المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الركن الثالث: القصد إلى الطلاق - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٧

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب النكاح

- ‌ خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم في النكاح وغيره

- ‌ الأركان

- ‌الفصل الأول في أسباب الولاية

- ‌الفصل الرابع في تولي طرفي العقد

- ‌الفصل الخامس في التوكيل

- ‌الفصل السادس في ما يجب على الولي

- ‌الفصل السابع في الكفاءة

- ‌الفصل الثامن في تزاحم الأولياء

- ‌ الموانع

- ‌الجنس الأول: المحرمية

- ‌الجنس الثاني: ما لا يوجب حرمة مؤبدة

- ‌الجنس الثالث: من الموانع الرق

- ‌الجنس الرابع: من الموانع الكفر

- ‌ موجبات الخيار

- ‌السبب الأول: العيب

- ‌السبب الثاني: الغرور

- ‌السبب الثالث: [العتق]

- ‌السبب الرابع: العنة

- ‌ فصول متفرقة

- ‌الفصل الأول فيما يحل للزوج

- ‌الفصل الثاني في وطء الأب جارية الابن

- ‌الفصل الرابع في تزويج الإماء

- ‌الفصل الخامس في تزويج العبد

- ‌الفصل السادس في النزاع

- ‌كتاب الصداق

- ‌الباب الأول في الصداق الصحيح

- ‌الباب الثاني في الصداق الفاسد

- ‌الباب الثالث في المفوضة

- ‌الباب الرابع في التشطير

- ‌الفصل الأول: في محله وحكمه

- ‌الفصل الثاني في التغيرات قبل الطلاق

- ‌الفصل الثالث في التصرفات المانعة من الرجوع

- ‌الفصل الرابع في هبة الصداق من الزوج

- ‌الفصل الخامس في المتعة

- ‌الباب الخامس في النزاع

- ‌باب الوليمة والنثر

- ‌كتاب القسم والنشوز

- ‌[كتاب الخلع

- ‌الباب الأول في حقيقة الخلع]

- ‌الباب الثاني في أركان الخلع

- ‌الباب الثالث في موجب الألفاظ

- ‌الباب الرابع في سؤال الطلاق

- ‌الباب الخامس في النزاع

- ‌كتاب الطلاق

- ‌الباب الأول في "السنة والبدعة

- ‌الركن الأول: المطلق

- ‌الركن الثاني: اللفظ وما يقوم مقامه

- ‌الركن الثالث: القصد إلى الطلاق

- ‌الركن الرابع: المحل

- ‌الركن الخامس: الولاية على المحل

- ‌الباب الثالث في تعدد الطلاق

- ‌الباب الرابع في الاستثناء

- ‌الباب الخامس في الشك في الطلاق

- ‌الشرط الثاني من الكتاب في التعليقات

- ‌الفصل الأول في التعليق بالأوقات

- ‌الفصل الثاني في التعليق بالتطليق

- ‌الفصل الثالث في التعليق بالولادة والحمل

- ‌[الفصل الرابع في التعليق بالحيض]

- ‌الفصل الخامس في التعليق بالمشيئة

- ‌الفصل السادس في مسائل الدور

- ‌فصل: في مسائل منثورة ذكرها أبو العباس الروياني

- ‌فصل: قد بقى من كلام الرافعي ألفاظ لم يتقدم ضبطها

- ‌كتاب الرجعة

- ‌الفصل الثاني: في أحكام الرجعة

- ‌كتاب الإيلاء

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: في أحكامه

- ‌كتاب الظهار

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: في حكم الظهار

- ‌كتاب الكفارات

- ‌ العتق

- ‌ الصيام

- ‌ الإطعام

- ‌[كتاب اللعان

- ‌الباب الثاني: في قذف الأزواج

- ‌الباب الثالث: في ثمرة اللعان

الفصل: ‌الركن الثالث: القصد إلى الطلاق

قال رحمه الله:

‌الركن الثالث: القصد إلى الطلاق

فيشترط أن يكون قاصدًا لحروف الطلاق لمعنى الطلاق ولا يكفي القصد إلى حروف الطلاق من غير قصد معناه.

ثم قال بعد ذلك: ولو لقن الطلاق بلغة لا يعرفها فقالها وهو لا يعرفها لم يقع طلاقه، فلو قال: أردت بهذا اللفظة معناها بالعربية لم يقع على الأصح، ولو قال: لم أعلم أن معناها قطع النكاح ولكن نويت بها الطلاق، وقصدت قطع النكاح لم يقع الطلاق كما لو خاطبها بكلمة لا معنى لها، وقال: أردت الطلاق. انتهى كلامه.

ولقائل أن يقول إذا كان الأمر على ما ذكره فما الفرق بين الصريح والكناية؟ حيث قالوا: إن الصريح لا يحتاج إلى النية بخلاف الكناية، وقد جمع بينهما بعض فضلاء العصريين بأن.

الصريح: يشترط فيه قصد اللفظ والمعنى.

وأما الكناية فيشترط فيها أيضًا أن يكون الإيقاع بذلك اللفظ.

وقد ذكر الرافعي في الكناية ما يؤيد مقالة هذا القائل فيها، فقال: قال إسماعيل البوشنجي: إنما يقع الطلاق بقوله: أنت حرام على إذا نوى حقيقة الطلاق وقصد إيقاعه بهذا اللفظ. هذا كلامه.

وقول الرافعي في أول الكلام بمعني الطلاق هو بلام الجر لا بالباء وقد تقرر مما سبق من كلام الرافعي أنه لابد أيضًا من العلم بمدلول اللفظ وحينئذ فلا يكفي قصد لفظ الطلاق لمعنى الطلاق.

قوله: ولو كانت زوجته تسمى طالقًا وعبده يسمى حرًا فقال لها: يا طالق، وله: يا حر، فإن قصد النداء فلا طلاق ولا عتق، وإن قصد الطلاق والعتق حصلا، وإن أطلق ولم ينو شيئًا فعلى أيهما يحمل؟ وجهان: أصحهما على النداء وبه قطع البغوي. انتهى كلامه.

ص: 317

وصورة المسألة ما إذا كانت التسمية بطالق وحر ونحوه كعتيق مستمرة إلى حال النداء، فإن كان اسم العبد قبل جريان الرق عليه حرًا فناداه به فإن قصد العتق أو لم يقصد شيئًا عتق، وإن قصد نداءه بالاسم العتيق لم يعتق في الأصح، وقيل: يعتق؛ لأنه صريح كذا ذكره الرافعي في أول كتاب العتق إلا أنه لم يذكر النداء بطالق، بل اقتصر على النداء بالعتق ولما ذكر صور المسألة بما إذا كان اسمه حرًا قبل جريان الرق، والمتجه اعتبار التسمية بذلك في حال النداء سواء كان قبل جريان الرق أو بعده وسواء كان في ملكه أو ملك غيره فتفطن له.

قوله: وحكى الغزالي في "البسيط" أن بعض الوعاظ طلب من الحاضرين شيئًا فلم يعطوه، فقال [متضجرًا] (1) منهم: طلقتكم ثلاثًا، وكلانت زوجته فيهم وهو لا يعلم فأفتى إمام الحرمين بوقوع الطلاق قال: وفي القلب منه شيء، ولك أن تقول: ينبغي أن لا تطلق؛ لأن قوله: طلقتكم لفظ عام وهو يقبل الاستثناء بالنية كما لو حلف لا يسلم على زيد فسلم على قوم هو فيهم واستثناه بقلبه لم يحنث وإذا لم يعلم أن زوجته في القوم كان مقصوده غيرها. انتهى كلامه.

واعلم أن الرافعي رحمه الله ذكر مقدمتين يستنتج منهما عدم الوقوع.

الأولى: أن طلقتكم عام قابل للاستثناء قياسًا على ما ذكره الأصحاب فيما إذا قال السلام عليكم.

والمقدمة الثانية أنه إذا لم يعلم أن زوجته في القوم يكون مقصوده بالطلاق غيرها، لأن قصدها يستدعى العلم بها وقصد غيرها تخصيص للفظ.

إذا علمت ذلك، ففيه أمران:

(1) في جـ: متبرمًا.

ص: 318

أحدهما: أن المقدمة الأولى واضحة الصحة، وقد توهم النووي أن مراد الرافعي بها إثبات عدم الطلاق بالقياس على السلام فشرع يفرق بينهما فقال ما نصه: قلت: هذا الذي قاله إمام الحرمين والرافعي كلامهما عجب منهما.

أما العجب من الرافعي: فلأن هذه المسألة ليست كمسألة السلام على زيد؛ لأنه هنا علم به واستثناه وهناك لم يعلم بها ولم يستثنها، واللفظ يقتضي الجميع إلا ما أخرجه.

هذا لفظه وهو إعتراض فاسد، وقد تبين لك وجه فساده.

الأمر الثاني: أن المقدمة الثانية ليست صحيحة لأن الواعظ المذكور قصد خطاب الحاضرين جميعهم بالطلاق غير أنه لم يعلم أن زوجته فيهم وعدم العلم عند قصد الخطاب باللفظ الصالح للإيقاع لا يمنع الإيقاع، ولهذا إذا خاطب زوجته بالطلاق وهو يعتقدها أجنبية وقع فهاهنا كذلك بل أولى؛ لأنه في هذا وأمثاله لا تخطر له زوجته لا نفيًا ولا إثباتًا وحينئذ فلا يلزم من عدم علمه بكونها فيهم أن يكون مقصوده غيرها فقط لا هي لأنه قد لا يستحضرها بالكلية، بل قد يقصد المخاطبين ذاهلًا عن حكم الزوجة.

وأما دعواهم أن قصد بعض الأفراد يخصص فاعلم أن هذه المسألة كثيرة الوقوع في الفتاوي تلتبس على من لا اطلاع لديه ولا تحقيق وإيضاح الحق فيها أن نقول: إذا قال الشخص مثلًا: والله لا كلمت أولاد زيد فله أحوال:

أحدها: أن لا يقصد شيئًا معينًا فلا إشكال في حنثه بالجميع؛ لأن اللفظ يدل على الجميع بالوضع فلم يحتج إلى قصده.

الثاني: أن يقصد إخراج بعضهم ويقصد مع ذلك إثبات الباقي أو لا يقصد شيئًا فلا إشكال في عدم الحنث بالمخرج لأنه خصص يمينه بالقصد.

الثالث: أن يقصد بعض الأفراد وسكت عما عداه فهذا هو محل

ص: 319

الالتباس والحق فيه أن الحنث بالجميع أيضًا؛ لأن دلالة اللفظ عليه موجوده غير أنه أكد بعض الأفراد بقصده فاجتمع على البعض المنوى قصده ودلالة اللفظ ووجد في غير المنوى دلالة اللفظ فقط وهي كافية لما ذكرناه.

وهذا الذي ذكرته قد أجاب به القرافي بعينه وحقيقته الفرق بين القصد إلى البعض وبين تخصيص البعض، فإن الثاني يستدعى إخراج غيره فإن التخصيص هو الإخراج.

نعم: إن قصد إخراج اللفظ عن ما وضع له واستعماله في بعضه مجازًا فمعناه التخصيص ولا يحنث بغير المقصود.

قوله: في المسألة من "زياداته" وأما العجب من الإمام فلأنه تقدم في أول الركن أنه يشترط قصد لفظ الطلاق لمعنى الطلاق ولا يكفي قصد لفظه من غير قصد معناه ومعلوم أن هذا الواعظ لم يقصد معنى الطلاق وأيضًا فقد علم أن مذهب أصحابنا أو جمهورهم أن النساء لا يدخلن في خطاب الرجال إلا بدليل، وقوله: طلقتكم خطاب رجال فلا تدخل امرأته فيه بغير دليل فينبغي أن لا تطلق لما ذكرناه، لا لما ذكره الرافعي فهذا ما تقتضيه الأدلة. انتهى كلامه.

وما اعترض به أولًا على الإمام لا يرد عليه؛ لأن الشرط قصد لفظ الطلاق لمعنى الطلاق لا قصد إيقاع الطلاق ولا شك أن هذا الواعظ لم يقصد الإيقاع إما أنه لم يقصد معناه فممنوع، واعتقاد عدم الوقوع لا يمنع قصد المعنى بدليل ما قلناه في من طلق زوجه ظانًا أنها أجنبية وأما ما ذكره ثانيًا من أنه قد علم من مذهب أصحابنا إلى أخره.

فيقال: دل الدليل على دخول امرأته؛ لأن الفرض أنه خاطب الحاضرين وامرأته منهم ولا نزاع في جواز التعبير بلفظ المذكر عند اجتماع المذكر والمؤنث.

واعلم أن في "فتاوي الغزالي" أنه لو زاحمته امرأة في طريق فقال

ص: 320

تأخرى يا حرة فبانت أمته لا تعتق كذا نقله الرافعي عنه في أوائل العتق ولم يخالفه هو ولا النووي وهي نظير مسألتنا فإنه قد نص هنا على أن النداء بالصريح صريح كقوله: يا طالق.

قوله: واحتجوا على أن طلاق المكره لا يقع بما روى أنه عليه الصلاة والسلام قال: "لا طلاق في إغلاق"(1).

والإغلاق: هو الإكراه (2).

وقوله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"(3)، وروى أن رجلًا تدلى من جبل بحبل ليشتار عسلًا فجاءته امرأته وقالت طلقني ثلاثًا أو لأقطعن الحبل فطلقها ثلاثًا ثم أتى عمر رضي الله عنه فقال: ارجع إلى أهلك فليس هذا بطلاق (4). انتهى.

أما الإغلاق فهو بالغين المعجمة والقاف.

وأما الشتار فإنه بالشين المعجمة والراء المهملة، يقال: شرت أشور

(1) أخرجه أبو داود (2193) وابن ماجه (2046) وأحمد (26403) والحاكم (2802) والدارقطني (4/ 36) وأبو يعلى (4444) وابن أبي شيبة (4/ 83) والبيهقي في "الكبري"(14874) والطبراني في "مسند الشاميين"(500) وابن الجوزي في "التحقيق"(1709) من حديث عائشة رضي الله عنها.

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

وقال الألباني: حسن.

(2)

وهو تفسير أكثر علماء الغريب.

(3)

أخرجه ابن ماجه (2045) وابن حبان (7219) والدارقطني (4/ 170) والطبراني في "الكبير"(11274) وفي "الأوسط"(8273) وفي "الصغير"(765) والبيهقي في" الكبري"(14871) والطحاوي في "شرح المعاني"(4292) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

صححه الحاكم والذهبي والحافظ ابن حجر والشيخ أحمد شاكر.

وحسنه الشيخ الألباني.

(4)

أخرجه سعيد بن منصور (1128) والبيهقي في "الكبرى"(14876) وابن الجوزي في "التحقيق"(1710).

ص: 321

على وزن قلت أقول واشترت على وزن اخترت واجتلت إذا جنيته من مكان النحل في الجبال أو غيرها، وأشوت لغه فيه كذا ذكره الجوهري في الكلام على شور.

وحديث: "رفع عن أمتي" حسن، وقد نبه عليه في "الروضة" من "زوائده" في آخر تعليق الطلاق وأما الطلاق في إغلاق [. .](1).

قوله: الثانية: إن ورى المكره بأن قال: أردت بقولى طلقت فاطمة غير زوجتي أو نوى الطلاق من الوثاق، أو قال في نفسه: إن شاء الله لم يقع الطلاق، وإذا ادعى التورية صدق ظاهرًا في كل ما كان يدين فيه عند الطواعية. انتهى كلامه.

وهذا الذي جزم به من عدم الوقوع في ما إذا قال في نفسه: إن شاء الله تبعه عليه أيضًا في "الروضة" وهو وجه ضعيف، والمشهور أن التعليق بمشيئه الله تعالى لا يؤثر إلا إذا تلفظ به ولا أثر لنيته بل يحكم عليه والحالة هذه بالوقوع في ما بينه وبين الله تعالى ولابد من ذكره كذا ذكره الرافعي في آخر الباب السابق وقد ذكرت لفظه هناك فراجعه.

قوله: وإن ترك التورية مع إمكانها فوجهان: أحدهما وهو المذكور في الكتاب واختيار القفال: أنه يقع طلاقه.

وأصحهما: على ما ذكره صاحب "التهذيب" والروياني: المنع؛ لأنه مجبر على اللفظ ولا نية له. انتهى.

والأصح هو الثاني فقد قال الرافعي في "الشرح الصغير": إنه الأصح وفي "المحرر": إنه الأظهر وصححه النووي في "الروضة" ولم ينبه على أنه من زياداته، بل أدخله في كلام الرافعي فتفطن له فإنه غريب.

(1) بياض في الأصول.

ص: 322

قوله في الإكراه: وتخويف ذى المروءة بالصفع في الملأ.

اعلم أن الملأ بالميم هو الجمع كما قاله الجوهرى وقال: غيره: إنه يطلق أيضًا على الأشراف.

قوله: ولو قال: طلقت وأنا صبي أو أنا نائم قال أبو العباس الروياني: يصدق بيمينه. انتهى.

أقره الرافعي في النائم على ما قاله ولم يزد في "الروضة" على قوله: إن فيه نظرًا، وهو عجيب منهما فقد جزما في أول كتاب الأيمان بأن من ادعى عدم القصد في الطلاق والعتاق لا يصدق في الظاهر، لتعلق حق الغير به، هذا لفظهما.

قوله: لا يقع طلاق المجنون والمغمى عليه وكل من زال عقله بسبب هو غير متعد فيه كما لو أوجر الخمر، ثم قال ما نصه: وعد من هذا القبيل ما إذا شرب دواء يزيل العقل على قصد التداوى، ولك أن تقول في التداوي بالخمر خلاف يذكر في موضعه فإن جرى ذلك الخلاف في الدواء المزيل للعقل وقد اطرد في القليل والكثير فالمذكور هاهنا جواب على جواز التداوى ويمكن أن يقدر تخصيص الخلاف بالقدر الذي يزيل العقل [وتصوير](1) هذه الصورة [في ما](2) إذا ظن أن القدر الذي تناوله لا يزيل العقل، وكذلك صوره أكثرهم، وإن لم يجر ذلك الخلاف في الدواء المزيل للعقل فكان السبب فيه أن الطبع يدعو إلى شرب الخمر فيحتاج فيه إلى المبالغة في المنع والزجر بخلاف الأدوية. انتهى كلامه.

ذكر مثله في "الشرح الصغير" أيضًا، وحاصله التردد من غير ترجيح في أنه هل يتخرج عليه أم لا؟ وإذا خرج فهل يخرج القليل والكثير أم الكبير فقط ويجزم في القليل بالجواز؟ وقد أعاد الرافعي المسألة في باب حد الخمر وجزم بالتخريج ولم ينقل خلافه فقال: ولو احتيج في قطع اليد

(1) في جـ: وتتصور.

(2)

في جـ: بما.

ص: 323

المتآكلة -نعوذ بالله- إلى ما يزيل عقله من غير الأشربة كالبنج خرج ذلك على الخلاف في التداوي بالخمر هذه عبارته، فإذا كان يمتنع هذا عند من يمنع التداوي بالمسكر مع كونه مقطوعًا بحصول المطلوب منه وهو زوال العقل المخفف للألم فلأن يمتنع في ما عداه من المظنونات بطريق الأولى، وقد نص الشافعي رحمه الله في "الأم" على الجواز ولم يلحقه بالتداوي بالخمر فقال في باب طلاق السكران ما نصه: ولو شرب بنجًا أو حريفًا أو مرقدًا ليعالج به من مرض فأذهب عقله فطلق لم يلزمه الطلاق من قبل أنه ليس في شيء من هذا أن يضربهم على شربه في كتاب ولا سنة ولا إجماع، فإذا كان هذا هكذا كان جائزًا أن يؤخذ الشيء منه للمنفعة هذا لفظه بحروفه ومن "الأم" نقلته، ويتضح به بطلان ما ذكره الرافعي هناك، ولم يتعرض في "الروضة" هنا لما ذكره الرافعي من الترديد في التخريج واقتصر على عدم وقوع الطلاق، وذكر هناك ما ذكره الرافعي ثم اعترض عليه فقال: الأصح هنا الجواز، وقد سبق في مسائل طلاق السكران ومن زال عقله ما يقتضي الجزم به، ولو احتاج إلى دواء يزيل العقل لغرض صحيح جاز تناوله قطعًا كما سبق هناك والله أعلم. هذه عبارته، وهو عجيب من وجهين:

أحدهما: أنه يناقض بعضه بعضًا فإنه أثبت الخلاف أولًا ونفاه آخرًا.

الثاني: في دعواه الجزم به هناك، وسببه أنه يختصر فيتصرف ثم ينسى فيستدرك.

قوله: فإذا تعدى بشرب الخمر فسكر فقولان.

أصحهما: يقع طلاقه.

والأظهر على ما ذكره الحليمي وغيره: أن القولين جاريان في الأقوال والأفعال، قال الإمام: لكن شارب الخمر يعتريه ثلاثة أحوال: أحدها: هزة ونشاط يأخذه إذا ذيب الخمر فيه ولم يستول عليه بعد ولا يزول العقل

ص: 324

في هذه الحالة وربما احتد.

والثانية: نهاية السكر وهو أن يصير طافحًا ويسقط كالمغشي عليه لا يتكلم ولا يكاد يتحرك.

والثالثة: حالة متوسطة بينهما، وهو أن تختلط أحواله ولا تنتظم أقواله وأفعاله ويبقي تمييز وفهم [كلام](1)، فهذه الثالثة سكر وفي نفوذ الطلاق فيها الخلاف المذكور، وأما الحالة الأولى فينفذ طلاقه فيها بلا خلاف لبقاء العقل وانتظام القصد [والكلام](2).

وأما الحالة الثانية: فالأصح عند الإمام والغزالي أنه لا ينفذ طلاقه؛ إذ لا قصد له، ولفظه كلفظ النائم، ومن الأصحاب من جعله على الخلاف لتعديه بالسبب إلى هذه الحالة، وهذا أوفق لإطلاق الأكثرين. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن تنفيذ تصرفه على القول بصحته محله إذا لم يتوقف على نظر فأما إذا توقف عليه بأن كان نائبًا فيه من غيره كتصرف الوكيل والولى والإمام وكذا الوصى إن قلنا: لا ينعزل بالفسق، ففي نفوذه وجهان حكاهما الرافعي في النكاح في الفصل المعقود لسوالب الولاية في الكلام على ولاية السكران وتقدم ذكر لفظه هناك، وأسقطه النووي من "الروضة".

الأمر الثاني: أن ما ذكره في القسم الثاني من ترجيح جريان الخلاف قد جزم بعكسه في النكاح في الموضع المذكور وهو غريب، وقد أسلفنا هناك لفظه فراجعه ووقع الموضعان في "الروضة" على هذا التناقض.

والطافح بالفاء والحاء المهملة، قال الجوهرى هو الذي ملأه الشراب.

(1) في الأصول: وكلام، والمثبت من الروضة.

(2)

سقط من جـ.

ص: 325