الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة أربع وستمائة
[ملْك ابن البهلوان مدينة مراغة]
فيها ملكَ السّلطان نصرة الدين أبو بكر ابن البهلوان مدينة مراغة، وذلك أنّ صاحبها علاء الدّين ابن قُراسنقر مات وخَلَّفَ ابنا طفلا فملَّكوه، ثُمَّ مات [1] .
[حرب خوارزم شاه والخطا]
وفيها عبرَ خُوارزم شاه إِلى بلاد الخطا بجميع جيوشه وجيش بُخَاري وسَمَرْقَند، وحَشَدَ أهلُ الخطا فجرى بينهم وقعات ودام القتال.
قَالَ ابن الأثير [2] : في سنة أربع عبرَ علاءُ الدّين مُحَمَّد ابن خُوارزم شاه- قلتُ: ولَقَبَهُ خُوارزم شاه- إِلى ما وراء النّهر لقتال الخطا، وكانوا قد طالت أيّامهم ببلاد تُركستان وما وراء النَّهر! وثقُلَت وطْأتهم عَلَى أهلها، ولهم في كلّ بلد نائب، وهم يسكنون الخركاوات [3] عَلَى عادتهم، وكان مُقامهم بنواحي كاشغر وأوزْكَنْد وبَلاسَاغُون. وكان سلطان سمرقند وبُخارى مَقْهُورًا معهم، فكاتبَ علاءَ الدّين وطلبَ منه النَّجدةَ عَلَى أن يَحْمل إِلَيْهِ ما يَحْمله إِلى الخطا ويُريح الإسلام منهم.
[1] انظر عن (ابن البهلوان) في: الكامل في التاريخ 12/ 275، الجامع المختصر 9/ 242، والعسجد المسبوك 2/ 320، 321 وفيه:«نصرة الدولة» .
[2]
في الكامل 12/ 259 وما بعدها.
[3]
في الكامل: الخركاهات، والمعنى واحد، وهي: الخيم.
قلت [1] : ثُمَّ اشتدّ القتال في بعض الأيّام بين المسلمين والخطا، فانهزم المسلمون هزيمة شنيعة وأُسِر خلْق، منهم السلطان خُوارزم شاه وأمير من أمرائه الكبار، أسرهما رجلٌ واحد ووصل المُنْكَسِرون إِلى خُوارزم، وتخبَطت الأمور. وأمّا خُوارزم شاه فأظهر أنّه غلام لذلك الأمير، وجعلَ يخدمه ويُخلّعه خُفّه، فقام الّذي أسرهما وعَظَّمَ الأميرَ وقال: لولا أنّ القوم عرفوا بك عندي لأطلقتك، ثُمَّ تركه أيّاما، فَقَالَ الأمير: إنّي أخاف أن يظنّ أهلي أنّي قُتِلت فيقتسمونَ مالي، فأهلك، وأحبّ أن تقرِّرَ عليَّ شيئا من المال حتّى أحمله إليك، وقال: أريد رجلا عاقلا يذهب بكتابي إليهم. فَقَالَ: إنَّ أصحابَنا لا يعرفون أهلك. قَالَ: فهذا غلامي أثق بِهِ، فهو يمضي إنْ أذِنتَ. فأذِن لَهُ الخطائيَ فَسَيَّرَهُ، وبعثَ معه الخطائيّ من يخفرِّه إِلى قريب خُوارزم، فخفروه، ووصل السلطان خُوارزم شاه بهذه الحيلة سالما، وفرح بِهِ النّاس وزُيّنت البلادُ. وأمّا ذاك الأمير، وهو ابن شهاب الدّين مسعود، فَقَالَ لَهُ الّذي استأسَرهُ: إنّ خُوارزم شاه قد عدم. فَقَالَ لَهُ: أما تعرفه؟ قَالَ: لا. قَالَ: هُوَ أسيرك الّذي كَانَ عندك. فَقَالَ: لمَ لا عرفتني حتّى كنتُ خدمته وسرتُ بين يديه إِلى مملكته. قَالَ: خِفْتكُم عَلَيْهِ. فَقَالَ الخطائيّ: فسر بنا إليه. فسارا إِلَيْهِ.
ثُمَّ أتته الأخبار بما فعله أخوه عليّ شاه وكُزْلك خان، فسارَ ثُمَّ تبعه جيشُه. وكان قبل غزوة الخطا قد أمَّرَ أخاه عَلَى طبرستان وجُرجان، وأَمَّرَ كزكان [2] عَلَى نَيْسابور وهو نسيبه، وولَّى جلدك مدينة الجام، ووَلَّى أمين الدّين مدينة زَوْزَن- وأمين الدّين كَانَ من أكبر أمرائه، وكان حَمَّالًا قبل ذَلِكَ، وهو الّذي ملكَ كرمان، وقتل حُسَين بْن جرميك [3]- وصالحه غياث الدّين الغوري وخضعَ لَهُ، وأَمَّرَ عَلَى مَرْو وسَرْخس نوابا، ثُمَّ جمعَ عساكره وعَبَر جَيْحون، واجتمع بسلطان سمرقند، وجرى حرب الخطا الّذي ذكرناه.
[1] القول لابن الأثير.
[2]
هكذا بخط المؤلّف، وهو كزلك خان المذكور قبل قليل، كما في: الكامل 12/ 264.
[3]
هكذا بخط الذهبي مجود التقييد، وفي المطبوع من كامل ابن الأثير: خرميل (12/ 260 فما بعد) .
فأمّا ابن جرميك نائب هراة فإنّه رأى صنيع عسكر السلطان خُوارزم شاه بالرعيَّة من النَّهْب والفتْك، فأمسك منهم جماعة، وبعثَ إِلى السّلطان يعرّفه ما صنعوا، فغضبَ وأمرَهُ بإرسال الْجُند لحاجته إليهم في قتال الخطا، وقال:
إنّي قد أمرتُ عزّ الدّين جلدك صاحب الجام أنْ يكون عندك لِما أعلمه من عقله وتدبيره. وكتبَ إِلى جَلْدك يأمره بالمسير إِلى هَرَاة، ويقبض عَلَى ابن جرميك. فسارَ في ألفي فارس- وقد كَانَ أَبُوهُ طُغْرُل متولّي هَراة في دولة سنجر، فجلدك- إليها بالأشواق ويؤثرها على جميع خراسان. فلمّا خرج لتلقّيه نزلا واعتنقا، ثمّ أحاط أصحابه بابن جرميك فهرب غلمانه إلى البلد، فأمر الوزير بغَلْق هراة واستعدّ للحصار، فنازل جلدك هراة، وأرسل إِلى الوزير يتهدّده بأنّه إنْ لم يُسَلّم البلد قتل مخدومه ابن جرميك، فنادى الوزير بشعار السلطان غياث الدّين محمود الغوريّ، فقدّموا ابن جرميك إِلى السُّور فحدَّثَ الوزيرَ في التسليم فلم يقبل، فذبحوه. ثُمَّ أمَرَ خُوارزم شاه في كتبه إِلى أمين الدّين صاحب زوزن، وإلى كزلك خان متولّي نيسابور بالمسير لحصار هراة، فسارا ونازلاها في عشرة آلاف، واشتدّ القتال، وقد كَانَ ابن جرميك قد حَصَّنَها، وعمل لها أربعة أسوار، وحَفَر خندقها وملأها بالمِيرة، وأشاعَ أنّي قد بقيت أخاف عَلَى هراة شيئا، وهو أن تُسْكَر المياه الّتي لها، ثُمَّ تُرْسَل عليها دَفْعَة واحدة فينهدم سورها. فلمّا بلغ أولئك قولُه فعلوا ذَلِكَ، فأحاطت المياه بها ولم تصل إِلى السُّور لارتفاع المدينة، بل ارتفع الماء في الخندق، وكثر الوحل بظاهر البلد، فتأخّر لذلك العَسْكر عنها، وهذا كانَ قصْد ابن جرميك، فأقاموا أيّاما حتّى نشف الماء.
ولمّا أُسر خُوارزم شاه- كما قَدّمنا- سار كُزلك خان مُسْرعًا إِلى نَيْسابور، وحَصَّنَها، وعزم عَلَى السَّلطنة. وكذلك هَمَّ بالسّلطنة عليّ شاه ودعا إِلى نفسه، واختَبَطَت خُراسان. فلمّا خلص خوارزم شاه وجاء هرب كزلك خان بأمواله نحو العراق، وهرب عليّ شاه مُلْتجئًا إِلى غياث الدِّين الغُوريّ، فتلقّاه وأكرمَهُ.