الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السبب الرابع: العنة
اعلم أن العنة في اللغة هى الحظيرة المعدة للإبل، وأما المعنى المراد في هذا الباب فهو المرض المعروف، فالصواب في التعبير عنه إنما هو التعنين، وقد عبر به في "الروضة" هنا وعدل عن عبارة الرافعي، وإن كان قد وافق في غيره على التعبير بالعنة.
قوله: وإذا وجدت المرأة زوجها خصيًا موجوء الخصيتين أو مشلولهما ففيه قولان أصحهما: وبه قطع بعضهم أنه لا خيار لها لبقاء آلة الجماع. انتهى.
يقول وجأه وجاء بالكسر فهو موجوء أي: رضضته رضًا فهو مرضوض.
قوله: ثم في استقلال المرأة بالفسخ بعد ثبوت التعنين بين يدي القاضي وجهان: أقربهما الاستقلال كما يستقل بالفسخ إذا وجد بالمبيع عيبًا وأنكر البائع كونه عيبًا فأقام المشتري على ذلك بينة عند القاضي.
والثاني: أن الفسخ إلى الحاكم لأنه محل النظر والاجتهاد فيفسخ أو يأمرها بالفسخ. انتهى.
وما ذكره هاهنا من جواز الفسخ للمرأة قد ناقضه في باب اختلاف المتبايعين فإنه جزم هناك بأنه يتعين فيه القاضى وجعله دليلًا لأحد الوجهين في الفسخ بالتحالف وقد تقدم ذكر لفظه هناك، ولم يتعرض في "الروضة" هناك للمسألة فسلم من الاختلاف، واعلم أن الرافعي قد ذكر في كتاب النفقات في الكلام على الإعسار بالنفقة أن الأصح أن المرأة لا تستقل بذلك بعد الرفع والثبوت، بل لابد من فسخ الحاكم أو تفويضه إليها على عكس ما صححه هنا فيحتاج إلى الفرق، وقد ذكر هنا أنا إذا
فرعنا على استقلالها فهل يكفى فيه إقرار الزوج أم لابد من قول القاضي ثبتت العنة؟ فيه وجهان: أصحهما الثاني، ولم يذكر هذا في النفقات وهو قياسه.
قوله: ولو قالت اخترت الفسخ ولم يقل القاضي نقدته، ثم رجعت هل يصح الرجوع ويبطل الفسخ؟ وجهان في "مجموع" ابن القطان أصحهما المنع، ويشبه أن يكون هذا الخلاف مفرعًا على استقلالها بالفسخ، أما إذا فسخت بإذنه، فإن الإذن السابق كالتنفيذ. انتهى.
وما ذكره في آخر كلامه يشير إلى أن تصرف الحاكم حكم وهي قاعدة نافعة سبق الكلام عليها مبسوطًا في الكلام على موانع الولاية.
قوله: فإن رضيت بعد المدة ثم طلقها طلاقًا رجعيًا ثم راجع لم يعد حق الفسخ لأنها رضيت بعنته في هذا النكاح، ويتصور الطلاق الرجعي بغير وطء يزيل العنة بأن تستدخل ماءه. انتهى.
وما ذكر هنا من ثبوت الرجعة باستدخال الماء قد صححه خلافه قبل ذلك في محرمات النكاح في الكلام على التحريم بالمحرمية، لكن الأصح ما قاله هنا كما سبق إيضاحه فراجعه.
قوله: قال الأئمة: إذا اختلف الزوجان في الإصابة فالقول قول من ينفيها أخذًا بأصل العدم إلا في ثلاثة مواضع: أحدها: إذا ادعت عنته وقال الزوج قد أصبتها فالقول قوله بيمينه.
الثاني: إذا طالبته في الإيلاء بالعنة أو الطلاق فقال: قد أصبتها، فالقول قوله استدامة للنكاح فلو قالت في الموضعين أنا بكر وأقامت أربع نسوة بذلك فظاهر النص وهو قول جماعة من الأصحاب أنا نحكم بعدم الإصابة ولا حاجة إلى تحليفها، وتكفى البكارة دليلًا على تصديقها وقال أبو علي في "الإفصاح" وأبو الحسين في "المجموع"، والقاضي ابن كج
في "شرحه": تحلف الزوجة مع قيام البينة؛ لأن البكارة وإن ثبتت بالبينة فاحتمال الزوال والعود قائم، وبهذا أخذ الإمام وصاحب "الكتاب" وغيرهما.
الثالث: إذا قالت المرأة: طلقتني بعد المسيس فلي كمال المهر، وقال: بل قبله وأتت بولد لزمان محتمل فالقول قولها ولابد من يمينها على ما ذكره الإمام والعبادي لأن ثبوت النسب لا يورث تعين الإصابة، ويمكن أن يجيء فيه الخلاف المذكور فيما إذا ظهرت البكارة انتهى.
فيه أمور:
أحدهما: أن ما ادعاه الرافعي من الحصر وتابعه عليه في "الروضة" ترد عليه مسائل.
الأولى: إذا تزوجها بشرط البكارة فوجدت ثيبًا فقالت كنت بكرًا فزالت البكارة عندك وقال: بل كنت ثيبًا فالقول قولها بيمينها لدفع الفسخ، ولو قالت كنت بكرًا فافتضضتني فالقول قولها بيمينها لدفع الفسخ وقوله بيمينه لدفع كمال المهر، وهذا الفرع ذكره الرافعي قبيل الصداق وعزاه إلى البغوى ونقله النووي إلى هذا الباب.
الثانية: إذا قال لها وهى طاهر: أنت طالق للسنة، ثم اختلفا فقال: جامعتك في هذا الطهر فلم يقع طلاق في الحال، وقالت لم تجامع وقد وقع، فقال إسماعيل البشنجي: مقتضى المذهب أن القول قوله لأن الأصل بقاء النكاح، وكما لو قال المولى والعنين وطئت، كذا نقله عنه الرافعي قبيل أركان الطلاق ولم يخالفه، وتابعه عليه في "الروضة" وذكر القاضي حسين في "فتاويه" مثله فإنه قال: إذا قال إن لم أنفق عليك اليوم فأنت طالق فادعى أنه أنفق عليها كان القول قوله بالنسبة إلى عدم وقوع الطلاق وقولها بالنسبة إلى عدم سقوط النفقة، لكن ذكر ابن الصلاح في
"فتاويه" أن الظاهر الوقوع في هذه المسألة عملًا بالأصل.
الثالثة: إذا تزوجت المطلقة ثلاثًا بزوج ثم ادعت أنه أصابها وأنكر الزوج قبلنا قولها حتى تحل للمطلق لأنها مؤتمنة في انقضاء العدة وتعسر إقامة البينة على الوطء لكن لا يلزمه إلا نصف المهر، كذا ذكره الرافعى في الكلام على التحليل.
الرابعة: إذا عتقت الأمة تحت عبد وقلنا يمتد خيارها إلى الوطء فادعاه وأنكرت المرأة ففى المصدق منهما وجهان حكاهما الرافعى من غير ترجيح، وعلل تصديق الزوج بأن الأصل بقاء النكاح، وعلل مقابله بأن الأصل عدم الوطء.
الأمر الثاني: أن الراجح من هذا الخلاف الذى حكاه الرافعى في ما إذا ادعت البكارة وأقامت البينة أنه لابد من يمينها، كذا رجحه الرافعي في "الشرح الصغير" وعبر بالظاهر، ولم يرجح شيئًا في "الروضة" أيضًا.
الأمر الثالث: في الكلام على المسألة الثالثة وهى متضمنة لحكمين: أحدهما: تصديق المرأة وقد جزم به هاهنا وحكى فيه في آخر كتاب الإيلاء نصين ثم حكى في النصين ثلاث طرق وصحح تصديق المرأة كما جزم به هاهنا، وهذا الخلاف ذكره في "المهذب" و"التنبيه" وحكاه قولين.
والحكم الثاني: أنه لابد من يمينها على ما ذكر العبادي والإمام وقد بحث الرافعى فيه كما تقدم نقله عنه فقال يمكن أن يجئ في التحليف الخلاف السابق في المسألة الثانية وهى ما إذا ظهرت بكارتها.
إذا علمت ذلك فقد توهم النووي أن الحكم السابق الذي أشار الرافعي إلى مجئ الخلاف فيه هو التصديق فقال ما نصه: قلت عجب من قول
الإمام الرافعي في ما إذا أتت بولد لزمن محتمل أنها المصدقة، ويمكن أن يجيء فيه الخلاف والمسألة مشهورة ففي "المهذب" و"التنبيه" وغيرهما من الكتب المشهورة في المسألة قولان في أن القول قوله أم قولها؟ لأن النسب يثبت بالإمكان، ولأنه قد يولج بعض الحشفة أو يباشر في ما قارب الفرج فيدخل المني فيلحق النسب ولا وطء هذا لفظه، وهو اعتراض فاسد ظاهر الفساد، فإن الخلاف الذي أشار إليه الرافعي وهو الخلاف الذي قالوه في ما إذا ظهرت البكارة إنما هو في الاحتياج إلى تحليفها لا في تصديقها حتى يقول: إن صاحب "المهذب" و"التنبيه" قد حكاه، وعبارة الرافعي في ذلك واضحة جدًا فراجعها بل لم يقع هنا خلاف أصلًا في تصديقها عند ظهور البكارة حتى يتوهم أن الرافعى أراده فيكون عذرًا في التباس الأمر على النووي وقد ذكره في "الشرح الصغير" بعبارة أوضح من عبارة "الكبير" فقال ما نصه: وقد يجيء في يمينها الخلاف المذكور في ظهور البكارة. هذا لفظه، فعبر بقوله في يمينها وذكر ابن الرفعة في "الكفاية" عن الرافعي ذلك بعينه، وهو لا ينقل إلا عن "الشرح الكبير" فقال: وقال الرافعي: يمكن أن يخرج يمينها على الخلاف في ما إذا قامت بينة على بكارتها هذه عبارته، والعجب من النووي حيث يعترض مثل هذه الاعتراضات ويعبر عنها بقوله قلت: عجب من الرافعي في كذا وكذا، ثم إن هذا الخلاف الذي نقله النووي عن "التنبيه" و"المهذب" قد ذكره الرافعي في آخر كتاب الإيلاء. فلا حاجة إلى الرد عليه بكلام غيره، ونقله له إلا أنه لم يستحضر أن الرافعي ذكره هناك ولو استحضره لكان الرد به عليه أبلغ.
واعلم أن الفرق بين المسألتين متجه، وذلك أن دعواها عدم الوطء هناك موافقة للأصل وإذا قامت بينة على البكارة كان ذلك موافقًا للأصل الذي ادعته، فأمكن أن يستغنى عن اليمين لوجود مرجحين تظافرا على
محل واحد، وأما في مسألتنا فإن دعواها الإصابة مخالفة للأصل وظهور الحمل مرجح واحد عارضه الأصل مع احتمال حصول الحمل باستدخال الماء ولا يلزم من ترك اليمين عند وجود مرجحين لا معارض لها تركها عند وجود مرجح واحد له معارض.
نعم قد يتجه أن يكون في يمينها خلاف من وجهين:
أحدهما: البناء على أن إستدخال الماء هل يقرر المهر أم لا؟ فإن قلنا: إنه لا يقرره فلابد من اليمين لاحتمال أن يكون الحمل منه وإن قلنا: إنه يقرره فلا فائدة في اليمين إذ لا حمل إلا من وطء أو استدخال ماء.
الثاني: أنه يحتمل أن يكون الحمل من غير الزوج، وإنما الشرع ألحق الولد بالزوج ولم يراع هذا الاحتمال لقيام الفراش فيحلف لقيام هذا الاحتمال.