الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمته، على جهة التوقيفِ والتعجيب: فكيف حالُ هؤلاءِ المغترِّين بالأباطيل، إِذا حشروا يوم القيامة، واضمحلت تلك الزخارفُ والدعاوى، وجوَّزوا بما اكتسبوه مِنْ كفرهم، وأعمالهم القبيحة، قال ابن عطيَّة: والصحيحُ في يوم القيامةِ أنَّه يَوْمٌ لأنَّ قبله ليلةٌ، وفيه شَمْسٌ «1» ، وقال النقَّاش: المراد باليوم الوقت.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 26 الى 29]
قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (27) لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)
وقوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ
…
الآية: هو سبحانه وتعالى مالكُ الملكِ كلِّه مطلقاً في جميع أنواعه، وأشرفُ ملكٍ يؤتيه عباده سعادةُ الآخرة، رُوِيَ أنَّ الآية نزلَتْ بسبب أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بشَّر أُمَّتَه بفتح مُلْك فارس وغيره، فقالَتِ اليهودُ والمنافقُونَ: هَيْهَاتَ، وكذَّبوا بذلك.
ومذهب البصريِّين أن الأصل في «اللَّهُمَّ» : يَا أَللَّهُ، فعوِّض من ياء النداءِ ميماً مشدَّدة.
و «مالك» : نصْبٌ على النداء، وخص تعالى الخَيْر بالذكْر، وهو تعالى بيده كلُّ شيء إِذ الآية في معنى دعاء ورغبة، فكأنَّ المعنى: بِيَدِكَ الخَيْرُ فأجزِلْ حظِّي منه، قال النوويُّ: ورُوِّينَا في كتاب «التِّرْمذيِّ» وغيره، عن عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم/ قَالَ:«مَنْ دَخَلَ السُّوقَ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّه وَحْده لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ» «2» ، ورواه الحاكمُ أبو عبد اللَّه في «المُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» من طرق كثيرةٍ، وزاد فيه في بعْضِ طرقه:«وبنى لَهُ بَيْتاً فِي الجَنَّةِ» قال الحاكمُ: وفي الباب، عن جابر،
(1) ذكره ابن عطية (1/ 414) .
(2)
أخرجه الترمذي (5/ 491) ، كتاب «الدعوات» ، باب ما يقول إذا دخل السوق، حديث (3428) ، (3429) ، وابن ماجة (2/ 752) ، كتاب «التجارات» ، باب الأسواق ودخولها، حديث (2235) ، والحاكم (1/ 539) من حديث عمر بن الخطاب.
وأبي هريرة، وبُرَيْدَة الأسلميِّ. اهـ من «الحلية» «1» .
وقال ابن عبَّاس وغيره في معنى قوله تعالى: تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ
…
الآية: إنه ما ينتقصُ من النهار، فيزيد في الليل، وما ينتقصُ من الليلِ، فيزيدُ في النَّهار دَأَباً كلَّ فَصْلٍ من السنة «2» ، وتحتملُ ألفاظُ الآية أنْ يدخل فيها تعاقُبُ الليلِ والنهارِ كأن زوالَ أحدهما وُلُوجٌ في الآخر.
واختلف في معنى قوله تعالى: وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ
…
الآيةَ:
فقال الحسَنُ: معناهُ: يُخْرِجُ المؤمِنَ من الكافر، والكافِرَ من المؤمن «3» ، وروي نحْوَه، عن سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ «4» ، وروى الزُّهْرِيُّ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، لمَّا سَمِعَ نَغْمَةَ «5» خَالِدَةَ بِنْتِ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، فَقَالَ:«مَنْ هَذِهِ» فأُخْبِرَ بِهَا، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:«سُبْحَانَ الَّذِي يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ» ، وكَانَتِ امرأة صَالِحَةً، وكَانَ أَبُوهَا كَافِراً «6» ، والمرادُ على هذا:
موتُ قلبِ الكافرِ، وحياةُ قَلْب المؤمن.
(1) ينظر: «الأذكار» (ص 337- 338) .
(2)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 222) برقم (6792) وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 384) ونسبه للجمهور، وذكره ابن عطية (1/ 417) .
(3)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 225) برقم (6814) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (1/ 291) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 27) ، وعزاه لابن جرير، وأبي الشيخ عن الحسن.
(4)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 225) برقم (6815) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (2/ 27) ، وعزاه لابن مردويه.
(5)
ذكر هذا الحديث الطبري (6821) بلفظ «أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل على بعض نسائه، فإذا بامرأة حسنة النّعمة، فقال: من هذه؟ قالت إحدى خالاتك! قال: إن خالاتي بهذه البلدة لغرائب! وأيّ خالاتي هذه؟ قالت:
خالدة ابنة الأسود بن عبد يغوث. قال: سبحانه الَّذِي يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ! وكَانَتِ امرأة صالحة، وكان أبوها كافرا. وقد علق عليه الشيخ أحمد شاكر قائلا:
قوله: «حسنة النعمة» ، في المطبوعة:«النغمة» بالغين المعجمة، وهو خطأ، والنعمة (بفتح النون وسكون: العين) المسرة والفرح والترفه، وكأنه يعني ما يبين عليها من أثر الترف والنعمة. بيد أن الذي رواه ابن سعد، وما نقله الحافظ ابن حجر في الإصابة:«حسنة الهيئة» .
هذا ما قاله العلامة أحمد شاكر، إلا أن الرواية الواردة في الأصول عندنا «لما سمع نغمة» تشعر بترجيح المعجمة أو لعل الحديث ذكر مع اختلاف في ألفاظه.
(6)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (6/ 308- شاكر) ، وعبد الرزاق في «تفسيره» (1/ 117- 118) عن الزهري مرسلا، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (2/ 27) ، وزاد نسبته إلى ابن سعد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.
وذهب جمهورٌ كثيرٌ إِلى أنَّ الحياة والمَوْتَ في الآية حقيقةٌ، لا أنها استعارةٌ، ثم اختلفوا في المُثُلِ التي فسَّروا بها.
فقال ابن مسعود: هي النُّطْفة، تخْرُج من الرجُلِ، وهي ميتة، وهو حيٌّ، ويخرج الرجلُ منْها، وهي ميتة «1» .
وقال عكرمة: هو إِخراج الدَّجَاجة، وهي حية، مِن البَيْضَة، وهي ميتة، وإِخراج البيضة، وهي ميتة من الدَّجَاجة، وهي حية «2» .
وروى السُّدِّيُّ، عن أبي مالكٍ، قال: هي الحبَّة تَخْرُجُ من السنبلةِ، والسنبلةُ تخرجُ من الحبَّة، وكذلك النَّوَاة «3» .
وقوله تعالى: لَاّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ
…
الآية: هذا النهْيُ عن الاِتخاذِ، إِنما هو عن إِظهار اللُّطْفِ للكفَّار، والميلِ إِليهم، فأما أنْ يتخذوا بالقَلْب، فلا يفعل ذلك مؤمن، ولفظ الآية عامٌّ في جميع الأعصار.
واختلف في سَبَب نزولها، فقال ابنُ عَبَّاس: في كَعْبِ بْنِ الأَشْرَف وغيره، قد بطنوا بنَفَرٍ من الأنصار، ليفتنُوهم عن دِينِهِمْ، فنزلَتْ في ذلك الآيةُ «4» ، وقال قومٌ: نزلَتْ في قصَّة حاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، وكتابِه إلى أهْل مكَّة «5» ، والآيةُ عامَّة في جميع هذا.
وقوله تعالى: فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ: معناه: في شيءٍ مَرْضِيٍّ كقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَشَّنَا، فَلَيْسَ مِنَّا» «6» ، ثم أباح سبحانه إِظهار اتخاذهم بشرط الاِتقاءِ، فأما إِبطانه، فلا يصحُّ أن يتصف به مؤمنٌ في حالٍ.
وقوله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ
…
إلى آخر الآية: وعيد وتنبيه ووعظ وتذكير بالآخرة.
(1) أخرجه الطبري (3/ 223) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 385) ، والبغوي في «تفسيره» (1/ 291) .
(2)
أخرجه الطبري بنحوه في «تفسيره» (3/ 224) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (1/ 291) ، وابن عطية (1/ 418) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 27) بنحوه، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن عكرمة.
(3)
ذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 418) .
(4)
ذكره ابن عطية (1/ 419) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 28) . [.....]
(5)
ذكره ابن عطية (1/ 419) .
(6)
تقدم تخريجه.