الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ يحتملُ: أن يكون مِنْ قول هابيلَ لأخيه، ويحتمل:
أن يكون إخباراً من اللَّه تعالى لمحمَّد- عليه السلام، قال الفَخْر: وقوله تعالى:
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ قال المفسرون: معناه: سَهَّلَتْ له نفسه قَتْل أخيه. انتهى.
وقوله سبحانه: فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ: أصْبَحَ: عبارةٌ عن جميعِ أوقاتِهِ، وهذا مَهْيَعُ كلامِ العرب ومنه:[المنسرح] أَصْبَحْتُ لَا أَحْمِلُ السِّلَاح
…
البَيْتَ «1» وقول سعد: فَأَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي «2» ، إلى غير ذلك مِن استعمال العرب، ومِنْ خسرانِ قابيلَ ما صحَّ، وثبَتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ:«مَا قُتِلَتْ نَفْسٌ ظُلْماً إلَاّ كَانَ عَلَى ابن آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا» «3» وذلك لأنه أول من سنّ القتل.
[سورة المائدة (5) : الآيات 31 الى 32]
فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)
وقوله تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً
…
الآية: قيل: أصبح في ثاني يومٍ قتله يطلب إخفاء أَمْرِ قتله، فلم يَدْرِ ما يصنعُ به، فبعث اللَّه غراباً حيًّا إلى غرابٍ ميتٍ، فجعل يبحث
(1) صدر بيت للربيع بن ضبع الفزاري وعجزه: [المنسرح]
...............
…
... أملك رأس البعير إن نفرا
ينظر: «المعجم» (1/ 321) ، «النوادر» (159) ، «أمالي المرتضى» (1/ 255) ، و «حماسة البحتري» ص (201) ، و «خزانة الأدب» (7/ 384) و «شرح التصريح» (2/ 36) و «الكتاب» (1/ 89) و «لسان العرب» (13/ 259)(ضمن) و «المقاصد النحوية» (3/ 398) وبلا نسبة في «الدر على النحاة» ص (114) و «شرح المفصل» (7/ 105) و «المحتسب» (2/ 99) ، «الدر المصون» (2/ 178) .
(2)
ذكره ابن عطية (2/ 180) . [.....]
(3)
أخرجه البخاري (6/ 419) ، كتاب «أحاديث الأنبياء» (3335) وفي (12/ 198) كتاب «الديات» ، باب قول الله تعالى: وَمَنْ أَحْياها
…
حديث (6867) ، وفي (13/ 314) كتاب «الاعتصام» ، باب إثم من دعا إلى ضلالة، حديث (7321) ومسلم (3/ 1303- 1304) ، كتاب «القسامة» ، باب بيان إثم من سن القتل، حديث (27/ 1677) من حديث ابن مسعود.
في الأرض، ويُلْقِي الترابَ على الغُرَاب الميِّت، وظاهرُ الآية أنَّ هابيلَ هو أول مَيِّتٍ من بني آدم، ولذلك جَهِلَ سُنَّة المواراةِ وكذلك حكى الطبريُّ، عن ابن إسحاقَ، عن بعض أَهْلِ العِلْمِ بما في الكُتُب الأَوَلِ، والسَّوْءَةُ: العورةُ، ويحتمل أن يراد الحالة التي تَسُوء النَّاظر، ثم إن قابيلَ وارى أخَاه، ونَدِمَ على ما كان منه مِنْ معصية في قَتْله، حيث لا ينفعه الندم.
واختلف العلماء في قابيلَ، هل هو مِنَ الكُفَّار أو من العُصَاة، والظاهر أنه من العُصَاة، قال الفَخْر: ولم «1» ينتفعْ قابيلُ بندمه لأن نَدَمَهُ كان لأسبابٍ منها: سَخَط أبويه وإخوته، وعدمُ انتفاعه بقتله، وَنَحْوُ ذلك، ولما كان ندمه لهذه الأسبابِ لا لأجْلِ الخَوْف من اللَّه تعالى، فلا جَرَمَ لم ينفعْهُ هذا الندَمُ.
وقوله تعالى: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ هو إِشارة إلى ما تضمَّنته هذه القصَّة من أنواع المفاسِدِ الحاصلة بسبب القَتْل الحرامِ، لا أنه إشارة إلى قصة قابيلَ وهابيلَ. انتهى.
وقوله سبحانه: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ
…
الآية: جمهورُ النَّاس على أن قوله: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ: متعلِّق بقوله: كَتَبْنا أي: من أجل هذه النازلة، ومِنْ جَرَّاها كتبنا، وقالَ قومٌ: بل هو متعلِّق بقوله: مِنَ النَّادِمِينَ أي: ندم من أجل ما وقع، والوقْفُ على هذا، على ذلِكَ، والناس على أن الوَقْف مِنَ النَّادِمِينَ، ويقال: فعلْتُ ذلك مِنْ أَجْلِكَ- بفتح الهمزة- ومِنْ إجْلِكَ- بكسرها-.
وقوله سبحانه: بِغَيْرِ نَفْسٍ أي: بغير أن تَقْتُلَ نفْسٌ نفْساً، والفسادُ/ في الأرض:
يجمع الزنا، والارتداد، والحِرَابة.
وقوله سبحانه: فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً روي عن ابن عباس أنه قال: المعنى:
مَنْ قتل نفساً واحدةً، وانتهك حرمتها، فهو مِثْلُ مَنْ قتل الناس جميعاٌ، ومَنْ ترك قتْلَ نفسٍ واحدةٍ، وصان حرمتها مخافَتِي، واستحياها، فهو كَمَنْ أحيا الناسَ جميعاً «2» ، قال الحسنُ وابْنُ زيدٍ: وَمَنْ أَحْياها أي: عفا عمَّن وَجَبَ له قتلُهُ بعد القدرة «3» ، وقيل غير هذا.
ثم أخبر تعالى عن بني إسرائيل أنهم جاءتهم الرسُلُ بالبيِّنات في هذا وفي سواه،
(1) ينظر: «مفاتيح الغيب» (11/ 32) .
(2)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (4/ 541)(11775) ، وذكره ابن عطية (2/ 182) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 490) بنحوه، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر عن ابن عباس.
(3)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (4/ 544) برقم (11792) عن ابن زيد، (11793) عن الحسن، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (2/ 182) .