الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: في قذف الأزواج
قوله: وما لم يكن هناك ولد لا يجب على الزوج القذف، بل يجوز أن يستر عليها ويفارقها بغير طريق اللعان. انتهى كلامه.
وهو يوهم إنتفاء الوجوب فقط مع أن الأصحاب قد قالوا بأن الأولى ألا يلاعن، وقد نبه عليه "النووى".
قوله: فإن لم يستبرئ زوجته بحيضة أو استبرأها وأتت بالولد لما دون ستة أشهر من وقت الإستبراء فلا يحل له النفي ولا غيره بريبة يجدها في نفسه، وإن إستبرأها وأتت به لأكثر من ستة أشهر ففيه وجوه جمعها الإمام.
أحدها: أنه يباح له النفي، ولا أولى أن لا ينفي لأن الحامل قد ترى الدم.
والثاني: إن رأى بعد الإستبراء مخيلة الزنا التي تصلته على القذف أو تيقن الزنا جاز النفي، بل وجب وإن لم ير شيئًا لم يجوز.
والثالث: يجوز النفي سواء وجدت مخيلة وأمارة أو لم توجد، ولا يجب بحال لمكان التردد.
والاحتمال الأول من هذه الوجوه هو المذكور في "التهذيب"، والراجح عند صاحب الكتاب لأنه فصل بين المخيلة وغيرها، وكلام أصحابنا العراقيين يوافقه أو يقرب منه. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أن هذه الأوجه متداخلة فإن الثالث هو الأول، فرجعت إلى وجهين على مقتضى ما ذكره الرافعي.
واعلم أن الإمام قد قال: فيه وجهان صريحان وفي كلام الأئمة ما يدل
فحواه على ثالث.
أحدهما: يجوز مطلقًا ولا يجب.
والثاني: قاله العراقيون: [إن لم ير مخيلة يجب ولا يجوز](1) وإن رآها وجب.
ثم قال ما نصه: وإيجاب النفي قد لا يتجه مع إمكان العلوق من الزوج، وهذا هو المسلك الثالث، هذه عبارته.
فعلمنا أن الثالث الذي إستخرجه من فحوى كلامهم أنه إن لم ير مخيلة فلا يجوز، وإن رآها جاز ولا يجب، فوافق العراقيين في قسم دون قسم، ولا شك أن في كلام الإمام هنا غموضًا، ولأجل ذلك التبس الأمر فيه على الغزالي في "البسيط" فمن بعده كالرافعي والنووي وابن الرفعة في "الكفاية".
نعم تفطن في "المطلب" إلى ما يداخلها، ولم يتفطن إلى الثالث الذي خفي إستخراجه على هؤلاء الأئمة ووفقنا الله تعالى له فلله الحمد على ذلك.
الأمر الثاني: أن ما عزاه إلى صاحب الكتاب والعراقيين من رجحان الأول غلط فإنهم إنما ذهبوا إلى الثاني، وتعبير الرافعي يشير إليه، وكأنه سقط من كلام الرافعي لفظة واحدة، وهي الثاني، وأصله والراجح عند صاحب الكتاب هو الثاني، لأن ذلك هو الذي ينتظم معه ما ذكره بعد ذلك ولأن الغزالي في "البسيط" حكى عن العراقيين الوجه الثاني لا الأول، وقد وقع هذان الأمران في "الشرح الصغير" أيضًا على كيفية هي أشد في الإعتراض في "الكبير" فإنه قال فيه ثلاثة أوجه: وحكاها، ثم قال ما نصه: والإحتمال الأول أظهر، وإلى ترجيحه ذهب في الكتاب لأنه جوز النفي إذا
(1) سقط من أ، ب.
رأى مخيلة إلى آخر ما ذكره والتأويل المتقدم في "الكبير" وهو سقوط لفظة الثاني لا يأتي هنا، وهو يبين أن اللفظة سقطت من خط الرافعي نفسه فلما لخص "الشرح الصغير" من "الكبير" مشى عليه ولم يتفطن لما فيه وتصرف في العبارة، وعبر بعبارة لا تحتمل ذلك التأويل.
الأمر الثالث: أن النووي في "الروضة" قد وقع في الإعتراض الأول وسلم من الثاني فإنه أصلحه باجتهاده فإنه حكى الأوجه كما حكاها الرافعي، ثم قال عقب ذلك ما نصه: وأصح هذه الأوجه الثاني صححه الغزالي، وبه قطع العراقيون وبالأول قطع البغوي.
قلت: جعل الرافعي الأوجه في ما إذا أتت بالولد لأكثر من ستة أشهر من وقت الإستبراء وكذا فعل القاضي الحسين والإمام والبغوي والمتولي، والصحيح ما قاله المحاملي، وصاحب "المهذب" و"العدة" وآخرون أن الاعتبار في ستة أشهر من حين يرمى الزاني بها، لأن مستند اللعان زناه فإذا ولدت لدون ستة أشهر من حين زناه ولأكثر من سنة من الاستبراء أثبتنا أنه ليس من ذلك الزنا فيصير وجوده كعدمه فلا يجوز النفي، وهذا واضح والله أعلم، هذا كلام "الروضة" وكلامه يوهم أن القاضي والبغوي حاكيان للأوجه، وليس كذلك بل هما جازمان.
الأمر الرابع: أن الغزالي في "الوجيز" قد جزم بالجواز إذا رأى مخيلة وصحح المنع إذا لم يرها وهو غير الأوجه الثلاثة.
قوله: ولو كان الزوج يطأ ويعزل لم يكن له النفي في الأصح، وفي المجامعة في ما دون الفرج وجهان أظهرهما: أنها لا تمنع.
ثم قال: وفي إتيانه في غير المأتي وجهان يقربان من هذين الوجهين. انتهى.
وهذه المسألة الأخيرة وهي الإتيان في غير المأتي -يعني الدبر- قد
اختلف فيها كلامه، وكذلك كلام "الروضة" أيضًا فراجع المسألة من آخر الاستبراء.
قوله: وإن أتت بولد أسود والزوجان أبيضان أو بالعكس فإن لم ينضم إليه مخيلة الزنا لم يجز النفي، وإن انضمت أو كان يتهمها برجل فأتت بولد على لون ذلك الرجل فوجهان:
أظهرهما عند القاضي أبي الطيب والشيخ أبي حامد: أنه لا يجوز لأن العرق نزاع.
وأرجحهما عند البندنيجي والقاضي الروياني وغيرهما: الجواز. انتهى ملخصًا.
والراجح المنع فقد قال الرافعي في "الشرح الصغير": إنه أولى الوجهين، والنووي في زوائده: إنه أصحهما.
قوله: الثانية: إذا أتت بولد يحتمل أن يكون من الزوج لكونه رأها تزني، واحتمل أن يكون من الزنا أيضًا فلا يباح له نفي الولد، وهل له القذف واللعان؟ حكى الإمام عن العراقيين والقاضي أنه ليس له ذلك قال: والقياس جوازه فحصل وجهان، والمشهور المنع. انتهى ملخصًا.
وإطلاق النقل عن العراقيين مردود فقد قال في "المهذب": إن غلب على ظنه أنه ليس منه بأن علم أنه كان يعزل عنها أو رأى فيه شبه الزاني لزمه نفيه باللعان، وإن لم يغلب على ظنه لم ينفه.
وقال صاحب "الحاوي": إذا وطئها ولم يستبرئها ورأها تزني فهو بالخيار بين اللعان بعد القذف أو الإمساك، فأما نفي الولد فإن غلب على ظنه أنه ليس منه نفاه، وإن غلب على ظنه أنه منه لم يجز نفيه، وإن لم يظن أحد الأمرين جاز أن يغلب حكم الشبه.
قال في "الروضة" من زوائده: وهذا هو القياس الجاري على قاعدة اللعان.