الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع: في الاستدلال
مدخل
…
الْفَصْلُ السَّابِعُ: فِي الِاسْتِدْلَالِ
وَهُوَ فِي اصْطِلَاحِهِمْ، مَا لَيْسَ بِنَصٍّ، وَلَا إِجْمَاعٍ، وَلَا قِيَاسٍ.
لَا يُقَالُ: هَذَا مِنْ تَعْرِيفِ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ بِبَعْضٍ، وَهُوَ تَعْرِيفٌ بِالْمُسَاوِي، فِي الْجَلَاءِ وَالْخَفَاءِ، بَلْ هُوَ تَعْرِيفٌ لِلْمَجْهُولِ بِالْمَعْلُومِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ الْعِلْمُ بِالنَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ، وَالْقِيَاسِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَنْوَاعِهِ: فَقِيلَ هِيَ ثَلَاثَةٌ:
الْأَوَّلُ: التَّلَازُمُ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ، مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ عِلَّةٍ، وَإِلَّا كَانَ قِيَاسًا.
الثَّانِي: اسْتِصْحَابُ الْحَالِ.
الثَّالِثُ: شَرْعُ مَنْ قبلنا.
قال الْحَنَفِيَّةُ: وَمِنْ أَنْوَاعِهِ نَوْعٌ رَابِعٌ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ.
وَقَالَتِ الْمَالِكِيَّةُ: وَمِنْ أَنْوَاعِهِ نَوْعٌ خَامِسٌ، وَهُوَ الْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ.
وَسَنُفْرِدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ بَحْثًا، وَنُلْحِقُ بِهَا فَوَائِدَ، لِاتِّصَالِهَا بِهَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: فِي التَّلَازُمِ
وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:
لِأَنَّ التَّلَازُمَ إِنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ حُكْمَيْنِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِمَّا مُثْبَتٌ أَوْ مَنْفِيٌّ، وَحَاصِلُهُ: إِذَا كَانَ تَلَازُمَ تساوٍ فَثُبُوتُ كُلٍّ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْآخَرِ، وَنَفْيُهُ نَفْيُهُ، وَإِنْ كَانَ مُطْلَقَ اللُّزُومِ، فَثُبُوتُ الْمَلْزُومِ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ اللَّازِمِ، مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، وَنَفْيُ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْمَلْزُومِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ "وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ انْفِصَالٌ حَقِيقِيٌّ فَثُبُوتُ كلٍّ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْآخَرِ، وَنَفْيُهُ ثُبُوتُهُ، وَإِنْ كَانَ مَنْعَ جَمْعٍ، فَثُبُوتُ كلٍّ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، وَإِنْ كَانَ مَنْعَ خُلُوٍّ فَنَفْيُ كلٍّ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ"*.
وَخُلَاصَةُ هذا البحث يرجع إلى الاستدلال بالأقسية الِاسْتِثْنَائِيَّةِ، وَالِاقْتِرَانِيَّةِ.
قَالَ الْآمِدِيُّ: وَمِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِدْلَالِ قَوْلُهُمْ: وُجِدَ السَّبَبُ وَالْمَانِعُ أَوْ فُقِدَ الشَّرْطُ.
ومنها: انتفاء الحكم لانتفاء مدركه.
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
وَمِنْهَا: الدَّلِيلُ الْمُؤَلَّفُ مِنْ أَقْوَالٍ، يَلْزَمُ مِنْ تَسْلِيمِهَا لِذَاتِهَا قَوْلٌ آخَرُ، ثُمَّ قَسَّمَهُ إِلَى الِاقْتِرَانِيِّ وَالِاسْتِثْنَائِيِّ، وَذَكَرَ الْأَشْكَالَ الْأَرْبَعَةَ وَشُرُوطَهَا، وَضُرُوبَهَا. انْتَهَى. فَلْيُرْجَعْ فِي هَذَا الْبَحْثِ إِلَى ذَلِكَ الْفَنِّ.
وَإِذَا كَانَ هَذَا لَا يَجْرِي إِلَّا فِيمَا فِيهِ تَلَازُمٌ، أَوْ تَنَافٍ، فَالتَّلَازُمُ: إِمَّا أن يكون طردا أو عكسا، أي: من الطَّرَفَيْنِ، أَوْ طَرْدًا لَا عَكْسًا، أَيْ: مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ، وَالتَّنَافِي لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، لَكِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ طَرْدًا وَعَكْسًا، أَيْ: إِثْبَاتًا وَنَفْيًا، وَإِمَّا طَرْدًا فَقَطْ، أَيْ: إِثْبَاتًا، وَإِمَّا عَكْسًا فَقَطْ، أَيْ: نَفْيًا.
الْأَوَّلُ:
الْمُتَلَازِمَانِ طَرْدًا وَعَكْسًا، وَذَلِكَ كَالْجِسْمِ وَالتَّأْلِيفِ؛ إِذْ كُلُّ جِسْمٍ مُؤَلَّفٌ، وَكُلُّ مُؤَلَّفٍ جِسْمٌ، وَهَذَا يَجْرِي فِيهِ التَّلَازُمُ بَيْنَ الثُّبُوتَيْنِ، وَبَيْنَ النفيين، كلامهما طَرْدًا وَعَكْسًا، كُلَّمَا كَانَ جِسْمًا كَانَ مُؤَلَّفًا، وَكُلَّمَا كَانَ مُؤَلَّفًا كَانَ جِسْمًا، وَكُلَّمَا لَمْ يَكُنْ مُؤَلَّفًا لَمْ يَكُنْ جِسْمًا، وَكُلَّمَا لَمْ يَكُنْ جِسْمًا لَمْ يَكُنْ مُؤَلَّفًا.
الثَّانِي:
الْمُتَلَازِمَانِ طَرْدًا فَقَطْ، كَالْجِسْمِ وَالْحُدُوثِ؛ إِذْ كُلُّ جِسْمٍ حَادِثٌ، وَلَا يَنْعَكِسُ فِي الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، فَهَذَا يَجْرِي فِيهِ التَّلَازُمُ بَيْنَ الثُّبُوتَيْنِ طَرْدًا فَيَصْدُقُ كُلَّمَا كَانَ جِسْمًا كَانَ حَادِثًا، لَا عَكْسًا، فَلَا يَصْدُقُ كُلَّمَا كَانَ حَادِثًا كَانَ جِسْمًا، وَيَجْرِي فِيهِ التَّلَازُمُ بَيْنَ النَّفْيَيْنِ، عَكْسًا، فَيَصْدُقُ كُلَّمَا لَمْ يَكُنْ حَادِثًا لَمْ يَكُنْ جِسْمًا، لَا طَرْدًا، فَلَا يَصْدُقُ كُلَّمَا لَمْ يَكُنْ جِسْمًا لَمْ يَكُنْ حَادِثًا.
الثَّالِثُ:
الْمُتَنَافِيَانِ طَرْدًا وَعَكْسًا، كَالْحُدُوثِ وَوُجُوبِ الْبَقَاءِ، فَإِنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي ذَاتٍ، فَتَكُونُ حَادِثَةً وَاجِبَةَ الْبَقَاءِ، وَلَا يَرْتَفِعَانِ، فَيَكُونُ قَدِيمًا غَيْرَ وَاجِبِ الْبَقَاءِ، فَهَذَا يَجْرِي فِيهِ التَّلَازُمُ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالنَّفْيِ، وَبَيْنَ النَّفْيِ وَالثُّبُوتِ، طَرْدًا وَعَكْسًا، أَيْ: مِنَ الطَّرَفَيْنِ فَيَصْدُقُ لَوْ كَانَ حَادِثًا لَمْ يَجِبْ بَقَاؤُهُ، ولو وجب بقاؤه لم يكن حادثا، ولو لَمْ يَكُنْ حَادِثًا فَلَا يَجِبُ بَقَاؤُهُ، وَلَوْ لَمْ يَجِبْ بَقَاؤُهُ فَلَا يَكُونُ حَادِثًا.
الرَّابِعُ:
الْمُتَنَافِيَانِ طَرْدًا لَا عَكْسًا، إِي: إِثْبَاتًا لَا نَفْيًا، كَالتَّأْلِيفِ وَالْقِدَمِ؛ إِذْ لَا يَجْتَمِعَانِ، فَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ هُوَ مُؤَلَّفٌ وَقَدِيمٌ، لَكِنَّهُمَا قَدْ يَرْتَفِعَانِ، كَالْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ، وَهَذَا يَجْرِي فِيهِ التَّلَازُمُ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالنَّفْيِ، طَرْدًا وَعَكْسًا، أَيْ: مِنَ الطَّرَفَيْنِ، فَيَصْدُقُ كُلَّمَا كَانَ جِسْمًا لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا، وَكُلَّمَا كَانَ قَدِيمًا "لَمْ يَكُنْ جِسْمًا، وَلَا يَصْدُقُ كُلَّمَا كَانَ جِسْمًا لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا، وَكُلَّمَا كَانَ قَدِيمًا"* كَانَ جِسْمًا.
الْخَامِسُ:
الْمُتَنَافِيَانِ عَكْسًا، أَيْ: نَفْيًا، كَالْأَسَاسِ وَالْخَلَلِ، فَإِنَّهُمَا لَا يَرْتَفِعَانِ، فَلَا يُوجَدُ مَا لَيْسَ لَهُ أَسَاسٌ، وَلَا يَخْتَلُّ، وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي كُلِّ مَا لَهُ أَسَاسٌ قَدْ يَخْتَلُّ بوجه آخر، وهذا يجري
* ما بين قوسين ساقط من "أ".