الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله تعالى: لَوْ تُسَوَّى قالت فرقة معناه: تنشق الأرض، فيحصلون فيها، ثم تتسوَّى هي في نفسها عليهم وبهم، وقالت فرقة: معناه لو تستوي هي معهم في أن يكونوا ترابا كالبهائم.
وقوله تعالى: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً: معناه، عند طائفة: أن الكفار، لما يرونه من الهول وشِدَّة المخاوف، يودون لو تسوى بهم الأرض، فلا ينالهم ذلك الخوف، ثم استأنف الكلام، فأخبر أنهم لا يكتمون الله حديثا، لنطق جوارحهم بذلك كله، حين يقول بعضهم وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام: 23] فيقول الله سبحانه: «كذبتم» ثم تنطق جوارحهم، فلا تكتم حديثا، وهذا قول ابن عباس «1» .
وقالت طائفة: الكلام كله متصل وودّهم ألا يكتموا الله حديثا إنما هو ندم على كذبهم حين قالوا: وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام: 23] والرسول في هذه الآية الجنس، شرِّف بالذكر، وهو مفرد دلَّ على الجمع.
[سورة النساء (4) : آية 43]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (43)
وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ
…
الآية: نزَلَتْ قبل تحريم الخَمْر، وجمهورُ المفسِّرين على أن المراد سُكْر الخَمْر إلَاّ الضَّحَّاك، فإنه قال: المُرَادُ سُكْر النَّوْمِ، وهذا قولٌ ضعيفٌ، والمرادُ ب «الصَّلاة» هنا/ الصلاةُ المعروفةُ.
وقالَتْ طائفةٌ: الصلاة هنا المرادُ بها موضع الصلاة، والصلاة معا.
- أخرجه البخاري (3/ 209) ، كتاب «الجنائز» ، باب الصلاة على الشهيد، الحديث (1344) ، ومسلم (4/ 1796) ، كتاب «الفضائل» ، باب إثبات حوض نبينا، الحديث (31) ، وأبو داود (3/ 551) ، كتاب «الجنائز» ، باب الميت يصلى على قبره بعد حين، الحديث (3223) ، والنسائي (4/ 61- 62) ، كتاب «الجنائز» ، باب الصلاة على الشهداء، والدارقطني (2/ 78) ، كتاب «الجنائز» ، باب الصلاة على القبر، في صلاته صلى الله عليه وسلم على شهداء أحد بعد ثمان سنين.
(1)
أخرجه الطبري (4/ 96- 97) برقم (9522: 9524) ، وذكره البغوي (1/ 430) بنحوه، وابن عطية (2/ 55) ، وابن كثير (1/ 499) ، والسيوطي (2/ 292- 293) . [.....]
قال ابنُ العربيِّ في «الأحكام» «1» : ورُوِيَ في سبب نزولِ هذه الآيةِ عن عَلِيٍّ رضي الله عنه أنه قَالَ: صَنَعَ لنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ طَعَاماً، فَدَعَانَا، وسَقَانَا مِنَ الخَمْرِ- يَعْنِي: وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا- قَالَ: فَأَخَذَتِ الخَمْرُ مِنَّا، وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَدَّمُونِي، فَقَرَأْتُ: قُلْ يا أيّها الكافرون لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَنَحْنُ نَّعْبُدُ ما تعبدون، قال: فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ
…
الآية: خرَّجه الترمذيُّ وصحَّحه. انتهى «2» .
وقوله: وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ، قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره: عَابِرُ السَّبِيلِ: المُسَافِرُ «3» .
وقال ابنُ مسعودٍ وغيره: عابر السَّبيل هنا: الخَاطِرُ في المَسْجِد، وعَابِرُ سَبِيلٍ هو مِنَ العبور، أي: الخطور والجَوَازُ «4» ، والمريضُ المذكورُ في الآية هو الحَضَرِيُّ، وأصل الغائِطِ ما انخفض مِنَ الأرض، ثم كَثُر استعماله في قضاء الحَاجَةِ.
واللَّمْسُ في اللغةِ لَفْظٌ يقعُ لِلَّمْسِ الَّذي هو الجِمَاعُ، ولِلَّمْسِ الذي هو جَسُّ اليدِ والقُبْلَةُ ونَحْوُهُ، واختلف في موقِعِهَا هنا، فمالكٌ رحمه الله يقولُ: اللفظةُ هنا تقتضِي الوَجْهَيْنِ، فالملامِسُ بالجِمَاعِ يتيمَّم، والملامِسُ باليد يتيمَّم، ومعنى قوله سبحانه:
فَتَيَمَّمُوا: اقصدوا، والصَّعِيدُ «5» في اللغة: وَجْه الأرضِ قاله الخليل وغيره، واختلف
(1) ينظر: «أحكام القرآن» (1/ 433) .
(2)
أخرجه الطبري (4/ 98) برقم (9527) ، وذكره ابن عطية (2/ 56) ، وابن كثير (1/ 500) ، والسيوطي (2/ 293- 294) ، وعزاه لعبد بن حميد، وأبي داود، والترمذي وحسنه، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والنحاس، والحاكم وصححه.
(3)
أخرجه الطبري (4/ 100) برقم (9542) ، وذكره البغوي (1/ 431) ، وابن عطية (2/ 57) ، وابن كثير (1/ 501) ، والسيوطي (2/ 294- 295) وعزاه للفريابي، وابن أبي شيبة في «المصنف» ، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «سننه» عن علي.
(4)
ذكره البغوي (1/ 431) ، وابن عطية (2/ 57) ، والسيوطي (2/ 295) ، وعزاه لابن جرير عن ابن مسعود.
(5)
قال في «لسان العرب» : الصعيد المرتفع من الأرض.. وقيل: الأرض المرتفعة من الأرض المنخفضة- وقيل: ما لم يخالطه رمل، ولا سبخة- وقيل: وجه الأرض لقوله تعالى: فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً [الكهف: 40] أي: أرضا ملساء لا نبات بها.
وقال جرير:
إذا تيم ثوت بصعيد أرض
…
بكت من حيث لؤمهم الصعيد
وقيل: الصعيد الأرض، وقيل: الأرض الطيبة، وقيل: هو كل تراب طيب- «وفي التنزيل: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [المائدة: 6] » وقال «الفرّاء» في قوله: صَعِيداً جُرُزاً [الكهف: 8] : الصعيد التراب-
الفُقَهاءُ فيه من أجْلِ تقييدِ الآيةِ إياه بالطَّيِّبِ.
فقالتْ طائفة: يتيمَّم بوَجْه الأرْض، تراباً كان أو رَمْلاً أو حجارةً أو مَعْدِناً أو سَبِخَةً، وجعلَتِ الطِّيب بمعنى الطَّاهر، وهذا هو مذهَبُ مالكٍ «1» ، وقالتْ طائفة منهم: الطِّيب
- وقال غيره: هي الأرض المستوية.
وقال «الشافعي» : لا يقع اسم الصّعيد إلّا على تراب له غبار- فأما البطحاء الغليظة والرقيقة، والكثيب الغليظ- فلا يقع عليه اسم الصعيد، وإن خالطه تراب، أو صعيد، أو مدر يكون له غبار- كان الذي خالطه الصعيد ولا يتيمم.. بالنورة، ولا بالزّرنيخ، وكل هذا حجارة.
وقال «أبو إسحق» : الصعيد: وجه الأرض قال: وعلى الإنسان أن يضرب بيديه وجه الأرض، ولا يبالي أكان في الموضع تراب، أو لم يكن لأن الصعيد ليس هو التراب إنما هو وجه الأرض، ترابا كان أو غيره.
قال: ولو أن أرضا كانت كلها صخرا، لا تراب عليه، ثم ضرب المتيمم يده على ذلك الصخر لكان ذلك طهورا، إذا مسح به وجهه قال تعالى: فَتُصْبِحَ صَعِيداً [الكهف: 40] لأنه نهاية ما يصعد إليه من باطن الأرض.
قال «الأزهري» : هذا الذي قاله «أبو إسحق» أحسبه مذهب مالك
…
قال «الليث» : يقال للحديقة إذا خربت، وذهب شجرها: قد صارت صعيدا، أي أرضا مستوية لا شجر فيها قال «ابن الأعرابي» : الصعيد الأرض بعينها، والصعيد الطريق سمي بالصعيد من التراب، والجمع من كل ذلك صعدان.
قال «حميد بن ثور» :
وتيه تشابه صعداته
…
ويفنى به الماء إلا السمل
وصعد كذلك- وصعدات جمع الجمع. وفي حديث علي
…
(رضوان الله عليه) - إياكم والقعود بالصعدات، إلا من أدى حقها، وهي الطرق، وهي جمع صعد وصعد.. جمع صعيد كطريق وطرق وطرقات، مأخوذ من الصعيد، وهو التراب، وقيل: جمع صعدة كظلمة وهي فناء باب الدار، وممر الناس بين يديه، ومنه الحديث:«ولخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى الله تعالى» ، والصعيد الطريق يكون واسعا وضيقا، والصعيد الموضع العريض الواسع، والصعيد القبر. اهـ. ينظر «التيمم» لشيخنا جاد الرب.
(1)
أجمع المسلمون على جواز التيمم بتراب الحرث الطيب واختلفوا في جوازه بما عدا التراب من أجزاء الأرض المتولد عنها كالحجارة.
فذهب «الشّافعيّ» إلى أنه لا يجوز التيمّم إلّا بالتراب الخالص
…
وذهب مالك وأصحابه إلى أنّه يجوز التيمم بكل ما صعد على.. وجه الأرض من أجزائها من الحصباء والرمل والتراب في المشهور عنه، وزاد «أبو حنيفة» فقال: وبكل ما يتولد من الأرض مثل: الحجارة والنّون والزّرنيخ والجص والطّين والرّخام. ومنهم من شرط أن يكون التراب على وجه الأرض.
وقال «الحنابلة» : لا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر ذي غبار يعلق باليد، كقول «الشّافعيّ» وبه قال «إسحاق» و «أبو يوسف» و «داود» . وقال أحمد: يتيمم بغبار الثوب واللبد، ونقل عن «مالك» في بعض رواياته جواز التيمم على الحشيش والثلج. وقال ابن حزم من الظاهرية: لا يجوز التيمم إلّا.. بالأرض، -
بمعنى المُنْبِتِ كما قال تعالى: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ [الأعراف: 58] ، فالصعيد عندهم هو الترابُ، وهذه الطائفةُ لا تُجِيزُ التيمُّم بغيره، فمكانُ الإجماع أنْ يتيمَّم في تُرَابٍ منبت طاهر غير منقول، ولا مغصوب، وترتيبُ القرآن الوجْهُ قبل اليدَيْنِ، وبه قال الجمهور، وفي «المدوَّنة» أنَّ التيمُّم ضربتانِ «1» ، وجمهورُ العلماء أنَّه ينتهِي في مَسْح اليدَيْن إلى المرافق «2» .
- ثم الأرض تنقسم إلى قسمين: تراب، وغير تراب، فأما التراب فالتيمم به جائز كان في موضعه من الأرض أو منزوعا مجهولا في إناء أو ثوب أو على يد إنسان أو حيوان، أو كان في بناء لبن، أو طابية، أو غير ذلك وأما ما عدا التراب من الحصى والحصباء والرخام والرمل والكحل والزرنيخ والجير والجص والذهب والتوتيا والكبريت والملح وغير ذلك، فإن كان شي من هذه المعادن في الأرض غير مزال عنها إلى شيء آخر، فالتيمم بكل ذلك جائز- وإن كان شيء من ذلك مزالا إلى إناء أو ثوب أو نحو ذلك لم يجز التيمم بشيء منه ولا يجوز التيمم بالآجر فإن رض حتى يقع عليه اسم التراب جاز التيمم؟ وكذلك الطين لا يجوز التيمم به، فإن جف حتى يسمى ترابا جاز التيمم به، ولا يجوز التيمم بملح انعقد من الماء كان في موضعه أو لم يكن ولا بثلج ولا بورق ولا يحشيش ولا بخشب ولا بغير ذلك، ممّا يحول بين المتيمم وبين الأرض.
ينظر: «التيمم» لشيخنا جاد الرب.
(1)
والأصح عند الشافعي: وجوب ضربتين، وإن أمكن مسح الوجه واليدين بضربة واحدة بأن يأخذ خرقة كبيرة، ويضرب بها التراب، ثم يمسح ببعضها وجهه، وبباقيها يديه.
وإنما كان الأصح وجوب ضربتين لخبر أبي داود، والحاكم:«التيمم ضربتان ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين» .
ينظر: «التيمم» لجاد الرب.
(2)
اختلفوا في القدر الواجب مسحه في اليدين على ثلاثة مذاهب:
الأول: أن الحد الواجب في ذلك هو الحد الواجب بعينه في الوضوء، وهو أن يمسحهما إلى المرفقين.. وبه قال الشافعي في «الجديد» ، ومنصوصات «القديم» وقال به من الأصحاب: ابن عمر، وجابر، ومن التابعين: سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والحسن، وابن سيرين، ومن الفقهاء الليث بن سعد، وسفيان الثوري، وأبو حنيفة وصاحباه.
والثاني: أن الفرض هو مسح الكف فقط، وبه قال أهل الظاهر، وأهل الحديث. وبه قال مالك أيضا مع استحباب المسح إلى المرفقين، وبه قال من الصحابة ابن مسعود، وابن عباس، ومن التابعين عكرمة، ومكحول، ومن الفقهاء: الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، ورواه أبو ثور عن الشافعي في القديم. وحكاه الزعفراني على أن الشافعي في القديم كان يجعله موقوفا على صحة حديث عمار، ومنصوصه في القديم خلاف هذا.
الثالث: أن الفرض المسح إلى المناكب، وهو مروي عن الزهري.
ولأن الله تعالى أوجب طهارة الأعضاء الأربعة في الوضوء في أول الآية، ثم أسقط منها عضوين في التيمم في آخر الآية، فبقي العضوان في التيمم على ما ذكر في الوضوء، إذ لو اختلفا حدا في التيمم لبينه.
ينظر: «التيمم» لشيخنا جاد الرب.