الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدهما: المنع؛ لأن صريح التأبيد مَانِعٌ مِنِ احْتِمَالِ النَّسْخِ.
وَالثَّانِي: الْجَوَازُ، قَالَا: وَأَنْسُبُهُمَا الْجَوَازُ. قَالَ: وَنَسَبَهُ ابْنُ بَرْهَانَ إِلَى مُعْظَمِ الْعُلَمَاءِ، وَنَسَبَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي "الْمُعْتَمَدِ" إِلَى الْمُحَقِّقِينَ، "قَالَ"* لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي لَفْظِ التَّأْبِيدِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي لَفْظِ الْأَمْرِ الْمُبَالَغَةُ لَا الدوام.
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: جَوَازُ النَّسْخِ بَعْدَ اعْتِقَادِ الْمَنْسُوخِ وَالْعَمَلِ بِهِ
اعْلَمْ: أَنَّهُ يَجُوزُ النَّسْخُ بَعْدَ اعْتِقَادِ الْمَنْسُوخِ وَالْعَمَلِ بِهِ، بِلَا خِلَافٍ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَسَوَاءٌ عَمِلَ بِهِ كُلُّ النَّاسِ، كَاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَوْ بَعْضُهُمْ، كَفَرْضِ الصَّدَقَةِ عِنْدَ مُنَاجَاةِ الرَّسُولِ.
وَلَا خِلَافَ أَيْضًا فِي جَوَازِ النَّسْخِ بَعْدَ "التَّمَكُّنِ"* مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِتَكْلِيفِهِ بِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَمْضِيَ مِنَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ مَا يَسَعُ الْفِعْلَ.
وَقَدْ حُكي الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ عَنِ الْكَرْخِيِّ.
وَأَمَّا النَّسْخُ قَبْلَ عِلْمِ الْمُكَلَّفِ بِوُجُوبِ ذَلِكَ الْفِعْلِ عَلَيْهِ، كَمَا إِذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ عليه السلام أَنْ يُعْلِمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِوُجُوبِ شَيْءٍ عَلَى الْأُمَّةِ، ثُمَّ يَنْسَخُهُ قبل أن يعلموا بِهِ، فَحَكَى السَّمْعَانِيُّ فِي ذَلِكَ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْمَنْعِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا، حَكَاهُمَا الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَإِلْكِيَا. انْتَهَى.
وَيَرِدُ عَلَى الْمَنْعِ مَا ثَبَتَ فِي لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ مِنْ فَرْضِ خَمْسِينَ صَلَاةً ثُمَّ اسْتَقَرَّتْ عَلَى خَمْسٍ1.
وَلَا وَجْهَ لِمَا قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيرِ، دُونَ النَّسْخِ.
قَالَ ابْنُ بَرْهَانَ فِي "الْوَجِيزِ": نَسْخُ الْحُكْمِ قَبْلَ عِلْمِ الْمُكَلَّفِ بِوُجُوبِهِ جَائِزٌ عِنْدَنَا، ومنعت من
* في "أ": التمكين.
_________
1 أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء من حديث أبي ذر 349 وكتاب الحج، باب ما جاء في زمزم 1636. وأخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم 163. وابن منده، كتاب الإيمان 714. والدارمي في كتاب الرد على الجهمية ص34. والنسائي في الكبرى كما في التحفة 9/ 156. وابن حبان في صحيحة 7406. وأبو عوانة في مسنده 1/ 133.
ذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ، وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَزَعَمُوا أَنَّ النَّسْخَ قَبْلَ الْعِلْمِ يَتَضَمَّنُ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ.
قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْعُ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، فَإِذَا قَضَيْنَا بِصِحَّتِهِ، صَحَّ النَّسْخُ حِينَئِذٍ.
قَالَ: وَاحْتَجَّ عُلَمَاؤُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقِصَّةِ الْمِعْرَاجِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى الْأُمَّةِ خَمْسِينَ صَلَاةً، ثُمَّ نَسَخَهَا قَبْلَ عِلْمِهِمْ بِوُجُوبِهَا، وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْعِلْمِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدُ الْمُكَلَّفِينَ، وَقَدْ عَلِمَ، وَلَكِنَّهُ قَبْلَ "عِلْمِ"* جَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَعِلْمُ الْجَمِيعِ لَا يُشْتَرَطُ، فَإِنَّ التَّكْلِيفَ اسْتَقَرَّ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا اعْتِمَادَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ "انْتَهَى"**.
وَيُجَابُ عَنْهُ: بِأَنَّ عَدَمَ عِلْمِ الْأُمَّةِ يَقْتَضِي وُقُوعَ النَّسْخِ قَبْلَ عِلْمِ الْمُكَلَّفِينَ بِمَا كُلِّفُوا بِهِ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ.
وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ، عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَكُونُ نَسْخًا.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: نَسْخُ الْحُكْمِ قَبْلَ عِلْمِ الْمُكَلَّفِ بِالْحُكْمِ الْمَنْسُوخِ اتَّفَقَتِ الْأَشَاعِرَةُ عَلَى جَوَازِهِ، وَالْمُعْتَزِلَةُ عَلَى مَنْعِهِ.
وَحَكَى الْفُقَهَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ:
وَالثَّانِي: الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ، وَالْأَحْكَامِ التَّعْرِيفِيَّةِ، فَمَنَعُوهُ فِي الْأَوَّلِ وَجَوَّزُوهُ فِي الثَّانِي، كَتَكْلِيفِ الْغَافِلِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. انْتَهَى.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمُكَلَّفُ قَدْ عَلِمَ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ دَخَلَ وَقْتُهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُوَسَّعًا، كَمَا لَوْ قَالَ: اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ غَدًا، ثُمَّ نُسِخَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَوْ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ، ثُمَّ نُسِخَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الفعل، ويؤمر بِالْعِبَادَةِ مُطْلَقًا، ثُمَّ نُسِخَ قَبْلَ مُضِيِّ وَقْتٍ يُمْكِنُ فِعْلُهَا فِيهِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْجَوَازِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ بَرْهَانَ عَنِ الْأَشْعَرِيَّةِ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَنَقَلَهُ غَيْرُهُمْ عَنْ مُعْتَزِلَةِ الْبَصْرَةِ.
قَالَ الْقَاضِي فِي "التَّقْرِيبِ": وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَهْلِ الْحَقِّ.
وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ -كَمَا قَالَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ- وَالْحَنَابِلَةُ، وَالْمُعْتَزِلَةُ إِلَى الْمَنْعِ، وَبِهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ، وَالْجَصَّاصُ، وَالْمَاتُرِيدِيُّ، وَالدَّبُّوسِيُّ، وَالصَّيْرَفِيُّ.
احْتَجَّ الْجُمْهُورُ: بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ لَا عَقْلًا وَلَا شَرْعًا مَعَ أَنَّ الْمُقْتَضَى مَوْجُودٌ، وَهُوَ أنه
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
** ما بين قوسين ساقط من "أ".