الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السبب الثالث: [العتق]
(1)
قوله: وإن فسخت العتيقة بعد الدخول نظر إن تقدم الدخول على العتق وجب المسمى، وإن تأخر عن العتق وكانت هى جاهلة بالحال فيجب مهر المثل أو المسمى، جعله صاحب "التهذيب" على الخلاف المذكور في ما إذا حدث العيب ثم جرى الدخول ثم فرض الفسخ.
وقال: ظاهر المذهب وجوب مهر المثل لأن سبب الفسخ قد تقدم على الدخول فكأنه وجد يوم العقد وعلى هذا جرى أئمتنا العراقيون، ورجح جماعة قول وجوب المسمى، وزاد الإمام وصاحب "الكتاب" فقالا: يجب المسمى ولا يجرى فيه القول المنصوص في العيوب أنه يجب فيه مهر المثل ووجهاه بأن المهر للسيد لا لها وهو بالإعتاق فحسن فلا ينبغي أن يرد إلى مهر المثل، وقد تعرض الأولون عليه إلى آخره.
فيه أمور:
أحدها: أن الصحيح المشهور هو وجوب مهر المثل وقد صححه الرافعى في "المحرر" والنووي في أصل "الروضة" و"المنهاج".
الأمر الثاني: أن الفسخ بالعيب بعد الدخول إن كان بعيب مقارن للعقد فالمنصوص للشافعى أنه يجب مهر المثل وفيه قول مخرج من الردة أنه يجب المسمى، وإن كان بسبب حادث قبله فثلاثة أوجه:
أحدها: يجب المسمى.
والثانى: مهر المثل.
والثالث: وهو أصحها إن كان الوطء قبل العيب وجب المسمى، وإن
(1) بياض في أ.
كان بعده فمهر المثل، إذا علمت ذلك فنظير مسألتنا التى وقع الخلاف فيها إنما هو الفسخ بعيب حادث بعد العقد وليس فيها نص ولا تخريج إنما فيها ثلاثة أوجه كما سبق، وحينئذ فالذى نقله الرافعي عن الإمام والغزالي من كونهم لم يجروا فيه القول المنصوص وبأنهما فرقا بإحسان السيد إلى آخره ذهول عجيب ولك أن تقول قد جزموا هنا بوجوب المسمى في ما إذا فسخت بعد الدخول بعتق قبله وحكوا في نظيره من العيب وجهين كما ذكرنا الآن فأى فرق بين الصورتين.
الأمر الثالث: أن الإمام قد عبر بما نقله عنه الرافعى من كونهم لم يطردوا القول المنصوص وهو تعبير مطابق، وأما الغزالى فإنه عبر بقوله ولم يطردوا القول المخرج، كذا ذكره في "الوسيط" و"البسيط" معًا على خلاف ما نقله عنه الرافعى، وكأن الرافعى ذهل عن ذلك وتوهم اتفاقهما وإلا فكان من حقه أن ينبه عليه ولا يضيفه إليه.
وذكر ابن الرفعة في "الكفاية" هاهنا بحثا أنه ينبغي وجوب المهر للعتيقة لا للسيد وهو بحث غير طائل فاعلمه.
قوله في "الروضة": وخيار العتق على الفور، وفي قول يمتد إلى ثلاثة أيام، وفى قول إلى أن يصرح بإسقاطه أو تمكن من الوطء طائعة، وذكر الإمام تفريعًا على سقوطه بالتمكين من الوطء أنها لو مكنت ولم يصبها الزوج لم يبطل حقها لأن التمكين من الواطء لا يتحقق إلا عند حصول الوطء وأنه لو أصابها الزوج قهرًا ففى سقوط الخيار تردد لتمكنها من الفسخ عند الوطء، فإن قبض على فمها بقى حقها قطعًا. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما قاله الإمام في التفريع على القول الثالث من كون المراد إنما هو الوطء خاصة قد خالفه فيه الصيدلاني في شرحه لـ"المختصر"
وهو الكتاب الذى يعزوه ابن الرفعة إلى الداوودي، فقال عقب ذكره لهذا القول ما نصه: وليس الحكم مقصورًا على الوطء بل متى وجد منها ما فيه دلالة الرضا بأن يباشرها أو ينقلها إلى موضع آخر أو يضاجعها وهي طائعة فذلك كله رضى منها هذه عبارته، وجزم في "الذخائر" بنحوه فقال: إنه يكتفى بالتمكين من الوطء.
الأمر الثاني: قد سبق في البيع أنه إذا حمل أحد المتعاقدين فأخرج من المجلس مكرهًا فإن منع الفسخ بأن سد فمه ففي انقطاع خياره خلاف، المذهب أنه لا ينقطع وإن لم يسده لم ينقطع في أصح الوجهين، وإذا علمت ذلك فلا شك أن المسألة هي نظير مسألتنا، وحينئذ فنستفيد بذلك أمرين:
أحدهما: بطلان دعوى القطع عند القبض على الفم.
والثاني: تصحيح بقاء الخيار عند عدم القبض.
قوله في المسألة: ولو قال الزوج أصبتها وأنكرت فأيهما يصدق؟ فيه وجهان حكاهما ابن كج لأن الأصل بقاء النكاح وعدم الإصابة: انتهى.
وهذه المسألة نظير ما سبق نقله في أول السبب الثاني عن فتاوى البغوى وهو أنه لو تزوجها بشرط البكارة فوجدت ثيبًا فقالت كنت بكرًا فزالت البكارة عندك، وقال بل كنت ثيبًا فالقول قولها بيمينها لدفع الفسخ وقوله بيمينه لدفع كمال المهر هذا كلامه وأقره عليه فقياسه في مسألتنا تصديق الزوجة.
قوله: وإذا ادعت الجهل بأن العتق يثبت الخيار فقولان: أحدهما: أنها لا تصدق كما إذا قال المشتري: لم أعلم أن العيب يثبت الخيار، وأصحهما: التصديق لأنه خفي بخلاف الرد بالعيب، ولو ادعت الجهل بأن الخيار على الفور فقال الغزالى: لا تعذر ولم أر تعرضًا لهذه الصورة في
سائر كتب الأصحاب، نعم صورها العبادى في "الرقم"، وأجاب بأنها إن كانت قديمة العهد بالإسلام، وخالطت أهله لم تعذر، وإن كانت حديثة العهد أو لم تخالط أهله فقولان. انتهى ملخصًا.
فيه أمران:
أحدهما: أن هذه المسألة التى ذكر الرافعى أنه لم ير لها تعرضًا في الكتب، وأنه لم يذكرها إلا العبادي، قد رأيتها مذكورة في "الشامل" لابن الصباغ في اللعان في أول باب وقت نفي الولد، وحكى فيها قولين، ولم يفصل بين أن تكون هذه العتيقة قريبة العهد بالإسلام أم لا.
الأمر الثاني: أن الرافعى لما ذكر مسألة العيب في بابها فصل في دعوى الجهل بالخيار فقال: إن كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ في بادية بعيدة قبل وإلا فلا على خلاف ما أطلقه هاهنا، وأما دعوى الجهل بالفورية فأجاب بالقبول مطلقًا ولم يفصل، وعلله بأنه يخفى على العوام وإذا تأملت هذا الأخير، وهو ما أجاب به في دعوى الجهل بالفورية في العيب مع ما أجاب به في نظيره وهو دعوى ذلك في خيار العتق، علمت أنهما في غاية التباين لأن حكم العيب أشهر من حكم العتق بلا شك، وقد جزم في العيب بأنه يقبل دعوى الجهل بالفورية، وإن ولد بين المسلمين ونشأ بينهم، وجزم في العتق بأنه لا يقبل ممن ولد بين المسلمين ونشأ بينهم، وحكى قولين من غير ترجيح في من قرب عهده أو نشأ ببادية وقد استدرك النووى على ما قاله في العيب وقال: شرطه أن يكون مثله ممن يخفى عليه، قال: وكذلك الشفعة، ومن نظائر المسألة ما إذا قال الزوج: لم أعلم أنه يجوز لي نفي الولد، وقد قال الرافعى فيه: إنه إن كان فقيها لم يقبل وإن كان حديث عهد بالإسلام، أو نشأ في بادية بعيدة قبل، وإن
كان من العوام الناشئين في بلاد الإسلام فوجهان كالعتق، وهذا التفصيل لم يذكره في ما تقدم من النظائر وينبغي اطراده فيه، ولم يذكر الرافعى ما إذا قال: لم أعلم أن النفي على الفور، وقد ذكرها في "التنبيه" وسوى بينها وبين دعوى الجهل بأصل الخيار وأقره النووى فلم يستدركه في "التصحيح".