الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الِاعْتِرَاضُ السَّادِسُ: الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ
بِفَتْحِ الْجِيمِ، أَيِ: الْقَوْلُ بِمَا أَوْجَبَهُ دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ.
قَالَ فِي "الْمَحْصُولِ": وَحَدُّهُ: تَسْلِيمُ مَا جَعَلَهُ الْمُسْتَدِلُّ مُوجَبَ الْعِلَّةِ، مَعَ اسْتِبْقَاءِ الْخِلَافِ. انْتَهَى.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي "الْبَحْرِ": وَذَلِكَ بِأَنْ يَظُنَّ الْمُعَلِّلُ أَنَّ مَا أَتَى بِهِ مُسْتَلْزَمٌ لِمَطْلُوبِهِ، مِنْ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا، مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُسْتَلْزَمٍ.
قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَعْرِيفِ الرَّازِيِّ لَهُ بِمُوجَبِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْقِيَاسِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: حَدُّوهُ بِتَسْلِيمِ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ فِيهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَهُوَ بَيَانُ غلظ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى إِيجَابِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:"فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شاةٌ" 1 فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ: أَقُولُ بِمُوجَبِ هَذَا الدَّلِيلِ، لَكِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مَحَلَّ النِّزَاعِ، "فَهَذَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ الْحَدُّ"*، وَلَيْسَ قَوْلًا بِالْمُوجَبِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَظْهَرَ عُذْرٌ لِلْمُسْتَدِلِّ عُذْرٌ مُعْتَبَرٌ.
وَمِنْ أَنْوَاعِ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ: أن يذكر المستدل إحدى المقدمتين، ويسكت عن الْأُخْرَى، ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهَا مُسَلَّمَةٌ، فَيَقُولَ الْخَصْمُ بِمُوجَبِ الْمُقَدِّمَةِ، وَيَبْقَى عَلَى الْمَنْعِ لِمَا عَدَاهَا.
وَمِنْهَا: أَنْ يَعْتَقِدَ الْمُسْتَدِلُّ تَلَازُمًا بَيْنَ مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَبَيْنَ مَحَلٍّ آخَرَ، فَيَنْصِبَ الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّ مَا ثَبَتَ بِهِ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَهُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ.
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ بِالْمُوجَبِ وَمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعَارَضَةِ: أَنَّ حَاصِلَهُ يَرْجِعُ إِلَى خُرُوجِ الدَّلِيلِ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَالْمُعَارَضَةُ فِيهَا اعْتِرَافٌ بِأَنَّ لِلدَّلِيلِ دَلَالَةً عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ.
قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَهُوَ سُؤَالٌ صَحِيحٌ إِذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْمُمَانَعَةِ، وَلَا بُدَّ فِي "تَوَجُّهِهِ"** مِنْ شَرْطٍ، وَهُوَ أَنْ يُسْنَدَ الْحُكْمُ الَّذِي يُنْصَبُ لَهُ الْعِلَّةُ إِلَى شَيْءٍ، مِثْلَ قَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي مَاءِ الزَّعْفَرَانِ: مَاءٌ خَالَطَهُ طَاهِرٌ، وَالْمُخَالَطَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوُضُوءِ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: الْمَخَالِطُ لَا يمنع، لكنه ليس بماء مطلق2.
* في "أ": ومكانها: عندي كالمظنون للمستدل.
** في "أ": موجهة.
_________
1 تقدم تخريجه في 2/ 393.
2 انظر البحر المحيط 5/ 300.