الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قِيَاسًا لَكِنَّ الشَّرْعَ أَلْغَاهُ، حَيْثُ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ مُرَتَّبَةً مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْمُكَلَّفِينَ، فَالْقَوْلُ بِهِ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ فَكَانَ بَاطِلًا.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ:
مَا لَا يُعْلَمُ اعْتِبَارُهُ وَلَا إِلْغَاؤُهُ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ بِالِاعْتِبَارِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ.
وَقَدِ اشْتَهَرَ انْفِرَادُ الْمَالِكِيَّةِ بِالْقَوْلِ بِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ فِي جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ يَكْتَفُونَ بِمُطْلَقِ الْمُنَاسَبَةِ، وَلَا مَعْنَى لِلْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ إِلَّا ذَلِكَ.
قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي "الْمَحْصُولِ": وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَوْصَافُ إِنَّمَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهَا إِذَا ظن التفات الشرع إليها، وكل ما كَانَ الْتِفَاتُ الشَّرْعِ إِلَيْهِ أَكْثَرَ كَانَ ظَنُّ كَوْنِهِ مُعْتَبَرًا أَقْوَى، وَكُلَّمَا كَانَ الْوَصْفُ وَالْحُكْمُ أَخَصَّ كَانَ ظَنُّ كَوْنِ ذَلِكَ الْوَصْفِ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ ذَلِكَ الْحُكْمِ آكَدَ، فَيَكُونُ لَا مَحَالَةَ مُقَدَّمًا عَلَى مَا يَكُونُ أَعَمَّ مِنْهُ.
وَأَمَا الْمُنَاسِبُ الَّذِي عُلِمَ أَنَّ الشَّرْعَ أَلْغَاهُ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا.
وَأَمَا الْمُنَاسِبُ الَّذِي لَا يُعْلَمُ أَنَّ الشَّارِعَ أَلْغَاهُ، أَوِ اعْتَبَرَهُ، فَذَلِكَ يَكُونُ بِحَسَبِ أَوْصَافٍ هِيَ أَخَصُّ مِنْ كَوْنِهِ وَصْفًا مَصْلَحِيًّا، وَإِلَّا فَعُمُومُ كَوْنِهِ وَصْفًا مَصْلَحِيًّا مَشْهُودٌ لَهُ بِالِاعْتِبَارِ، وَهَذَا الْقِسْمُ الْمُسَمَّى بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ. انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي "مُخْتَصَرِ الْمُنْتَهَى": وَغَيْرُ الْمُعْتَبَرِ هُوَ الْمُرْسَلُ، فَإِنْ كَانَ غَرِيبًا، أَوْ ثَبَتَ إِلْغَاؤُهُ فَمَرْدُودٌ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ مُلَائِمًا فَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ، وَالْغَزَالِيُّ بِقَبُولِهِ، وَذُكِرَ عَنْ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالْمُخْتَارُ رَدُّهُ، وَشَرَطَ الْغَزَالِيُّ فِيهِ أَنْ تَكُونَ الْمَصْلَحَةُ ضَرُورِيَّةً، قَطْعِيَّةً، كُلِّيَّةً. انْتَهَى.
وَسَنَذْكُرُ لِلْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ بَحْثًا مُسْتَقِلًّا فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ1.
1 انظر: 2/ 172.
انقسام المناسب من حيث التأثير والملاءمة وعدمهما:
الْقِسْمُ الرَّابِعُ:
أَنَّ الْمُنَاسِبَ: إِمَّا مُؤَثِّرٌ، أَوْ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، وَغَيْرُ الْمُؤَثِّرِ: إِمَّا مُلَائِمٌ، أَوْ غَيْرُ مُلَائِمٍ. "وَغَيْرُ الْمُلَائِمِ"* إِمَّا غَرِيبٌ، أَوْ مُرْسَلٌ، أَوْ مُلْغًى.
الصِّنْفُ الْأَوَّلُ:
الْمُؤَثِّرُ: وَهُوَ أَنْ يَدُلَّ النَّصُّ، أَوِ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَوْنِهِ عِلَّةً، تَدُلُّ عَلَى تَأْثِيرِ عَيْنِ الْوَصْفِ فِي عين الحكم أو نوعه في نوعه.
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
الصِّنْفُ الثَّانِي:
الْمُلَائِمُ: وَهُوَ أَنْ يَعْتَبِرَ الشَّارِعُ عَيْنَهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِ الْوَصْفِ، لَا بِنَصٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ، وَسُمِّيَ مُلَائِمًا لِكَوْنِهِ مُوَافِقًا لِمَا اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ، وَهَذِهِ المرتبة دونما قَبْلَهَا.
الصِّنْفُ الثَّالِثُ:
الْغَرِيبُ: وَهُوَ أَنْ يَعْتَبِرَ عَيْنَهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِ الْوَصْفِ فَقَطْ، وَلَا يَعْتَبِرَ عَيْنَ الْوَصْفِ في جِنْسِ الْحُكْمِ، وَلَا عَيْنَهُ وَلَا جِنْسَهُ فِي جنسه بنص وإجماع، كالإسكار في تحريم الخمر، فإنه اعتبر عين الْإِسْكَارَ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، بِتَرْتِيبِ التَّحْرِيمِ عَلَى الْإِسْكَارِ فَقَطْ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْغَرِيبِ: تَوْرِيثُ الْمَبْتُوتَةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، إِلْحَاقًا بِالْقَاتِلِ الْمَمْنُوعِ مِنَ الْمِيرَاثِ، تَعْلِيلًا بِالْمُعَارَضَةِ بِنَقِيضِ الْقَصْدِ، فَإِنَّ الْمُنَاسَبَةَ ظَاهِرَةٌ، لَكِنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ لَمْ يُعْهَدِ اعْتِبَارُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْخَاصِّ، فَكَانَ غَرِيبًا لِذَلِكَ.
الصِّنْفُ الرَّابِعُ:
الْمُرْسَلُ غَيْرُ الْمُلَائِمِ، وَقَدْ عَرَفْتَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الحاجب الا تفاق عَلَى رَدِّهِ، وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنِ الْأَكْثَرِينَ.
الصِّنْفُ الْخَامِسُ:
الْغَرِيبُ غَيْرُ الْمُلَائِمِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِالِاتِّفَاقِ، واختلفوا: هل تنخرم المناسبة بالمعاوضة الَّتِي تَدُلُّ عَلَى وُجُودِ مَفْسَدَةٍ، أَوْ فَوَاتِ مصلحة تساوي المصلحة، أو ترجح عَلَيْهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْأَوَّلُ:
أَنَّهَا تَنْخَرِمُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ، وَاخْتَارَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ1 وَابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ؛ وَلِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ، وَالْمَصْلَحَةَ إِذَا عَارَضَهَا مَا يُسَاوِيهَا لَمْ تُعَدَّ عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ مَصْلَحَةً.
الثَّانِي:
أَنَّهَا لَا تَنْخَرِمُ، وَاخْتَارَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي "الْمَحْصُولِ"، وَالْبَيْضَاوِيُّ فِي "الْمِنْهَاجِ"، وَهَذَا الْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ إِذَا لَمْ تَكُنِ الْمُعَارَضَةُ دَالَّةً عَلَى انْتِفَاءِ الْمَصْلَحَةِ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ فهي قادحة "بلا خلاف*.
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
_________
1 لعله محمد بن داود بن محمد المروزي، المعروف بالصيدلاني، أبو بكر، فقيه محدث، توفي سنة سبعٍ وعشرين وأربعمائة هـ، له مصنفات ا. هـ معجم المؤلفين 9/ 298.