الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس في التعليق بالمشيئة
قوله: ولو قال: امرأتي طالق إذا شاء زيد، لم يشترط الفور بالاتفاق. انتهى.
لكن ذكر في "الحاوي" عند الكلام على ما إذا قال: أنت طالق لفلان أو لرضى فلان أنه إذا قال: إن رضى زيد فأنت طالق يشترط رضاه على الفور.
قوله: أما لو علق بمشيئتها وهي صبية لا تميز أو مجنونة أو بمشيئة غيرها وهو بهذه الصفة لم يقع بلا خلاف. انتهى.
وما ادعاه من نفي الخلاف ليس كذلك، فقد نقل في "الإبانة" عن القفال أنه قال بصحة المشيئة من المجنونة والصغيرة.
قوله: وإذا علق الطلاق على مشيئتها فقالت: شئت وهي كارهة بقلبها وقع الطلاق في الظاهر، وهل يقع باطنًا؟ قال أبو يعقوب: لا يقع، وإليه مال القاضي الحسين.
وقال القفال: يقع، وقال البغوي: إنه المذهب؛ لأن التعليق في الحقيقة على لفظ المشيئة. انتهى.
والأصح هو الوقوع فقد صححه الرافعي في "المحرر" وعبر بالأظهر ونقله عنه في "الروضة" وسكت عليه، لكن ذكر الرافعي في أوائل كتاب الإقرار ما يشكل على الوقوع، ويقتضي أنه لا يقع فراجعه.
قوله: ذكر البغوي أنه لو قال: أنت طالق كيف شئت، قال أبو زيد والقفال: تطلق شاءت أم لم تشأ.
وقال الشيخ أبو على: لا تطلق حتى توجد مشيئة في المجلس إما بالطلاق وإما بعدمه.
قال البغوي: وكذا الحكم إذا قال، على أي وجه شئت. انتهى.
وهذه المسألة قد أعادها الرافعي في أواخر كتاب العتق قبيل الولاء بنحو أربعة أوراق واقتضى نقله رجحان اشتراط المشيئة فراجعه هناك.
قوله: ولو قال: أنت طالق ثلاثًا إلا أن يشاء أبوك أو فلان واحدة فشاء واحدة فثلاثة أوجه: أصحها: لا يقع شيء كما لو قال: أنت طالق إلا أن يدخل أبوك الدار فدخل وعلى هذا لو شاء اثنين أو ثلاثًا لم يقع أيضًا شيء لأنه شاء واحدة وزاده.
والثاني: أنه إذا شاء واحدة وقعت فكأنه قيل إلا أن يشاء واحدة فتطلقي تلك الواحدة لا الثلاث.
والثالث: يقع طلقتان، والتقدير إلا أن يشاء أبوك واحدة فلا تقع الواحدة وتقع ما سواها، فإذا قلنا بالأول فقال: أردت المراد بالثاني قبل، وإن قلنا بالثاني فقال: أردت معني الأول قبل أيضًا في أظهر الوجهين حتى لا يقع به شيء، ثم قال: ولو قال: أنت طالق واحدة إلا أن يشاء أبوك ثلاثة، فإن شاء ثلاثًا لم يقع شيء جوابًا على الوجه الأول، وهو الصحيح فإن لم يشأ شيئًا أو شاء واحدة أو اثنتين وقعت واحدة. انتهى كلامه.
وقد سكت في المسألة الأخيرة عن التفريع على ما عدا الأول.
قال ابن الرفعة في "الكفاية": يظهر أنها على الوجه الثالث تطلق ثلاثًا، وعلى الثاني أن يكون الحكم مثل الأول، وخالف في "المطلب" فقال: قياس الأوجه الثلاث عدم الطلاق.
قوله: لو قال: أنت طالق لولا أبوك لم تطلق، وفيه وجه ضعيف حكاه المتولى، ثم قال: ولو قال: أنت طالق لولا أبوك لطلقتك، قال الأصحاب: لا تطلق؛ لأنه أخبر بأنه لولا حرمة أبيها لطلقها، وأكد هذا الخبر بالحلف بطلاقها كقوله: والله لولا أبوك لطلقتك، قال المتولى: وإنما لا تطلق إذا كان صادقًا في خبره. انتهى كلامه.
وهذا الكلام في ظاهره مشكل فإنه جعل أنت طالق حلفًا بمثابة قول القائل: الطلاق يلزمني، وقوله: والله وهذا شيء غير معهود وجوابه يتضح بما ذكره الرافعي بعد هذا بنحو ستة أوراق، فإنه نقل عن المتولى أن عادة البغداديين أن يجعلوا هذه اللفظة محلوفًا بها كما يحلف الحالف بقوله؛ والله ونحوه، ومعنى الكلام إن فعلت فأنت طالق.
إذا تقرر هذا فالرافعي أخذ هذه المسألة من المتولى وهو رجل بغدادي فجرى على قاعدة البغداديين، وكان ينبغي للرافعي أن يذكر المسألة الثانية أولًا ثم يفرع عليها تلك.
قوله: قال: أنت طالق إلا أن أشاء أو يبدو لي، قال البغوي: يقع في الحال؛ لأنه ليس بتعليق، بل أوقع الطلاق وأراد رفعه إذا بدا له ويمكن أن يقال هو كما لو قال: إلا أن يشاء فلان أو يشاء الله. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: [قال ابن الرفعة](1): إن ما ذكره احتمالًا هو ما نص عليه الشافعي كما حكى عنه في "الإشراف" أنه لو قال: لفلان على ألف إلا أن يبدو لي فهو استثناء صحيح وهو ما حكاه في "التتمة" فيما إذا قال: إلا أن أشاء أنا، وخالف أبو الطيب النص ولم يصحح
(1) سقط من ب.
الاستثناء.
قال صاحب "الإشراف": كل قول في عقد إيجاب أو إقرار إذا عقب بالاستثناء أو التخصيص أو بقوله إلا أن يبدو لي أمر فيه هذه المعاني، إلا إذا قال: يا زانية أنت طالق إن شاء الله فإنه قاذف ولا طلاق، وما نقله عن "التهذيب" موافق لأحد الاحتمالين لصاحب "التقريب" فيما إذا قال الناذر: لله على كذا إلا أن يبدو لى كما حكاه الإمام عنه في كتاب الاعتكاف وفيما إذا قال: إلا أن يشاء زيد.
الثاني: أنه قد جزم بعده بأسطر بما يخالفه فقال نقلا عن البوشنجي من غير مخالفة له ولو قال أنت طالق إلا أن يرى فلان غير ذلك، أو إلا أن يشاء أو يريد غير ذلك، أو إلا أن يبدو لفلان غير ذلك فلا يقع الطلاق في الحال، بل يقف الأمر على ما أن يبدوا من فلان ولا يختص ما يبدو منه بالمجلس، ولو مات فلان وفات ما جعله مانعًا من الوقوع تبين وقوع الطلاق قبيل موته. هذا كلامه، إلا أنه أولًا جعل البداء راجعًا إليه وجعله ثانيًا راجعًا إلى فلان.
وقد جزم النووي بالموضع المذكور ثانيا ولم ينقله عن البوشنجي، وأما الأول فنقله عن "التهذيب" إلا أنه لم يذكر البحث الذي أشار إليه الرافعي فصار أشد في الاختلاف، والسبب في وقوع مثل هذا للرافعي أنه يلحق أشياء بكتابه ظنا منه أنها لم تتقدم مع كونها قد تقدمت بالعكس.
قوله: فرع: ذكر البوشنجي أنه لو قال: إن لم يشأ فلان فقال فلان: لم أشأ وقع الطلاق، وكذا لو قال: إن لم يشأ فلان طلاقك اليوم فقال فلان في اليوم: لا أشاء وقع الطلاق وقياس التعليق بنفي الدخول وسائر الصفات أن يقال: إنه وإن لم يشأ في الحال فقد يشاء بعد، فلا يقع الطلاق
إلا إذا حصل اليأس، وفاتت المشيئة، [وفي صورة التقييد باليوم، لا يقع الطلاق إلا إذا مضى اليوم خاليا عن المشيئة](1) ويجوز أن يوجه ما ذكره البوشنجي بأن كلام المعلق محمول على تلفظه بعدم المشيئة فإذا قال: لم أشأ، فقد تحقق الوصف، انتهى كلامه.
ذكر مثله في "الروضة" وفيه كلام متوقف على مقدمة ذكرها في آخر باب الاستثناء في الطلاق فقال: لو قال: أنت طالق إلا أن يشاء زيد فالصحيح أن معناه إلا أن يشاء الوقوع، كما إذا قال: إن شاء زيد فإن معناه أيضا أن يشاء الوقوع، وقيل: إن معناه إلا أن يشاء عدم الوقوع فعلى الأول يقع الطلاق إذا لم يشأ زيد شيئا أصلا أو يشاء عدم وقوعه ولا يقع إذا شاء الوقوع، قال: والحاصل أن الطلاق معلق بعدم مشيئة الطلاق لا بمشيئة عدم الطلاق، والمعنى الثاني أخص من الأول ومسألتنا فرد من أفرادها، لأن قوله: إن لم يشأ زيد يكون معناه إن لم يشأ الوقوع وذلك إما بأن لا يشاء شيئا أصلا أو بأن يشاء عدم وقوعه وهو كالأول سواء.
إذا علمت ذلك ففي ما نقله الرافعي في هذا الباب عن البوشنجي وأقره هو والنووي عليه فيه أمور:
أحدها: أن حاصل كلامه أولا وآخرا أنه محمول على التلفظ بعدم المشيئة وهو مخالف للصواب المجزوم به هناك.
الأمر الثاني: أن تعبيره بقوله فقال فلان: لم أشأ وقع الطلاق صريح في وقوع الطلاق إذا اقتصر فلان على قوله: لم أشأ وهذا يخالف كلا من الوجهين المذكورين في أن الذي شاءه هل هو الوقوع أو عدمه، وفي كلام الرافعي في هذا الفصل مواضع مذكورة قبل هذه المسألة توهم أيضا ما اقتضاه كلامه هنا إلا أن في بعضه تصريحا بالمقصود.
(1) سقط من جـ.
الأمر الثالث: أنه سوى بين لم ولا فعبر تارة بقوله لم أشأ وتارة بقوله لا أشاء وبينهما فرق ظاهر، فإن لم فيما مضى، وأما لا فإنها إما للمستقبل أو محتملة له وللحال على خلاف للنحاة.