الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَقْصِدُ السَّابِعُ: مِنْ مَقَاصِدِ هَذَا الْكِتَابِ فِي التعادل والترجيح
الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ: فِي مَعْنَاهُمَا، وَفِي الْعَمَلِ بِالتَّرْجِيحِ، وفي شروطه
…
المقصد السابع: في التعادل والترجيح
الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ: فِي مَعْنَاهُمَا، وَفِي الْعَمَلِ بِالتَّرْجِيحِ، وَفِي شُرُوطِهِ
أَمَّا التَّعَادُلُ: فَهُوَ التَّسَاوِي، وَفِي الشَّرْعِ اسْتِوَاءُ الْأَمَارَتَيْنِ.
وَأَمَّا التَّرْجِيحُ: فَهُوَ إِثْبَاتُ الْفَضْلِ فِي أَحَدِ جَانِبَيِ الْمُتَقَابِلَيْنِ، أَوْ جَعْلُ الشَّيْءِ رَاجِحًا، وَيُقَالُ مَجَازًا لِاعْتِقَادِ الرُّجْحَانِ.
وَفِي الاصطلاح: اقتران الأمارة بما تقوى عَلَى مُعَارِضَتِهَا.
قَالَ فِي "الْمَحْصُولِ": التَّرْجِيحُ تَقْوِيَةُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، فَيُعْلَمُ الْأَقْوَى فَيُعْمَلُ بِهِ، وَيُطْرَحُ الْآخَرُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا طَرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّرْجِيحُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ إِلَّا بَعْدَ تَكَامُلِ كَوْنِهِمَا "طَرِيقَيْنِ لَوِ*" انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَرْجِيحُ الطَّرَفِ عَلَى مَا لَيْسَ بِطَرَفٍ. انْتَهَى.
وَالْقَصْدُ مِنْهُ تَصْحِيحُ الصَّحِيحِ، وَإِبْطَالُ الْبَاطِلِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي "الْبَحْرِ": اعلم أن الله لينصب عَلَى جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَدِلَّةً قَاطِعَةً، بَلْ جعلها ظنية، قصدا للتوسيع على المتكلفين، لِئَلَّا يَنْحَصِرُوا فِي مَذْهَبٍ وَاحِدٍ، لِقِيَامِ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ عَلَيْهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْأَدِلَّةُ الظَّنِّيَّةُ، فَقَدْ تَتَعَارَضُ فِي الظَّاهِرِ، بِحَسَبِ جَلَائِهَا وَخَفَائِهَا، فَوَجَبَ التَّرْجِيحُ بَيْنَهُمَا، والعمل الأقوى. وَالدَّلِيلُ عَلَى تَعْيِينِ الْأَقْوَى أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَ دليلان، وأمارتان، فَإِمَّا أَنْ يُعْمَلَا جَمِيعًا، أَوْ "يُلْغَيَا جَمِيعًا، أَوْ"** يُعْمَلَ بِالْمَرْجُوحِ أَوِ الرَّاجِحِ، وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ.
قَالَ: أَمَّا حَقِيقَتُهُ، يَعْنِي التَّعَارُضَ فَهُوَ تَفَاعُلٌ، مِنَ العُرض، بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَهُوَ النَّاحِيَةُ وَالْجِهَةُ، كَأَنَّ الْكَلَامَ الْمُتَعَارِضَ يَقِفُ بَعْضُهُ فِي عُرض بَعْضٍ، أَيْ نَاحِيَتِهِ وَجِهَتِهِ، فَيَمْنَعُهُ مِنَ النُّفُوذِ إلى حيث وجه.
* في "أ": طرفين أو.
** ما بين قوسين ساقط من "أ".
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: تَقَابُلُ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْمُمَانَعَةِ.
وَلِلتَّرْجِيحِ شُرُوطٌ:
الْأَوَّلُ:
التَّسَاوِي فِي الثُّبُوتِ، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْكِتَابِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ إِلَّا مِنْ حيث الأدلة.
الثَّانِي:
التَّسَاوِي فِي الْقُوَّةِ، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْمُتَوَاتِرِ وَالْآحَادِ، بَلْ يُقَدَّمُ الْمُتَوَاتِرُ بِالِاتِّفَاقِ، كَمَا نَقَلَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ.
الثَّالِثُ:
اتِّفَاقُهُمَا فِي الْحُكْمِ، مَعَ اتِّحَادِ الْوَقْتِ وَالْمَحَلِّ وَالْجِهَةِ، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ النَّهْيِ عَنِ الْبَيْعِ مَثَلًا فِي وَقْتِ النِّدَاءِ مَعَ الْإِذْنِ بِهِ فِي غَيْرِهِ.
وَحَكَى إمام الحرمين في تعارض الظاهرين من الكتاب والسنة مذاهب:
أحدهما: يُقَدَّمُ الْكِتَابُ لِخَبَرِ مُعَاذٍ1.
وَثَانِيهُمَا: تُقَدَّمُ السُّنَّةُ؛ لِأَنَّهَا الْمُفَسِّرَةُ لِلْكِتَابِ، وَالْمُبَيِّنَةُ لَهُ.
وَثَالِثُهَا: التَّعَارُضُ، وَصَحَّحَهُ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَزَيَّفَ2 الثَّانِيَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْخِلَافُ فِي السُّنَّةِ الْمُفَسِّرَةِ لِلْكِتَابِ، بَلِ الْمُعَارِضَةِ لَهُ.
وَأَقْسَامُ التَّعَادُلِ وَالتَّرْجِيحِ بِحَسَبِ الْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ عَشْرَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ أَرْبَعَةٌ: الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، والإجماع، "والقياس"*.
فيقع التعارض بين الكتاب والكتب، وَبَيْنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَبَيْنَ الْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ، وَبَيْنَ الْكِتَابِ وَالْقِيَاسِ؛ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ.
وَيَقَعُ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالسُّنَّةِ، وَبَيْنَ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَبَيْنَ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ؛ فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ.
وَيَقَعُ بَيْنَ الْإِجْمَاعِ وَالْإِجْمَاعِ، وَبَيْنَ الإجماع والقياس، وبين القياسين؛ فهذه ثلاثة، والجميع عَشَرَةٌ.
قَالَ الرَّازِيُّ فِي "الْمَحْصُولِ": الْأَكْثَرُونَ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ التَّمَسُّكِ بِالتَّرْجِيحِ، وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ: عِنْدَ التَّعَارُضِ يَلْزَمُ التَّخْيِيرُ، أَوِ التَّوَقُّفُ، لَنَا وُجُوهٌ:
الْأَوَّلُ:
إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْعَمَلِ بِالتَّرْجِيحِ، فَإِنَّهُمْ قَدَّمُوا خَبَرَ عَائِشَةَ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ3 عَلَى خَبَرِ "الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ"4، وَقَدَّمُوا خَبَرَ مَنْ رَوَى مِنْ أَزْوَاجِهِ أَنَّهُ كان صلى الله عليه وسلم
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
_________
1 تقدم تخريجه في الصفحة 1/ 152.
2 وهنا معناها مجازي لأن أصل الزيف هو في الدراهم. يقال: زافت عليه دراهمه أي رُدَّت لغش فيها. ا. هـ.
3 تقدم تخريجه في 2/ 77.
4 تقدم تخريجه في 2/ 77.
يُصْبِحُ جُنُبًا1 عَلَى مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أنه "من أصبح جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ"2.
وَقَبِلَ عَلِيٌّ خَبَرَ أَبِي بَكْرٍ وَلَمْ يُحَلِّفْهُ، وَكَانَ لَا يَقْبَلُ من غيره إلا بعد تحليفه3، وقيل أَبُو بَكْرٍ خَبَرَ الْمُغِيرَةِ فِي مِيرَاثِ الْجَدَّةِ لِمُوَافَقَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ لَهُ4.
وَقَبِلَ عُمَرُ خَبَرَ أَبِي مُوسَى فِي الِاسْتِئْذَانِ لِمُوَافَقَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَهُ5.
الثَّانِي:
أَنَّ الظَّنَّين إِذَا تَعَارَضَا، ثُمَّ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، كَانَ الْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ مُتَعَيِّنًا عُرْفًا، فَيَجِبُ شَرْعًا، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ"6.
الثَّالِثُ:
أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْمَلْ بِالرَّاجِحِ، لَزِمَ الْعَمَلُ بِالْمَرْجُوحِ عَلَى الرَّاجِحِ، وَتَرْجِيحُ الْمَرْجُوحِ عَلَى الرَّاجِحِ مُمْتَنِعٌ فِي بَدَاهَةِ الْعَقْلِ.
وَاحْتَجَّ الْمُنْكِرُ بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّرْجِيحَ لَوِ اعْتُبِرَ فِي الْأَمَارَاتِ لَاعْتُبِرَ فِي الْبَيِّنَاتِ وَالْحُكُومَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَوِ اعْتُبِرَ لَكَانَتِ الْعِلَّةُ فِي اعْتِبَارِهِ تَرَجِيحَ الْأَظْهَرِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَائِمٌ هُنَا.
الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} 7 وقوله صلى الله عليه وسلم: "نَحْنُ نَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ" 8 يَقْتَضِي إِلْغَاءَ زِيَادَةِ الظن.
1 أخرجه البيهقي من حديث أم سلمة، كتاب الصيام، باب من أصبح جنبا في شهر رمضان 4/ 215.
وأحمد في مسنده 6/ 306. ابن حبان في صحيحه 3500. وابن أبي شيبة 3/ 81.
2 أخرجه البخاري، كتاب الصيام، باب الصائم يصبح جنبا 1925. ومسلم، كتاب الصيام، باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب 1109. والنسائي في الصيام كما في التحفة 12/ 341. وعبد الرزاق في مصنفه 7398. والبيهقي، كتاب الصيام، باب من أصبح جنبا في شهر رمضان 4/ 214.
ومالك في الموطأ، كتاب الصيام، باب ما جاء في صيام الذي يصبح جنبا في رمضان 1/ 290. وابن حبان في صحيحه 3486. وفي حديث مسلم 1109 قال: فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك والذي عند ابن أبي شيبة: أن أبا هريرة رجع عن فتياه "من أصبح جنبا فلا صوم له ". والذي عند البيهقي: أن أبا هريرة رضي الله عنه رجع عن قوله قبل موته.
3 ذكره الرازي في المحصول 2/ 235.
4 أخرجه أبو داود من حديث قبيصة بن ذؤيب، كتاب الفرائض، باب ميراث الجدة 2894. ومالك في الموطأ، كتاب الفرائض، باب ميراث الجدة 2/ 513. وابن ماجه، كتاب الفرائض، باب ميراث الجدة 2724. والبيهقي، كتاب الفرائض، باب فرض الجدة والجدتين 6/ 234. والنسائي في الفرائض كما في التحفة 8/ 361. والترمذي 2100. وابن حبان في صحيحه 6031. وابن أبي شيبة 11/ 320.
5 أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب الخروج في التجارة 2063. وأبو داود، كتاب الأدب، باب كم مرة يسلم الرجل في الاستئذان 5182. ومالك، كتاب الاستئذان، باب الاستئذان 2/ 964. وأحمد في مسنده 4/ 398، 4/ 400. وابن حبان في صحيحه 5807.
6 تقدم تخريجه في 1/ 346.
7 جزء من الآية 2 من سورة الحشر.
8 تقدم تخرجيه في 1/ 148.