الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ: أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ الْهِرَّةَ يَكْسِرُ المعنى، فأجاب بالفرق، هو أَنَّ الْهِرَّةَ سَبُعٌ، أَيْ: لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ، كَذَا قِيلَ.
قَالَ فِي "الْمَنْخُولِ": قَالَ الْجَدَلِيُّونَ: الْكَسْرُ يُفَارِقُ النَّقْضَ، فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَى إِخَالَةِ الْمُعَلِّلِ، لَا عَلَى عِبَارَتِهِ، وَالنَّقْضُ يَرِدُ عَلَى الْعِبَارَةِ، قَالَ: وَعِنْدَنَا لَا مَعْنَى لِلْكَسْرِ، فَإِنَّ كُلَّ عِبَارَةٍ لَا إِخَالَةَ فِيهَا، فَهِيَ طَرْدٌ مَحْذُوفٌ، فَالْوَارِدُ عَلَى الْإِخَالَةِ نَقْضٌ، وَلَوْ أُورِدَ عَلَى أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ مَعَ كَوْنِهِمَا مُخْتَلِفَيْنِ، فَهُوَ بَاطِلٌ لا يقبل1.
1 قال في المنخول: إن الكسر سؤال لازم، ويفارق النقض، فإنه يرد على إخالة العلة لا على عبارتها والنقض يرد على العبارة. ا. هـ المنخول ص410.
الِاعْتِرَاضُ الثَّالِثُ: عَدَمُ الْعَكْسِ
وَهُوَ وُجُودُ الْحُكْمِ بِدُونِ الْوَصْفِ فِي صُورَةٍ أُخْرَى، كَاسْتِدْلَالِ الْحَنَفِيِّ عَلَى مَنْعِ تَقْدِيمِ أَذَانِ الصُّبْحِ بِقَوْلِهِ: صَلَاةٌ لَا تُقْصَرُ، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ أَذَانِهَا كَالْمَغْرِبِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا الْوَصْفُ لَا يَنْعَكِسُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ مَنْعُ التَّقْدِيمِ لِلْأَذَانِ عَلَى الْوَقْتِ مَوْجُودٌ فِيمَا قُصِرَ مِنَ الصَّلَوَاتِ لِعِلَّةٍ أُخْرَى.
قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إِذَا قُلْنَا: إِنَّ اجْتِمَاعَ الْعِلَلِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ غَيْرُ وَاقِعٍ، فَالْعَكْسُ لَازِمٌ مَا لَمْ يَثْبُتِ الْحُكْمُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْعِلَّةِ "بِتَوْقِيفٍ"*، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ بَيَانُهُ، بِخِلَافِ مَا أَلْزَمْنَاهُ فِي النَّقْضِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ داعٍ إِلَى الِانْتِشَارِ، وَسَبَبُهُ أَنَّ إِشْعَارَ النَّفْيِ بِالنَّفْيِ مُنْحَطٌّ عَنْ إِشْعَارِ الثُّبُوتِ بِالثُّبُوتِ.
وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَا يَرِدُ سُؤَالُ الْعَكْسِ، إِلَّا أن يتفق المتناظران على اتحاد العلة.
* في "أ": يتوقف.
الاعتراض الرابع: عدم التأثير
وقد ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ قَوِيٌّ، حَتَّى قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: إِنَّهُ مِنْ أَصَحِّ مَا يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَى الْعِلَّةِ.
وقال ابن السَّمْعَانِيُّ: ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا سُؤَالَ عَدَمِ التَّأْثِيرِ، وَلَسْتُ أَرَى لَهُ وَجْهًا بَعْدَ أَنْ يُبَيِّنَ الْمُعَلِّلُ التَّأْثِيرَ لِعِلَّتِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ مَا أُقِيمَ الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهَا بالتأثير، وقد
جَعَلَهُ الْقَائِلُونَ بِهِ مُنْقَسِمًا إِلَى أَقْسَامٍ:
الْأَوَّلُ:
عدم التأثير في الوصف "لكونه"* طَرْدِيًّا وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى عَدَمِ الْعَكْسِ السَّابِقِ قَبْلَ هَذَا كَقَوْلِهِمْ صَلَاةُ الصُّبْحِ لَا تُقْصَرُ فَلَا تُقَدَّمُ عَلَى وَقْتِهَا كَالْمَغْرِبِ فَقَوْلُهُمْ: لَا تقصر "وصف"** طردي بالنسبة إلى عدم التَّقْدِيمِ.
الثَّانِي:
عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْأَصْلِ "بِكَوْنِهِ"*** مُسْتَغْنًى عَنْهُ فِي الْأَصْلِ لِوُجُودِ مَعْنًى آخَرَ مُسْتَقِلٍّ بِالْغَرَضِ، كَقَوْلِهِمْ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ مَبِيعٌ غير مرئي كالطير في الهواء؛ فلا يصح فَيُقَالُ: لَا أَثَرَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَرْئِيٍّ فَإِنَّ الْعَجْزَ عَنِ التَّسْلِيمِ كافٍ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الطَّيْرِ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ مَرْئِيًّا.
وَحَاصِلُهُ: مُعَارَضَةٌ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ يُلْغِي مِنَ الْعِلَّةِ وَصْفًا، ثُمَّ يُعَارِضُهُ الْمُسْتَدِلُّ بِمَا بَقِيَ.
قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالَّذِي صَارَ إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فَسَادُ الْعِلَّةِ بِمَا ذَكَرْنَا.
وَقِيلَ: بَلْ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ ذلك القيد له أثر في الجمل، وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، كَالشَّاهِدِ الثَّالِثِ بَعْدَ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَيْدَ لَيْسَ مَحَلَّهُ، وَلَا وَصْفًا لَهُ، فَذِكْرُهُ لَغْوٌ، بِخِلَافِ الشَّاهِدِ الثَّالِثِ، فَإِنَّهُ مُتَهَيِّئٌ لِأَنْ يَصِيرَ عند عدم صحة شهادته أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ رُكْنًا.
الثَّالِثُ:
عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ جَمِيعًا؛ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ فَائِدَةٌ فِي الْحُكْمِ، إِمَّا ضَرُورِيَّةً، كَقَوْلِ مَنِ اعْتَبَرَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْأَحْجَارِ "عِبَادَةً مُتَعَلِّقَةً بِالْأَحْجَارِ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا معصية، فاشترط فيها العد كَالْجِمَارِ"****.
وَإِمَّا غَيْرَ ضَرُورِيَّةٍ، كَقَوْلِهِمُ: الْجُمُعَةُ صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ فَلَمْ تَفْتَقِرْ إِلَى إِذْنِ الْإِمَامِ كَالظُّهْرِ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ: مَفْرُوضَةٌ حَشْوٌ لَوْ حُذِفَ لَمْ يَضُرَّ.
الرَّابِعُ:
عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْفَرْعِ، كَقَوْلِهِمْ: زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فَلَا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ:"تَزَوَّجَتْ***** مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، "فَيُقَالُ"******: غَيْرُ كُفْءٍ لَا أَثَرَ لَهُ، فَإِنَّ النِّزَاعَ فِي الْكُفْءِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: الْجَوَازُ، قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ: وَهُوَ الْأَصَحُّ.
والثاني: المنع.
* في "أ": لكونه.
** في "أ": إلى وصف عدم التقد يم.
*** في "أ": لكونه.
**** ما بين قوسين ساقط من "أ".
***** في "أ": زوجت.
****** في "أ": فإن كونه.