الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ جَرَّبَ مِثْلَ تَجْرِبَتِي عَرَفَ مِثْلَ مَعْرِفَتِي. انْتَهَى.
وَذَكَرَ الذَّهَبِيُّ فِي "النُّبَلَاءِ" فِي تَرْجَمَةِ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: ذَهَبَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ إِلَى الِانْكِفَافِ عَنِ التَّأْوِيلِ، وَإِجْرَاءِ الظَّوَاهِرِ عَلَى مَوَارِدِهَا، وَتَفْوِيضِ مَعَانِيهَا إِلَى الرَّبِّ تَعَالَى، وَالَّذِي نَرْتَضِيهِ رَأْيًا وَنَدِينُ اللَّهَ بِهِ عَقْدًا اتِّبَاعُ سَلَفِ الْأُمَّةِ.
هَكَذَا نَقَلَ عَنْهُ صَاحِبُ "النُّبَلَاءِ" فِي تَرْجَمَتِهِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي تَرْجَمَتِهِ فِي "النُّبَلَاءُ" إِنَّهُ قَالَ مَا لَفْظُهُ: اشْهَدُوا عليَّ أَنِّي قَدْ رَجَعْتُ عَنْ كُلِّ مَقَالَةٍ تُخَالِفُ السَّلَفَ. انْتَهَى.
وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ أعني: الجويني، والغزالي، الرازي. هُمُ الَّذِينَ وَسَّعُوا دَائِرَةَ التَّأْوِيلِ، وَطَوَّلُوا ذُيُولَهُ، وَقَدْ رَجَعُوا آخِرًا إِلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ كَمَا عَرَفْتَ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ.
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: "وَنَقُولُ"* فِي الْأَلْفَاظِ الْمُشْكِلَةِ إِنَّهَا حَقٌّ وَصِدْقٌ، وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَوَّلَ شَيْئًا مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ قَرِيبًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ لِسَانُ الْعَرَبِ، وَتَفْهَمُهُ فِي مُخَاطِبَاتِهِمْ لَمْ نُنْكِرْ عَلَيْهِ، وَلَمْ نُبَدِّعْهُ، وَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ بَعِيدًا تَوَقَّفْنَا عَنْهُ، وَاسْتَبْعَدْنَاهُ، وَرَجَعْنَا إِلَى الْقَاعِدَةِ فِي الْإِيمَانِ بِمَعْنَاهُ، مَعَ التَّنْزِيهِ. وَقَدْ تَقَدَّمُهُ إِلَى مِثْلِ هَذَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ1 كَمَا حَكَاهُ عَنْهُمَا الزَّرْكَشِيُّ فِي "الْبَحْرِ"، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا يَطُولُ لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ النُّقُولِ عَنِ الْأَئِمَّةِ الفحول.
* في "أ": ونقوله.
_________
1 هو عبد العزيز بن عبد السلام، عز الدين الملقب بسلطان العلماء، فقيه شافعي، بلغ رتبة الاجتهاد، ولد في دمشق سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وتوفي سنة ستين وستمائة هـ بالقاهرة من آثاره "قواعد الشريعة""الفوائد""الإلمام في أدلة القرآن""مقاصد الرعاية" ا. هـ شذرات الذهب 5/ 301 هدية العارفين 1/ 580 الاعلام 4/ 21 معجم المؤلفين 5/ 249.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي شُرُوطِ التَّأْوِيلِ
الْأَوَّلُ:
أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِوَضْعِ اللُّغَةِ، أَوْ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ، "أَوْ"* عَادَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ، وَكُلُّ تَأْوِيلٍ خَرَجَ عَنْ هَذَا فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ.
الثَّانِي:
أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ لَا يُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا فِيهِ.
الثَّالِثُ:
إِذَا كَانَ التَّأْوِيلُ بِالْقِيَاسِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَلِيًّا، لَا خفيا.
* في "أ": وإعادة.
وَقِيلَ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ التَّأْوِيلُ بِالْقِيَاسِ أَصْلًا.
وَالتَّأْوِيلُ فِي نَفْسِهِ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قَدْ يَكُونُ قَرِيبًا، فَيَتَرَجَّحُ بِأَدْنَى مُرَجَّحٍ، وَقَدْ يَكُونُ بَعِيدًا، فَلَا يَتَرَجَّحُ إِلَّا بِمُرَجَّحٍ قَوِيٍّ، وَلَا يَتَرَجَّحُ بِمَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَقَدْ يَكُونُ مُتَعَذِّرًا، لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ، فَيَكُونُ مَرْدُودًا لَا مَقْبُولًا.
وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا تَبَيَّنَ لَكَ مَا هُوَ مَقْبُولٌ مِنَ التَّأْوِيلِ مِمَّا هُوَ مَرْدُودٌ، وَلَمْ يُحْتَجْ إِلَى تَكْثِيرِ الْأَمْثِلَةِ، كَمَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ.