الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْهَا الَّذِي يَقَعُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا1.
وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ، فَقِيلَ: هُوَ النَّصُّ الدَّالُّ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ2، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَالْمُعْتَزِلَةُ.
وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: هُوَ مَحَلُّ الْحُكْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.
قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ: الْأَصْلُ هُوَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ، بِاعْتِبَارِ تَفَرُّعِ الْعِلَّةِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمُ ابْنُ بَرْهَانَ: إِنَّ هَذَا النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ، يَرْجِعُ إِلَى الِاصْطِلَاحِ، فَلَا مُشَاحَّةَ3 فِيهِ، أَوْ إِلَى اللُّغَةِ "فَهُوَ يَجُوزُ"* إِطْلَاقُهُ عَلَى ما ذكر4، بَلْ يَرْجِعُ إِلَى تَحْقِيقِ الْمُرَادِ بِالْأَصْلِ، وَهُوَ يُطْلَقُ تَارَةً عَلَى الْغَالِبِ، وَتَارَةً عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، كَقَوْلِهِمُ: الْأَصْلُ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ، وَتَارَةً عَلَى إِرَادَةِ التَّعَبُّدِ الَّذِي لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، كَقَوْلِهِمْ: خُرُوجُ النَّجَاسَةِ مِنْ مَحَلٍّ، وَإِيجَابُ الطَّهَارَةِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ.
قَالَ الْآمِدِيُّ: يُطْلَقُ الْأَصْلُ عَلَى مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَعَلَى مَا يُعْرَفُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ "لَمْ"** يُبْنَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، كَقَوْلِنَا: تَحْرِيمُ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ أَصْلٌ. وَهَذَا مَنْشَأُ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي تَحْرِيمِ النَّبِيذِ الْخَمْرُ أَوِ النَّصُّ، أَوِ الْحُكْمُ. قَالَ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ أَصْلًا. انْتَهَى.
وَعَلَى الْجُمْلَةِ: إِنَّ الْفُقَهَاءَ يُسَمُّونَ مَحَلَّ الْوِفَاقِ أَصْلًا، وَمَحَلَّ الْخِلَافِ فَرْعًا، وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحَاتِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِتَطْوِيلِ الْبَحْثِ فِي هَذَا كَثِيرُ فَائِدَةٍ.
فَالْأَصْلُ: هُوَ الْمُشَبَّهُ بِهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا لِمَحَلِّ الْحُكْمِ، لَا لِنَفْسِ الْحُكْمِ، وَلَا لِدَلِيلِهِ.
وَالْفَرْعُ: هُوَ الْمُشَبَّهُ، لَا لِحُكْمِهِ.
وَالْعِلَّةُ: هِيَ الْوَصْفُ الْجَامِعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ.
وَالْحُكْمُ: هُوَ ثَمَرَةُ الْقِيَاسِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا ثَبَتَ لِلْفَرْعِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لأصله.
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
** في "أ": ولم.
_________
1 ذكر الزركشي هذه الأقسام في كتابه "البحر المحيط" مفصلة فانظرها 5/ 75.
2 مثاله خبر الواحد في تحريم الربا. انظر البحر المحيط 5/ 75.
3 يقال: هما يتشاحان على أمر: إذا يتنازعاه؛ وتشاح الخصمان في الجدل، كذلك لسان العرب: مادة شحَّ.
4 انظر البحر المحيط للزركشي 5/ 76
شروط القياس المعتبرة في المقيس عليه
…
الشروط الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْأَصْلِ:
وَلَا يَكُونُ الْقِيَاسُ صَحِيحًا إِلَّا بِشُرُوطٍ اثْنَيْ عَشَرَ، لَا بُدَّ مِنِ اعْتِبَارِهَا فِي الْأَصْلِ.
الْأَوَّلُ:
أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الَّذِي أُرِيدَ تَعْدِيَتُهُ إِلَى الْفَرْعِ، ثَابِتًا فِي الْأَصْلِ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا.
فِيهِ بِأَنْ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ حُكْمٌ ابْتِدَاءً، أو شرع ونسخ ولم يمكن بناء الفرع عليه.
الثاني:
أن يكن الْحُكْمُ الثَّابِتُ فِي الْأَصْلِ شَرْعِيًّا، فَلَوْ كَانَ عَقْلِيًّا أَوْ لُغَوِيًّا لَمْ يَصِحَّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَحْثَنَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ.
وَاخْتَلَفُوا: هَلْ يَثْبُتُ الْقِيَاسُ عَلَى النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ مَا كَانَ قَبْلَ الشَّرْعِ؟
فَمَنْ قَالَ: إِنَّ نَفْيَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، جَوَّزَ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَمْ يُجَوِّزِ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ.
الثَّالِثُ:
أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ سَمْعِيَّةً؛ لِأَنَّ مَا لَمْ تَكُنْ طَرِيقُهُ سَمْعِيَّةً لَا يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَهَذَا عِنْدَ مَنْ يَنْفِي التَّحْسِينَ وَالتَّقْبِيحَ العقلين، لا عند من يثبتها.
الرَّابِعُ:
أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِالنَّصِّ، وَهُوَ الْكِتَابُ أَوِ السُّنَّةُ. وَهَلْ يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَى الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ أَوِ الْمُخَالَفَةِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ، وَيَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ قُلْنَا إِنَّ حُكْمَهُمَا "حُكْمُ"* النُّطْقِ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ قُلْنَا: كَالْقِيَاسِ "فَيَلْحَقُ"** بِهِ. انْتَهَى1.
وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ بِهِمَا الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ، كَمَا يُثْبِتُهُمَا بِالْمَنْطُوقِ.
وَأَمَّا مَا ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ وَحَكَاهُ ابْنُ بَرْهَانَ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالثَّانِي عَدَمُ الْجَوَازِ مَا لَمْ يُعْرَفِ النَّصُّ الَّذِي أَجْمَعُوا لِأَجْلِهِ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ أَصْلٌ فِي إِثْبَاتِ الْأَحْكَامِ، كَالنَّصِّ، فَإِذَا جَازَ الْقِيَاسُ عَلَى الثَّابِتِ بِالنَّصِّ، جَازَ عَلَى الثَّابِتِ بِالْإِجْمَاعِ.
الخامس:
أن لا يكون الأصل الْمَقِيسِ عَلَيْهِ فَرْعًا لِأَصْلٍ آخَرَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ فَأَجَازُوهُ.
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى الْمَنْعِ؛ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْجَامِعَةَ بَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ إِنِ اتَّحَدَتْ كَانَ ذِكْرُ الْأَصْلِ الثَّانِي تَطْوِيلًا بِلَا فَائِدَةٍ، فَيُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقِيَاسِ الْفَرْعِ الثَّانِي عَلَى الْأَصْلِ الْأَوَّلِ، وَإِنِ اختلفت لم
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
** في "أ": فيلتحقان.
_________
1 انظر: البحر المحيط، 5/ 83.
ينعقد القياس الثاني، لعدم اشْتِرَاكِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ.
وَقَسَّمَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إِلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنَ الثَّابِتِ بِالْقِيَاسِ نَفْسُ الْمَعْنَى، الَّذِي ثَبَتَ بِهِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، قَالَ: وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْهُ مَعْنًى غَيْرُ الْمَعْنَى الَّذِي قِيسَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَيُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَهَذَا فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَبِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ: الْجَوَازُ.
وَالثَّانِي: وَبِهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ: الْمَنْعُ، وَهُوَ الَّذِي يَصِحُّ "عِنْدِي"* الْآنَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى إِثْبَاتِ حُكْمٍ فِي الْفَرْعِ بِغَيْرِ عِلَّةِ الْأَصْلِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي "الْقَوَاطِعِ"، وَلَمْ يَذْكُرِ الْغَزَالِيُّ غَيْرَهُ.
السَّادِسُ:
أَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُ حُكْمِ الْأَصْلِ شَامِلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ، أَمَّا لَوْ كَانَ شَامِلًا لَهُ، خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ فَرْعًا، وَكَانَ الْقِيَاسُ ضَائِعًا، لِخُلُوِّهِ عَنِ الْفَائِدَةِ بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِدَلِيلِ الْأَصْلِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَكُونُ جَعْلُ أَحَدِهِمَا أَصْلًا وَالْآخَرِ فَرْعًا أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ.
السَّابِعُ:
أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ احْتِيجَ إِلَى إِثْبَاتِهِ أَوَّلًا، وَجَوَّزَ جَمَاعَةٌ الْقِيَاسَ عَلَى الْأَصْلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي نَفْسِهِ لَا يُشْتَرَطُ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ فِي جَوَازِ التَّمَسُّكِ بِهِ، فَسُقُوطُ ذَلِكَ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ أَوْلَى.
وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَصْلِ، فَشَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَتَّفِقَ عَلَيْهِ الْخَصْمَانِ فَقَطْ، لِيَنْضَبِطَ فَائِدَةُ الْمُنَاظَرَةِ.
وَشَرَطَ آخَرُونَ أَنْ يَتَّفِقَ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَاخْتَارَ فِي "الْمُنْتَهَى" أَنَّ الْمُعْتَرِضَ إِنْ كَانَ مُقَلِّدًا لَمْ يَشْتَرِطِ الْإِجْمَاعَ؛ إِذْ لَيْسَ لَهُ مَنْعُ مَا ثَبَتَ مَذْهَبًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا اشْتَرَطَ الْإِجْمَاعَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُقْتَدِيًا بِإِمَامٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، وَلَا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ جَازَ أَنْ يَمْنَعَهُ.
الثَّامِنُ:
أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ ذَا قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ، وَذَلِكَ إِذَا اتَّفَقَا عَلَى إِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ، وَلَكِنَّهُ مُعَلَّلٌ عِنْدَ أَحَدِهِمَا بِعِلَّةٍ "وَعِنْدَ الْآخَرِ بِعِلَّةٍ"** أُخْرَى يَصْلُحُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ عِلَّةً، وَهَذَا يُقَالُ لَهُ: مُرَكَّبُ الْأَصْلِ، "وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى عِلَّةِ الْأَصْلِ*** لِاخْتِلَافِهِمْ فِي نَفْسِ
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
** ما بين قوسين ساقط من "أ".
*** ما بين قوسين ساقط من "أ".
الْوَصْفِ، وَلَكِنْ مَنَعَ أَحَدُهُمَا وَجُودَهَا فِي الْفَرْعِ، وَهَذَا يُقَالُ لَهُ مُرَكَّبُ الْوَصْفِ، لِاخْتِلَافِهِمْ فِي نَفْسِ الْوَصْفِ، هَلْ لَهُ وُجُودٌ فِي الْأَصْلِ أَمْ لَا؟
وَكَلَامُ الصَّفِيِّ الْهِنْدِيِّ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْقِيَاسِ الْمُرَكَّبِ بِالْأَوَّلِ، وَخَالَفَهُ الْآمِدِيُّ، وَابْنُ الْحَاجِبِ، وغيرهما، فجعلوه متناولا لقسمين، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ، وَالْجُمْهُورُ على اعتباره، وَخَالَفَهُمْ جَمَاعَةٌ، فَلَمْ يَعْتَبِرُوهُ، وَقَدْ طَوَّلَ الْأُصُولِيُّونَ، وَالْجَدَلِيُّونَ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ.
التَّاسِعُ:
أَنْ لَا نَكُونَ مُتَعَبِّدِينَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ بِالْقَطْعِ، فَانْ تَعَبَّدْنَا فِيهِ بِالْقَطْعِ، لَمْ يَجُزْ فِيهِ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إِلَّا الظَّنَّ، وَقَدْ ضَعَّفَ الْإِبْيَارِيُّ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ، وَقَالَ: بَلْ مَا تَعَبَّدْنَا فِيهِ بِالْعِلْمِ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ بِالْقِيَاسِ، الَّذِي يُفِيدُهُ1. وَقَدْ قسم المحققون القياس إلى ما لا يفيد العلم، وإلى ما يُفِيدُهُ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي "شَرْحِ الْعُنْوَانِ": لَعَلَّ هَذَا الشَّرْطَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ دَلِيلَ "الْقِيَاسِ ظَنِّيٌّ، فَلَوْ كَانَ قَطْعِيًّا، وَعَلِمْنَا الْعِلَّةَ قَطْعًا، وَوُجُودَهَا فِي الْفَرْعِ قَطْعًا، فَقَدْ عَلِمْنَا الْحُكْمَ قَطْعًا، وَمَنْ نَظَرَ لِأَنَّ دَلِيلَ"* الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ قَطْعِيًّا، وَعَلِمْنَا الْعِلَّةَ وَوُجُودَهَا فِي الْفَرْعِ قَطْعًا فَنَفْسُ الْإِلْحَاقِ، وَإِثْبَاتُ مِثْلِ حُكْمِ الْأَصْلِ لِلْفَرْعِ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ ابْنَ دَقِيقِ الْعِيدِ إِلَى مِثْلِ هَذَا الْفَخْرُ الرَّازِيُّ.
الْعَاشِرُ:
أَنْ لَا يَكُونَ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ قَاعِدَةِ الْقِيَاسِ، كَشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ2، وَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَمَقَادِيرِ الْحُدُودِ، وَمَا يُشَابِهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إِثْبَاتَ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ إِثْبَاتٌ لِلْحُكْمِ مَعَ مُنَافِيهِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: الْخَارِجُ عَنِ الْقِيَاسِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ.
وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ الفخر الرازي، والآمدي، وابن الحاجب وغيره. وَأَطْلَقَ ابْنُ بَرْهَانَ أَنَّ مَذْهَبَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، جَوَازُ الْقِيَاسِ عَلَى مَا عُدِلَ بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ. وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ فَمَنَعُوهُ، وَكَذَلِكَ منع منه الكرخي إلا بإحدى خلال:
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
_________
1 ذكر الزركشي في البحر قول الأبياري وقال: بل ما يعتد فيه بالعلم ا. هـ البحر المحيط 5/ 92-93. وانظر المستصفى 2/ 331.
2 أخرجه الترمذي من حديث زيد بن ثابت بلفظ: نسخت الصحف في المصاحف ففقدت آية من سورة الأحزاب، كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري، الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين، وهو قوله:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} . برقم 3104.وأخرجه النسائي في الكبرى "تحفة الأشراف" 2703. والبيهقي من حديث عمارة بن خزيمة بلفظ "من شهد له خزيمة أو شهد عليه فهو حسبه" كتاب الشهادات، باب الأمر بالإشهاد10/ 146. والبخاري من حديث زيد رضي الله عنه، كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن 4988.