الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الِاعْتِرَاضُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: اخْتِلَافُ جِنْسِ الْمَصْلَحَةِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ
كَأَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ: يُحَدُّ اللَّائِطُ كَمَا يُحَدُّ الزَّانِي؛ لِأَنَّهُمَا إِيلَاجٌ مُحَرَّمٌ شَرْعًا، مشتها طبعا.
فيقول المعترض: المصلح فِي تَحْرِيمِهِمَا مُخْتَلِفَةٌ: فَفِي الزِّنَا مَنْعُ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ، وَفِي اللِّوَاطَةِ دَفْعُ رَذِيلَةِ اللِّوَاطَةِ.
وَحَاصِلُهُ: مُعَارَضَةٌ فِي الْأَصْلِ، بِإِبْدَاءِ خُصُوصِيَّةٍ، وَلِهَذَا أَدْرَجَهُ بَعْضُهُمْ فِي اعْتِرَاضِ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهُ اعْتِرَاضًا مُسْتَقِلًّا.
وَجَوَابُهُ بِإِلْغَاءِ الْخُصُوصِيَّةِ.
الِاعْتِرَاضُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يَدَّعِيَ الْمُعْتَرِضُ الْمُخَالَفَةَ بين حكم الأصل وحكم الفرع
مدخل
…
الِاعْتِرَاضُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يَدَّعِيَ الْمُعْتَرِضُ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ حُكْمِ الْأَصْلِ وَحُكْمِ الْفَرْعِ
أَنْ يَدَّعِيَ الْمُعْتَرِضُ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ حُكْمِ الْأَصْلِ وَحُكْمِ الْفَرْعِ، وَهُوَ اعْتِرَاضٌ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ، فَيُوجَدُ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ كَمَا وُجِدَ فِي الْأَصْلِ.
وَحَاصِلُ هَذَا: أَنَّ دَعْوَى الْمُعْتَرِضِ لِلْمُخَالَفَةِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِدَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ، فَيَرْجِعُ إِلَى اعْتِرَاضِ الْقَلْبِ، أَوْ بِغَيْرِهِ، فَيَكُونُ اعْتِرَاضًا خَاصًّا، خَارِجًا عَمَّا تَقَدَّمَ، وَقَدْ جَعَلَهُ بَعْضُهُمْ مُنْدَرِجًا فِيمَا تقدم.
وههنا فوائد متعلقة بهذه الاعتراضات:
الفائدة الأولى: في لزوم إيراد الأسئلة مرتبة
…
الْفَائِدَةُ الْأُولَى:
اخْتَلَفُوا: هَلْ يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ أَنْ يورد الأسئلة مرتبة بعضا مُقَدَّمٌ عَلَى الْبَعْضِ إِذَا أَوْرَدَ أَسْئِلَةً مُتَعَدِّدَةً، أَمْ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، بَلْ يُقَدِّمُ مَا شَاءَ، وَيُؤَخِّرُ مَا شَاءَ؟
فَقَالَ جَمَاعَةٌ: لَا يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ.
وَقَالَ آخَرُونَ: يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ إِيرَادُهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ اتَّفَقَ لَأَدَّى إِلَى التَّنَاقُضِ، كَمَا لَوْ
جَاءَ بِالْمَنْعِ بَعْدَ الْمُعَارَضَةِ، أَوْ بَعْدَ النَّقْضِ، أَوْ بَعْدَ "الْمُطَالَبَةِ"* فَإِنَّهُ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ بَعْدَ تَسْلِيمٍ، وَإِنْكَارٌ بَعْدَ إِقْرَارٍ.
قَالَ الْآمِدِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ. وَقِيلَ: إِنِ اتَّحَدَ جِنْسُ السُّؤَالِ كَالنَّقْضِ، وَالْمُعَارَضَةِ، وَالْمُطَالَبَةِ، جَازَ إِيرَادُهَا مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ سُؤَالٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ تَعَدَّدَتْ أَجْنَاسُهَا، كَالْمَنْعِ مَعَ الْمُطَالَبَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَمْ يَجُزْ، وَحَكَاهُ الْآمِدِيُّ عَنْ أَهْلِ الْجَدَلِ، وَقَالَ: اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ، وَنَقَلَ عَنْ أَكْثَرِ الْجَدَلِيِّينَ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْمَنْعَ، ثُمَّ الْمُعَارَضَةَ، وَنَحْوَهَا، وَلَا يَعْكِسُ هَذَا التَّرْتِيبَ، وَإِلَّا لَزِمَ الْإِنْكَارَ بعد الإقرار.
قال جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ: التَّرْتِيبُ الْمُسْتَحْسَنُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمُطَالَبَاتِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُثْبِتْ أَرْكَانَ الْقِيَاسِ لَمْ يَدْخُلْ فِي جُمْلَةِ الْأَدِلَّةِ، ثُمَّ بِالْقَوَادِحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى صُورَةِ الْأَدِلَّةِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، ثُمَّ إِذَا بَدَأَ بِالْمَنْعِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ مَنْعَ وُجُودِ الْوَصْفِ فِي الْفَرْعِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الدَّعْوَى، ثم منع ظهره، ثُمَّ مَنْعَ انْضِبَاطِهِ، ثُمَّ مَنْعَ كَوْنِهِ عِلَّةً فِي الْأَصْلِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْمُنُوعِ شَرَعَ في القوادح، فيبدأ بالقول بالموجب، لِوُضُوحِ مَأْخَذِهِ، ثُمَّ بِفَسَادِ الْوَضْعِ، ثُمَّ بِالْقَدْحِ في المناسبة، ثم بالمعاوضة.
وقال الأكثر من القدماء كَمَا حَكَاهُ عَنْهُمْ أَبُو الْحَسَنِ السُّهَيْلِيُّ فِي "أَدَبُ الْجَدَلِ": إِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْمَنْعِ مِنَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَمْنُوعًا لَمْ يَجِبْ عَلَى السَّائِلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ مَمْنُوعًا، أَوْ مُسَلَّمًا، وَلَا كَوْنِ الْأَصْلِ مُعَلَّلًا بِتِلْكَ الْعِلَّةِ، أَوْ بِغَيْرِهَا، ثُمَّ يُطَالِبُهُ بِإِثْبَاتِ الْوَصْفِ فِي الْفَرْعِ، ثُمَّ بِاطِّرَادِ الْعِلَّةِ، ثُمَّ بِتَأْثِيرِهَا ثُمَّ بِكَوْنِهِ غَيْرَ فَاسِدِ الْوَضْعِ، ثُمَّ بِكَوْنِهِ غَيْرَ فَاسِدِ الِاعْتِبَارِ، ثُمَّ بِالْقَلْبِ، ثُمَّ بِالْمُعَارَضَةِ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْجَدَلِيِّينَ، وَالْأُصُولِيِّينَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ الِاسْتِفْسَارُ، ثُمَّ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ، ثُمَّ فَسَادُ الْوَضْعِ، ثُمَّ مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ، ثُمَّ مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ، ثُمَّ مَنْعُ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ، ثُمَّ الْمُطَالَبَةُ، وَعَدَمُ التَّأْثِيرِ، وَالْقَدْحُ فِي الْمُنَاسَبَةِ، وَالتَّقْسِيمُ، وَعَدَمُ ظُهُورِ الْوَصْفِ، وَانْضِبَاطِهِ وَكَوْنُ الْحُكْمِ غَيْرَ صَالِحٍ لِلْإِفْضَاءِ إِلَى ذَلِكَ الْمَقْصُودِ، ثُمَّ النَّقْضُ وَالْكَسْرُ، ثُمَّ الْمُعَارَضَةُ، وَالتَّعْدِيَةُ، وَالتَّرْكِيبُ، ثُمَّ مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ، وَمُخَالَفَةُ حُكْمِهِ حُكْمَ الْأَصْلِ، ثُمَّ الْقَلْبُ، ثُمَّ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا1 قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ جَمِيعَ الْأَسْئِلَةِ تَرْجِعُ إلى المنع والمعارضة، ووجه ذلك: أنه
* في "أ": المعارضة.
_________
1 انظر صفحة: 2/ 168.