الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ حَتَّى: كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ "مَالِكٍ"*، نَحْوَ قوله تعالى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} 1، {حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ} 2، {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} 3 وَلَا يَخْفَى مَا فِي عَدِّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ مِنْ جُمْلَةِ دَلَائِلِ التَّعْلِيلِ مِنَ الضَّعْفِ الظاهر.
وقد عد منها صاحب "التنقيط": لَا جَرَمَ، نَحْوَ:{لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ} 4. وعد أيضًا جميع أدوات الشرط وَالْجَزَاءِ.
وَعَدَّ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْهَا الْوَاوَ. وَفِي هَذَا مِنَ الضَّعْفِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى عارف بمعاني اللغة العربية.
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
_________
1 جزء من الآية 29 من سورة التوبة.
2 جزء من الآية 31 من سورة محمد صلى الله عليه وسلم.
3 جزء من الآية 193 من سورة البقرة.
4 جزء من الآية 62 من سورة النحل.
الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ: الْإِيمَاءُ وَالتَّنْبِيهُ
وَضَابِطُهُ: الِاقْتِرَانُ بِوَصْفٍ، لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ أَوْ نَظِيرُهُ لِلتَّعْلِيلِ لكان بعيدا، فيحمل على التعليل دفعا للاستبعاد.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ ذِكْرَهُ يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ لَا لِفَائِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ لِفَائِدَةٍ، وَهِيَ إِمَّا كَوْنُهُ عِلَّةً، أَوْ جُزْءَ عِلَّةٍ، أو شرطا، "والأطهر"*: كَوْنُهُ عِلَّةً؛ لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ فِي تَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ:
الْأَوَّلُ:
تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى الْعِلَّةِ بِالْفَاءِ، وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَدْخُلَ الْفَاءُ عَلَى الْعِلَّةِ، وَيَكُونَ الْحُكْمُ مُتَقَدِّمًا، كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ:" فَإِنَّهُ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا"1.
ثَانِيهِمَا: أَنْ تَدْخُلَ الْفَاءُ عَلَى الْحُكْمِ، وَتَكُونَ الْعِلَّةُ مُتَقَدِّمَةً، وَذَلِكَ أَيْضًا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ دَخَلَتْ عَلَى كَلَامِ الشَّارِعِ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أيديهما} 2، {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} 3.
* في "أ": وإلا ظهر.
_________
1 تقدم تخريجه 2/ 120.
2 جزء من الآية 38 من سورة المائدة.
3 جزء من الآية 6 من سورة المائدة.
وَثَانِيهِمَا: أَنْ تَدْخُلَ عَلَى رِوَايَةِ الرَّاوِي، كَقَوْلِهِ:"سها رسول الله صلى الله عليه وسلم فَسَجَدَ"1، وَ"زَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ"2، كَذَا فِي "الْمَحْصُولِ" وَغَيْرِهِ.
النَّوْعُ الثَّانِي:
أَنْ يَذْكُرَ الشَّارِعُ مَعَ الْحُكْمِ وَصْفًا، لَوْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً لَعَرَّى عَنِ الْفَائِدَةِ إِمَّا مَعَ سُؤَالٍ فِي مَحَلِّهِ، أَوْ سُؤَالٍ فِي نَظِيرِهِ.
فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ: وَاقَعْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ. فَقَالَ: "اعْتِقْ رَقَبَةً"3. فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوِقَاعَ عِلَّةٌ لِلْإِعْتَاقِ، وَالسُّؤَالٌ مُقَدَّرٌ فِي الْجَوَابِ، كَأَنَّهُ قَالَ: إِذَا وَاقَعْتَ فَكَفِّرْ.
الثَّانِي كَقَوْلِهِ: وَقَدْ سَأَلَتْهُ الْخَثْعَمِيَّةُ: إِنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ الْوَفَاةُ، وَعَلَيْهِ فَرِيضَةُ الْحَجِّ، أَفَيَنْفَعُهُ إِنْ حَجَجْتُ عَنْهُ؟ فَقَالَ:"أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ، أَكَانَ يَنْفَعُهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ4.
فَذَكَرَ نَظِيرَهُ، وَهُوَ دَيْنُ الْآدَمِيِّ، فَنَبَّهَ عَلَى كَوْنِهِ، عِلَّةً فِي النَّفْعِ، وَإِلَّا لَزِمَ الْعَبَثُ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّ شَرْطَ فَهْمِ التَّعْلِيلِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ وَقَعَ جَوَابًا؛ إِذْ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ اسْتِئْنَافًا، لَا جَوَابًا، وَذَلِكَ كَمَنْ تَصَدَّى لِلتَّدْرِيسِ، فَأَخْبَرَهُ تِلْمِيذُهُ بِمَوْتِ السُّلْطَانِ، فَأَمَرَهُ عَقِبَ الْإِخْبَارِ بِقِرَاءَةِ دَرْسِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَعْلِيلِ الْقِرَاءَةِ بِذَلِكَ الْخَبَرِ، بَلِ الْأَمْرُ بِالِاشْتِغَالِ بِمَا هُوَ بِصَدَدِهِ، وَتَرْكِ مَا لَا يَعْنِيهِ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ:
أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ لوصف، نحو قوله صلى الله عليه وسلم:"لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ سَهْمَانِ"5. فَإِنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلِاسْتِحْقَاقِ لِلسَّهْمِ وَالسَّهْمَيْنِ هُوَ الوصف المذكور.
1 أخرجه أبو داود من حديث عمران بن حصين بلفظ: "إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم" كتاب الصلاة، باب سجدتي السهو 1039. الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في التشهد في سجدتي السهو 395. النسائي، في السهو، ذكر الاختلاف على أبي هريرة في السجدتين 3/ 26. الحاكم في المستدرك بلفظ: "صلى بهم فسها في صلاته فسها فسجد سجدتين السهو بعد السلام والكلام، 1/ 323 وسكت عنه الذهبي في التلخيص. ابن حبان في صحيحه 2670.
2 تقدم تخريجه 2/ 73.
3 أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة، كتاب الأدب، باب ما جاء في قول الرجل:"ويلك"6164. بنحوه أبو داود، كتاب الصيام، باب كفارة من أتى أهله في رمضان 2390. والترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في كفارة الفطر في رمضان 724. وابن ماجه، كتاب الصوم، باب ما جاء في كفارة من أفطر يوما في رمضان 1617. والنسائي في الكبرى كما في التحفة 9/ 327. وابن حبان في صحيحه 3524. وأحمد في مسنده 2/ 241.
4 تقديم تخريجه 2/ 100.
5 أخرجه البيهقي من حديث ابن عمر، وقد روي أيضًا من طريق العقبني عن عبد الله العمري بالشك بالفارس أو الفرس، فقال الشافعي في القديم: كأنه سمع نافعا يقول: للفرس سهمين وللرجل سهما، فقال: للفارس سهمين وللراجل سهما وليس يشك أحد من أهل العلم في تقدمة عبيد الله بن عمر على أخيه في الحفظ. انظر البيهقي، كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب ما جاء في سهم الراجل والفارس 6/ 325. ورواه الحاكم في المستدرك، من حديث مجمع بن جارية الأنصاري، في كتاب قسم الفيء قال: حديث كبير صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص 2/ 113
وأخرجه أحمد في مسنده 3/ 420
النَّوْعُ الرَّابِعُ:
أَنْ يَذْكُرَ عَقِبَ الْكَلَامِ أَوْ في سياق شَيْئًا، لَوْ لَمْ يُعَلِّلْ بِهِ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَنْتَظِمِ الْكَلَامُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَذَرُوا الْبَيْعَ} 1؛ لِأَنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ لِبَيَانِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَأَحْكَامِهَا، فَلَوْ لَمْ يُعَلِّلِ النَّهْيَ عَنِ الْبَيْعِ بِكَوْنِهِ مَانِعًا مِنَ الصَّلَاةِ، أَوْ شَاغِلًا عَنِ الْمَشْيِ إِلَيْهَا؛ لَكَانَ ذِكْرُهُ عَبَثًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ مُطْلَقًا.
النَّوْعُ الْخَامِسُ:
رَبْطُ الْحُكْمِ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ، فَإِنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِهِ مُشْعِرٌ بِالْعِلِّيَّةِ، نَحْوَ: أَكْرِمْ زَيْدًا الْعَالِمَ، فَإِنَّ ذِكْرَ الْوَصْفِ الْمُشْتَقِّ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْإِكْرَامَ لِأَجْلِ الْعِلْمِ.
النَّوْعُ السَّادِسُ:
تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} 2. أَيْ: لِأَجْلِ تَقْوَاهُ، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} 3. أَيْ: لِأَجْلِ تَوَكُّلِهِ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَتَعَقَّبُ الشَّرْطَ.
النَّوْعُ السَّابِعُ:
تَعْلِيلُ عَدَمِ الْحُكْمِ بِوُجُودِ الْمَانِعِ مِنْهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ} 4. {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} 5، {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} 6.
النَّوْعُ الثَّامِنُ:
إِنْكَارُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقِ الْخَلْقَ لِفَائِدَةٍ، وَلَا لِحِكْمَةٍ بِقَوْلِهِ:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} 7، وَقَوْلِهِ:{أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} 8، وَقَوْلِهِ:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} 9.
النَّوْعُ التَّاسِعُ:
إِنْكَارُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ، وَيُفَرِّقَ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلِينَ.
فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِهِ: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} 10.
وَالثَّانِي: كَقَوْلِهِ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} 11
1 جزء من الآية 9 من سورة الجمعة.
2 جزء من الآية 2 من سورة الطلاق.
3 جزء من الآية 3 من سورة الطلاق.
4 جزء من الآية 33 من سورة الزخرف.
5 جزء من الآية 27 من سورة الشورى.
6 جزء من الآية 44 من سورة فصلت.
7 جزء من الآية 115 من سورة المؤمنون.
8 جزء من الآية 36 من سورة القيامة.
9 جزء من الآية 85 من سورة الحجر
10 الآية 35 من سورة القلم.
11 جزء من الآية 71 من سورة التوبة.