الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعُمَرَ" 1 وَمَا صَحَّ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْهَادِينَ" 2.
فَاعْرِفْ هَذَا، وَاحْرِصْ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ إِلَيْكَ وَإِلَى سَائِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ رَسُولًا إِلَّا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَأْمُرْكَ بِاتِّبَاعِ غَيْرِهِ، وَلَا شَرَعَ لَكَ عَلَى لِسَانِ سِوَاهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَرْفًا واحدا ولا جعل شيئًا من الْحُجَّةَ عَلَيْكَ فِي قَوْلِ غَيْرِهِ، كَائِنًا مَنْ كان.
1 تقدم تخريجه في 1/ 221.
2 تقدم تخريجه في 1/ 221.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: الْأَخْذُ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ
فَإِنَّهُ أَثْبَتَهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَحَكَى بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ إِجْمَاعَ أَهْلِ النَّظَرِ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَحَقِيقَتُهُ أَنْ يَخْتَلِفَ الْمُخْتَلِفُونَ فِي أَمْرٍ عَلَى أَقَاوِيلَ، فَيَأْخُذُ بِأَقَلِّهَا إِذَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى الزِّيَادَةِ دَلِيلٌ.
قَالَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ: هُوَ أَنْ يَرِدَ الفعل عن النبي صلى الله عليه وسلم مبنيا لمجمل، ويحتاج إلى تحديده، فيصار إلى اقل مَا يُوجَدُ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَقَلِّ الْجِزْيَةِ إِنَّهُ دِينَارٌ1.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هُوَ أن يختلف الصحابة في تقدير، فَيَذْهَبُ بَعْضُهُمْ إِلَى مِائَةٍ مَثَلًا، وَبَعْضُهُمْ إِلَى خَمْسِينَ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ دَلَالَةٌ تُعَضِّدُ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ صُيِّرَ إِلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَلَالَةٌ، فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَأْخُذُ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ.
وَيَقُولُ: إِنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: إِنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ الثُّلُثُ، وَحَكَى اخْتِلَافَ الصَّحَابَةِ فِيهِ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ بِالْمُسَاوَاةِ، وَبَعْضَهُمْ قَالَ بِالثُّلُثِ فَكَانَ هَذَا أقلها.
وقسم ابن السمعاني المسألة إلى قسمين:
أَحَدُهُمَا:
أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِيمَا أَصْلُهُ الْبَرَاءَةُ، فَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي وُجُوبِ الْحَقِّ وَسُقُوطِهِ كَانَ سُقُوطُهُ أَوْلَى، لِمُوَافَقَةِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ الْوُجُوبِ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِهِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِهِ، كَدِيَةِ الذِّمِّيِّ إِذَا وَجَبَتْ عَلَى قَاتِلِهِ، فَهَلْ يَكُونُ الْأَخْذُ بِأَقَلِّهِ دَلِيلًا؟ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي:
أَنْ يَكُونَ مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، كَالْجُمُعَةِ الثَّابِتِ فَرْضُهَا مَعَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي عَدَدِ انْعِقَادِهَا، فَلَا يَكُونُ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ دَلِيلًا لِارْتِهَانِ الذِّمَّةِ بِهَا، فَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ بِالشَّكِّ.
وَهَلْ يَكُونُ الْأَخْذُ بِالْأَكْثَرِ دَلِيلًا؟ فيه وجهان.
1 وذلك لأن الدليل قام أنه لا بد من تحديد فصار إلى أقل ما حُكي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ من الجزية.
أحدهما:
أن يَكُونُ دَلِيلًا، وَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ تَبْرَأُ بِالْأَكْثَرِ إِجْمَاعًا، وَفِي الْأَقَلِّ خِلَافٌ، فَلِذَلِكَ جَعَلَهَا الشَّافِعِيُّ تَنْعَقِدُ بِأَرْبَعِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَدَدَ أَكْثَرُ مَا قِيلَ.
الثَّانِي:
لَا يَكُونُ دَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ مِنَ الْخِلَافِ دَلِيلٌ. انْتَهَى1.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْأَخْذَ بِأَقَلِّ ما قيل مُتَرَكِّبًا مِنَ الْإِجْمَاعِ وَالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ الْأَخْذَ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا أَمْكَنَ ضَبْطُ أَقْوَالِ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، وَحَكَى قَوْلًا بِأَنَّهُ يُؤْخَذُ بِأَكْثَرِ مَا قِيلَ، لِيَخْرُجَ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ بِيَقِينٍ.
وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي التَّقْدِيرِ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ إِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْأَدِلَّةِ فَفَرْضُ الْمُجْتَهِدِ "أَنْ يَأْخُذَ"* بِمَا صَحَّ له منها، مع الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إِنْ أَمْكَنَ، أَوِ التَّرْجِيحِ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْخَارِجَةَ مِنْ مَخْرَجٍ صَحِيحٍ، الْوَاقِعَةَ غَيْرَ مُنَافِيَةٍ لِلْمَزِيدِ مَقْبُولَةٌ، يَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ بِهَا، وَالْمَصِيرُ إِلَى مَدْلُولِهَا، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي التَّقْدِيرِ بِاعْتِبَارِ الْمَذَاهِبِ، فَلَا اعْتِبَارَ عِنْدَ "الْمُجْتَهِدِ"** بِمَذَاهِبِ النَّاسِ، بَلْ هُوَ مُتَعَبِّدٌ بِاجْتِهَادِهِ، وَمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ نَظَرُهُ، من الأخذ بالأقل، أو بالأكثر، أَوْ بِالْوَسَطِ.
وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، بَلْ هُوَ أَسِيرُ إِمَامِهِ فِي جَمِيعِ "مَسَائِلِ"** دِينِهِ، وَلَيْتَهُ لَمْ يَفْعَلْ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْكَلَامَ فِي التَّقْلِيدِ فِي الْمُؤَلَّفِ الَّذِي سَمَّيْنَاهُ "أَدَبَ الطَّلَبِ"2، وَفِي الرِّسَالَةِ الْمُسَمَّاةِ "الْقَوْلَ المفيد في حكم التقليد"3.
وَكَمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَخْذِ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ، كَذَلِكَ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْأَخْذِ بِأَخَفِّ مَا قِيلَ، وَقَدْ صَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى ذَلِكَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} 4 وَقَوْلِهِ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} 5 وقوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالحنيفية السمحة
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
** في "أ": الجمهور.
*** ما بين قوسين ساقط من "أ".
_________
1 انظر البحر المحيط 6/ 29.
2 واسمهم" أدب الطلب ومنتهى الأرب" للإمام محمد بن علي الشوكاني. ا. هـ البدر الطالع 2/ 222. هدية العارفين 2/ 365.
3 واسمه "القول المفيد في حكم التقليد وهو أيضًا للإمام محمد بن علي الشوكاني. ا. هـ البدر الطالع 2/ 222. هدية العارفين 2/ 336.
4 جزء من الآية 185 من سورة البقرة.
5 جزء من الآية 78 من سورة الحج.