الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نِكَاحِ الْمُتْعَةِ بَعْدَ تَجْوِيزِهَا1، وَنَسْخِ صَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ2.
وَاسْتَدَلَّ الْمَانِعُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} 3، وبقوله تَعَالَى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} 4.
وَأُجِيبُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ الْيُسْرُ فِي الْآخِرَةِ، وَهَذَا الْجَوَابُ وَإِنَّ كَانَ بَعِيدًا لَكِنَّ وُقُوعَ النَّسْخِ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ لِلْأَخَفِّ بِالْأَغْلَظِ يُوجِبُ تَأْوِيلَ الْآيَةِ، وَلَوْ بِتَأْوِيلٍ بَعِيدٍ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ هُمَا مِنَ الْيُسْرِ، وَالْأَغْلَظِيَّةُ فِي النَّاسِخِ إِنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَنْسُوخِ، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ تَخْفِيفٌ وَيُسْرٌ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ النَّاسِخَ الْأَغْلَظَ ثَوَابُهُ أَكْثَرُ، فَهُوَ خَيْرٌ من المنسوخ من هذه الحيثية.
1 كما ورد عن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: "رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهانا عنها". مسلم، كتاب النكاح، باب نكاح المتعة 1404. البيهقي، كتاب النكاح، باب نكاح المتعة 7/ 204. ابن شيبة 4/ 292. وأخرجه ابن حبان في صحيحة 4151.
وبنحوه عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه. أخرجه مسلم 1406. وابن ماجه، كتاب النكاح، باب النهي عن نكاح المتعة 1962. ابن الجارود 699، ابن حبان في صحيحة 4147. أحمد في مسنده 3/ 404.
2 كما ورد من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في صوم يوم عاشوراء بعدما نزل صوم رمضان: "من شاء صامه ومن شاء أفطره ". أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} الآية 4501. ومسلم، كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشوراء 1126 117. وأبو داود، كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشوراء 2443. وابن حبان في صحيحه 3622. أحمد في مسنده 2/ 57 و143. والبيهقي، كتاب الصيام، باب من زعم أن صوم عاشوراء كان واجبا ثم نسخ وجوبه 4/ 289. وعبد الرزاق في مصنفه 7848.
3 جزء من الآية 185 من سورة البقرة.
4 جزء من الآية 106 من سورة البقرة.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: فِي جَوَازِ نَسْخِ الْأَخْبَارِ
وَفِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ خَبَرًا عَمَّا لَا يَجُوزُ تَغَيُّرُهُ، كَقَوْلِنَا: الْعَالَمُ حَادِثٌ، فهذا لا يجوز نسخه بحال.
وإذا كَانَ خَبَرًا عَمَّا يَجُوزُ تَغَيُّرُهُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا، وَالْمُسْتَقْبَلُ إِمَّا أَنْ يكن وَعْدًا أَوْ وَعِيدًا، أَوْ خَبَرًا عَنْ حُكْمٍ، كَالْخَبَرِ عَنْ وُجُوبِ الْحَجِّ.
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِ النَّسْخِ لِهَذَا الْخَبَرِ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ، وَأَبُو هَاشِمٍ: لَا يَجُوزُ النسخ لشيء منها.
وقال فِي "الْمَحْصُولِ": وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ.
اسْتَدَلَّ الجمهور على الجواز أن الخبر إن عَنْ أَمْرٍ ماضٍ كَقَوْلِهِ: عَمَّرْتُ نُوحًا أَلْفَ سَنَةٍ. جَازَ أَنْ يُبَيِّنَ مِنْ بَعْدُ أَنَّهُ عَمَّرَهُ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا.
وَإِنْ كَانَ مُسْتَقْبَلًا، وَكَانَ وَعْدًا أَوْ وَعِيدًا كَقَوْلِهِ: لَأُعَذِّبَنَّ الزَّانِيَ أَبَدًا، فَيَجُوزُ أَنْ يُبَيِّنَ مِنْ بَعْدُ أَنَّهُ أَرَادَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَإِنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ حُكْمِ الْفِعْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، كَانَ الْخَبَرُ كَالْأَمْرِ فِي تَنَاوُلِهِ الْأَوْقَاتَ الْمُسْتَقْبَلَةَ، فَصَحَّ إِطْلَاقُ الْكُلِّ مَعَ إِرَادَةِ الْبَعْضِ لِمَا تَنَاوَلَهُ بِمَوْضُوعِهِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إِنْ كَانَ مَدْلُولُ الْخَبَرِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَغَيُّرُهُ، بِأَنْ لَا يَقَعَ إِلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ، كَصِفَاتِ اللَّهِ، وَخَبَرِ مَا كَانَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ، وَمَا يَكُونُ مِنَ السَّاعَةِ وَآيَاتِهَا، كَخُرُوجِ الدَّجَّالِ1 فَلَا يَجُوزُ نَسْخُهُ بِالِاتِّفَاقِ، كَمَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ، وَابْنُ بَرْهَانَ فِي "الْأَوْسَطِ"؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى الْكَذِبِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَصِحُّ تَغَيُّرُهُ، بِأَنْ يَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا، وَعْدًا أَوْ وَعِيدًا، أَوْ خَبَرًا عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، فَهُوَ "مَوْضِعُ"* الْخِلَافِ.
فَذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيَّانِ، وَعَبْدُ الجبار، والفخري الرَّازِيُّ، إِلَى جَوَازِهِ مُطْلَقًا، وَنَسَبَهُ ابْنُ بَرْهَانَ فِي "الْأَوْسَطِ" إِلَى الْمُعْظَمِ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى الْمَنْعِ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ، كَمَا رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِهِ2، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ كَمَا رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِهِ3 فِي "النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ". وَالْقَاضِي أَبُو بكر، وعبد الوهاب،
* في "أ": موضوع.
_________
1 وذلك بما ورد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "ما من نبي إلا قد أنذر أمته الدجال
…
" الحديث. أخرجه البخاري، كتاب الفتن باب ذكر الدجال 7127. وأخرجه مسلم، كتاب الفتن، باب ذكر الدجال 2933. وأبو داود، كتاب الملاحم، باب ذكر خروج الدجال 4316. وابن حبان في صحيحه 6780 6785.
2 لعله "دلائل الإعلام علي أصول الأحكام" وهو للشيخ الإمام أبي بكر محمد بن عبد الله الصيرفي. ا. هـ أيضًاح المكنون 1/ 476.
3 وهو كتاب "الفصول في معرفة الأصول" للشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي. ا. هـ هدية العارفين 1/ 6.