الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْتُ: هُوَ الصَّوَابُ.
الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ:
هَلِ الْمَفْهُومُ الْمَذْكُورُ يَرْتَقِي إِلَى أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا قَاطِعًا، أَوْ لَا يَرْتَقِي إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيُّ: إِنَّهُ "قَدْ"* يَكُونُ قَطْعِيًّا، وَقِيلَ: لا.
الموضع الرابع:
إذا دل "دليل"** على إخراج صور مِنْ صُوَرِ الْمَفْهُومِ، فَهَلْ يَسْقُطُ الْمَفْهُومُ بِالْكُلِّيَّةِ، أو يتمسك به فِي الْبَقِيَّةِ؟ وَهَذَا يَتَمَشَّى عَلَى الْخِلَافِ فِي حُجِّيَّةِ الْعُمُومُ إِذَا خَصَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ.
الْمَوْضِعُ الْخَامِسُ:
هَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ به قبل الْبَحْثُ عَمَّا يُوَافِقُهُ، أَوْ يُخَالِفُهُ مِنْ مَنْطُوقٍ أَوْ مَفْهُومٍ آخَرَ؟ فَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ الْمُخَصَّصِ، وَحَكَى الْقَفَّالُ الشاشي في ذلك وجهين.
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
** في "أ": الدليل.
المسألة الثالثة: شروط القول بمفهوم المخالفة
الْأَوَّلُ:
أَنْ لَا يُعَارِضَهُ مَا هُوَ أَرْجَحُ منه، من منطوق أو مفهوم موافقة، أما إذا عراضه قِيَاسٌ، فَلَمْ يُجَوِّزُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ تَرْكَ الْمَفْهُومِ بِهِ، مَعَ تَجْوِيزِهِ تَرْكَ الْعُمُومَ بِالْقِيَاسِ، كَذَا قَالَ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِيَاسَ الْمَعْمُولَ بِهِ يُخَصِّصُ عُمُومَ الْمَفْهُومِ، كَمَا يُخَصِّصُ عُمُومَ الْمَنْطُوقِ، وَإِذَا تَعَارَضَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْمُولًا بِهِ، فَالْمُجْتَهِدُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا مِنَ الْمَرْجُوحِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَقَامَاتِ، وَبِمَا يُصَاحِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْقَرَائِنِ الْمُقَوِّيَةِ لَهُ.
قَالَ شَارِحُ "اللُّمَعِ": دَلِيلُ الْخِطَابِ إِنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً إِذَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، كَالنَّصِّ وَالتَّنْبِيهِ، فَإِنْ عَارَضَهُ أَحَدُهُمَا سَقَطَ، وَإِنْ عَارَضَهُ عُمُومٌ صَحَّ التَّعَلُّقُ بِعُمُومِ دَلِيلِ الْخِطَابِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ عَارَضَهُ قِيَاسٌ جَلِيٌّ، قُدِّمَ الْقِيَاسُ، وَأَمَّا الْخَفِيُّ، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ حُجَّةً كَالنُّطْقِ قُدِّمَ دَلِيلُ الْخِطَابِ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ كَالْقِيَاسِ فَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يُقَدِّمُونَ كَثِيرًا الْقِيَاسَ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ.
وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ.
الشَّرْطُ الثَّانِي:
أَنْ لَا يَكُونَ الْمَذْكُورُ قُصِدَ بِهِ الِامْتِنَانُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} 1
1جزء من الآية 14 من سورة النحل.
فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ أَكْلِ مَا لَيْسَ بَطَرِيٍّ.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ:
أَنْ لَا يَكُونَ الْمَنْطُوقُ خَرَجَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ مُتَعَلِّقٍ بِحُكْمٍ خَاصٍّ، وَلَا حَادِثَةٍ خَاصَّةٍ بِالْمَذْكُورِ، هَكَذَا قِيلَ، وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَلَا بِخُصُوصِ السُّؤَالِ.
وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي ذَلِكَ احْتِمَالَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ -يَعْنِي بَيْنَ عُمُومِ اللَّفْظِ، وَعُمُومِ الْمَفْهُومِ- أَنَّ دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ ضَعِيفَةٌ تَسْقُطُ بِأَدْنَى قَرِينَةٍ بِخِلَافِ اللَّفْظِ الْعَامِّ.
قُلْتُ: وَهَذَا فَرْقٌ قَوِيٌّ، لَكِنَّهُ إِنَّمَا يَتِمُّ فِي الْمَفَاهِيمِ الَّتِي دَلَالَتُهَا ضَعِيفَةٌ، أَمَّا الْمَفَاهِيمُ الَّتِي دَلَالَتُهَا قَوِيَّةٌ قُوَّةً تُلْحِقُهَا بِالدَّلَالَاتِ اللَّفْظِيَّةِ فَلَا.
قَالَ: وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} 1 فَلَا مَفْهُومَ لِلْأَضْعَافِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ عَلَى النَّهْيِ عَمَّا كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهُ بِسَبَبِ الْآجَالِ، كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ إِذَا حَلَّ دَيْنُهُ يَقُولُ: إِمَّا أَنْ تُعْطِيَ، وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ، فَيَتَضَاعَفُ بِذَلِكَ أَصْلُ دَيْنِهِ مِرَارًا كَثِيرَةً، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ عَلَى ذَلِكَ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ:
أَنْ لَا يَكُونَ الْمَذْكُورُ قُصِدَ بِهِ التَّفْخِيمُ، وَتَأْكِيدُ الْحَالِ، كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر أَنْ تَحُدَّ" 2 الْحَدِيثَ، فَإِنَّ التَّقْيِيدَ "بِالْإِيمَانِ" لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِتَفْخِيمِ الْأَمْرِ.
الشَّرْطُ الْخَامِسُ:
أَنْ يُذْكَرَ مُسْتَقِلًّا، فَلَوْ ذُكِرَ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ لِشَيْءٍ آخَرَ، فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} 3 فإن قوله تعالى: {فِي الْمَسَاجِدِ} فلا مَفْهُومَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَكِفَ مَمْنُوعٌ مِنَ الْمُبَاشَرَةِ مُطْلَقًا.
الشَّرْطُ السَّادِسُ:
أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنَ السِّيَاقِ قَصْدُ التَّعْمِيمِ، فَإِنْ ظَهَرَ فَلَا مَفْهُومَ له، كقوله
1 جزء من الآية 130 من سورة آل عمران.
2 أخرجه البخاري من حديث زينب بنت أبي سلمة، كتاب الطلاق، باب تحد المتوفى عنها أربعة أشهر وعشرًا 5334-5335-5336. ومسلم، كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة 1486-1487-1489. وأبو داود، كتاب الطلاق، باب إحداد المتوفى عنها زوجها 2299. والترمذي، كتاب الطلاق، باب ما جاء في عدة المتوفى عنها زوجها 1195-1196-1197. والنسائي، كتاب الطلاق، باب ترك الزينة للحادة المسلمة دون اليهودية والنصرانية 6/ 102.ومالك في الموطأ، كتاب الطلاق، باب ما جاء في الإحداد 2/ 596. وعبد الرزاق في المصنف12130. ابن حبان في صحيحه 4304. أبو يعلى في مسنده 1160.
3 جزء من الآية 187 من سورة البقرة.