نفذ العتق لوقع الطلاق قبله بثلاثة أيام ولو كان كذلك لم تكن زوجة وإذا لم يحصل العتق لا يقع الطلاق أيضًا لأنه معلق به. انتهى كلامه.

وهذه المسألة يقع فيها تحريف وفي حكمها وقفة، وقوله في أولها متى أعتقت هو بتاء مكسورة على أنه خطاب للزوجة فاعلمه، وفي آخر كلامه ما يدل عليه وإنما نفذنا العتق منها بهذا اللفظ الصادر من الزوج وإن كانت الجارية ملكًا له لا لها لأنه توكيل للمرأة في الإعتاق وهذا حاصل ما تلخص لي من كلام الفروع وكلام الشارحين لها كالصيدلاني وغيره والقول بنفوذه منها بهذا اللفظ مشكل جدًا، نعم: يحتمل أن يكون كناية لا تصريحا أو يكون من باب المؤاخذة.

ص: 406

قال رحمه الله: القسم الثاني في فروع التعليقات

قوله: وقال أبو حنيفة وأحمد: التعليق بالطلوع ونحوه خَلَفَ كالتعليق بالدخول إلا في قوله: إذا حضت، أو إذا طهرت، أو إذا شئت، انتهى.

هكذا وقع في نسخ الرافعي "شئت" بمعنى الإرادة، ونقل في "البيان" نفست عوضًا عنه.

قوله: قال: أيما امرأة لم أحلف بطلاقها منكما فصاحبتها طالق، قال صاحب "التلخيص": إذا سكت ساعة يمكنه أن يحلف فيها بطلاقهما طلقتا.

قال الشيخ أبو علي: عرضت قوله على القفال وشارحي "التلخيص" فصوبوه، والقياس أن هذه الصيغة لا تقتضي الفور بل لابد من اليأس بموته أو موتها؛ إذ ليس في عبارته تعرض للوقت بخلاف قوله: متى لم أحلف، وتابعه الإمام، وغيره على قوله، واستبعده صاحب "التلخيص". انتهى كلامه.

لم يصحح في "الروضة" شيئًا من ذلك والصحيح مقالة الشيخ أبي علي فقد جزم بها الرافعي بعد هذا بنحو كراس ونصف عقب الكلام على الناسي والمكره، فقال: ولو قال: أيتكن لم أطأها فالأخريان طوالق ولم يقيد بوقت فجميع العمر وقت له.

قوله: والبشارة هي الخبر الأول الصدق انتهى.

ذكر مثله في "الشرح الصغير" و"الروضة" ومقتضاه أنه لا فرق في ذلك بين السار والمكروه، وجزم في "الكفاية" هنا بأنه لابد فيه من قيد السرور، قال: لأن الصرف يقتضي ذلك وإن كانت البشارة مأخوذة مما يغير البشرة سواء كان بخير أو شر، وحكى الماوردي في اشتراطه وجهين، ثم قال: والصحيح عندي تفصيل، فإذا قال مثلا: من بشرني بخبر زيد فينظر حال

ص: 407

الحالف معه فإن كان صديقا له أي لزيد فليس المكروه ببشارة، وإن كان عدوًا فهو بشارة، ونقله عنه صاحب "البحر" في كتاب الأيمان، وتابعه عليه وهذا منهما يقتضي أن البشارة يعتبر فيها سرور المخبر بكسر الباء دون المخبر والمتجه عكسه، فإن المسألة لها أربعة أقسام.

إما أن يسرهما معًا.

أو يسوؤهما معًا.

أو يَسُر المُخْبِر دون المُخْبَر.

أو بالعكس.

وسيأتيك في التعليق على ابتداء السلام كلام آخر متعلق بالبشارة فراجعه.

وسكت الماوردي عن قسم ثالث وهو ما إذا لم يكن بينهما صداقة ولا عداوة ويتجه فيه عدم الوقوع.

قوله: وإذا قال: من بشرتني بكذا منكما أو منكن فهي طالق فبشرتا معًا فالمنقول أنهما تطلقان وقد يفهم من قوله من بشرتني منكما استقلال الواحدة بالبشارة وكذلك يصدق أن يقال ما بشرته حفصة ولا عمرة إنما بشرته زينب، ولو قال: من أكلت منكما هذا الرغيف فأكلتاه لم تطلق -انتهى كلامه.

فيه أمور:

أحدهما: أن الوقوع في هذه المسألة مشكل لا يوافق القواعد وذلك لأن البشارة كما ذكره الرافعي مختصة بالخبر الأول الصدق الذي لم يكن المبشر عالما بمدلوله فلابد من وجود قيد الأولية، والمعية ليس فيها أول كما ذكره الرافعي في آخر الفصل الثالث المعقود للحمل والولادة فقال: ولو قال: إن أول ولد تلدينه ذكرًا فأنت طالق واحدة وإن كان أنثى فأنت طالق ثلاثًا

ص: 408

فولدتهما معًا لم يقع شيء؛ لأنه لا يوصف واحد منها بالأولية، ولهذا لو أخرج رجل دينارًا للمتسابقين وقال: من جاء منكما أولًا فهو له فجاءا معًا لم يستحقا شيئًا.

قال الشيخ أبو علي: ويحتمل أن يطلق ثلاثًا، ثم قال: وعرضته على الشيخ -يعني: القفال- فلم يستبعده، انتهى كلامه.

فتلخص أن البشارة لابد فيها من الأولية والأولية منتفية عن المعية فلزم انتفاء البشارة عن المعية وإذا انتفت البشارة لم يقع الطلاق فتلخص أن ما قاله الرافعي هنا لا معول عليه ولا التفات إليه.

الأمر الثاني: أن ما اقتضاه كلامه من الاتفاق على طلاقهما معًا عند مخاطبة المرأتين فقط تبعه عليه في "الروضة" وليس كذلك فقد جزم جماعة بعدم الوقوع وعللوه بأن صيغة من تقتضي التبعيض منهم الماوردي في "الحاوي" والروياني في "البحر" كلاهما في كتاب الأيمان، وهو صحيح يؤيده ما ذكروه في الوكالة في ما لو قال: بع ما تراه من عبيدي وقد تكلمنا عليه هناك، وقد حذف النووي من "الروضة" هذه المسألة -أعني: وجود البشارة من جميع المعلق عليهم دفعة واحدة عند الإتيان بصيغة من وهي مسألة مهمة.

الأمر الثالث: أن الرافعي قد استدل على ما ادعاه وهو فهم الاستقلال بصحة نفيه عن كل واحدة على انفرادهما، ثم ذكر أن ما يفهم منه الاستقلال من السرور ما لا أثر له عند الاشتراك بدليل مسألة الرغيف، وهذا الذي ذكره صحيح لا اعتراض عليه من هذا الوجه وإن كان فيه شيء آخر سأذكره بعد هذا.

إذا علمت ذلك فاعلم أن النووي قد فهم كلام الرافعي على غير وجهه فاختصره على ما فهمه منه ثم اعترض عليه فإنه قال: فلو بشرتاه معًا فالمنقول أنهما تطلقان وفيه نظر، فإنه لو قال: من أكل منكما هذا الرغيف

ص: 409

فهي طالق فأكلتاه لم تطلقا، قلت: الصواب أنهما تطلقان، وليس كمسألة الرغيف؛ لأنه لم تأكله واحدة منهما، وأما البشارة فلفظة من ألفاظ العموم لا تنحصر في واحدة فإذا بشرتاه معًا صدق اسم البشارة من كل واحدة مطلقًا هذه عبارته.

قوله: ولو أرسلت رسولًا لم تطلق؛ لأن المبشر هو الرسول ذكره البغوي، انتهى.

وما أطلقه من كون المبشر هو الرسول قد تابعه عليه أيضا في "الروضة" وفيه تفصيل ذكره الرافعي قبل كتاب التدبير نقلا عن "الزيادات" للعبادي ولابد منه، فقال: وأنه إذا قال: من بشرني من عبيدي بقدوم زيد فهو حر فبعث بعض عبيده عبدًا آخر ليبشره به فجاء وقال: عبدك فلان يبشرك بقدومه وأرسلني لأخبرك فالمبشر المرسل دون الرسول هذا لفظه، وحاصله التفصيل بين أن يستند إليه أم لا وهو واضح بخلاف ما يوهمه إطلاق المذكور هنا.

قوله: ولو قال: من أخبرني منكما بكذا فهي طالق فلفظ الخبر يقع على الكذب والصدق ولا يختص بالخبر الأول فإذا أخبرتاه صادقتين أو كاذبتين معًا أو على الترتيب طلقتا جميعًا، انتهى.

وما ذكره من وقوع الطلاق عليهما جميعًا مع كونه قد عبر بمن الدالة على التبعيض قد تابعه عليه في "الروضة" أيضًا والقواعد تنفيه لما ذكرناه من الإتيان بمن، وقد سبق في كتاب الوكالة أنه لو قال بع من عبيدي من رأيت لا يجوز له بيع جميعهم بالجملة فقد ذكر الروياني المسألة في كتاب الأيمان من "البحر" فقال: لو قال: من بشرني [بخبر زيد](1) من عبيدي [فهو حر فبشره جميع عبيده في حالة واحدة لم يعتق واحد منهم؛ لأنه قال: من بشرني من عبيدي](2) فيقتضي التبعيض دون الجميع هذه عبارته.

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من أ.

ص: 410

قوله: فرع: لو قال: أنت هكذا وأشار بأصابعه الثلاث ففي "فتاوى القفال" أنه لو نوى الطلاق طلقت ثلاثًا والإشارة صريحة في العدد وإن لم ينو أصل الطلاق لم يقع شيء وقال غيره: يحتمل أن لا يجعل هذا كناية؛ لأن اللفظ لا يشعر بالطلاق بحال. انتهى.

وقوله: ولو قال: إن دخلت وكلمت زيدًا فأنت طالق، طلقت بوجودهما كيف كان، وأشار في "التتمة" إلى وجه في اشتراط تقديم الأول بناء على أن "الواو" تقتضي الترتيب ولو أتى بـ"ثم" أو "الفاء" فيشترط تقديم الأول. انتهى ملخصا.

وما ذكره هنا في "الواو" قد نقل في باب التدبير عن البغوي ما يخالفه وأقره عليه وسوف أذكره هناك فراجعه.

وأما اقتصاره في "الفاء" و"ثم" على اشتراط تقديم الأول فليس بجيد، بل يشترط في الفاء إيصاله بالأول على الأصح كذا صححه الرافعي في باب التدبير وقياسه اشتراط الانفصال في ثم.

قوله: ولو قال: إن دخلت الدار إن كلمت زيدًا فأنت طالق أو قال: أنت طالق إن دخلت إن كلمت، فلابد منهما ويشترط تقديم المذكور آخرًا على المذكور أولًا سواء كان الشرطان متفقين كما ذكرنا أو مختلفين كأن وإذا، ويسمى هذا اعتراض الشرط على الشرط؛ لأنه جعل الكلام شرطًا لتعليق الطلاق بالدخول والتعليق يقبل التعليق ومنه قوله تعالى:{وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي} [وفي فتاوي القفال أنه يشترط تقديم المذكور أولًا وهو غريب](1) وذكر الغزالي في "الوجيز" نحوه، وهو محمول على سبق القلم، ويدل عليه أنه في "البسيط" جزم بالمعروف، ومال الإمام إلى أنه لا يشترط ترتيب أصلا والظاهر الذي ذكره الجمهور هو الأول حتى إذا دخلت ثم كلمت لا يقع، قال في "التتمة": وتنحل اليمين؛ لأنها انعقاد على المرة

(1) سقط من أ.

ص: 411

الأولى. انتهى ملخصًا.

فيه أمور:

أحدها: أن ما صححه هاهنا من وجوب تقديم الثاني قد خالفه في كتاب التدبير فذكر ما يوافق الوجه الثاني، وسوف أذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى وتبعه في "الروضة" على هذا الاختلاف.

الأمر الثاني: أن نقله تقديم الأول عن هذا الكتاب الغريب فقط ثم استغرابه له هو الغريب فإنه يقتضي أنه لم يظفر به لغيره مع أن الإمام قد جزم به في "النهاية" وزاد على ذلك فنقله عن الأصحاب ثم ذكر البحث الذي تقدم نقله عنه وهو الاكتفاء بوقوعهما كيف كان، ونقله أيضًا القاضي الحسين في "تعليقه"، ثم قال: والعراقيون قالوا بعكسه.

واعلم أن ما ذكرناه يعرفك أن ما في "الوجيز" وقع عن قصد لا عن سبق قلم.

الأمر الثالث: أن مرجع هذه المسألة إلى أهل العربية وقد قال شيخنا في "الارتشاف": إن الأصح اشتراط تقديم الثاني على وفق ما صححه الفقهاء؛ لأن ابن مالك في باب الجوازم من شرح الكافية قد جزم بأن الشرط الثاني في موضع نصب على الحال وهو لا يوافق شيئًا مما تقدم وقد بسطت المسألة في "الكوكب الدري" فراجعها.

الأمر الرابع: أن هذا النقل المذكور في آخر المسألة عن المتولي صحيح ذكره قبيل الرجعة بأوراق قلائل ولكنه غير مستقيم في نفسه؛ لأن المحلوف عليه في قول القائل مثلًا: إن قمت إن قعدت، إنما هو قيام سبقه قعود ولم يوجد ذلك، وإنما وجد خبر المحلوف عليه وهو القعود؛ لأنا ألغينا القيام السابق فتكون اليمين باقية حتى إذا وجد بعده قيام آخر حصل الحنث.

قوله: قال لنسوته الأربع: أربعتكن طوالق إلا ثلاثة قال القاضي الحسين والمتولي: لا يصح هذا الاستثناء؛ لأن الأربع ليست صيغة عموم، وإنما هي

ص: 412

اسم لعدد معلوم خاص، فقوله: إلا فلانة رفع للطلاق عنها بعد التنصيص عليها، فهو كقوله: أنت طالق طلاقًا لا يقع عليك، ومقتضى هذا التعليل أنه لا يصح الاستثناء من العدد في الإقرار، ومعلوم أنه ليس كذلك، وحكى الإمام عن القاضي أنه لو قال: أربعتكن إلا فلانة طوالق صح الاستثناء، وادعى أن هذا معهود دون ذاك وهذا كلام كما تراه. انتهى كلامه.

وقد تضمن استشكال الفرق بين الصورتين والإشارة إلى التعجب منه حيث قال: كما تراه مع أن الفرق واضح فإن الصورة الثانية وقع فيها الإخراج قبل الحكم فلم يؤد إلى التناقض بخلاف الصورة الأولى فإنه وقع بعد الحكم على أن في المسألة كلامًا للأصوليين ذكرته في ما ألفناه في علم الأصول.

قوله: ولو قيل له على وجه الإنشاء: أطلقت امرأتك؟ فقال: نعم، فهل هو صريح أو كناية؟ فيه قولان: قال الأئمة: وهما مبنيان على أنه لو قال الولي: زوجتك ابنتي فقال: قبلت ولم يقل نكاحها هل يصح؟ وقضية هذا البناء ترجيح قول الكناية، لكن ابن الصباغ والروياني رجحوا كونه صريحًا ومنهم من لا يذكر غيره. انتهى ملخصا.

والصحيح أنه صريح كذا صححه الرافعي في "المحرر" و"الشرح الصغير" وعبر فيهما بالأظهر وجعل الخلاف وجهين.

قوله: فرع: إذا قيل له أطلقت [زوجتك؟ فقال: قد كان بعض ذلك](1) ولم يفسر بشيء قال في "التتمة" إذا كان السؤال عن ثلاث لزمه الطلاق وإن كان عن واحدة لم يلزمه شيء لأن الطلقة لا بعض لها، والأصل أن [لا طلاق](2) في واحد من الطرفين، وفي هذا توقف لا يخفى. انتهى.

قال في "الروضة": الصواب أنه لا يقع شيء في الحالتين، وقد اختصر

(1) سقط من أ.

(2)

في جـ الطلاق.

ص: 413

البحث الذي أشار إليه الرافعي فقال: والأصل: أن لا طلاق وفي كل واحد من الطرفين نظر. هذا لفظه.

قوله: وإذا علق الطلاق بالأكل ففي الحنث بالابتلاع وجهان أوردهما صاحب "التتمة"، والأظهر: المنع؛ لأنه يصح أن يقال: ابتلع وما أكل، انتهى كلامه.

وما ذكره هاهنا من تصحيح عدم الحنث قد جزم بخلافه في كتاب الأيمان في موضعين في أثناء النوع الثاني وسوف أذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى فراجعه.

وتبعه في "الروضة" على الموضعين لكنه اختصر كلامه هنا على غير ما هو عليه فإنه نسب الوجهين والتصحيح إلى "التتمة" فقال: ولو علق على الأكل فابتلعت لم يجب على الأصح؛ لأنه يقال: ابتلع ولم يأكل.

ذكره المتولي هذا لفظه.

وقد رأيت التصحيح في "التتمة" كما ذكره لكنه لا يكفي في الاعتذار لفوات ما دل عليه لفظ الرافعي من الصحيح على وفق ما صححه في "التتمة" فتعين أنه سهو منه بلا شك والموقع للرافعي في هذا الاختلاف هو صاحب "التتمة" فإنه مع تصحيحه هنا عدم الحنث قد جزم في كتاب الأيمان بعدمه وصور المسألة في السكر فتابعه الرافعي عليها.

قوله: قال الإمام: واكتفوا فيما إذا قال: إن لم تعدي الشيء فأنت طالق بذكر اللسان، ولم يعتبروا تولي العدد فعلًا -أي: باليد- قال: ولست أرى الأمر كذلك، ثم قال: نعم لو كان يرمق الواحد بعد الواحد، ويضبط فهذا يقام مقام النقل باليد. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما ذكره آخرًا من إقامة الرمق مع الضبط مقام النقل باليد قد أسقطه من "الروضة".

الأمر الثاني: أن ما ذكره من اشتراط النقل أو الإشارة لا يتصور القول به

ص: 414

إلا على الوجه الثاني على خلاف ما دل عليه كلامه فتأمله.

قوله: لو قال: إن لم تخبريني بعدد حبات هذه الرمانة قبل كسرها أو أن تخبريني بعدد ما في هذا البيت من الجوز فأنت طالق، أو قال: إن لم تذكري، قال الأصحاب: يحصل الخلاص بأن تبتدئ من عدد يستيقن أن الحبات والجوز لا ينقص عنه وتذكر الأعداد بعده على الولاء بأن تقول: مائة، مائة وواحد، مائة واثنين، وهكذا إلى أن تنتهي إلى عدد تستيقن أنه لا يزيد عليه فتكون مخبرة عن ذلك العدد أو ذاكرة له وهذا إذا لم يقصد التعين والتعريف وإلا فلا يحصل البراء. انتهى.

وما ذكره هنا من توقف الخلاص على الطريقة المذكورة تابعه عليه في "الروضة" أيضًا وهو مشكل مخالف للقاعدة، فقد ذكر الرافعي قبل ذلك بأوراق أن الخبر لا يختص بالصدق على الصحيح، بل يطلق على الصدق والكذب وحينئذ فيتخلص الحالف المذكور بأي عدد ذكرته المرأة له صدقا كان أو كذبا إذ الفرض أنه لم يقصد التمييز، وقد حصل مسمى الخبر بعدده فيكفي وإن كان خبرًا غير مطابق ولم يذكر هذا الموضع في "الشرح الصغير".

قوله: فرع: لابد من النظر في مثل هذه التعليقات إلى وضع اللسان وإلى ما يسبق إلى الفهم في العرف الغالب فإن تطابق العرف والوضع فذاك وإن اختلفا فكلام الأصحاب يميل إلى اعتبار الوضع والإمام والغزالي يريان اتباع العرف وقد سبق في هذه الفروع أمثلة هذا. انتهى كلامه.

وما ذكره من رجحان الوضع قد صرح أيضًا بتصحيحه بعد هذا بأسطر فقال: إنه الأصح الذي أجاب به المتولي وعلله بأن العرف يتخبط وما نقله هنا عن المتولي قد تقدم [في عليه](*) في أول الباب الثالث من أبواب الخلع ما يخالفه وقد سبق ذكر لفظه هناك فراجعه.

قوله من زياداته: قلت: القحبة هي البغي وهي كلمة مولدة ليست عربية والله أعلم. انتهى.

وما ذكره من كونها ليست عربية ليس كذلك فقد ذكر الشيخ عز الدين

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا بالمطبوع، ولم أفهمها، ولو حُذفت لاستقام الكلام، والله أعلم

ص: 415

في مجموع له مشتمل على مسائل التفسير وغيرها ما حاصله: أنها عربية فقال: القحبة مأخوذ من القحاب بالضم وهو السعال وذلك أنهم كانوا يقولون للزانية إذا عطست الورا والقحاب، والورا بالفتح والقصر هو داء في الجوف ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"لأن يمتليء جوف أحدكم قيحًا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرًا"(1) فلما لازمها ذلك عند الدعاء عليها عند العطاس اشتق لها منه اسم. هذا كلامه، وغايته أن يكون مجازًا إن لم يكن حقيقة، والمجاز ليس خارجا عن لغة العرب لانقسام اللغة إلى حقيقة ومجاز، وذكر الجوهري أن القحبة مولدة ولم يزد على ذلك، قال: ويقال: وري القيح جوفه وريًا إذا أكله ثم ذكر الحديث.

قوله: وقال -يعني: أبا العباس الروياني-: إن الأحمق من نقصت مرتبة أموره وأحواله عن مراتب أمثاله نقصًا بينًا بلا مرض ولا سبب. انتهى كلامه.

وهذا التفسير الذي ذكره في الأحمق واقتصر عليه قد ذكر خلافه في كتاب الكفارات واقتصر عليه أيضًا فقال: ويجزئ الأحمق، وفسر بأنه الذي يضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه، والمجنون لا يعلمه. هذا لفظه وذكر مثله هناك أيضًا صاحب "المهذب" و"التهذيب" وفي "الحاوي" أنه الذي يضع كلامه في غير موضعه فيأتي بالحسن في موضع القبيح وعكسه وفي "التتمة" و"البيان" أنه من يعمل ما يضره مع علمه بقبحه، والعجب من تركه لهذه المقالات المذكورة في هذه الكتب المشهورة واقتصاره على نقلها عن من نقل، ولم يتفطن النووي لما ذكرناه من مخالفة الرافعي هناك، وإنما نقل كلام بعض من نقلنا عنه.

قوله: وذكر الغزالي في "الوسيط" أنه وقع في الفتاوى أن رجلا قال لزوج ابنته: في مخاصمتهما لم تحرك لحيتك فقد رأيت مثل هذه اللحية كثيرًا، فقال: إن كنت رأيت مثل هذه اللحية كثيرًا فابنتك طالق، قال: وليس المراد المماثلة في الشكل والصورة وعدد الشعر وإنما يكنى باللحية في هذا الموضع عن الرجولية والفتوة ونحوهما فإن حمل اللفظ على المكافأة وقع

(1) أخرجه البخاري (5803) ومسلم (2257) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 416

الطلاق وإلا فلا يقع لكثرة الأمثال. انتهى كلامه.

تابعه في "الروضة" على تعليل عدم الوقوع بكثرة الأمثال وهو غلط، فإن كثرة الأمثال تعليل للوقوع الذي هو عكس الحكم الذي ادعاه إذ الزوج علق الطلاق على رؤية كثير من أمثالها وقد ذكره في "الوسيط" على الصواب فراجعه، وكان ينبغي أن يقول: وإلا فيقع لكثرة الأمثال، وحينئذ فتطلق على كل تقدير لكنه إن قصد المكافأة فالتنجيز وإلا فالتعليق.

قوله: قال في "الوجيز": ولو علق على مخالفتها الأمر فقال: لا تكلمي زيدًا فكلمته لم تطلق؛ لأنه مخالفة للنهي، وهذا ينازع فيه العرف.

ولو علق على النهي فقال: قومي فقعدت قيل: إنها تطلق؛ لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده وهو فاسد، ولو قال: أنت طالق إلى حين أو زمان طلقت بعد لحظة، وكذلك قالوا في العصر والحقب وهو بعيد، ثم قال: ولو علق على الضرب إلى آخره.

واعلم أن هذه المسائل الثلاث المذكورة في كلام "الوجيز" قبل مسألة الضرب ليست موجودة في نسخ الرافعي وكأنه انتقل نظره من قوله ولو علق إلى قوله: ولو علق أو سقط ذلك من الناقل من مسودة الرافعي حالة تصنيفه لهذا الكتاب، وقد شرح هذه المسائل في "الشرح الصغير" فقل بعد ذكره لهذه المسائل ما نصه: فيه مسألتان:

إحداهما: إذا قال لامرأته: إن خالفت أمري فأنت طالق، ثم قال لها: لا تكلمي زيدًا فكلمته لم تطلق؛ لأنها ما خالفت أمره وإنما خالفت النهي، هذا هو المشهور.

وقوله: -أي الغزالي- تنازع فيه العرف أي: مخالفة قول الإنسان تعد في العرف مخالفة أمره فيحتمل أن يقال: إنها تطلق، ولو قال: إن خالفت نهيي فقال لها: قومي فقعدت فللأصوليين من الأصحاب وغيرهم خلاف في أن الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده؟ فذهب بعض من جعله نهيًا إلى وقوع الطلاق، والأظهر عند الإمام وغيره المنع المطلق، وإن جعلنا الأمر

ص: 417

بالشيء نهيًا عن ضده؛ لأن الأيمان والتعليقات لا تحمل على القواعد الأصولية، وإنما ينظر فيها إلى العرف والإطلاقات الغالبة ولا يقال في عرف اللغة لمن قال قم: إنه نهي، هذا كلام "الشرح الصغير".

ولم ير النووي إخلاء الروضة عن هذه المسائل فأثبتها ناقلًا لها من "الوجيز" إلا أنه بسط كلامه، فقال: فصل: قال: إن خالفت أمري فأنت طالق، ثم قال: لا تكلمي زيدًا فكلمته قالوا: لا تطلق، لأنها خالفت النهي دون الأمر، ولو قال: إن خالفت نهيي فأنت طالق، ثم قال: قومي فقعدت وقع؛ لأن الأمر بالشيء نهي عن أضداده، وهذا فاسد؛ إذ ليس الأمر الشيء نهيًا عن ضده في ما نختاره وإن كان فاليمين لا يبنى عليه، بل على اللغة أو العرف، لكن في المسألة الأولى نظر بسبب العرف هذا كلام النووي رحمه الله وهو مخالف لما ذكره الرافعي في "الشرح الصغير" في ما إذا قال: إن خالفت نهيي فقعدت فإن كلام الرافعي يقتضي أن المعروف في النقل أنه لا يقع، وكلام النووي يقتضي عكسه وكان ينبغي للنووي أن ينبه على أن هذه المسائل من "زوائده"، فإن الواقف عليها في "الروضة" يتوهم أن الرافعي ذكرها، وأن كلامه قد اختلف، على أنه قد وقع في بعض نسخ الرافعي إثباتها من "الوجيز" أيضًا.

قوله: فيه صور إحداها: إذا علق الطلاق بالضرب طلقت إذا حصل الضرب بالسوط أو بالوكز أو اللكز ولا يشترط أن لا يكون حائل والأشهر أنه يعتبر أن يكون فيه إيلام ومنهم من لم يشترط الإيلام واكتفى بالصدمة. انتهى كلامه.

وما ذكره هنا من تصحيح اشتراط الإيلام قد خالفه في كتاب الأيمان في النوع السابع فصحح عدم اشتراطه وتابعه في "الروضة" على هذا الاختلاف وسوف أذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى وأبين ما يقتضي أن المذكور هنا غلط حصل من تحريف فراجعه، والوكز هو الضرب على الذقن باليد وهي

ص: 418

[مقبوضة](1) الأصابع، واللكز باللام هو الضرب على الصدر بذلك، وقال أبو زيد في جميع الجسد.

وأما نكزه بالنون فمعناه ضربه ودفعه وليس له ذكر في الرافعي.

قوله: الثالثة: إذا علق بقدوم زيد طلقت إذا قدم راكبا أو ماشيا وإن قدم به ميتًا نظر إن كان بأمره واختياره فهو كما لو قدم راكبًا، وإن لم يكن بإذنه لم يقع سواء كان زمنًا أو صحيح البدن هذا هو الظاهر، ويأتي فيه خلاف؛ لأن صاحب "المهذب" وغيره نقلوا طريقًا في ما إذا حلف أن لا يدخل الدار فحمل بغير إذنه واختياره وأدخل أنه على القولين في ما إذا أكره حتى دخل بنفسه ووجهه أنا سوينا في حال الاختيار بين دخوله بنفسه ودخوله محمولًا فكذلك يسرى في عدم الاختيار بين الأمرين، انتهى كلامه.

وما ذكره في آخر كلامه من التسوية حال الاختيار بين أن يدخل بنفسه أو يدخل محمولًا حتى إذا حمل وهو قادر على الامتناع قد خالفه في كتاب الأيمان في آخر الباب الثالث في الفصل المعقود لحنث الناسي والجاهل فصحح أنه إذا حمل بغير إذنه ولكن قدر على الامتناع والهرب أنه لا يحنث، وتابعه في "الروضة" على ذلك، وسوف أذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى:

ثم إن المسألة المترجم لها هاهنا وهي مسألة القدوم لاشك أنها كمسألة الدخول وهو قادر على الامتناع؛ لأنه تارة يعبر في الحنث بالأمر والاختيار وتارة يقتصر على الاختيار وقد اختصره في "الروضة" اختصارًا فاسدًا حاصله أنه يكفي في الحنث قدرته على الامتناع على خلاف ما قرره في كتاب الأيمان فإنه قال: فصل: علق بقدوم زيد طلقت إذا قدم راكبًا أو ماشيًا، وإن قدم به ميتًا لم تطلق وإن حمل وقدم به حيًا إن كان باختياره طلقت وإلا فلا على المذهب هذه عبارته، والفتوى على المذكور في الأيمان، فإنه الموضع المعقود للمسألة.

(1) في جـ: مفتوحة.

ص: 419

قوله: ولو نظرت في المرأة أو الماء قال الإمام: هذا فيه احتمال، لأنه وإن حصلت الرؤية في الحقيقة لكنه يصح في العرف أن يقال: ما رآه وإنما رأى مثاله أو خياله، والظاهر أنه لا يقع، وبه أجاب البغوي في المرآة والمتولي في المرآة والماء جميعًا، انتهى كلامه.

وما ذكره من ترجيح عدم الوقوع خالفه في "الشرح الصغير" فقال: ولو نظرته في الماء أو المرآة قال الإمام: فيه احتمال لأنه يصح أن يقال في العرف ما رآه وإنما رأى مثاله وخياله والظاهر وقوع الطلاق هذا لفظه وهو غريب لتعبيره في الموضعين بالظاهر.

قوله: ولو قال للعمياء: إن رأيت زيدًا فأنت طالق، قال الإمام: الصحيح أن الطلاق معلق بمستحيل، وقيل: يحمل على اجتماعهما في مجلس. انتهى.

وما أطلقه الإمام من كونه تعليقًا بمستحيل حتى لا يقع على الصحيح قد تابعه هو والنووي عليه وفيه أمران:

أحدهما: أن هذا ليس من باب التعليق على المستحيل فإن الأعمى كثيرًا ما يحصل له الإبصار بالتداوي خصوصًا من عمى بنزول الماء فيعالج بالقدح فنسأل الله تعالي العافية في الدارين.

الثاني: أنه يتعين فيه تفصيل وهو أنه إن كان أكمه وهو الذي ولد أعمى كان من التعليق على المستحيل عادة كطلوع السماء ونحوه؛ ولهذا جعله الله تعالى آية للمسيح عليه الصلاة والسلام، فقال:{وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي} [المائدة: 110]، وإن لم يكن أكمه فلا.

قوله: وإذا علق برؤيتها الهلال وفسر الرؤية بالمعاينة أو صرح بها في تعليقه فقال في "التهذيب" إن الرؤية في الليلة الثانية والثالثة كهي في الأولى ولا أثر لها في الرابعة، فإنه لا يسمى هلالًا بعد الثلاث وفي "المهذب" أنه لو لم ير حتى صار قمرًا لم تطلق بالرؤية بعده وحكى وجهين في أنه يصير

ص: 420

قمرًا باستدارته أم بأن يبهر ضوءه؟ انتهى.

قال في "الروضة" من زوائده: المختار ما ذكره البغوي وإن كان ما ذكره في "المهذب" مذكورًا في "الحاوي" وفي ما تفرع عنه.

واعلم أن يبهر بياء مفتوحة بنقطتين من تحت بعدها باء ساكنة تقول العرب: بهر القمر أي أضاء حتى غلب ضوؤه ضوء الكواكب، قاله الجوهري.

قوله: ولو قال: إن كلمت زيدًا فأنت طالق فكلمته في حال سكرها طلقت على الأصح، ثم قال: إلا إذا انتهت إلى السكر الطافح، انتهى.

والطافح بالطاء المهملة والفاء قال الجوهري: هو الذي ملأه الشراب، وما ذكره من استثناء الطافح إنما يأتي إذا جعلنا للسكران ثلاث مراتب وخالفنا بينها في الحكم، وقد اختلف في ذلك كلامه وكلام "الروضة" أيضا والمشهور خلاف المذكور هنا، وقد أوضحت ذلك في الباب الثاني في كتاب الطلاق فراجعه.

قوله: فإن لم يسمع لعارض لغط أو ريح أو لما به من الصمم فوجهان:

أحدهما: وهو الذي أورده الإمام وصاحب الكتاب في اللغط وأجاب به القاضي الروياني: أنه يقع الطلاق؛ لأنها كلمته وعدم السماع إنما كان لعارض فأشبه ما إذا كان للذهول.

وأصحهما عند صاحب "التهذيب": أنه لا يقع حتى يرتفع الصوت بقدر ما يسمع في مثل تلك المسافة مع ذلك العارض فحينئذ يقع، انتهى.

والراجح هو الوقوع فقد قال الرافعي في "الشرح الصغير": إنه أظهر الوجهين، وجزم به في هذا الكتاب أعني "الشرح الكبير" في باب صلاة الجمعة في الكلام على إسماع الأربعين لكنه فرضها في الصمم خاصة، ونقله في "التتمة" هناك عن نص الشافعي، وقد اختلف تصحيح النووي فصحح في "تصحيح التنبيه" أنه لا يقع وجزم في "الروضة" [في صلاة

ص: 421

الجمعة بالوقوع تبعا للرافعي ولم يصحح هنا في "الروضة"] (1) شيئًا.

قوله: وحكى الحناطي قولين في ما إذا قال: إن كلمت نائمًا أو غائبًا عن البلد هل يقع الطلاق في الحال بناء على الخلاف في التعليق على المحال ويحتمل أن يقال: إنها لا تطلق حتى تخاطبه مخاطبة المتكلمين، وبنحو منه أجاب القاضي أبو الطيب في ما إذا قال: إن كلمت ميتًا أو حمارًا، انتهى.

وما أشعر به كلامه من رجحان الحنث عند مخاطبة النائم ونحوه مخاطبة المتكلمين وأن القاضي أبا الطيب ذكر نحوه قد تابعه عليه أيضًا في "الروضة" وهو مخالف للقواعد فستعرف في الأيمان أنه إذا حلف لا يبيع فباع بيعًا فاسدًا كالخمر ونحوه لم يحنث [فلو صرح في اليمين بذلك فقال مثلا: لا أبيع الخمر لم يحنث](2) به أيضًا على الأصح لانتفاء حقيقة البيع، وقيل: يحنث؛ لأن المراد منه الحلف على صورة البيع وما يجيء فيه مثله أيضا؛ لأن كلام النائم ونحوه لا يقع به الطلاق عند الإطلاق فلا يقع عند التصريح به كبيع الخمر.

قوله: ولو علق بفعل الزوجة أو أجنبي فإن لم يكن للمعلق بفعله شعور بالتعليق ولم يقصد الزوج إعلامه أو كان المعلق بفعله ممن لا يبالي بتعليقه وقع الطلاق مع الإكراه والنسيان، وإن كان شاعرًا بالتعليق وكان ممن يبالي بتعليقه فالقولان، ويعتبر مع ذلك قصده الحث والمنع، فإنه يقصد التعليق بصورة الفعل، وإن كان ممن يبالي بتعليقه، انتهى ملخصًا.

واعلم أن في أقسام هذه المسألة مسألة مهمة كثيرة الوقوع وهي ما إذا فعل المحلوف علمه غير عالم باليمين فلنذكر أولًا ما ذكره الرافعي فيها ثم نذكر ما عليه الفتوى.

فنقول: أشار الرافعي رحمه الله بقوله ولم يقصد الزوج إعلامه إلى

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من أ.

ص: 422

اعتبار الشرط الأخير وهو قصد الحث والمنع وعبر عنه به لأن قاصده يقصد عادة إعلام الحالف بذلك ليمتنع منه ويدل على ما قلناه أنه لما رجع إلى حكم القيود لم يذكر اعتبار الإعلام وذكر الحث والمنع عوضًا عنه.

إذا تقرر هذا فالظاهر أن هذا الشرط إنما هو معطوف بأو لا بالواو وسنذكر سبب ذلك، وحينئذ فالذي لا يبالي وهو الذي لا يؤثر عرض الحالف حكمه واضح وهو الوقوع بفعله، وأما الذي يبالي فيتلخص من كلام الرافعي فيه أنه إن لم يكن له شعور باليمين فوقع الفعل الصادر منه على سبيل الإكراه والنسيان حنث الحالف به سواء قصد إعلامه ومنعه أم لم يقصد إذ كان من حقه أن يعلمه، وهذا القسم كثير الوقوع في الفتاوى، وكذلك يحنث أيضًا إذا شعر ولكن لم يقصد الحالف المنع وهو واضح، وقد أهمله في "المحرر".

ووجه ما قلناه أولًا: أنه معطوف بأو لأنه لو كان معطوفًا بالواو لكان المجموع شرطًا، وحينئذ فيقتضي أن الذي يبالي إذا لم يكن له شعور ولكن كان قصد الزوج الحث والمنع أنه لا يقع وليس كذلك، فإن الرافعي قد شرط بعد ذلك لعدم الوقوع شروطًا ثلاثة وهي أن يكون شاعرًا وأن يبالي وأن يقصد الزوج الحث والمنع كما تقدم حكايته منه فلو لم يكن كما قلناه لزم أن يشترط أمران فقط، وأن يكون ذكره للأول باطلًا ويؤيده أيضا أن المذكور في "المحرر" و"المنهاج" عند عدم العلم هو الوقوع من غير تفصيل أيضًا فإنه قال: ولو علق بفعله ففعل ناسيًا للتعليق أو مكرهًا لم تطلق في الأظهر أو بفعل غيره ممن يبالي بتعليقه وعلم به فكذلك وإلا فيقع قطعًا انتهى.

إلا أن فيه نظرًا فإنه كيف يقع بفعل الجاهل قطعًا ولا بفعل الناسي على الصحيح مع أن الجاهل أولى بالعذر من الناسي؟ وقد ذكر الرافعي بعد هذا مسألة تقوي ما ذكرناه فقال: ولو علق بدخول طفل أو بهيمة أو سنور وحصل دخولهم مكرها لم تطلق ويحتمل أن تطلق، انتهى.

ص: 423

واعلم أن ما اقتضاه كلام الرافعي في الحنث إذا لم يعلم المحلوف عليه قد رجحه الصيدلاني في ما جمعه من طريقة شيخه [الشاشي](1) فقال في الطلاق فإن قصد منعه، فإن لم يعلم القادم حتى قدم حنث الحالف وإن علم ثم نسي فعلى قولين، ومنهم من قال على قولين بكل حال، انتهى.

وذكر نحوه الغزالي في "البسيط" وقال: فأما إذا علق بفعلها في عينها فلا أثر لنسيانها وإن كانت مكرهة فالظاهر الوقوع؛ لأن هذا في حكم التعليق لا على قصد المنع، ومنهم من طرد الخلاف؛ لأن المكره عليه كالمعدوم، وهذا ما اختاره القاضي، انتهى.

وخالف الجمهور فخرجوه على القولين منهم الشيخ أبو حامد في "تعليقه"، فقال في الكلام على تعليق الطلاق بالقدوم ما نصه: ولو قدم وهو لا يعمل عقد صفة الطلاق، وتعليقه على قدوم أو كان علم ذلك ثم نسيه فإن كان ممن يقصد بعقد اليمين منعه من الدخول مثل أن يقول إذا قدم أبوك أو أخوك أو وكيلك فوجد ذلك والفاعل لا يعلمه أو علم باليمين ثم نسيها لم يطلق على أحد القولين، وطلقت على القول الآخر كما ذكرناه في المكره، انتهى.

وذكر المحاملي في "المقنع" مثله وكذلك الشيخ في "المهذب" والبغوي في "التهذيب" والجرجاني في "الشافي" والخوارزمي في "الكافي ".

قوله: ولو قصد منعها من المخالفة فقال الغزالي في "الوسيط" و"الوجيز": لا يقع الطلاق؛ لأنه لم يتحقق مخالفة ونفي الخلاف عنه في "الوسيط" ويشبه أن يراعي معنى التعليق ويطرد الخلاف، انتهى.

قال في "الروضة": الصحيح قول الغزالي ويقرب منه عكسه وهو أنه لو حلف لا يدخل عمدا ولا ناسيا، فدخل ناسيا فنقل القاضي حسين [أنه يحنث بلا خلاف والله أعلم، وهذه الزيادة التي استشهد بها هنا ناقلًا لها عن القاضي حسين](2) خاصة قد جزم بها الرافعي في كتاب الأيمان في أواخر الباب الثالث في الكلام على الناسي والمكره.

(1) في أ، جـ: القفال.

(2)

سقط من أ.

ص: 424

قوله: ولو قال: أنت طالق عشرًا فقالت: يكفيني ثلاث فقال: الباقي لضرتك يقع عليها ثلاث، وليس على الضرة شيء؛ لأن الزيادة على الثلاث لغو ولو قالت: يكفيني واحدة فقال الباقي: لضرتك، يقع عليها ثلاث، وعلى الضرة طلقتان إذا نوى، كذا قاله في "التهذيب"، انتهى كلامه.

وما نقله عن "التهذيب" وأقره عليه من كونه لا يقع شيء بالزائد على العدد في الشرعي وإن نوى، قد نقل في الباب الثاني في أركان الطلاق عن المتولي خلافه، وأقره عليه أيضًا وقد سبق ذكر لفظه هناك فراجعه، ووقع الموضعان في "الروضة" كذلك.

قوله: ولو قال لرجل: إن بدأتك بالسلام فعبدي حر، وقال الآخر: إن بدأتك بالسلام فعبد حر فسلم كل منهما على الآخر دفعة واحدة لم يعتق عبد واحد منهما لعدم ابتداء كل منهما وينحل اليمين، فإذا سلم أحدهما على الآخر بعد ذلك لم يعتق واحد من عبديهما ذكره الإمام، انتهى كلامه.

وما نقله عن الإمام وأقره وتابعه عليه في "الروضة" يشكل ما سبق في التعليق على البشارة فراجعه.

قوله: ولو قال: إن أعطيتك حقك فامرأتي طالق فأعطاه باختياره طلقت ولا تطلق بإعطاء الوكيل والسلطان، انتهى كلامه.

وما أطلقه من كون الوكيل لا يتنزل منزلة إعطاء الموكل حتى لا يقع الطلاق في مسألتنا قد تابعه على إطلاقه في "الروضة" أيضًا لكن قد تقدم في الباب الثالث من أبواب الخلع نقلا عن المتولي من غير مخالفة له تخصيص ذلك بحالة غيبة الموكل وقد تقدم ذكر لفظه هناك فراجعه.

قوله: قال لامرأتيه إن دخلتما هاتين الدارين فأنتما طالقان فدخلت كل واحدة إحدى الدارين فهل تطلقان، أم لا تطلقان؟ فيه وجهان، ولو قال: إن أكلتما هذين الرغيفين فأكلت كل واحدة منهما رغيفًا قالوا: يقع الطلاق

ص: 425

لأنه لا مشاع فيه لاحتمال الثاني، انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن الأصح في مسألة الدارين عدم الوقوع كذا صححه الشيخ في "المهذب" والنووي في "زوائده"، وأما مسألة الرغيفين فمقتضى كلام الرافعي الاتفاق على الوقوع وليس كذلك فقد جعلها الشيخ في "المهذب" على الوجهين في الدارين، ونقله عنه في "الروضة" أيضًا إلا أنه صحيح الوقوع.

الأمر الثاني: أن تصحيح النووي في الأولى عدم الوقوع يلزم منه تصحيحه في الثانية أيضًا إذا أطلق الحالف هذا الكلام ولم ينو شيئًا؛ لأنه إذا كان مدلول اللفظ أن كلًا منهما يتعاطى المجموع وكان تعاطي ذلك مستحيلًا يكون قد علق على المستحيل عدم الوقوع.

نعم: إن أراد الحالف خلاف ذلك اتبعنا إرادته ولكن الكلام فيما إذا لم ينو شيئًا قوله: قال: إن ملكت أكثر من مائة فأنت طالق فكان يملك خمسين روجع فإن قال: أردت لا أملك زيادة على مائة لم تطلق وإن قال: أردت أني أملك مائة بلا زيادة طلقت، وإن قال: إن كنت أملك إلا مائة، وكان يملك خمسين فقيل: تطلق، وقيل على الوجهين، انتهى.

واعلم أن النووي قد صحح في المسألة الأولى أنها لا تطلق وهو واضح وسكت عن الثانية، والأصح فيها طريقة القطع بالوقوع، كذا صححه في "الشامل" في أوائل باب ما يهدم الزوج من الطلاق وسيأتيك في كتاب الإيلاء ما يوضحه واقتضى كلامه أعني ابن الصباغ أن محل الخلاف هو محله في المسألة قبلها وهو حالة الإطلاق، وهذا لابد منه فاعلمه.

قوله: وإن قال: إن خرجت إلى غير الحمام بغير إذني فأنت طالق فخرجت إلى الحمام ثم قضت حاجة أخرى لم تطلق، وإن خرجت لحاجة

ص: 426

أخرى، ثم عدلت إلى الحمام [طلقت، وإن خرجت إلى الحمام](1) وغيره ففي وجه تطلق كما لو قال: إن كلمت زيدًا فأنت طالق فكلمت زيدًا وعمرًا وفي وجه لا تطلق؛ لأن المفهوم من قوله: إن خرجت إلى غير الحمام الخروج بمقصود أجنبي عن الحمام وهاهنا الحمام مقصود الخروج، انتهى كلامه.

والمعروف في هذه المسألة أن الطلاق لا يقع، وهو المنصوص كذا نقله الرافعي في كتاب الإباق، واختلف كلام النووي في هذه المسألة إختلافًا عجيبًا فقال: هاهنا ما نصه: قلت: الأصح الوقوع وممن صححه الشاشي والله أعلم، ثم خالف في كتاب الإيمان فقال من "زوائده" أيضًا: الصواب الجزم بأنه لا يحنث هذا لفظه، وسوف أذكره مع لفظ الرافعي هناك فراجعه.

قوله نقلا عن فتاوى القفال: بخلاف ما لو قال: نكحتها وأنا واجد طول حرة نجعل ذلك فرقة بطلقة لأنه أقر بالنكاح وادعى مفسدًا، وقيل: يتلطف به الحاكم حتى يقول: إن كنت نكحتها فقد طلقتها. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما نقله من وقوع طلقة وأقره عليه قد تابعه عليه في "الروضة" أيضًا وهو خلاف الصحيح، فإن الصحيح أنها فرقة فسخ لا ينقص عددًا كما صرح به من "زوائده" في آخر الباب الثالث من أبواب النكاح، ولم يصحح الرافعي هناك شيئًا.

الأمر الثاني: أن تعبيره عن التلطف بقوله: وقيل، يقتضي على اصطلاحه ثبوت خلاف ذلك وليس فيه خلاف ولا يتصور أيضًا مجيء الخلاف فيه.

قوله: وأنه لو قال: إن فعلت ما ليس لله تعالى فيه رضا فأنت طالق

(1) سقط من أ.

ص: 427

فتركت صومًا أو صلاة ينبغي أن لا تطلق لأنه ترك وليس بفعل فلو سرقت أو زنت طلقت. انتهى.

تابعه في "الروضة" على إطلاق الحنث في الزنا لكن قياس ما قاله في الصوم والصلاة أن لا يحنث بالزنا إذا كان الموجود بها إنما هو مجرد التمكين بأن كشف عورتها فسكنت أو كانت مكشوفة العورة؛ لأن الموجود منها إنما هو ترك الدفع وليس بفعل على ما قاله.

قوله نقلا عن العبادي: أنه لو كان له أمة وزوجة فدعى الأمة إلى فراشه فحضرت الحرة فوطئها فقال: إن لم تكوني أحلى من الحرة فهي طالق وهو يظنها الأمة فقال أبو حامد المروزي: تطلق لأنها هي الحرة فلا تكون أحلى من الحرة، وحكى أبو العباس الروياني وجهًا أنها لا تطلق لأن عنده أنه يخاطب غيرها، قال: وهذا أصح وبه أفتى الحناطي. انتهى.

ذكر مثله في "الروضة" واعلم قاعدتنا اعتبار المخاطب وإن ظنه أنها غيره كما إذا قال: يا زينب فأجابته عمرة فقال: أنت طالق ظنًا أنها زينب فإن عمرة تطلق، وقياس هذا في مسألتنا تصويب مقالة أبي حامد.

قوله في "الروضة" نقلًا عن فتاوى القاضي: وأنه لو قال: إن غسلت ثوبي؛ فأنت طالق فغسلته أجنبية ثم غمست المحلوف بطلاقها في الماء تنظيفًا لم تطلق لأن العرف في مثل هذا يغلب والمراد في العرف الغسل بالصابون والأشنان ونحوهما، وإزالة الوسخ، وقال غير القاضي: إن أراد الغسل من الوسخ لم تطلق، وإن أراد التنظيف فلا، وإن أطلق قال: لا حنث فيه. انتهى كلامه.

وتعبيره في آخره بقوله: فلا، غلط؛ لأنه موافق لما قبله، وصوابه: حنث وهو المذكور في الرافعي.

قوله نقلًا عن فتاوى البغوي: أنه لو قال: إن ضربتك فأنت طالق فقصد ضرب غيرها فضربها لم يقبل قوله؛ لأن الضرب يقين ويحتمل أن يقبل لأن

ص: 428

الأصل بقاء النكاح، انتهى.

ذكر قريبًا منه في "الروضة" وهي عبارة ناقصة غير منتظمة، وقد راجعت "فتاوى البغوي" فرأيت المسألة فيها على الصواب، فإنه قال: مسألة: إذا قال لامرأته: إن ضربتك فأنت طالق فقصد ضرب أخرى أو ضرب نفسه فأصابها، قال: فهو ضارب بدليل أنه يكون قائلًا في مثله تجب الدية وهل يحنث؟ قال: فعلى قولي حنث المكره، فإن قلنا: لا حنث على المكره، ثم ادعى أني كنت أقصد ضرب غيرها أو ضرب نفسي فأصابها لا يقبل لأن الضرب يقين، ويحتمل أن يقبل لأن الأصل بقاء النكاح هذه عبارة البغوي فسقط الكلام المتوسط جميعه، إما لغلط في النسخة التي وقعت للرافعي أو لانتقال نظره أو نظر الكاتب من أصل الرافعي كما تقدم في نظائر لهذه المواضع، فلله الحمد على الإلهام إلى الصواب.

قوله نقلًا عن الفتاوى المذكورة: أنه لو نادى أمه فأجابته فلم يسمع فقال: إن لم تجبني أمي فامرأتي طالق فإن رفعت الأم صوتها في الجواب بحيث يسمع في تلك المسافة لم تطلق وإلا فتطلق، انتهى.

وما ذكره هنا قد ذكر بعده في أوائل الفصل الذي يليه ما يشكل عليه فقال نقلًا عن البوشنجي: وأنه لو حلف بالطلاق أنه بعث فلانًا إلى بيت فلان، وعلم أن المبعوث لم يمض إليه فقيل: يقع الطلاق لأنه [يقتضي حصوله هناك والصحيح أنه](1) لا طلاق لأنه يصدق أن يقال بعثه فلم يمتثل. انتهى.

وما قالوه في تعليل عدم الطلاق هنا يصدق في مسألتنا بعينه فيقال أجابته فلم يسمع.

قوله أيضًا نقلًا عن الفتاوى المذكورة: وأنه لو حلف لا يخرج من البلد

(1) سقط من أ.

ص: 429

حتى يقضي دين فلان بالعمل فعمل له ببعض دينه، وقضى الباقي من موضع آخر، ثم خرج طلقت، وإن قال أردت أني لا أخرج حتى أخرج إليه من دينه وأقضي حقه قبل قوله في الحكم. انتهى كلامه.

وما نقله عن "فتاوى البغوي" من القبول في الحكم، قد تابعه في "الروضة" عليه أيضًا، وهو غلط، فإن المجزوم به فيها إنما هو العكس فقال: قبل قوله في الباطن دون الظاهر. هذه عبارته، فكأنه سقط من النسخة التي وقف الرافعي عليها إما لنقل نظره أو سقط من نسخ الرافعي.

ص: 430