الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة آل عمران (3) : الآيات 113 الى 114]
لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)
وقوله تعالى: لَيْسُوا سَواءً
…
الآية: قال ابنُ عَبَّاس رضي الله عنهما : لمَّا أسلم عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، وثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْيَةَ، وَأُسَيْدُ بْنُ سَعْيَةَ/، وَأَسَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ومَنْ أَسْلَمَ من اليهود معهم، قال الكُفَّار من أحْبَارِ اليهودِ: مَا آمن بمحمَّد إلَاّ شِرَارُنَا، وَلَوْ كَانُوا خِيَاراً، ما تَرَكُوا دِينَ آبائِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي ذَلِكَ: لَيْسُوا سَواءً
…
الآية «1» ، وقالَ مثلَهُ قتادةُ، وابنُ جُرَيْجٍ «2» ، وهو أصح التأويلات في الآية.
واختلفَ في قوله: قائِمَةٌ، فقال ابنُ عَبَّاس وغيره: معناه: قائمةٌ على كتابِ اللَّهِ، وحُدُودِهِ مهتديةٌ «3» ، وقال السُّدِّيُّ: القائمةُ: القانِتَةُ المُطيعةُ «4» ، وهذا كلُّه يرجع إلى معنى وَاحِدٍ، ويحتمل أنْ يراد ب قائِمَةٌ: وَصْفُ حال التالين في آناء الليلِ، ومَنْ كانت حاله هذه، فلا محالة أنه معتدلٌ عَلَى أمر الله، وآياتِ اللَّهِ في هذه الآيةِ: هي كُتُبُهُ، والآناءُ: السَّاعاتُ، واحِدها إنْيٌ بكسر الهمزة، وسكونِ النون، وحكم هذه الآية لا يتَّفقُ في شَخْص شَخْصٍ بأنْ يكون كلُّ واحدٍ يصلِّي جميعَ ساعاتِ الليلِ، وإنما يقوم هذا الحُكْمُ من جماعةِ الأمَّة إذ بعضُ الناسِ يَقُومُ أول الليلِ، وبعضهم آخِرَهُ، وبعضُهُم بَعْدَ هَجْعَةٍ، ثم يعودُ إلى نَوْمِهِ، فيأتي مِنْ مجموعِ ذلك في المُدُنِ والجَمَاعَاتِ عِمَارةُ آناء الليلِ بالقيامِ، وهكذا كان صَدْرُ هذه الأمَّة، وعُرْفُ النَّاسِ القيامُ في أول الثُّلُثِ الآخرِ مِنَ الليلِ، أو قبله بشَيْء، وحينئذٍ: كان يقوم الأكثر، والقيام طولَ الليلِ قليلٌ، وقد كان في الصالِحِينَ مَنْ يلتزمه، وقد ذكر اللَّه سبحانه القَصْدَ من ذَلِكَ في «سُورة المُزَّمِّلِ» ، وقِيامُ الليلِ لقراءةِ العِلْمِ المبتغى به وجْهُ اللَّهِ داخلٌ في هذه الآيةِ، وهو أفضلُ من التنفُّل لِمَنْ يُرْجَى انتفاعُ المسلمِينَ بعلْمه، قُلْتُ: وقد تقدَّم في أوَّل السُّورة: ما جاء من التأويل في حديث النّزول،
(1) أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 398) برقم (7642) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 417) ، والبغوي في «تفسيره» (1/ 343) ، وابن عطية (1/ 492) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 115) ، وعزاه لابن إسحاق، وابن المنذر، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، والبيهقي في «الدلائل» ، وابن عساكر.
(2)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 399) برقم (7644) ، (7645) .
(3)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 399) برقم (7651) وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 417) .
(4)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 400) برقم (7652) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 492) ، والسيوطي بنحوه في «الدر المنثور» (2/ 116) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.
فلنذكُرِ الآن الحديثَ بكَمَالِهِ، لما فيه من الفوائد:
روى أبو هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ:«يَنْزِلُ رَبَّنَا تبارك وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يبقى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» «1» رواه الجماعةُ، أعني: الكتبَ الستَّة البخاريَّ، ومُسْلِماً، وأبا داوُدَ، والتِّرمذيَّ، والنَّسائيَّ، وابْنَ مَاجَة، وفي بعضِ الطُّرُق «2» :«حتى يَطْلُعَ الفَجْرُ» ، زاد ابْنُ ماجَة:«فَلِذَلِكَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ الصَّلَاةَ آخِرَ اللَّيْلِ على أَوَّلِهِ» .
وعن عمرو بْنِ عَبَسَة «3» أَنَّهُ سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فإنِ استطعت أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، فَكُنْ» «4» . رواه أبو داوُد، والتِّرمذيُّ، والنَّسَائِيُّ، والحَاكِمُ في «المستدرك» ، واللفظُ للتِّرمذيِّ، وقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وقال الحاكمُ: صحيحٌ على شرطِ مُسْلِمٍ. اهـ من «السلاح» .
وعن أبي أُمَامَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ:«جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرَ، ودُبُرَ الصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَاتِ» «5» ، رواه الترمذيُّ والنسائيُّ، وقال الترمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ، وفي روايةٍ:«جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرَ أرجى» ، أو نحو هذا. اهـ من «السلاح» .
(1) تقدم تخريجه.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
عمرو بن عبسة، السّلمي، أبو نجيح، صحابي مشهور. له ثمانية وأربعون حديثا. عنه أبو أمامة، وشر حبيل بن السّمط. قال الواقدي: أسلم ب «مكة» ثم رجع إلى بلاد قومه حتى مضت «بدر» و «أحد» و «الخندق» و «الحديبية» و «خيبر» ، ثم قدم «المدينة» . قال أبو سعيد: يقولون: إنه رابع أو خامس في الإسلام.
ينظر: «الخلاصة» (2/ 290) ، و «تهذيب الكمال» (2/ 1040) ، و «تهذيب التهذيب» (8/ 69) ت (107) ، و «الجرح والتعديل» (6/ 241) ، و «الثقات» (3/ 269) ، (4/ 251) ، و «أسد الغابة» (4/ 251) ، و «الاستيعاب» (3/ 1193) .
(4)
أخرجه الترمذي (5/ 569- 570) ، كتاب «الدعوات» باب (119) ، حديث (3579) ، والنسائي (1/ 279- 280) كتاب «الصلاة» ، باب النهي عن الصلاة بعد العصر، حديث (572) ، وابن خزيمة (2/ 182) .
وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.
(5)
أخرجه الترمذي (5/ 526- 527) ، كتاب «الدعوات» ، باب (79) ، حديث (3499) من طريق عبد الرّحمن بن سابط عنه به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن. [.....]