الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع في سؤال الطلاق
قوله: في "الروضة": الأولى: إذا قالت طلقنى بكذا، أو على كذا، أو متى طلقتني فلك كذا فهذه كلها صيغ صحيحة في الالتزام، ويختص الجواب بالمجلس بلا خلاف في متى وغيرها خلاف قول الرجل متى أعطيتني. انتهى.
وما ذكره هنا من نفي الخلاف في متى ليس بصحيح ففي المسألة خلاف ذكره هنا تبعًا للرافعي في هذا الباب بعينه في المسألة الثانية من الطرف الثالث ولم يتعرض الرافعي هنا لنفي الخلاف.
قوله: ومنها لو قالت إن طلقتني فأنت برئ من الصداق أو فقد أبرأتك فقال: طلقت وقع الطلاق رجعيًا ولم يبرأ من الصداق لأن تعليق الإبراء لا يصح وطلاق الزوج طمعًا في البراءة من غير لفظ صحيح في الالتزام لا يوجب عوضًا وهاهنا كلامان، ثم قال: الثاني: أنه وإن لم يصح الإبراء فالزوج طلق طمعًا في حصول البراءة وهي قد رغبت في الطلاق بالبراءة فكان لا يبعد أن يقال هذا غرض فاسد فأشبه ما إذا ذكر خمرًا أو خنزيرًا. انتهى.
وهذا الذي أشار إليه بحثًا ولم ينقله عن أحد، قد صرح بنقله الخوارزمى في "الكافي" فنقل في المسألة وجهان، بل جزم به الرافعي في آخر الباب الخامس من أبواب الخلع نقلًا عن القاضي الحسين ولم يتوقف، وسأذكر لك لفظه في موضعه، ووقع الموضعان كذلك في "الروضة" واقتصر في "الشرح الصغير" على المذكور هنا.
قوله: ولو قال المشتري بعني ولك علي كذا فقال: بعت ففي انعقاد
البيع وجهان: أحدهما: ينعقد كالخلع والجعالة، والثاني: المنع ولا يحتمل فيهما ما يحتمل في البيع، ألا ترى أن التعليق لا يقدح فيهما ويقدح في البيع، وفي ما علق عن الإمام أن هذا أصح ويشبه أن يكون الوجهان في أنه هل هو صريح أم لا؟ فأما كونه كناية فلا ينبغي أن يكون فيه خلاف. انتهى كلامه.
وما ذكره من تخصيص الوجهين بالصراحة وعدمها ونفي الخلاف عن جعله كناية تابعه عليه في "الروضة" أيضًا وليس كذلك فقد ذكر في أوائل الباب السابق في ما إذا قال: أنت طالق وعليك ألف ما حاصله أن الوجهين في كونه كناية فتأمله ومعنى قوله ولا كلما يحتمل ليس كلما إلى آخره.
قوله: ولو قالت طلقني ثلاثًا بألف فطلقها واحدة وقعت بثلث الألف على ظاهر المذهب بخلاف الزوج إذا قال: أنت طالق ثلاثًا على ألف فقبلت واحدة لا تقع الواحدة بثلث الألف، ثم فرق بينهما بقوله: لأن الخلع من جانب فيه معني المعاوضة والتعليق ومن شرط المعاوضة أن يتوافق الإيجاب والقبول، ومن شرط الوقوع بالتعليق، حصول الصفة المعلق عليها، ولم يتحقق واحد من الشرطين، وأما من جانب المرأة فالخلع يشبه الجعالة على ما قدمناه. انتهى كلامه.
وهذا الفرق الذي ذكره صريح في أن الخلع لا يكون معاوضة من جانب الرجل لأنه قد ذكر أن المعاوضة لابد فيها من توافق الإيجاب والقبول، فلو كان من جهتها كذلك لم يتخيل الفرق ولم يتغاير الحكم والذي ذكره سهو، بل هو من جانبها معاوضة كما هو من جانبه، وقد جزم بذلك في أواخر الباب الأول ناقلًا له عن الأصحاب، وقد ذكرت لفظه هناك فراجعه، والصواب الاكتفاء بالتفرقة بالتعليق.
قوله: ولو قالت طلقني ثلاثًا ولك ألف فطلقها طلقة ونصفًا فيستحق ثلثي الألف لأنه أوقع طلقتين أو نصف الألف لأنه إنما أوقع [طلقتين، أو نصف الألف لأنه إنما وقع](1) نصف الثلاث والتكميل حكم الشرع حكى صاحب "المهذب" فيه وجهين. انتهى.
زاد في "الروضة" على هذا فقال: قلت الثاني أرجح والله أعلم، وفي هذا الكلام أمور:
أحدها: أن هذا الذي جزم به من وقوع طلقتين قد ذكر ما يخالفه في باب عدد الطلاق في آخر الفصل الثاني منه فقال في الكلام على غير المدخول بها ما نصه: ولو قال واحدة ونصفًا لم تقع إلا واحدة ولغي العقد كما لو قال: واحدة وواحدة، هذا لفظه ومقتضاه أن لا يقع في مسألتنا وهي مسألة الخلع المشار إليها إلا طلقة واحدة لأن الطلاق المقترن بالمال بمثابة الطلاق قبل الدخول في البينونة فلما قال أنت طالق طلقة وقعت بثلث الألف وبانت بها.
فقوله وبعدها نصفًا لم يصادف محلًا كما لو قال ذلك قبل الدخول.
نعم القول بعدم وقوعه قبل الدخول مشكل لأنه ليس باستئناف إيقاع، بل هو تفسير لمراده فصار كقوله أنت طالق طلقتين.
الأمر الثاني: أن هذا الخلاف الذي ذكراه في هذه المسألة ومشيا على ظاهره وغفلا عن غائلته إنما هو مخرج على وجه ضعيف فاعلمه فقد قال بعد ذلك في: آخر الفصل الرابع إذا قالت: طلقني نصف طلقة بألف، أو قالت طلق نصفي أو يدي أو رجلي بألف فأجابها لما سألت، أو قال هو فأجابته وقع الطلاق، ثم قال: وإذا وقع الطلاق فالظاهر الرجوع إلى مهر المثل لفساد صيغة المعاوضة كما لو قال بعتك هذا نصف بيعه أو بعته من نصفك.
قال: وعن حكاية الإمام واختياره وجه أنه يجب المسمى لأنهما وإن
(1) سقط من جـ.
خصصا العوض بما لا يختص فإن الشرع قد كمله فلا يتعد أن ينزل ما كمله الشرع منزلة الكامل. انتهى.
وذكر مثله في "الشرح الصغير" واقتصر عليه، ولم يذكر الموضع الأول وقد ظهر بهذا أن الخلع على نصف طلقة ونحوه فاسد، والصيغة الفاسدة لا يفترق الحال فيها بين أن يصدر من العاقدين أو من أحدهما، وحينئذ فالوجهان المتقدمان في أنه هل يستحق ثلثى الألف أو نصفهما إنما هو تفريع على صحة هذا الخلع فأما إذا فرعنا على الفساد وهو الأصح فيكون الوجهان في أنه هل يستحق ثلثي مهر المثل أو نصفه؟ فافهمه واشكر الله تعالى على ما ألهم من التنبيه على هذه الأمور الدقيقة في هذه الأبواب المتشعبة، ولم يذكر هذه المسألة في "المحرر" فإن قيل مهر المثل قد يكون أكثر مما التزمته المرأة فينبغي أن لا يلزمها إلا ما رضيت به، قلنا لم ينظر الأصحاب إلى ذلك، بل أوجبوا المهر، وإن انتفى الرضى به كما لو قبل بزيادة على ما سمته فإنه يقع بمهر المثل على الصحيح وعللوه بأن من دخل على عقد الخلع بمسمى دخل على أن فاسده مقتض لمهر المثل.
الأمر الثالث: أنه قد تقرر من كلامهم هنا أن تكميل الشرع وسرايته ليست كإنشاء الشخص وذكروا في الإعتاق خلاف ذلك، فقد قال الرافعي في كتاب الظهار: إذا أعتق الموسر عبدًا مشتركًا عن الكفارة جاز إذا نوى عتق الجميع عن الكفارة سواء وجه العتق إلى جملته أو إلى نصيبه فقط لحصول العتق بالسراية.
وقال القفال: لا يجزئ عن جميع الكفارة إذا وجه العتق إلى نصيبه فقط لأن نصيب الشرع عتق بالسراية لا بإعتاقه هذا كلامه، ولم يصرح بما إذا قال لغيره: اعتق عبدك عني على كذا فأعتق نصفه.
نعم ذكر قبيل كتاب التدبير في فروع حكاها الروياني أنه لو وكل وكيلًا في
عتق عبد فأعتق الوكيل نصفه فهل يعتق نصفه فقط أم يعتق ويسري إلى باقيه أم لا يعتق منه شيء لمخالفته؟ فيه أوجه: أصحها الأول هذا كلامه، وقياس ما صححه هناك أن لا يقع العتق هنا عن السائل لأجل المخالفة وحينئذ فيقع العتق عن المالك لكون العتق لا يزيد كما في نظائر، كذلك ذكروها في كتاب الظهار.
قوله: وهذا كلام غير مخمر فإن الخلاف في أن الفراق إلى آخره.
المخمر بالخاء المعجمة مأخوذ من العجين المخمر وهو الذي أصلح بوضع الخمير فيه والحاصل أنه كناية عن الكلام الذي ليس محررًا.
قوله: الصورة الثالثة: قالت طلقني واحدة بألف فقال: أنت طالق ثلاثًا وقع الثلاث واستحق الألف، ثم قال: وهل هي مقابلة الثلاث أم الواحدة فيه وجهان ظاهر النص الثاني ولا يتعلق بالخلاف فائدة حكمية. انتهى.
تابعه في "الروضة" على أنه لا فائدة لهذا الخلاف وهو غريب فإن له فوائد منها إذا وكل وكيلًا في طلاق زوجته طلقتين مجانًا وواحدة بما شاء من العوض فسألته طلقة على ألف فأوقع ثلاثًا، فإن قلنا الواحدة في مقابلة الألف وقعت الثلاث لأنه طلق على وفق الإذن، وإن قلنا: الألف في مقابلة الثلاث، فقد خص كل طلقة بثلث الألف وهو ممنوع من إيقاع طلقتين بعوض فلا يقعان وأما الثالثة المأذون فيها بالعوض فهي قد سألتها بألف وأجابها بثلثها وفي مثل هذا وجهان حكاهما الرافعي في هذا الموضع وقال: الأصح وقوع الطلاق وإذا قلنا به فالأصح أنه يستحق المسمى بخلاف البيع فإن الصحيح البطلان فاستفدنا من ذلك وقوع الواحدة بثلث الألف، ومن فوائده أيضًا: ما لو أذنت لشخص في وفاء ما يخص المطلقة المسئول عليها أو ضمن شخص عن المرأة ذلك، أو أبرأ الزوج زوجته عنه.
قوله: ولو قالت طلقني واحدة بألف فقال أنت طالق فطالق فطالق روجع فإن قال أردت مقابلة الأولى بالألف ولم تقع الأخرتان، وإن قال أردت الثانية وقعت الأولى رجعية، ويجيء في الثانية الخلاف في مخالعة الرجعية فإن صححنا لغت الثالثة وإن لم يصححها لم تلغ وإن قال أردت الثالثة وقعت الأوليان بغير عوض والثالثة على الخلاف، وإن قال أردت مقابلة الكل بالألف وقعت الأولى بثلث الألف ولغت الأخريان، ولو لم يكن له نية قال صاحب "التهذيب": تبين بالأولى بالألف، وأورد الشيخ أبو إسحاق الشيرازي مثل هذا التفصيل في ما إذا قال ابتداء أنت طالق وطالق وطالق بألف. انتهى كلامه.
وما ادعاه من ذكر الشيخ أبى إسحاق للتفصيل السابق تابعه عليه في "الروضة" وليس كذلك، بل إنما أورد بعضه فاعلمه على أن صاحب الاستقصاء قد ادعى أن هذه المسألة غير المسألة التي تكلم فيها الرافعي.
قوله: وإذا علق الطلاق نصفه على عوض بأن قال: إذا جاء الغد فأنت طالق على ألف فقبلت أو سألته التعليق على ذلك وأجابها وقع الطلاق عند وجود المعلق عليه، وقيل ولا يشترط القبول على الفور، وعن القفال احتمال وجه آخر أنها تخير بين القبول في الحال أو عند وجود الصفة والواجب المسمى وقيل مهر المثل، ثم قال: وإذا قلنا بثبوت المسمى ففي التتمة وجهان في أنه متى يلزم تسمية أحدهما يلزم عند وجود المعلق عليه لأن المعوض متأخر فكذلك العوض.
والثاني: في الحال وهو اختيار ابن الصباغ لأن الأعواض المطلقة يلزم تسليمها في الحال والمعوض يتأخر بالتراضي، فعلى هذا فلو تعذر تسليم المعوض بأن حصلت فرقة قبل وجود المعلق عليه لزم رد العوض كما إذا تعذر تسليم المسلم فيه، والوجهان متفقان على أن المال ثابت في الحال
وكذلك ذكره في "التهذيب" وهو الوجه لتمام شقى العقد وفي مجامع الإمام وصاحب "الكتاب" أن المال إنما يجب عند حصول البينونة. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أن ما ذكره من صحة تعليق الخلع يستثنى منه مسألة ذكرها في باب تعليق الطلاق في أوائل الطرف الثالث المعقود للحمل والولادة ناقلًا له عن نص الشافعي في "الإملاء" وسوف أذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى لغرض آخر يتعلق بها.
الأمر الثاني: أن ما ذكره من أن الوجه ثبوت الملك في الحال كيف يستقيم؟ فإنه لا شك أن ملك العوضين يكون في زمان واحد أن يكون ملك أحدهما مقارنًا لملك الأخر وقد صرح الرافعي بذلك في مواضع منها في الباب قبله، وصورة التعليق بالإعطاء فقال فإذا ملكت المعوض يوقع الطلاق اقتضت الضرورة دخول العوض في ملك الزوج فإن ملك العوضين يتفارقان. هذا كلامه.
وذكر في أول الباب الثاني مثله فقال في الكلام على اختلاع الأمة ما نصه: لأنه لو حصلت الفرقة لقارنها ملك الرقبة، فإن العوضين يتساوقان. هذا لفظه أيضًا، والمساوقة المعية وإذا تقرر أنهما في وقت واحد، فيقال: إذا قلت بأنه يملك العوض من حين القبول فلابد من أن تكون المرأة قد ملكت العوض وذلك المعوض لا جائز أن يكون منفعة البضع لأنها باقية على ملك الزوج ويستمتع بها إلى حين الطلاق، ولا جائز أن يكون هو الطلاق في الغد لأنه لا يمكن التزام الطلاق في الذمة، وقد صرح هو به قبل هذا بنحو ورقة فقال: لأنه سلم في الطلاق والطلاق لا يثبت في الذمة هذا لفظه، وما ذهب إليه هنا غريب مع استشهاده في
مسألتنا بالسلم، لا جرم أن الإمام في "النهاية" جزم بما قلناه ونقل نفي الخلاف فيه فقال: لا خلاف أن المال لا يثبت في ذمتها ما لم تتحقق الصفة فإن الطلاق يقع عندها ويستحيل ثبوت المال مقدمًا على حصول الفراق.
الأمر الثالث: أن تقييد الرافعي الخلاف في هذه المسألة بالمسمى يدل على أن مهر المثل على الفور والآخر ملكه متأخر وهو ظاهر فإنه بدل متلف، والتلف إنما حصل بوقوع الطلاق فلا يجب قبله.
قوله: أما إذا اختلعا يعني الأب والزوج على الصداق فقد حكى الإمام وصاحب "الكتاب" والشيخ أبو الفرج الزاز تخريج المسألة على أنه هل يجوز للأب العفو عن صداق الصغيرة، ونقله أيضًا العراقيون عن ابن أبى هريرة وزيفوه وقالوا أحد شروط القول الذاهب إلى أن للولي أن يعفو عن الصداق وقوع العفو بعد الطلاق وهذا الشرط غير حاصل في الخلع، ثم قال ما نصه: والأقوى أنه لا يشترط كذلك القول بعدم العفو على الطلاق بل يكتفي باشتراط عدم تأخر العفو عن الطلاق لأن الغرض تخليصها من ذلك الزوج، [وبأهليتها](1) الرغبة [الخاطبين](2) فيها وهذا الغرض يحصل بالعفو المقارن حصوله بالعفو المتقدم لما بيناه، هذا لفظه وفيه أمران:
أحدهما: أن ما رجحه من جواز العفو المقارن قد ذكر خلافه في كتاب الطلاق في الكلام على عفو الولي وهو في باب تشطير الصداق وقد ذكرت هناك لفظه فراجعه.
الأمر الثاني: أن الرافعي اعتقد أن الذي لا يكتفي بالمقارنة شرط التقدم وهو غلط حصل من اعتقاده أغلاط متعددة في اللفظ الذي نقلناه عنه هنا فإن أحدًا لم يشترطه وإنما اشترطوا التأخير كما تقدم ذكره في بابه وكان
(1) في جـ: وتأهيلها.
(2)
في جـ: الطالبين.
صوابه أن يقول هنا: والأقوى أنه لا يشترط لذلك القول تأخر العفو عن الطلاق بل يكتفي باشتراط عدم تقدم العفو على الطلاق لأن الغرض تخليصها من ذلك الزوج وتأهيلها لرغبة الخاطبين فيها وهذا الغرض يحصل بالعفو المقارن حصوله بالعفو المتأخر لما بيناه.
قوله: ولو اختلع أب الزوج بعبد أو غيره، وذكر أنه من مالها، ولم يتعرض لبيانه، ولا استقلال، وقع الطلاق رجعيًا كمخالفة السفيهة ذكر في تشبيهه بالسفيهة أنه أهل للقبول لكنه محجور عليه في مالها. انتهى.
وتعبيره بقوله: وذكر هو بضم الذال على البناء للمفعول أى ذكره بعضهم وعبر في "الشرح الصغير" بعبارة واضحة.
فقال: ووجه الشبه إذا علمت ذلك فقد عبر في "الروضة" بقوله: وذكرا بألف في آخره على أنه ضمير المثنى، وكأنه توهم أن المراد الزوجان فأتى بذلك، وهو وهم فتفطن له.