الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الجزء الثاني]
تفسير سورة آل عمران
بسم الله الرّحمن الرّحيم هذه السورة مدنيّة، بإجماع في ما علمت.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 1 الى 4]
بسم الله الرحمن الرحيم
الم (1) اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4)
قولُه جَلَّتْ قدرته: الم اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الأبْرَعُ في نَظْمِ الآيةِ أنّ يكون: اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ كلاماً مبتدأً جزماً جملةً رادةً على نصارَى نَجْرَانَ الذين وفَدُوا علَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَحَاجُّوهُ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وقالوا: إِنَّهُ اللَّهُ على مَا هُوَ معلومٌ في السِّيَرِ، فنزل فيهم صَدْر هذه السورةِ إِلى نيِّفٍ «1» وثمانين آية منها، إلى أن دعاهم صلى الله عليه وسلم إلى الابتهال.
وقد تقدَّم تفسيرُ قوله: الْحَيُّ الْقَيُّومُ في آية الكرسيِّ، والآيةُ هناك إِخبارٌ لجميعِ الناسِ، وكُرِّرتْ هنا إخباراً بحجج هؤلاءِ النصارى، ويردُّ عليهم إِذ هذه الصفاتُ لا يمكنهم ادعاؤها لعيسى- عليه السلام لأنهم إِذ يقولُون: إِنه صُلِبَ، فذلك مَوْتٌ في معتقَدِهِمْ، وإِذْ من البيِّن أنَّه ليس بقَيُّومٍ.
وقراءة الجمهور «القَيُّوم» ، وقرىء خارجَ السَّبْعِ:«القَيَّامُ» و «القَيِّمُ» «2» ، وهذا كلُّه مِنْ: قَامَ بالأَمْرِ يقُومُ به، إِذا اضطلع بحفْظِهِ، وبجميعِ ما يحتاجُ إليه في وجوده، فالله تعالى
(1) كل ما زاد على العقد، فهو نيّف- قال أبو العباس: الذي حصلناه من أقاويل حذاق البصريين والكوفيين أن النيف من واحدة إلى ثلاث.
ينظر: «لسان العرب» (4580)(نوف) .
(2)
قرأ «الحيّ القيّام» كل من عمر، وعثمان، وابن مسعود، والنخعي، والأعمش، وأصحاب عبد الله، وزيد بن علي، وجعفر بن محمد، وأبي رجاء بخلاف، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ «الحيّ القيّم» علقمة بن قيس. كما في «مختصر الشواذ» (ص 25) ، و «المحتسب» (1/ 151) ، و «المحرر الوجيز» (1/ 397) .
القَيَّامُ على كلِّ شيءٍ ممَّا ينبغِي له، أوْ فِيهِ، أوْ عليه.
ت: وقد تقدَّم ما نقلْناه في هذا الاِسم الشريفِ أنه اسمُ اللَّهِ الأعظمُ، قال النوويُّ: ورُوِّينَا في كتاب الترمذيِّ عَنْ أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ كَانَ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ، قَالَ:
«يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ» ، قَالَ الحاكمُ: هذا حديثٌ صحيحُ الإِسناد «1» . اهـ.
قال صاحب «سلاح المؤمن» : وعنْ عليٍّ- رضي الله عنه، قَالَ:«لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، قَاتَلْتُ شَيْئاً مِنْ قِتَالٍ، ثمَّ جئْتُ إلى رسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم أنظر ما صنع فجئت، فإذا هو ب سَاجِدٌ يَقُولُ: «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ» ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى القِتَالِ/، ثُمَّ جِئْتُ، فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ لَا يَزِيدُ على ذَلِكَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ إلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ جِئْتُ، فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ ذَلِكَ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ» رواه النِّسائِيُّ، والحاكمُ في «المستدرك» ، واللفظ للنسائِيِّ «2» .
وعن أسماء بنتِ يَزيد «3» رضي الله عنها أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اسم اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لَاّ إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ، وَفَاتِحَةِ آلِ عِمْرَانَ:
الم اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ» رواه أبو داود، واللفظُ له، والترمذيُّ، وابن ماجة «4» ، وقال التّرمذيّ: هذا حديث حسن صحيح.
(1) تقدم تخريجه في سورة البقرة.
(2)
أخرجه النسائي في «الكبرى» (6/ 156- 157) ، كتاب «عمل اليوم والليلة» ، باب الاستنصار عند اللقاء، حديث (10447) . والحاكم (1/ 222) ، من طريق عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، عن إسماعيل بن عون بن عبيد الله بن أبي رافع، عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه محمد بن عمر بن علي عن علي به.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
وتعقبه الذهبي، فقال: ابن موهب اختلف قولهم فيه، وإسماعيل فيه جهالة.
(3)
هي: أسماء بنت يزيد بن السكن بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث.. أم سلمة، الأنصارية، الأوسية، الأشهلية. خطيبة النساء.
قال ابن حجر في «الإصابة» : روت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث، وعند أبي داود بسند حسن عنها قالت:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تقتلوا أولادكم سرا إنه ليدرك الفارس فيدعثره عن فرسه» .
ينظر ترجمتها في: «أسد الغابة» (7/ 18، 19) ، «الإصابة» (8/ 12) ، «الثقات» (3/ 23) ، «الاستيعاب» (4/ 1787) ، «تجريد أسماء الصحابة» (2/ 245) ، «أعلام النساء» (1/ 53) ، «حلية الأولياء» (2/ 76) ، «خلاصة تذهيب تهذيب الكمال» (3/ 375) ، «الكاشف» (3/ 64) ، «تهذيب الكمال» (3/ 1678) ، «تهذيب التهذيب» (12/ 399) ، «تقريب التهذيب» (2/ 589) ، «بقي بن مخلد» (42) .
(4)
أخرجه أبو داود (1/ 470) ، كتاب «الصلاة» ، باب الدعاء، حديث (1496) ، والترمذي (5/ 517) ، كتاب «الدعوات» ، حديث (3478) ، وابن ماجة (2/ 1267) ، كتاب «الدعاء» ، باب اسم الله الأعظم، -
وعن أبي أمامة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«اسم اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي ثَلَاثِ سُوَرٍ: فِي سُورَةِ البَقَرَةِ، وآل عِمْرَانَ، وَطَه» ، قال القاسِمُ: فالتمستها أنَّهُ الحَيُّ القَيُّومُ «1» . انتهى.
وقوله: بِالْحَقِّ: يحتملُ معنيَيْنِ:
أحدهما: أنْ يكون المعنى: ضُمِّنَ الحقائقَ في خبره، وأمره، ونهيه، ومواعظه.
والثانِي: أنْ يكون المعنى: أنه نَزَّلَ الكتابَ باستحقاق أنْ يُنَزَّل لما فيه من المصلحةِ الشاملة، وليس ذلك على أنه واجبٌ على اللَّه تعالى أنْ يفعله.
ت: أي: إِذْ لا يجبُ عَلَى اللَّه سبحانه فعْلٌ قال ع «2» : فالباءِ، في هذا المعنى: على حدِّ قوله: سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ [المائدة: 116] . وقيل: معنى: بِالْحَقِّ: أيْ: مِمَّا اختلف فيه أهْلُ الكتابِ، واضطرب فيه هؤلاءِ النصارَى الوافِدُونَ.
قال ع «3» : وهذا داخلٌ في المعنى الأول.
وقوله: مُصَدِّقاً: حالٌ مؤكِّدة لأنه لا يمكن أنْ يكون غير مصدِّقٍ، لما بين يديه من كتب الله سبحانه، ولِما بَيْنَ يَدَيْهِ: هي التوراةُ والإِنجيلُ وسائرُ كُتُبِ اللَّه التي تُلُقِّيَتْ من شرعنا.
وقوله تعالى: مِنْ قَبْلُ: يعني: من قبل القرآن.
وقوله: هُدىً لِلنَّاسِ: معناه: دُعَاءٌ، والنَّاسُ: بنو إِسرائيل في هذا الموضع، وإن
- حديث (3855) . كلهم من طريق عيسى بن يونس، عن عبيد الله بن أبي زياد القداح، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد به.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وشهر بن حوشب صدوق، كثير الإرسال والأوهام.
ينظر: «التقريب» (1/ 355) .
(1)
أخرجه ابن ماجة (2/ 1267) ، كتاب «الدعاء» ، باب اسم الله الأعظم، حديث (3856) . والطبراني في «الكبير» (8/ 214) ، من طريق عيسى بن موسى، عن غيلان بن أنس، عن القاسم، عن أبي أمامة مرفوعا.
قال البوصيري في «الزوائد» (3/ 204) : هذا إسناد فيه مقال غيلان لم أر من جرحه، ولا من وثّقه.
(2)
ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 397) .
(3)
ينظر: المصدر السابق.