الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ سَلِيمٌ الرَّازِيُّ: الشَّافِعِيُّ يُومِئُ إِلَى أَنَّهُ قِيَاسٌ جَلِيٌّ، لَا يَجُوزُ وُرُودَ الشَّرْعِ بِخِلَافِهِ، قَالَ: وَذَهَبَ الْمُتَكَلِّمُونَ بِأَسْرِهِمُ -الْأَشْعَرِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ- إِلَى أَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنَ النُّطْقِ، وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفِرَايِينِيُّ: الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذَاهِبِ أَنَّهُ جارٍ مَجْرَى النُّطْقِ، لَا مَجْرَى "الْقِيَاسِ، وَسَمَّاهُ الْحَنَفِيَّةُ دَلَالَةَ النَّصِّ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ بِقِيَاسٍ وَلَا يُسَمَّى"* دَلَالَةَ النَّصِّ، لَكِنَّ دَلَالَتَهُ لَفْظِيَّةٌ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقِيلَ: إِنَّ الْمَنْعَ مِنَ التَّأْفِيفِ1 مَنْقُولٌ بِالْعُرْفِ عَنْ مَوْضُوعِهِ اللُّغَوِيِّ إِلَى الْمَنْعِ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذَى.
وَقِيلَ: إِنَّهُ فَهْمُ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ، وَعَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مَنْ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ، كَالْغَزَالِيِّ، وَابْنِ الْقُشَيْرِيِّ، وَالْآمِدِيِّ، وَابْنِ الْحَاجِبِ، وَالدَّلَالَةُ عِنْدَهُمْ مَجَازِيَّةٌ، مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ الْأَخَصِّ وَإِرَادَةِ الْأَعَمِّ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ دَلَالَتَهُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ لَا مِنَ الْقِيَاسِ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ: الْقَوْلُ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَنْبَغِي لِلظَّاهِرِيَّةِ أَنْ يُخَالِفُوا فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ السَّمْعِ، وَالَّذِي رَدَّ ذَلِكَ يَرُدُّ نَوْعًا مِنَ الْخِطَابِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ خَالَفَ فِيهِ ابْنُ حَزْمٍ.
قال ابن تيمية: وهو مكابرة.
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
_________
1 أي تحريم التأفيف للوالدين كما في قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ....} سورة الإسراء 23.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ
وَهُوَ حَيْثُ يَكُونُ المسكت عَنْهُ مُخَالِفًا لِلْمَذْكُورِ فِي الْحُكْمِ، إِثْبَاتًا وَنَفْيًا، فَيَثْبُتُ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ نَقِيضُ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ، وَيُسَمَّى دَلِيلَ الْخِطَابِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُ مِنْ جِنْسِ الْخِطَابِ، أَوْ لِأَنَّ الْخِطَابَ دَالٌّ عَلَيْهِ.
قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَهَلِ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الْمَنْطُوقِ وَالْمَسْكُوتِ بِضِدِّ الْحُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ، أَوْ نَقِيضُهُ؟
الْحَقُّ: الثَّانِي.
وَمَنْ تَأَمَّلَ الْمَفْهُومَاتِ وَجَدَهَا كَذَلِكَ.
وَجَمِيعُ مَفَاهِيمِ الْمُخَالَفَةِ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، إِلَّا مَفْهُومَ اللَّقَبِ.
وَأَنْكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ الْجَمِيعَ، وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي "شَرْحِ اللُّمَعِ" عَنِ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ، وَأَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ.
وَأَمَّا الْأَشْعَرِيُّ، فَقَالَ الْقَاضِي: إِنَّ النَّقَلَةَ نَقَلُوا عَنْهُ الْقَوْلَ بِالْمَفْهُومِ، كَمَا نَقَلُوا عَنْهُ نَفْيَ صِيَغِ الْعُمُومِ، وَقَدْ أُضِيفَ إِلَيْهِ خِلَافُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ قَالَ بِمَفْهُومِ الْخِطَابِ.
وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ فِي كِتَابِ "السِّيَرِ"1: أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي خِطَابَاتِ الشَّرْعِ، قَالَ: وَأَمَّا فِي مُصْطَلَحِ النَّاسِ وَعُرْفِهِمْ فَهُوَ حُجَّةٌ، وَعَكَسَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَالَ: هُوَ حُجَّةٌ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِينَ وَغَيْرِهِمْ، كَذَا حَكَاهُ الزَّرْكَشِيُّ.
وَاخْتَلَفَ الْمُثْبِتُونَ لِلْمَفْهُومِ فِي مَوَاضِعَ.
أَحَدُهَا:
هَلْ هُوَ حُجَّةٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ، أَوِ الشَّرْعِ؟
وَفِي ذَلِكَ وَجْهَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ، حَكَاهُمَا "الْمَازِرِيُّ"* وَالرُّويَانِيُّ.
قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ حُجَّةٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ.
وَقَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ: لَا يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ بِحَسْبِ اللُّغَةِ، لَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِحَسْبِ الْعُرْفِ الْعَامِّ.
وَذَكَرَ فِي "الْمَحْصُولِ" فِي بَابِ الْعُمُومِ: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ.
الْمَوْضِعُ الثَّانِي:
اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي تَحْقِيقِ مُقْتَضَاهُ، أَنَّهُ هَلْ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَا الْمَنْطُوقَ بِهِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ مَنْ جِنْسِ الْمُثْبَتِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، أَوْ تَخْتَصُّ دَلَالَتُهُ بِمَا إِذَا كَانَ مَنْ جِنْسَهُ، فَإِذَا قَالَ:"فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ" 2 فَهَلْ نَفَى الزَّكَاةَ عَنِ الْمَعْلُوفَةِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنَ الْإِبِلِ أَوِ الْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ، أَوْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمَعْلُوفَةِ مِنَ الْغَنَمِ؟
وَفِي ذَلِكَ وَجْهَانِ، حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الإسفراييني، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وسليم الرازي، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَالْفَخْرُ الرَّازِيُّ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَالصَّحِيحُ تَخْصِيصُهُ بِالنَّفْيِ عَنْ مَعْلُوفَةِ الْغَنَمِ فقط.
* في "أ": الماوردي.
_________
1 واسمه "السير الكبير" للإمام محمد بن الحسن الشيباني، شرحه شمس الأئمة السرخسي، وهو في جزأين ضخمين، أملاه محبوسا وأنهاه في آخر المحنة في مرغينان ا. هـ كشف الظنون "2/ 1014".
2 تقدم تخريجه في 1/ 393.