الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال رحمه الله:
الشرط الثاني من الكتاب في التعليقات
وفيه فصول:
الفصل الأول في التعليق بالأوقات
قوله: ولو علق طلاقها بصفة ثم قال: عجلت تلك الطلقة المعلقة لم تتعجل لتعلقها بذلك الوقت المستقبل، وفيه وجه آخر عن رواية الشيخ أبى على وغيره، وإذا قلنا: لا تتعجل فأطلق ثم قال: عجلت لك الطلاق سألناه فإن قال: أردت تلك الطلقة صدقناه بيمينه، ولم يتعجل شيء، وإن أراد طلاقًا مبتدأ وقع في الحال طلقة، انتهى كلامه.
تبعه عليه في "الروضة" وزاد عليه فقال في أواخر الكلام: فإن لم يكن له نية لم تقع في الحال شيء، والله أعلم.
إذا علمت ذلك فاعلم أن الخلاف الذي ذكره يقتضي أن محله في أصل وقوع الطلاق حتى لا يقع شيء بالكلية على الصحيح، ويدل على ذلك أيضًا ما ذكره في آخر كلامه خصوصًا ما ذكره النووي من "زوائده" وليس الأمر كما اقتضاه كلامهما، بل تقع في الحال طلقة جزمًا، وإنما محل الخلاف في أنه هل يقع مع ذلك طلقة أخرى عند وجود الصفة أم لا؟ وقد ذكره الإمام في موضعين:
أحدهما: قبل كتاب الرجعة بنحو ثلاثة أوراق ونقله عن الشيخ أبى على، كما نقله الرافعي ولا شك أن الرافعي إنما نقله عن الإمام.
والموضع الثاني: في كتاب الخلع بعد أوله [بدون](1) كراس واحد فقال: وإذا علق طلقة واحدة وهو يملك الثلاث، ثم قال: نجزت تلك الطلقة التي علقتها ينجز الطلاق لا محالة. هذا لفظه، وصرح به أيضًا القاضي الحسين في "تعليقه" فيما إذا كان التعليق على دخول الدار ونحوه فقال: فأما إذا قال إذا دخلت الدار فأنت طالق، ثم قال: عجلت ذلك الطلاق الآن وقع الطلاق، فإذا دخلت الدار وقعت طلقة أخرى، قال بخلاف ما إذا قال إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، ثم قال: عجلت تلك الصفة الآن فإنه يقع الآن ولا يقع في آخره عند مجئ أول الشهر. انتهى.
وقال في فتاويه أيضًا: مسألة: إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثم قال: عجلت تلك الطلقة لا يتعجل، لأن كلمة إن للشرط ولم يوجد، فأما إذا قال: إذا دخلت الدار فأنت طالق ثم قال: عجلت تلك الطلقة تتعجل الآن؛ لأن إذا للوقت وقد انتظم من مجموع ذلك خلاف في بقاء التعليق وانحلاله ووقوع الطلاق مع بقائه وعدم وقوعه فحيث قلنا بانحلال اليمين وقعت طلقة لا محالة وحيث قلنا ببقائه، فقال الفورانى في "الإبانة": تقع طلقة عند وجود التعليق وطلقة في الحال وذهب إليه أيضًا القاضي كما سبق نقله عن التعليق والفتاوي وابن خلف وابن الصباغ، وحمل عليه نص الشافعي رضي الله عنه حيث قال في "الإملاء": لو قال لامرأته: أنت طالق إلى شهر، ثم قال: أنت طالق تلك الطلقة الساعة لم يلزمه إلا واحدة إن كان أراد أني عجلتها الآن قبل الشهر، وإن لم يكن أراد به طلقات الآن طلقة وطلقت في الشهر. انتهى.
ثِم قال: وهل يَنْحَلّ التعليق بشيء على أنه إذا علق الثلاث ثم نجزها فهل ينحَلّ تعليقه حتى لا يقع الثلاث في نكاح آخر أم لا؟ فإن قلنا: لا ينحل فلا معنى لحله بالجهة التي ذكرها، وإن قلنا: ينحل عند استيفاء الثلاث فإذا علق واحدة ثم نجز واحدة وزعم أنها التى علقها ففي انحلال
(1) في جـ: بنحو.
التعليق وجهان، ووجه الانحلال بين، ووجه مقابله أنه ليس متعلقًا بطلقة معينة، ولا خلاف أنه لو علق طلقة ثم نجز طلقة مطلقة فإن التعليق لا ينحل؛ لأن فك التعليق ليس إليه. انتهى كلامه ملخصًا. وفيه فوائد.
قوله: ولو عقب لفظ الطلاق بحرف شرط فقال: أنت طالق إن فمنعه غيره من الكلام بأن وضع يده على فيه، ثم قال: أردت أن أعلق على شرط كذا صدق بيمينه وإنما حلفناه لاحتمال أنه أراد التعليق على شيء حاصل كقوله: إن كانت فعلت كذا وقد فعله، ولو قطع الكلام مختارًا حكم بوقوع الطلاق. انتهى كلامه.
وما ذكره من الوقوع عند القطع مختارًا قد سبق منه في أوائل باب تعدد الطلاق ما يخالفه وسبق ذكر لفظه هناك وتبعه النووي على الموضعين فراجعه.
قوله: ولو حذف الفاء فقال: إن دخلت الدار أنت طالق قد أطلق البغوي وغيره أنه تعليق، وقال البوشنجي: يسأل فإن قال: أردت التخيير حكم به، وإن قال: أردت التعليق أو تعذرت المراجعة حمل على التعليق. انتهى كلامه.
ذكر مثله في "الروضة" أيضًا والصواب أنه إن كان عارفًا بالعربية وقع الآن على جعل إن نافية كما سيأتي إيضاحه، ويدل عليه كلامهم في ما إذا فتح أن التي ظاهرها الشرط وإن كان جاهلًا لم يقع شيء.
قوله: ولو قال: إن دخلت الدار وأنت طالق بالواو، قال البغوي: إذا قال: أردت التعليق قبل أو التنجيز وقع، وإن قال: أردت جعل الدخول وطلاقها شرطين لعتق أو طلاق قبل.
قال البوشنجي: فإن لم يقصد شيئًا طلقت في الحال وألغيت الواو، كما لو قال ابتداء: وأنت طالق. انتهى.
قال في "الروضة": المختار أنه عند الإطلاق تعليق بدخول الدار إن كان قائله لا يعرف العربية، وإن عرفها فلا يكون تعليقًا ولا عبرة إلا بالنية لأنه غير مفيد عنده، وأما العامي فيطلقه للتعليق ويفهم منه التعليق، قال: وما قاله البوشنجي فاسد حكمًا ودليلًا وليس كالمقيس عليه. انتهى.
وما ذكره النووي من أن مقالة البوشنجي فاسدة فمسلم، وأما قوله في عارف العربية أنه غير مقيد عنده فعجيب بل هو صحيح على جعل إن نافية وهو كثير في القرآن، وحينئذ فيحتمل أن تكون الواو هاهنا بعدها واو الحال فلا يقع أو واو العطف فيقع فيسأل فإن أراد الأول فلا شيء، وإن أراد الثاني وقع الطلاق نواه أم لا اكتفاء بنية العطف، فإن تعذرت مراجعته بموت أو غيره لم يقع شيء لجواز إرادة الحال، ثم إنه أهمل قسمًا آخر وهو ما إذا جهلنا حاله فلم ندر أنه ممن يحسن العربية أم لا؟ والمتجه عدم الوقوع فيه عند تعذر المراجعة، وقد أوضحت ذلك كله في كتابنا المسمى "بالكواكب" فراجعه.
قوله: ثم الكلام في صورتين إحداهما: لو قال: أنت طالق في آخر شهر كذا فوجهان: أحدهما: يقع في آخر جزء من الشهر فإنه الآخر المطلق.
والثاني: يقع في أول جزء من ليلة السادس عشر؛ لأن النصف الثاني كله آخر الشهر، وفي "التهذيب" وجه ثالث: وهو أنه يقع في أول اليوم الأخير حملًا للآخر على اليوم الآخر، وإيراده يقتضي ترجيحه. انتهى.
والأصح هو الوجه الأول فقد قال الرافعي في "الشرح الصغير" و"المحرر": إنه أظهر الوجهين، وصححه النووي في "الروضة" ولم ينبه فيها على أنه من زياداته، بل أدخله في كلام الرافعي فتفطن له فإنه غريب.
قوله: الثانية: إذا قال: أنت طالق في سلخ الشهر، ففيه وجوه:
أحدها: أنه يقع في آخر جزء من الشهر؛ لأن الانسلاخ يحصل به وهو ما أجاب به الشيخ أبو حامد ورجحه الغزالي.
والثاني: يقع في أول اليوم الأخير وهو المذكور في "التتمة" و"التهذيب" وعن رواية صاحب "التقريب" وجه أنه يقع بمضى أول جزء من الشهر فإنه يأخذ في الانسلاخ من حينئذ، قال الإمام: اسم السلخ يقع على الثلاثة الأخيرة كما تقع الغرة على الثلاثة الأول فيحتمل أن يقع في أول جزء من الأيام الثلاثة. انتهى.
والصحيح هو الأول فقد قال الرافعي في "الشرح الصغير": إنه الأظهر، والنووي من "زوائده": إنه الصواب، ولم يذكر المسألة في "المحرر".
قوله: ولو قال بالنهار: إذا مضى يوم فأنت طالق طلقت إذا جاء مثل ذلك الوقت من اليوم الثاني هكذا أطلقوه، ولكن فيه تلفيق اليوم من البعضين المفرقين، وقد سبق في الاعتكاف أنه لو نذر أن يعتكف يومًا لم يجز تفريق الساعات في أصح الوجهين. انتهى كلامه.
وما ذكره رحمه الله من محاولة جريان الوجهين غلط حصل من ذهول عما قرره في الاعتكاف، وذلك أن الزمان المنذور ليس محمولًا على الزمان المتصل بالنذر، بل يجوز للناذر تأخيره عنه وفعله في أى وقت أراد ما لم يلتزم زمنًا معينًا كقوله من هذا الوقت وشبهه، وأما التعليق فلا خلاف أنه محمول عند الإطلاق على أول الأزمنة المتصلة به فنظير مسألتنا من النذر أن يقول يومًا من هذا الوقت، ولو قال ذلك لجاز فيه التفريق بلا خلاف، وقد توهم النووي أيضًا صحة هذا البحث فأشار إليه بقوله هكذا أطلقوه ولم يذكر المستند.
قوله: ولو قال: إذا مضى شهر فأنت طالق، لم يقع حتى يمضى شهر كامل، فإن اتفق قوله في ابتداء الهلال طلقت بمضيه تامًا أو ناقصًا، وإلا فإن قاله ليلًا طلقت إذا مضى ثلاثون يومًا ومن ليلة الحادي والثلاثين بقدر ما كان سبق من ليلة التعليق، [وإن قاله نهارًا كمل من اليوم الحادي والثلاثين بعد التعليق](1). انتهى كلامه.
وما أطلقه من تتميم الثلاثين عند الانكسار تبعه عليه في "الروضة" أيضًا ومحله إذا كان ذلك في غير اليوم الأخير، فإن عقد فيه وحصل بعده شهر هلالي فالصواب الذي قاله صاحب "التتمة" وغيره: أنه يكفي، كذا ذكره الرافعي في كتاب السلم.
قوله: ولو قال: إذا مضت سنة فأنت طالق وانكسر الشهر الأول كملناه بعد مضي أحد عشر شهرًا وأشار الإمام إلى أن تصوير عدم الانكسار عسير، لكن يظهر تقريبه بما إذا قال: إذا مضت من أول رمضان سنة فأنت طالق، ثم قال: فلو شك في ما كان قد مضى من الأول لم يقع الطلاق إلا باليقين، وذكر الحناطي في حِلّ الوطء في حال التردد وجهين. انتهى.
والأصح كما قاله في "الروضة" من "زوائده" هو الحِلّ.
قوله: وإذا علق الطلاق بصفة مستحيلة عرفًا كقوله: إن طرت أو صعدت السماء أو حملت الجبل فأنت طالق، أو عقلًا كقوله: إن أحييت ميتًا، أو إن اجتمع السواد والبياض، أو شرعًا كقوله: إن نسخ صوم رمضان لم يقع الطلاق في الأصح.
والثاني: يقع مطلقًا.
والثالث: يقع في العقلى والشرعى دون العرفي. انتهى كلامه.
واعلم أن الرافعي قد ذكر في كتاب الأيمان أنه إذا حلف لا يصعد السماء فإن يمينه لا ينعقد في أصح الوجهين، وذكر نحوه في ما إذا حلف
(1) سقط من جـ.
لا يشرب ماء النهر فشرب فإنه صحح أنه لا يحنث، ثم نقل عن القاضي أبى الطيب أنه قال: ينبغي على هذا أن يقال: لا ينعقد يمينه، كما لو حلف لا يصعد السماء، وإذا علمت ذلك فقياس ما يجيء فيه أن يقال: لا ينعقد اليمين في الأشياء التي ذكرها أيضًا حتى لا حنث بها الحالف على الحلف، ويكون قول الأصحاب اليمين إما حنث أو منع أو تصديق محمولًا على ما إذا كان الحلف على الأشياء الممكنة، وقد ذكر الرافعي هذه القاعدة في أول هذا الفصل وأطلقها فتفطن لذلك.
قوله: الثانية: إذا قال: أنت طالق أمس، وقال: أردت أنى طلقتها في الشهر الماضي وبانت [مني ثم جددت النكاح، أو أن زوجًا آخر طلقها في نكاح سابق وبانت](1) منه فنكحتها، قال الأصحاب: ينظر إن عرف نكاح سابق وطلاق سابق، وأقام على ذلك بينة وصدقته في إرادته فذاك، وإن كذبته وقالت: لم ترد ذلك وإنما أردت إنشاء الطلاق الآن فيحلف، قالوا: ويحالف هذا ما إذا [قال](2) طلقها في هذا النكاح حيث يصدق ولا يطالب بالبينة؛ لأنه معترف هناك بطلاق في هذا النكاح وهاهنا يريد صرف الطلاق عن هذا النكاح، وإن لم يُعرف نكاح سابق وطلاق في ذلك النكاح، فإن كان محتملًا فينبغي أن يقبل التفسير به، وإن لم يقم بينة وأن لا يقع الطلاق وإن كان كاذبًا ألا ترى أنه لو ابتدأ فقال: طلقك في الشهر الماضي زوج غيرى لا يحكم بوقوع طلاقه وإن كذب. انتهى كلامه.
وما ذكره رحمه الله في القسم الثاني وهو ما إذا لم يعرف ما ادعاه من كونه ينبغي القبول تابعه عليه في "الروضة" أيضًا وهو يقتضي أن المسألة ليست مصرحًا بها للأصحاب وأن الحكم فيها ما ذكره بحثًا، وليس كذلك بل الأصحاب مصرحون بالمسألة وقائلون بعدم القبول، والمذكور هنا
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من جـ.
إنما هو بحث للإمام فاعلمه، والمسألة مذكورة في "النهاية" على الصواب فنقلها الرافعي منها فأسقط موضع الحاجة، فإن الإمام قد قال ما نصه: إن أقام بينة قبل يمينه فإن اتهم حلف، وإن لم يمكنه أن يثبت ذلك لم يقبل منه ويحكم بانتجاز الطلاق، هكذا قال الأصحاب، وفي القلب من هذا شيء فإن اللفظ إذا كان محتملًا، وهو صاحب اللفظ والإرادة فإذا فسر لفظه بممكن لم يبعد قبوله ثم يكذب في إخباره، وإن كنا نجعل المسألة على وجهين في ما لو فسر لفظه بمحال وهو إسناد الوقوع إلى ما مضى حتى نقول في وجه: لا يقع فلا يبعد أن ينزل لفظه إذا فسره بالإقرار منزلة ما لو ابتدأ فقال: طلقك في الشهر الماضي زوج غيري، وهذا لا يوجب وقوع الطلاق منه وإن كان كاذبًا هذا كلام الإمام، وأسقط الرافعي منه منقول الأصحاب وأبقى منه ما يوهم أن الحكم ما ذكره، وقد ذكره في "الشرح الصغير" على الصواب فقال: وإن لم يُعرف نكاح سابق وطلاق ولم يقم عليه بينة حكم بوقوع الطلاق في الحال.
وقال الإمام: ينبغي أن يقبل التفسير به هذه عبارته وجزم في "المحرر" بأنه لا يقبل ولم يذكر فيه توقفًا وقد صرح أيضًا بما نقله الإمام جماعة منهم البغوي في "تهذيبه"، وقد تبين لك أن الحكم بخلاف المذكور هنا وفي "الروضة" فاعلمه واحمد الله على تيسيره وتيسير أمثاله.
قوله: ولو قال: أنت طالق للشهر الماضي، ففي "المجرد" للقاضي أبى الطيب أنه يقع الطلاق في الحال بلا خلاف كما لو قال لرضى فلان، لكن الكلام في مثل ذلك يستعمل للتاريخ، واللفظ محتمل للمعاني المذكورة في قوله في الشهر الماضي. انتهى.
والذي بحثه الرافعي قد جزم به ابن داوود في شرحه "للمختصر" وزاد عليه قسمًا أخر فقال: إن أراد باللام الوقت فكما لو قال في الشهر
الماضى وإن أراد التعليل وقع ولم يتعرض لحالة الإطلاق.
قوله في أصل "الروضة": التاسعة: قال: إذا مات فلان أو إذا قدم فلان فأنت طالق قبله بشهر، أو قال: أنت طالق قبل أن أضربك بشهر، نظر إن مات فلان أو قدم أو ضربها قبل مضى شهر من وقت التعليق لم يقع الطلاق، وقيل: يقع عند الضرب، والصحيح الأول وبه قطع الجمهور. انتهى كلامه.
وما ذكره من اختصاص الوجه بالضرب غلط عجيب، فإن الرافعي حكاه في الجميع إلا أنه حكاه عن الشيخ في "المهذب" والشيخ إنما حكاه في القدوم، وأما في التعليق على الموت فجزم بمقالة الجمهور وسكت عن التعليق على الضرب فلم يذكره بالكلية فحصل للرافعي غلط فيما نقله عن "المهذب"، ثم حصل للنووي غلط آخر فيما نقله [عن الرافعى وهو أفحش من غلط الرافعى إلا أن الرافعى بعد نقله](1) في الجميع في أثناء الاستدلال مثل بالقدوم على وفق ما حكاه الشيخ.
قوله في المسالة: فإن مات أو قدم أو ضرب بعد مضى شهر من وقت التعليق تبينا وقوع الطلاق قبله بشهر. انتهى.
وما جزم به من الاكتفاء بالشهر في الوقوع تبعه عليه في "الروضة"، لكن جزم في "المهذب" في التعليق على الموت بأنه لابد من زيادة لحظة على الشهر ليقع الطلاق فيها إلا أنه صور ذلك في التعليق على موت نفسه، ولم يذكره في التعليق على القدوم ولا فرق بينهما، وقد جزم به في القدوم أيضًا ابن الصباغ أيضًا في "الشامل" والمحاملي في "المجموع" والبندنيجي في "تعليقه" وغيرهم.
قوله: ولو قال: أنت طالق اليوم أو غدًا، فوجهان:
الصحيح: لا يقع إلا في الغد؛ لأنه اليقين.
(1) سقط من أ.
والثاني: يقع في الحال تغليبًا للإيقاع. انتهى.
وقد وقع في الرافعي مسائل متشابهة في المدرك وبعضها كالمعارض لبعض فقال في آخر هذا الفصل: قال: أنت طالق غدًا أو عبدى حر بعد غد، قال البوشنجي: يؤمر بالتعيين، وقال في أخر عدد الطلاق في فتاوي القفال: لو قال: طلقتك واحدة أو اثنتين على سبيل الإنشاء فيختار ما شاء من واحدة أو اثنتين وقال في آخر تعليق الطلاق نقلًا عن البوشنجي: وأنه لو قال إن دخلت الدار فعبدى حر أو كلمت فلانًا فامرأتي طالق سألناه لنتبين أي اليمينين أراد فما أراد تقرر.
وقال في آخر الباب الثالث من أبواب الأيمان: وفي "الإقناع" للماوردي أنه لو قال: لا أكلت خبزًا أو لحمًا فرجع إلى مراده منهما فيتعلق به اليمين.
قوله: ولو قال: أنت طالق اليوم إذا جاء الغد فوجهان:
أحدهما عن ابن سريج وصاحب "التقريب": لا تطلق.
والثاني: تطلق. انتهى.
والأصح هو الأول، كذا جزم به صاحب "التنبيه" وصححه في "الروضة" من زوائده.
قوله: ولو قال أنت طالق ثلاثًا في ثلاثة أيام، أو في كل يوم طلقة نظر إن قاله بالنهار وقعت في الحال طلقة وبطلوع الفجر في اليوم الثاني أخرى وبطلوعه في الثالث أخرى، ولو قال: أردت أن يكون بين كل طلقتين يوم فيدين. وهل يقبل ظاهرًا؟ فيه وجهان أحدهما: نعم كالسنة، والثاني: لا لأن النوم عبارة عن هذا الزمان المحصور لا يدخل بعضه في بعض بخلاف السنة والوجهان ينطبقان على الوجهين في أن من نذر اعتكاف يوم، هل يجوز له أن يعتكف ساعات متفرقة بقدر يوم؟ وقياس ما أجابوا به في ما
إذا قال: إذا مضى يوم فأنت طالق، أنه يقبل. انتهى كلامه.
والقياس على مسألة النوم قياس عجيب لا أدرى كيف وقع للرافعي فقد تقدم أنه قال ذلك في أثناء يوم أنها لا تطلق إلا بنظيره من اليوم الثاني وإن أطلق، وأما في مسألتنا فإنها تطلق في اليوم الذي قاله فيه عند الإطلاق، فكيف يقيس القبول في ما يخالف الظاهر والأصل على القبول في ما يوافقهما، وقد تبعه النووي في "الروضة" على دعوى القياس فقال: أقيسهما: القبول، ولم يذكر مستنده فاستتر وقد ظهر لك أن الترجيح المذكور في هذه المسألة من الكتابين كلا ترجيح فتفطن له.
قوله: ولو قال: أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم فمضى اليوم ولم يطلقها فعن ابن سريج: أنه لا طلاق؛ لأن الشرط إنما يوجد بمضى اليوم وإذا مضى اليوم تعذر الطلاق اليوم، وقال الشيخ أبو حامد: يقع في آخر لحظة من اليوم وهذا إذا بقى من اليوم زمن لا يسع التطليق؛ لأن الشرط قد تحقق حينئذ. انتهى.
قال في "الروضة": الأفقه المختار هو الثاني، والله أعلم.
فيه أمران:
أحدهما: أن في المسألة اعتبارًا آخر هو أظهر مما ذكره وهو آخر لحظة من اليوم، لكن لا بالتفسير الذي ذكره، وذلك لأن زمن التطليق أوسع من زمن وقوع الطلاق، فإنه إذا مضى مثلًا زمن الطلاق فقد بقي من اليوم زمن لا يسع التطليق واليوم باق وبقاؤه يمنع الطلاق، وإذا حصل اليأس من التطليق، وقد صرح الرافعي بحكاية ذلك وجهًا في نظير المسألة وأشعر إيراده برجحانه، ذكر ذلك في الباب الثاني من كتاب الأيمان في أول النوع السادس منه.
الأمر الثاني: أن الأصوب ما قاله ابن سريج لا للمعني الذي ذكره،
بل لأنه لو وقع الطلاق المعلق لوجد التطليق اليوم؛ لأن التعليق مع وجود الصفة تطليق فإذا وجد التطليق لم يقع المعلق لانتفاء شرطه وهو عدم التطليق.
قوله: وفي فتاوى القفال أنه لو قال: أنت طالق في أفضل الأوقات طلقت في ليلة القدر، وإن قال: أفضل الأيام طلقت يوم عرفة وفي وجه يوم الجمعة عند الغروب. انتهى كلامه.
وحاصله أن في التعليق على أفضل الأيام خلافًا من غير ترجيح؛ لأنه نقل عن فتاوى القفال أنه يوم عرفة ونقل وجهًا آخر أنه يوم الجمعة، وقد اختصر في "الروضة" هذا الكلام على وجه يقتضي أن يكون الأول هو الصحيح وأن المذكور في فتاوي القفال إنما هو الوجه خاصة، فقال: قال: أنت طالق في أفضل الأوقات طلقت ليلة القدر، ولو قال: أفضل الأيام طلقت يوم عرفة وفي وجه يوم الجمعة عند غروب الشمس، ذكره القفال في فتاويه. هذا لفظه، فإن كان الكلام جميعه من كلام القفال وهو الظاهر، ورد عليه أن التصحيح الذي أدخله في كلام الرافعي ليس للرافعي، بل لا تصحيح في كلامه بالكلية، وإن كان صدره خاصة للقفال، والمسألة الثانية نجملها من كلام الرافعي فيرد عليه نسبة الوجه الأخير إلى القفال، وقد استدرك في "الروضة" على الوجه القائل بالوقوع عند الغروب استدراكًا صحيحًا فقال: تخصيصه بوقت الغروب ضعيف أو غلط لأن اليوم يتحقق بطلوع الفجر فإن تخيل متخيل أن ساعة الإجابة قد قيل؛ إنها آخر النهار فهو وهم ظاهر لوجهين:
أحدهما: أن الصواب أن ساعة الإجابة من حيث يجلس الإمام على المنبر إلى أن يقضي الصلاة، كذا صرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم في "صحيح مسلم"(1).
(1) حديث (82) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والثاني: أنه لم يعلق بأفضل أوقات اليوم بل اليوم الأفضل واسم اليوم الأفضل يحصل بالفجر. هذا كلامه، وقد راجعت فتاوى القفال فرأيته قد جزم بالأول وحكى الثاني وجهًا ضعيفًا وعلله بقوله لأن تلك الساعة أفضل.
قوله: وقد سكت جمهورهم عن التعليق بأفضل الشهور والمنقول فيه أنه رمضان لا الأشهر الحرم، كذا جزم به الشيخ عز الدين في أوائل القواعد في الفصل المعقود لتفاوت أجور الأعمال لاختلاف الأزمان، وروى الحليمي في "شعب الإيمان" أنه عليه الصلاة والسلام قال:"سيد الشهور رمضان"(1).
قوله: نقلًا عن "فتاوى القفال": ولو قال: أنت طالق بين الليل والنهار، لا تطلق ما لم تغرب الشمس. انتهى.
محل هذا إذا كان بالنهار فإن كان ليلًا لم تطلق حتى يطلع الفجر، وقد نبه عليه في "الروضة".
قوله في "الروضة" نقلًا عن الفتاوي المذكورة: ولو قال: أنت طالق قبل موتى طلقت في الحال، وإن قال قبل بضم القاف وفتح الباء أو قبيل بزيادة ياء لا تطلق إلا في آخر جزء من أجزاء حياته. انتهى كلامه.
وما ذكره في ضبط قبل من فتح الباء غلط لم يذكره أحد بل فيه لغتان إسكان الباء وضمها كنقيضه وهو الدبر كذا ذكره الجوهري وغيره، ولم يتعرض الرافعي وابن الرفعة إلا لضم القاف فقط وما ذكره في صدر المسألة
(1) أخرجه البيهقي في "الشعب"(3637) و (3755) وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(26/ 393) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا بسند ضعيف، لضعف يزيد بن عبد الملك النوفلي. قال الألباني: ضعيف.
وأخرجه الطبراني في "الكبير"(9000) وعبد الرزاق (7894) وابن أبي شيبة (1/ 477) والبيهقي في "الشعب"(3638) من حديث ابن مسعود موقوفًا.
تبعًا للرافعي من نقله عن القفال فقط مشهور ذكره القاضي حسين في تعليقه والمتولى في "التتمة"، والقاضي أبو الطيب في آخر تعليقه ونقله في "الشامل" عن ابن الحداد.
قوله: ولو قال: أنت طالق قبل أن تدخلى الدار وقبل أن أضربك ونحو ذلك مما لا يقطع بوجوده.
قال إسماعيل البوشنجي: يحتمل وجهين:
أحدهما: وقوع الطلاق في الحال لقوله قبل موتى أو قبل موت فلان. وأصحهما: لا يقع حتى يوجد ذلك الفعل فحينئذ يقع الطلاق مستندًا إلى حال اللفظ لأن قولنا هذا قبل هذا يستدعى وجودهما وربما لا يوجد. انتهى كلامه.
وهذه المسألة قد ذكرها الرافعي أيضًا بعد ذلك في الطرف السادس المعقود للمسائل الدورية إلا أنه مثل بمثال آخر فذكر ما حاصله أنهما ماداما حيين. لا يقع الطلاق قبل الصفة وأنه إذا مات أحدهما حكم بوقوعه قبيل الموت وهذه المقالة مخالفة لكل من الاحتمالين [المذكورين في هذا الباب، أما على الإحتمال](1) الأول فواضح، وأما على الثاني الذي صححه فقد خالفه هناك من وجهين:
أحدهما: إيقاع الطلاق بالموت مع أن المعلق عليه لم يوجد.
والثاني: كونه واقعًا قبيل الموت لا مستندًا إلى حال اللفظ وسأذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى فراجعه، وقد تبعه في "الروضة" على الموضعين.
واعلم أنه إذا قال لنسوته أول من تدخل منكن الدار طالق فدخلت واحدة طلقت وإن لم يدخل غيرها ولفظ الأول لا يستدعى ثانيًا فأى فرق بينه وبين قبل.
(1) سقط من أ.
قوله: ولو قال: أنت طالق تطليقة قبلها يوم الأضحى سألناه فإن أراد الأضحى الذي بين يديه لم تطلق حتي يجئ ذلك الأضحى وينقرض ليكون قبل التطليقة، وإن أراد الأضحى الماضي طلقت في الحال كما لو قال يوم السبت: أنت طالق طلقة قبلها يوم الجمعة. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن كلامه في الوصف بقبلية يوم الجمعة يوهم الوقوع في الحال وليس كذلك، بل الوصف كالوصف بقبلية يوم الأضحى سواء ولا فرق بينهما.
الأمر الثاني: أن كلامه ساكت عما إذا لم يكن له نية وحكمه أنه لا يقع حتي ينقضي الأضحي الذي بين يديه؛ لأنه المتيقن وقد نبه عليه في "الروضة" وهو واضح، ومثله ما إذا تعذرت مراجعته بسبب من الأسباب كالموت والجنون ونحوهما، ويستدل بهذه المسألة ونحوها على أنه لا يقع إلا واحدة إذا قال: أنت طالق وكرره ولم يعلم هل أراد التأكيد أو الإستئناف، ولم يصرح به الرافعي هناك، وذكر الرافعي في باب استثناء الطلاق نحوه أيضًا فقال نقلا عن البوشنجي من غير اعتراض عليه: إذا قال: أنت طالق ثلاثًا إلا نصفًا فإنه يراجع، فإن أراد إلا نصفها فطلقتان، وإن أراد إلا نصف طلقة طلقت ثلاثًا، وإن لم تكن نية فطلقتان وقد تقدم أيضًا في كتاب الإقرار في الباب الأول منه ما يوضح ما ذكرناه وهو لزوم الأقل فراجعه.
قوله: ولو قال: أنت طالق قبل موت فلان وفلان بشهر فمات أحدهما قبل شهر لم تطلق، وإن مات أحدهما بعد مضي شهر فوجهان:
أحدهما: تطلق قبل موته بشهر؛ لأنه وإن تأخرت بموت الآخر فيصدق عليه أنه وقع قبل موتهما بشهر.
والثاني: لا تطلق أصلًا لأنه في العرف لا يقال: طلقت قبل موته بشهر إلا إذا لم يزد ولم ينقص وهذا الوجه خرجه البوشنجي، ونظير المسألة
قوله: أنت طالق قبل عيدى الفطر والأضحى بشهر، فعلى الأول تطلق أول رمضان، وعلى الثاني لا تطلق. انتهى.
قال في "الروضة" الصواب الأول، والثاني غلط.
قوله: وحكى أبو العباس الروياني وجهين في ما لو قال: أنت طالق كل يوم فوجهان: أحدهما: وبه قال أبو حنيفة رحمه الله أنها لا تطلق كل يوم حتى يكتمل الثلاث.
والثاني: لا تطلق إلا واحدة، والمعنى أنت طالق أبدًا. انتهى.
والأصح هو الأول لأنه السابق إلى الفهم، كذا قاله في "الروضة" من زوائده.
قوله: ولو قال: أنت طالق غدًا أو عبدي حر بعد غد، قال البوشنجي: يؤمر بالتعيين فإذا عين الطلاق أو العتق تعين في اليوم الذي ذكره. انتهى كلامه.
ذكر مثله في "الروضة" وفيه أمران:
أحدهما: أن الرافعي قد نقل عن فتاوى القفال في بعض نظائر المسألة ما يخالف المذكور هنا، وأقره هو والنووي عليه وقد تقدم إيضاحه في الباب الثالث المعقود لتعدد الطلاق فراجعه.
الأمر الثاني: أن هذه المسألة قد ذكرها أيضًا ابن الصباغ في "شامله" وكلامه يشعر بأن التعيين إنما يكون بعد الغد لا قبله، فإنه عبر بقوله: فإذا جاء بعد الغد كان الخيار إليه في تعيين الطلاق أو العتق هذا لفظه، والذي أشعر به كلامه.