الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفس الأمر من أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا، أَوْ شَبَهًا، أَوْ طَرْدًا، "لِأَنَّهُ"* إِمَّا إِنْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَصْلَحَةٍ أَوْ لَا، فَإِنِ اشْتَمَلَ عَلَى مَصْلَحَةٍ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُنْضَبِطَةً لِلْفَهْمِ أَوْ كُلِّيَّةً لَا تَنْضَبِطُ.
فَالْأَوَّلُ:
الْمُنَاسَبَةُ.
وَالثَّانِي:
الشَّبَهُ.
وَإِنْ لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَصْلَحَةٍ أَصْلًا فَهُوَ الطَّرْدُ الْمَرْدُودُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مُنَاسِبَةٌ أَوْ شَبَهٌ "يَعْنِي لُغِيَ"** السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ، وَإِنْ كَانَ عُرْيًا عَنِ الْمُنَاسَبَةِ قطعا، لم ينفع السبر والتقسيم أيضًا1.
* في "أ": لا أنه.
** ما بين قوسين ساقط من "أ".
_________
1 انظر البحر المحيط 5/ 227. فواتح الرحموت 2/ 299-300.
المسلك السادس: المناسبة
مدخل
…
الْمَسْلَكُ السَّادِسُ: الْمُنَاسَبَةُ
وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْإِخَالَةِ، وَبِالْمَصْلَحَةِ، وَبِالِاسْتِدْلَالِ، وَبِرِعَايَةِ الْمَقَاصِدِ، وَيُسَمَّى اسْتِخْرَاجُهَا: تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ وَهِيَ عُمْدَةُ كِتَابِ الْقِيَاسِ، وَمَحَلُّ غُمُوضِهِ وَوُضُوحِهِ.
وَمَعْنَى الْمُنَاسَبَةِ: هِيَ تَعْيِينُ الْعِلَّةِ بِمُجَرَّدِ إِبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ، مَعَ السَّلَامَةِ عَنِ الْقَوَادِحِ، لَا بِنَصٍّ وَلَا غَيْرِهِ.
وَالْمُنَاسَبَةُ فِي اللُّغَةِ: الْمُلَاءَمَةُ، وَالْمُنَاسِبُ الْمُلَائِمُ.
قَالَ فِي "الْمَحْصُولِ": النَّاسُ ذَكَرُوا فِي تَعْرِيفِ الْمُنَاسِبِ شَيْئَيْنِ:
الْأَوَّلُ:
أَنَّهُ الْمُفْضِي إِلَى مَا يُوَافِقُ الْإِنْسَانَ تَحْصِيلًا وَإِبْقَاءً، وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ التَّحْصِيلِ بِجَلْبِ الْمَنْفَعَةِ، وَعَنِ الْإِبْقَاءِ بِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ لِأَنَّ مَا قُصِدَ إِبْقَاؤُهُ فَإِزَالَتُهُ مَضَرَّةٌ، وَإِبْقَاؤُهُ دَفْعٌ لِلْمَضَرَّةِ.
ثُمَّ هَذَا التَّحْصِيلُ وَالْإِبْقَاءُ، قَدْ يَكُونُ مَعْلُومًا، وَقَدْ يَكُونُ مَظْنُونًا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ دِينِيًّا أَوْ دُنْيَوِيًّا.
وَالْمَنْفَعَةُ عِبَارَةٌ عَنِ اللَّذَّةِ، أَوْ مَا يَكُونُ طَرِيقًا إِلَيْهَا، وَالْمَضَرَّةُ عِبَارَةٌ عَنِ الْأَلَمِ، أَوْ مَا يَكُونُ طَرِيقًا إِلَيْهِ، وَاللَّذَّةُ قِيلَ فِي حَدِّهَا: إِنَّهَا إِدْرَاكُ الْمُلَائِمِ، وَالْأَلَمُ: إِدْرَاكُ الْمُنَافِي.
وَالصَّوَابُ عِنْدِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَحْدِيدُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَظْهَرِ مَا يَجِدُهُ الْحَيُّ مِنْ نَفْسِهِ، وَيُدْرِكُ بِالضَّرُورَةِ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ يُتَعَذَّرُ تَعْرِيفُهُ بِمَا هُوَ أَظْهَرُ مِنْهُ.
الثَّانِي:
أَنَّهُ الْمُلَائِمُ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ فِي الْعَادَاتِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: هَذِهِ اللُّؤْلُؤَةُ تُنَاسِبُ هَذِهِ اللُّؤْلُؤَةَ
في الجمع بينها فِي سِلْكٍ وَاحِدٍ مُتَلَائِمٍ. انْتَهَى.
وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي تَعْرِيفِهَا الْقَائِلُونَ بِمَنْعِ تَعْلِيلِ أَفْعَالِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِالْأَغْرَاضِ، وَالْقَائِلُونَ بِتَعْلِيلِهَا بِهَا.
فَالْأَوَّلُونَ قَالُوا: إِنَّهَا الْمُلَائِمُ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ فِي الْعَادَاتِ، أَيْ: مَا يَكُونُ بِحَيْثُ يَقْصِدُ الْعُقَلَاءُ تَحْصِيلَهُ عَلَى مَجَارِي الْعَادَةِ بِتَحْصِيلٍ مَقْصُودٍ مَخْصُوصٍ.
وَالْآخَرُونَ قَالُوا: إنها ما تجلب للإنسان نفع، أو تدفع عنه ضرا1.
وَقِيلَ: هِيَ مَا لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ تلقته بالقبول، كذا قال الدبوسي.
وقيل: وَعَلَى هَذَا فَإِثْبَاتُهَا عَلَى الْخَصْمِ مُتَعَذَّرٌ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَقُولُ: عَقْلِي لَا يَتَلَقَّى هَذَا بِالْقَبُولِ، ومن ثم قال الدبسوي: هُوَ حُجَّةٌ لِلنَّاظِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَابِرُ نَفْسَهُ: لا للمناظر.
قال الغزالي: والحق بأنه يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ عَلَى الْجَاحِدِ بِتَبْيِينِ مَعْنَى الْمُنَاسَبَةِ عَلَى وَجْهٍ مَضْبُوطٍ، فَإِذَا أَبْدَاهُ الْمُعَلِّلُ فَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى جَحْدِهِ. انْتَهَى.
وَهَذَا صَحِيحٌ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ إِلَّا ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إِنَّ الْمُنَاسِبَ وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ يَحْصُلُ عَقْلًا مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا مِنْ حُصُولِ مَصْلَحَةٍ وَدَفْعِ مَفْسَدَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْوَصْفُ خَفِيًّا، أَوْ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ اعْتُبِرَ مَلَازِمُهُ، وَهُوَ الْمَظِنَّةُ؛ لِأَنَّ الْغَيْبَ لا يعرف الغيب، كالسفر للمشقة، والفعل المقضي عُرْفًا عَلَيْهِ بِالْعَمْدِ فِي الْعَمْدِيَّةِ.
قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي مَاهِيَّةِ الْمُنَاسَبَةِ مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْهُ، وَهُوَ اقْتِرَانُ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ مَاهِيَّةِ الْمُنَاسِبِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقَالُ: الْمُنَاسَبَةُ مَعَ الِاقْتِرَانِ دَلِيلُ الْعِلَّةِ، وَلَوْ كَانَ الِاقْتِرَانُ دَاخِلًا فِي الْمَاهِيَّةِ لَمَا صَحَّ هَذَا.
وَأَيْضًا فَهُوَ غَيْرُ جَامِعٍ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ "بِالظَّاهِرَةِ"* الْمُنْضَبِطَةِ جَائِزٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ قَائِلُ هَذَا الْحَدِّ، وَالْوَصْفِيَّةُ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ فِيهَا مَعَ تَحَقُّقِ الْمُنَاسَبَةِ.
وَقَدِ احْتَجَّ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى إِفَادَتِهَا لِلْعِلِّيَّةِ بِتَمَسُّكِ الصَّحَابَةِ بِهَا، فَإِنَّهُمْ يُلْحِقُونَ غَيْرَ الْمَنْصُوصِ بِالْمَنْصُوصِ، إِذَا غَلَبَ على "ظنهم"** أنه يُضَاهِيَهُ لِمَعْنًى أَوْ يُشْبِهَهُ.
وَرُدَّ2 بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ إِلَيْنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَمَسَّكُونَ بِكُلِّ ظَنٍّ غَالِبٍ، فَلَا يَبْعُدُ التَّعَبُّدُ مَعَ نَوْعٍ مِنَ الظَّنِّ الْغَالِبِ، وَنَحْنُ "لَا" *** نَعْلَمُ ذَلِكَ النَّوْعَ.
ثُمَّ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: فَالْأَوْلَى الِاعْتِمَادُ عَلَى العمومات الدالة على الأمر بالقياس.
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
** في "أ": ظنه.
*** ما بين القوسين ساقط من "أ".
_________
1 انظر البحر المحيط 5/ 206. وميزان الأصول 2/ 864.
2 قال الزركشي في البحر ورده في الرسالة البهائية. البحر المحيط 5/ 207.