الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طَلَبِهِ أَوْ لَا يُقصر، فَإِنْ وَجَدَهُ وَحَكَمَ بِمُقْتَضَاهُ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمُقْتَضَاهُ، فَإِنْ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ بِوَجْهِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ، فَهُوَ مُخْطِئٌ وَآثِمٌ، وِفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْعِلْمِ، وَلَكِنْ قَصَّرَ فِي الْبَحْثِ عَنْهُ، فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ، بَلْ بَالَغَ في الاستشكاف وَالْبَحْثِ، وَلَمْ يَعْثُرْ عَلَى وَجْهِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ "مَا إِذَا لَمْ"* يَجِدْهُ، مَعَ الطَّلَبِ الشَّدِيدِ وَسَيَأْتِي1.
وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ، فإن كان "للتقصير"** فِي الطَّلَبِ فَهُوَ مُخْطِئٌ وَآثِمٌ، وَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ بَلْ بَالَغَ فِي التَّنْقِيبِ عَنْهُ، وَأَفْرَغَ الْوُسْعَ فِي طَلَبِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَجِدْهُ، فَإِنْ خَفِيَ عَلَيْهِ الرَّاوِي الَّذِي عِنْدَهُ النَّصُّ، أو عرفه و"لكن"*** مَاتَ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَيْهِ فَهُوَ غَيْرُ آثِمٍ قَطْعًا، وَهَلْ هُوَ مُخْطِئٌ أَوْ مُصِيبٌ، عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ، وَالْأَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ مُخْطِئًا، وَأَمَّا "الَّتِي لَا نَصَّ"**** فِيهَا، فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: لِلَّهِ فِيهَا قَبْلَ اجتهاد المجتهد حكم معين أو لا، بَلْ "حُكْمُهُ"***** تَابِعٌ لِاجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِينَ، فَهَذَا الثَّانِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ، كَالشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، وَالْقَاضِي، وَالْغَزَالِيِّ، وَالْمُعْتَزِلَةِ، كَأَبِي الْهُذَيْلِ، وَأَبِي عَلِيٍّ، وأبي هاشم، وأتباعهم، وَنُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُمَا خِلَافُهُ.
فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْوَاقِعَةِ حُكْمٌ مُعَيَّنٌ، فَهَلْ وُجِدَ فِيهَا مَا لَوْ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا بِحُكْمٍ، لَمَا حُكِمَ إِلَّا بِهِ، أَوْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْقَوْلُ بِالْأَشْبَهِ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُصَوِّبِينَ، وَإِلَيْهِ صَارَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وابن سريج، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، قَالَ: وَأَمَّا الثَّانِي: فقول الخلص من المصوبة. انتهى.
* في "أ": ما لم.
** في "ب": التصير.
*** ما بين قوسين ساقط من "أ".
**** في "أ": التخيير يقال.
*****في "أ": إجماع و.
_________
1 انظر الصفحة: 237.
المسألة الثامنة: أنه لا يجوز أن يكون للمجتهد في مسألة واحدة قولان متناقضان في وقت واحد
…
المسألة الثامنة: لا يجوز أن يكون للمجتهد فِي مَسْأَلَةٍ قَوْلَانِ مُتَنَاقِضَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ
لا يجوز أن يكون للمجتهد فِي مَسْأَلَةٍ قَوْلَانِ مُتَنَاقِضَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُمَا إِنْ تَعَادَلَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ وَلَا التَّرْجِيحُ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْوَقْفُ، وَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَصِيرُ إِلَى الصُّورَةِ الْجَامِعَةِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، تعين عليه الأخذ به، وبهذا تعلم امْتِنَاعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قَوْلَانِ مُتَنَاقِضَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ شَخْصٍ وَاحِدٍ.
وَأَمَّا فِي وَقْتَيْنِ فَجَائِزٌ، لِجَوَازِ تَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ، وَظُهُورِ مَا هُوَ أَوْلَى، بِأَنْ يَأْخُذَ بِهِ "وَيَدَعَ"* مَا كَانَ قَدْ أَخَذَ بِهِ.
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَخْصَيْنِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذْهَبَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ، عِنْدَ تَعَادُلِ الْأَمَارَتَيْنِ، فَمَنْ قَالَ بِالتَّخْيِيرِ جَوَّزَ ذَلِكَ لَهُ. وَمَنْ قَالَ بالوقف لم يجوز.
فإن كان لمجتهد قولان واقعان في وقتين فالقول الآخر رجوع عن القول الأول بدلالته على تغيير اجتهاده الأول.
وإذا أَفْتَى الْمُجْتَهِدُ مَرَّةً بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، ثُمَّ سُئِلَ ثَانِيًا عَنْ تِلْكَ الْحَادِثَةِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَاكِرًا لِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ أَوْ لَا يَكُونُ ذَاكِرًا، فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا جَازَ لَهُ الْفَتْوَى بِهِ، وَإِنْ نَسِيَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الِاجْتِهَادَ، فَإِنْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى خِلَافِ فَتْوَاهُ فِي الْأَوَّلِ أَفْتَى بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ ثَانِيًا، وَإِنْ "أَدَّاهُ"** إِلَى مُوَافَقَةِ مَا قد أفتى به أو لا "أَفْتَى بِهِ"*** وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْنِفِ الِاجْتِهَادَ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفَتْوَى.
قَالَ الرَّازِيُّ فِي "الْمَحْصُولِ": وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الطَّرِيقَ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ كَانَ طَرِيقًا قَوِيًّا، حَصَلَ لَهُ الْآنَ ظَنٌّ أَنَّ ذَلِكَ الْقَوِيَّ حَقٌّ، جَازَ لَهُ الْفَتْوَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالظَّنِّ وَاجِبٌ، وَأَمَّا إِذَا حَكَمَ الْمُجْتَهِدُ بِاجْتِهَادِهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ إِذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، وَتَرَجَّحَ لَهُ مَا يُخَالِفُ الِاجْتِهَادَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى عَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَهَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ باجتهاده مَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ آخَرُ بِاجْتِهَادِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى ذَلِكَ، وَيَتَسَلْسَلُ، وَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ نَصْبِ الْحُكَّامِ، وَهِيَ فَصْلُ الْخُصُومَاتِ، مَا لَمْ يَكُنْ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا لِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، فَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلدَّلِيلِ الْقَاطِعِ نَقَضَهُ اتِّفَاقًا، وَإِذَا حَكَمَ الْمُجْتَهِدُ بِمَا يُخَالِفُ اجْتِهَادَهُ، فَحُكْمُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَبِّدٌ بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ بِمَا يُخَالِفُهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مُجْتَهِدًا آخَرَ، فِيمَا يُخَالِفُ اجْتِهَادَهُ، بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ مُطْلَقًا، إِذَا كَانَ قَدِ اجْتَهَدَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى حُكْمٍ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا.
وَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يَجْتَهِدَ، فَالْحَقُّ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ آخَرَ مُطْلَقًا.
وَقِيلَ: يَجُوزُ لَهُ فِيمَا يَخُصُّهُ مِنَ الْأَحْكَامِ، لَا فِيمَا لَا يَخُصُّهُ، فَلَا يَجُوزُ.
وَقِيلَ: يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ.
وَقِيلَ: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مُجْتَهِدًا مِنْ مُجْتَهِدِي الصَّحَابَةِ.
وَلِأَهْلِ الْأُصُولِ فِي هَذِهِ الْمَبَاحِثِ كلام طويل، وليست محتاجة إلى التطوير، فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهَا لَا مُسْتَنَدَ لَهُ إِلَّا محض الرأي.
* في "أ": مما كان. والزيادة التي بين قوسين هي من وضع محقق النسخة "ب".
** في "أ": أدى.
*** ما بين قوسين ساقط من "أ".