الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه عَنْ أَنسٍ أيضاً، قال:«مَا أَخَذَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِ رَجُلٍ، فَفَارَقَهُ حتى قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» «1» وَروِّينَا فيه، عَنِ البَرَاءِ بن عازِبٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ المُسْلِمِيْنَ إذَا التقيا، فَتَصَافَحَا، وتَكَاشَرَا بِوُدٍّ وَنَصِيحَةٍ، تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا بَيْنَهُمَا» ، وفي رواية:«إذَا التقى المُسْلِمَانِ، فَتَصَافَحَا، وَحَمِدَا اللَّهَ تعالى، واستغفرا- غفر الله عز وجل لهما» «2» . انتهى.
وحَسِيباً: معناه حَفِيظاً، وهو فَعِيلٌ من الحِسَاب.
وقوله سبحانه: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ
…
الآية: لما تقدَّم الإنذارُ والتحذيرُ الذي تضمَّنه قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً، تلاه الإعلامُ بصفَةِ الربوبيَّة، وحالِ الوحدانيَّة والإعلامِ بالحَشْرِ والبَعْثِ مِنَ القبور للثَّواب والعقابِ إعلاماً بقَسَمٍ، تقديره: وَحَقِّهِ وَعَظَمَتِهِ لَيَجْمَعَنَّكُمْ، والجَمعُ بمعنى الحَشْر.
وقوله سبحانه: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً: المعنى: لا أحَدَ أصْدَقُ من الله تعالى.
[سورة النساء (4) : الآيات 88 الى 90]
فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (89) إِلَاّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (90)
وقوله تعالى: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ
…
الآية: واختلف في هؤُلَاءِ المنافِقِينَ.
فقال ابنُ عَبَّاس: هم قومٌ كانوا بمَكَّة أظهروا الإيمانَ لأصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم في كُتُبٍ بَعَثُوا بِهَا إلى المدينةِ، ثم خَرَجُوا مسافِرِينَ إلى الشَّام، وأعطَتْهم قريشٌ بِضَاعَاتٍ، وقالوا لهم: أنتم لا تَخَافُونَ أصْحَاب محمَّد لأنّكم تخدعونهم بإظهار الإيمان، فاتّصل خبرهم
(1) أخرجه ابن السني رقم (203) .
(2)
أخرجه أبو داود (2/ 775) ، كتاب «الأدب» ، باب في المصافحة، حديث (5211، 5212) ، وابن السني في «عمل اليوم والليلة» ، حديث (192، 194) من حديث البراء.
بالمدينَةِ، فاختلف المؤمنُونَ فيهم «1» ، فقالَتْ فرقةٌ: نَخْرُجُ إلَيْهم فإنهم منافقونَ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: بَلْ هُمْ مُؤْمِنُونَ، لَا سَبِيلَ لَنَا إلَيْهِمْ، فنزلَتِ الآية، وعن مجاهدٍ نحوه «2» .
قال ع «3» : ويَعْضُدُهُ ما في آخر الآيةِ مِنْ قوله تعالى: حَتَّى يُهاجِرُوا، وقال زيدُ بنُ ثابتٍ: نزلَتْ في عبد اللَّه بْنِ أُبيٍّ وأصحابِهِ المنافِقِينَ الذين رجعوا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ، وهو في «صحيحِ البخاريِّ» مسنداً «4» ، قال ابن العربي في «أحكامه» «5» ، وهذا القول هو اختيار البخاريِّ والترمذيِّ. انتهى.
قال ع «6» : وعلى هذا، فقولُه سبحانَهُ: حَتَّى يُهاجِرُوا المرادُ هَجْرُ ما نَهَى اللَّهُ عنه كما قال- عليه السلام: «والمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ ما نَهَى الله عنه» «7» ، وفِئَتَيْنِ:
معناه: فرقتين، / وأَرْكَسَهُمْ: معناه: أرجعَهُمْ في كُفْرِهِمْ وضَلَالِهِمْ، والرِّكْس:
الرَّجيع ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الرَّوْثَةِ: «إنَّهَا رِكْسٌ» «8» ، وحكى النضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ والكِسَائِيُّ:
رَكَسَ وأَرْكَسَ بمعنًى واحدٍ، أي: أرجَعَهم، ومَنْ قال مِنَ المتأوِّلين: أَهْلَكَهم، أو أضلَّهم، فإنَّما هو بالمعنى، وباقي الآية بَيِّنٌ.
(1) أخرجه الطبري (4/ 195) برقم (10060) ، وذكره ابن عطية (2/ 88) ، وابن كثير (1/ 532- 533) ، والسيوطي (2/ 340) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس.
(2)
أخرجه الطبري (4/ 194- 195) برقم (10058- 10059) ، وذكره البغوي (1/ 459) ، وابن عطية (2/ 88) ، وابن كثير (1/ 533) ، السيوطي (2/ 340- 341) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 88) .
(4)
أخرجه البخاري (8/ 104- 105) ، كتاب «التفسير» ، باب فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ، حديث (4589) من حديث زيد بن ثابت.
(5)
ينظر: «أحكام القرآن» لابن العربي (1/ 469) .
(6)
ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 88) .
(7)
أخرجه البخاري (1/ 69) ، كتاب «الإيمان» ، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، حديث (10) وفي (11/ 323) كتاب «الرقاق» ، باب الانتهاء عن المعاصي، حديث (6484) ، ومسلم (1/ 65) كتاب «الإيمان» ، باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل، حديث (64/ 40) من حديث عبد الله بن عمرو. [.....]
(8)
أخرجه البخاري (1/ 308) ، كتاب «الطهارة» ، باب لا يستنجي بروث، حديث (156) ، والنسائي (1/ 39- 40) كتاب «الطهارة» ، باب الرخصة في الاستطابة بحجر، وابن ماجة (1/ 114) ، كتاب «الطهارة» ، باب الاستنجاء بالحجارة، حديث (314) ، وأحمد (1/ 418) ، وأبو يعلى (9/ 63) برقم (5127) ، وابن المنذر في «الأوسط» (296) ، والبيهقي (2/ 413) من حديث ابن مسعود.
قال ص: أَرْكَسَهُمْ، أي: رَدَّهم في الكُفْر.
وقال ابنُ العَرَبِيِّ في «أحكامه» : أَخْبَرَ اللَّه تعالى أنه رَدَّ المنافِقِينَ إلى الكُفْر، وهو الإركَاسُ، وهو عبارةٌ عن الرجُوعِ إلى الحالَةِ المكروهَةِ كما قال في الرَّوْثَةِ:«إنَّهَا رِكْسٌ» ، أيْ: رجَعَتْ إلى حالةٍ مكروهةٍ، فنَهَى اللَّه سبحانَهُ الصحابَةَ أنْ يتعلَّقوا فيهم بظَاهِرِ الإِيمان إذ كان باطنهم الكُفْرَ، وأمرهم بقَتْلهم، حَيْثُ وجَدُوهُم. انتهى.
وقولُهُ تعالى: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ
…
الآية.
قال ص: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ: استثناءٌ متَّصِلٌ من مَفْعولِ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ. انتهى.
قال ع «1» : هذه الآيةُ مِنْ آياتِ المُوَادَعَةِ في أول الإسلام، ثم نُسِخَتْ بما في سورة «بَرَاءَةَ» فالآيةُ تقتضي أنَّ مَنْ وصَلَ من المشركِينَ الذين لا عهد بينهم، وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاءِ أهْلِ العهدِ، فدخَلَ في عِدَادِهِمْ، وفَعَلَ فِعْلَهم من المُوَادَعَةِ، فلا سَبِيلَ عليه.
وقوله تعالى: أَوْ جاؤُكُمْ: عطْفٌ على يَصِلُونَ، ويحتملُ أنْ يكون على قوله: بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ، والمعنى في العَطْفَينِ مختلفٌ، وهذا أيضاً حُكْمٌ قبل أنْ يستحكم أمْرُ الإسلام، فكان المشرك، إذا اعتزل القتَالَ، وجاء إلى دارِ الإِسلامِ مُسَالماً كارهاً لقتالِ قَوْمِهِ مع المسلِمِينَ، ولقِتَالِ المُسْلمين مع قومه، لا سَبِيلَ عليه، وهذه نُسِخَتْ أيضاً بما في «براءة» ، ومعنى حَصِرَتْ: ضاقَتْ، وحَرِجَتْ ومنه: الحَصَرُ في القَوْل، وهو ضِيقُ الكَلَام علَى المتكلّم، وحَصِرَتْ: في موضعِ نصبٍ على الحال، واللَاّمُ في قوله: لَسَلَّطَهُمْ جوابٌ «لو» ، والمعنى: ولو شاء اللَّه، لَسَلَّطَ هؤلاءِ الَّذين هُمْ بهذه الصِّفَة من المُسَالَمَة والمُتَارَكَة عليكم، فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ، أي: إذا وقَعَ هذا، فلَمْ يقاتِلُوكم، فلا سَبِيلَ لكم عليهم، وهذا كلُّه، والذي في سورة «الممتحنة» : لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ
…
[الممتحنة: 8] الآية: منسوخ قاله قتادة وغيره «2» .
والسَّلَمَ: الصّلح.
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 90) .
(2)
ذكره ابن عطية (2/ 91) .