الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الزُّبَيْدِيُّ: العَنَتُ: الهلاك. اهـ.
وقوله تعالى: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ، أي: فهم فوق المستَتِر الَّذي تبدو البغضاءُ في عينيه، وخصَّ سبحانه الأفواه بالذكْرِ دون الألسنة إشارةً إلى تشدُّقهم وثَرْثَرَتِهِمْ في أقوالهم هذه، ثمَّ قال سبحانه للمؤمنين: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ تحْذيراً وتنبيهاً، وقد عَلِمَ سبحانه أنهم عقلاء، ولكن هذا هَزٌّ للنفوس، كما تقول: إنْ كُنْتَ رَجُلاً، فافعل كذا وكذا.
وقوله: ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ: الضمير في «تُحِبُّونهم» للذين تقدَّم ذكْرُهم في قوله: بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ، قال: ص: وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ، قال أبو البقاء:
الكِتَاب، هنا: جنس، أيْ: بالكتب كلِّها. اهـ.
وقوله تعالى: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ: عبارةٌ عن شدَّة الغيظِ، مع عدم القُدْرة على إنفاذه ومنه قولُ أبي طَالِبٍ:[الطويل]
................
…
يَعَضُّونَ غَيْظاً خَلْفَنَا بِالأَنَامِلِ «1»
وقوله سبحانه: قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ قال فيه الطبريُّ «2» ، وكثيرٌ من المفسِّرين: هو دعاءٌ عليهم، وقال قومٌ: بل أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم وأمَّتَه أنْ يواجهُوهم بهذا فعلَى/ هذا زال معْنَى الدعاء، وبَقِيَ معنى التقْرِيعِ.
وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ: وعيد وذات الصدور: ما تنطوي عليه.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 120 الى 122]
إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)
(1) عجز بيت، وصدره:
وقد صالحوا قوما علينا أشحّة
…
............... ..
وهو في ديوان أبي طالب (101) ، و «السيرة النبوية» (1/ 272) ، و «الروض الأنف» (2/ 13) ، و «البحر المحيط» (3/ 44) ، و «الدر المصون» (2/ 197) .
(2)
ينظر: «تفسير الطبري» (3/ 412، 413) .
وقوله سبحانه: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ
…
الآية: الحَسَنَةُ والسيِّئة في هذه الآية: لفظ عامٌّ في كل ما يَحْسُنُ ويَسُوء، قلْتُ: ويجبُ على المؤمن أن يجتنب هذه الأخلاق الذميمة وَرُوِّينا في «كتاب الترمذيِّ» ، عن وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لأخِيكَ، فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ» «1» اهـ.
والكَيْد: الاحتيالُ بالأباطيل، وقوله تعالى: وَأَكِيدُ كَيْداً [الطارق: 16] من باب تسمية العقوبة باسم الذَّنْب.
وقوله تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ هذا ابتداءُ عتْبِ
(1) أخرجه الترمذي (4/ 662) ، كتاب «صفة القيامة» ، باب (54) ، حديث (2506) ، وابن حبان في «المجروحين» (2/ 213- 214) ، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (5/ 186) ، والطبراني في «الكبير» (22/ 53- 54) رقم (127)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (917) كلهم من طريق القاسم بن أمية الحذاء: ثنا حفص بن غياث عن برد بن سنان عن مكحول عن واثلة بن الأسقع.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، ومكحول قد سمع من واثلة بن الأسقع، وأنس بن مالك، وأبي هند الداري، ويقال: إنه لم يسمع من أحد من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا من هؤلاء الثلاثة. اهـ.
وقال أبو نعيم: غريب من حديث برد ومكحول، لم نكتبه إلا من حديث حفص بن غياث.
وقال ابن حبان: هذا لا أصل له من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال في ترجمة القاسم: شيخ، يروي عن حفص بن غياث المناكير الكثيرة، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. اهـ.
وفيما قاله ابن حبان نظر فقد قال الحافظ في «التقريب» (2/ 115) : بصري صدوق، ضعفه ابن حبان بلا مستند.
قلت: وقد توبع القاسم على هذا الحديث: فأخرجه الترمذي (4/ 662) كتاب صفة القيامة: باب (54) حديث (2506) ، والخطيب في «تاريخ بغداد» (9/ 95- 96) ، وأبو الشيخ في «الأمثال» (202) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (5/ 315) رقم (6777) كلهم من طريق عمر بن إسماعيل بن مجالد عن حفص بن غياث به.
ومن طريق الخطيب أخرجه ابن الجوزي في «الموضوعات» (3/ 224) .
وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمر بن إسماعيل لا يعد. وقال يحيى:
ليس بشيء، كذاب، رجل سوء، خبيث، وقال الدارقطني: متروك. اهـ.
وقال الحافظ في «التقريب» (2/ 52) : متروك.
وله متابع آخر: أخرجه المخلص في «فوائده» كما في «اللآلئ» (2/ 228) من طريق فهد بن حيان عن حفص بن غياث به.
وفهد بن حيان: قال البخاري: سكتوا عنه، وقال أيضا: يتكلمون فيه. وقال العجلي: ضعيف الحديث.
وذكره الدارقطني في «الضعفاء والمتروكين» .
ينظر: «التاريخ الصغير» (2/ 331، 344) ، و «الثقات» للعجلي (1157) ، و «الضعفاء والمتروكين» للدار قطني (436) .
المؤمنين في أَمْر أُحُدٍ، وفيه نزلَتْ هذه الآياتُ كلُّها، وكان من أمر غزوة أُحُدٍ أَنَّ المُشْرِكِينَ اجتمعوا في ثلاثة آلاف رجُلٍ، وقصدوا المدينةَ ليأخذوا بثأرهم في يوم بَدْرٍ، فنزلوا عند أُحُدٍ يوم الأربعاء، الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ شَوَّالٍ، سنَةَ ثلاثٍ من الهجرةِ، على رأس أَحَدٍ وثلاثين شهرًا من الهجْرة، وأقاموا هنالك يوم الخميس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة يدبِّر وينتظرُ أمْرَ اللَّهِ سبحانه، فلَمَّا كان في صَبِيحَة يَوْم الجُمُعة، جَمَعَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم النَّاس واستشارهم، وأخبرهم أنه كان يرى بقرًا تُذْبَح، وثَلْماً في ذُبَابِ سَيْفه، وأنَّهُ يُدْخِلُ يده في دِرْعٍ حَصِينَةٍ، وأنه تأوَّلها المدينةَ، وقال لهم: أرى ألَاّ نخرج إلى هؤلاء الكُفَّارِ، فقال له عبدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابن سَلُولَ: أَقِمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا تَخْرُجْ إلَيْهِمْ بِالنَّاسِ، فَإنْ هُمْ أَقَامُوا، أَقَامُوا بِشَرِّ مَحْبِسٍ، وإنِ انْصَرَفُوا، مَضَوْا خَائِبِينَ، وَإنْ جَاءُونَا إلَى المَدِينَةِ، قَاتَلْنَاهُمْ فِي الأَفْنِيَةِ وَرَمَاهُمُ النّساء والصّبيان بالحجارة من الآطام «1» ، فو الله، مَا حَارَبَنَا قَطُّ عَدُوٌّ فِي هَذِهِ المَدِينَةِ إلَاّ غَلَبْنَاهُ، وَلَا خَرَجْنَا مِنْهَا إلى عَدُوٍّ إلَاّ غَلَبَنَا، فَوَافَقَ هَذَا الرَّأْيُ رَأْيَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، ورَأْيَ جَمَاعَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وقَالَ قَوْمٌ مِنْ صُلَحَاءِ المُؤْمِنِينَ مِمَّنْ فَاتَتْهُ بَدْرٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اخرج بِنَا إلى عَدُوِّنَا، وَشَجَّعُوا النَّاسَ، وَدَعَوْا إلَى الحَرْبِ، فَقَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بِالنَّاسِ صَلَاةَ الجُمُعَةِ، وَقَدْ حَشَّمَهُ هَؤُلَاءِ الدَّاعُونَ إلَى الحَرْبِ، فَدَخَلَ إثْرِ صَلَاتِهِ بَيْتَهُ، وَلَبِسَ سِلَاحَهُ، فَنَدِمَ أُولَئِكَ القَوْمُ، وَقَالُوا: أَكْرَهْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمّا خرج عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم فِي سِلَاحِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقِمْ، إنْ شِئْتَ، فَإنَّا لَا نُرِيدُ أنْ نُكْرِهَكَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ لَبِسَ سِلَاحَهُ أَنْ يَضَعَهَا حتى يُقَاتِل، ثُمَّ خَرَجَ بِالنَّاسِ، وَسَارَ حتى قَرُبَ مِنْ عَسْكَرِ المُشْرِكِينَ، فَعَسْكَرَ هُنَالكَ، وَبَاتَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَقَدْ غَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابن سَلُولَ، وَقَالَ: أَطَاعَهُمْ، وَعَصَانِي، فَلَمَّا كَانَ فِي صَبِيحَةِ يَوْمَ السَّبْتِ، اعتزم النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى المَسِيرِ إلى مُنَاجَزَةِ المُشْرِكِينَ، فَنَهَضَ وَهُوَ فِي أَلْفِ رَجُلٍ، فانخزل عَنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابن سَلُولَ بِثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ مِنْ مُنَافِقٍ وَمُتَّبِعٍ، وَقَالُوا: نَظُنُّ أَنَّكُمْ لا تلقون قتالا، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي سبْعِمِائةٍ/ فَهَمَّتْ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو حَارِثَةَ مِنَ الأَوْسِ وَبَنُو سَلِمَةَ مِنَ الخَزْرَجِ بالانْصِرَافِ، وَرَأَوْا كَثَافَةَ المُشْرِكِينَ، وَقِلَّةَ المُسْلِمِينَ، وَكَادُوا أَنْ يَجْبُنُوا، وَيَفْشَلُوا، فَعَصَمَهُمُ اللَّهُ تعالى، وَذَمَّ بَعْضُهُمْ بعضا، ونهضوا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتى أَطَلَّ عَلَى المُشْرِكِينَ فَتَصَافَّ النَّاسُ، وَكَانَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَّرَ عَلَى الرُّمَاةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ «2» ، وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلاً، وَجَعَلَهُمْ يَحْمُونَ الجَبَلَ وراء المسلمين،
(1) واحدها: أطم، وهي حصون مبنية بحجارة. ينظر:«لسان العرب» (93) .
(2)
عبد الله بن جبير بن النعمان الأنصاري، أخو خوّات بن جبير. -