الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصواحِبِهَا مشَمِّراتٍ هَوَارِبَ، ما دُونَ أخْذِهِنَّ قليلٌ، ولا كثيرٌ إذ مالَتِ الرماةُ إلى العَسْكَر حين كَشَفْنَا القَوْمَ عَنه، يريدون النَّهْبَ، وخَلَّوْا ظهورَنَا للخَيْلِ، فَأُوتِينَا مِنْ أَدْبَارنا، وصَرَخَ صَارِخٌ أَلَا إنَّ محمَّداً قد قُتِلَ، وانكفأ علينا القومُ.
وقوله سبحانه: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا، يعني بهم الذين حَرَصُوا على الغنيمة، وكان المالُ همَّهم قاله ابنُ عَبَّاسٍ «1» ، وسائرُ المفسِّرين، وقال عبدُ اللَّهِ بْنُ مسْعود: ما كنتُ أرى أنّ أحدا من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم يريدُ الدنيا حتى نَزَلَ فينا يَوْمَ أُحُدٍ: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا» .
وقوله سبحانه: وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ إخبارٌ عن ثبوتِ مَنْ ثَبَتَ من الرُّماة، مع عبد اللَّه بن جُبَيْر امتثالا للأمْر حتى قُتِلُوا، ويدخلُ في هذا أنَسُ بْنُ النَّضْر، وكلُّ من جَدَّ ولم يضطرب من المؤمنين.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 153 الى 155]
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)
وقوله تعالى: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ العامل في إذ قوله: «عفا» ، وقراءة «3» الجمهور «تصعدون» (بضم التاء، وكسر العين) من: أصْعَدَ، ومعناه: ذَهَبَ في الأَرْضِ، والصعيدُ: وجهُ الأرض، ف «أَصْعَدَ» : معناه: دَخَلَ في الصَّعيد كما أنّ «أصبح» :
دخل في الصّباح.
(1) أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 472) برقم (8023) بنحوه، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 525) ، والسيوطي في «الدر المنثور» بنحوه (2/ 152) ، وعزاه لابن جرير.
(2)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 472) برقم (8023) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (1/ 362) ، وابن عطية (1/ 525) ، والسيوطي في «تفسيره» (2/ 152) .
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 525) ، و «البحر المحيط» (3/ 89) ، و «الدر المصون» (2/ 233) .
وقوله سبحانه: وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ مبالغةٌ في صفةِ الانهزامِ، وقرأ حُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ «1» :«على أُحُدٍ» (بضم الألف والحاء) ، يريد الجَبَلَ، والمعنيّ بذلك نبيّ الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان على الجَبَلِ، والقراءةُ الشهيرةُ أقوى لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يكُنْ علَى الجَبَلِ إلَاّ بعد ما فَرَّ الناسُ، وهذه الحالُ مِنْ إصعادهم إنَّما كانتْ، وهو يدعوهم، ورُوِيَ أنَّه كان يُنَادِي صلى الله عليه وسلم:
«إلَيَّ، عِبَادَ اللَّهِ» ، والناسُ يفرُّون، وفي قوله تعالى: فِي أُخْراكُمْ: مدح له صلى الله عليه وسلم فإن ذلك هو موقِفُ الأبطالِ في أعْقَابِ النَّاس ومنه قولُ الزُّبِيْرِ بْنِ باطا «2» : ما فَعَل مقدِّمتُنا إذَا حَمَلْنا، وحَامِيَتُنَا إذَا فَرَرْنَا وكذلك كان صلى الله عليه وسلم أشْجَعَ الناسِ ومنه قولُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ «3» /: كِنَّا إذا احمر البَأْسُ، اتقيناه برَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: فَأَثابَكُمْ: معناه: جازاكُمْ على صنيعكم، واختلف في معنى قوله تعالى: غَمًّا بِغَمٍّ، فقال قوم: المعنى: أثابكم غَمًّا بسبب الغمِّ الذي أدخلتموه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائرِ المسلمينَ بفَشَلكم، وتَنَازُعِكم، وعِصْيَانكم. قال قتادة، ومجاهد:
الغَمُّ الأول: أنْ سَمِعُوا أَلَا إنَّ محمّدا قد قتل، والثاني: القتل والجراح «4» .
وقوله تعالى: لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى مَا فاتَكُمْ، أي: من الغنيمة، ولا ما أصابكم، أي: من القَتْل والجِرَاحِ، وذُلِّ الانهزام، واللامُ من قوله:«لكَيْ لَا» متعلِّقة ب «أثَابَكُمْ» ، المعنى: لتعلموا أنَّ ما وقَعَ بكُمْ إنما هو بجنايَتِكُمْ، فأنتم آذيتم أنفسكم، وعادةُ البَشَر أنَّ جانِيَ الذنْبِ يَصْبِرُ للعقوبة، وأكْثَرُ قَلَقِ المعاقَبِ وحُزْنِهِ، إنما هو مع ظَنِّه البراءةَ بنَفْسه، ثم ذكر سبحانه أمْرَ النُّعَاس الذي أَمَّنَ به المؤمنِينَ، فغشي أهْل الإخلاص، قُلْتُ: وفي صحيح البخاريِّ» ، عن أنسٍ أنَّ أبَا طَلْحَةَ قَالَ: غَشِينَا النُّعَاسُ، ونَحْنُ فِي مَصَافِّنَا يَوْمَ أحد، قال:
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 526) ، و «البحر المحيط» (3/ 90) ، و «الدر المصون» (1/ 234) .
(2)
قال السهيلي: «هو الزبير، بفتح الزاي وكسر الباء، جد الزبير بن عبد الرّحمن المذكور في «الموطأ» في كتاب النكاح. واختلف في الزبير بن عبد الرّحمن فقيل: الزبير، بفتح الزاي وكسر الباء، كما سمي جده، وقيل: الزبير» . [.....]
(3)
سلمة بن عمرو بن الأكوع، واسم الأكوع سنان بن عبد الله. وقيل: اسم أبيه وهب، وقيل غير ذلك.
أول مشاهده «الحديبية» ، وكان من الشجعان، ويسبق الفرس عدوا، وبايع النبيّ صلى الله عليه وسلم عند الشّجرة على الموت.
ينظر: «طبقات ابن سعد» (4/ 305) ، و «الإصابة» (3/ 127) ، و «أسد الغابة» (ت 2179) ، و «طبقات خليفة» (689) ، و «الخلاصة» (126) ، و «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 1/ 229) ، و «تهذيب التهذيب» (4/ 150) .
(4)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 479) برقم (8059) ، (8061) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 526) .
فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُطُ مِنْ يَدِي وآخُذُهُ، وَيَسْقُطُ وَآخُذُهُ «1» ، ونحْوه عن الزُّبَيْر «2» ، وابنِ مسْعود «3» ، «والواوُ» في قوله: وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ، واو الحال، ذَهَب أكثر المفسِّرين إلى أنَّ اللفظة من الهَمِّ الذي هو بمعنَى الغَمِّ والحُزْن.
وقوله سبحانه: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ: معناه: يظنُّون أنَّ دين الإسلام ليس بحقٍّ، وأنَّ أمر محمّد صلى الله عليه وسلم يضمحلُّ.
قلْتُ: وقد وردَتْ أحاديثُ صِحَاحٌ في الترغيبِ في حُسْن الظَّنِّ باللَّه عز وجل، ففي «صحيح مسلم» ، وغيره، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حاكِياً عن اللَّه عز وجل يقولُ سبْحَانه: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي
…
» «4» الحديثَ، وقال ابْنُ مَسْعود: واللَّه الَّذِي لَا إله غيره، لا يُحْسِنُ أحَدٌ الظنَّ باللَّه عز وجل إلا أعطاه اللَّهُ ظنَّه، وذلك أنَّ الخَيْر بيده، وخرَّج أبو بَكْرِ بْنُ الخَطِيب بسنده، عن أنس أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مِنْ حُسْنِ عِبَادَةِ المَرْءِ حُسْنُ ظَنِّهِ» «5» اهـ. وقوله:
(1) أخرجه البخاري (7/ 422) ، كتاب «المغازي» ، باب: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ، حديث (4068) ، (8/ 76) كتاب «التفسير» ، باب أَمَنَةً نُعاساً، حديث (4562) ، والترمذي (5/ 229- 230) كتاب «التفسير» ، باب ومن سورة آل عمران، حديث (3008) ، وأحمد (4/ 29) ، وابن حبان (7180) ، والطبري في «تفسيره» (3/ 484) رقم (8075، 8076) ، والطبراني في «الكبير» (5/ 95- 96) رقم (4699، 4700) ، والبيهقي في «دلائل النبوة» . (3/ 273- 274) كلهم من طريق قتادة عن أنس به.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وأخرجه الترمذي (5/ 229) ، كتاب «التفسير» ، باب ومن سورة آل عمران، حديث (3007) ، وابن سعد في «الطبقات» (3/ 505) ، وابن أبي شيبة (14/ 406- 407) ، والطبري في «تفسيره» (3/ 483- 484) رقم (8074) ، والحاكم (2/ 297) ، والبيهقي في «الدلائل» (3/ 272) ، وأبو نعيم في «الدلائل» ص (367) كلهم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس به.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وأخرجه ابن سعد (3/ 505) ، والطبري في «تفسيره» (3/ 483) رقم (8073) من طريق حميد عن أنس.
والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (2/ 155) ، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه.
وللحديث شاهد من حديث الزبير بن العوام: أخرجه الترمذي (5/ 229) كتاب «التفسير» ، باب ومن سورة آل عمران، حديث (3007) من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير به بنحو حديث أنس.
(2)
ينظر الحديث السابق.
(3)
ينظر الحديث السابق.
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
تقدم تخريجه.
ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ: ذهب الجمهورُ إلى أنَّ المراد مدَّة الجاهليَّة القديمَة قَبْل الإسلام، وهذا كقوله سبحانه: حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ [الفتح: 26] وتَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ [الأحزاب: 33] وذهب بعضُ المفسِّرين إلى أنَّ المراد في هذه الآيةِ ظَنُّ الفِرْقَةِ الجاهليَّة، وهم أبو سُفْيَانَ ومن معه، قال قتادة وابن جريج: قيل لعبد الله بن أُبَيٍّ ابن سَلُولَ: قُتِلَ بَنُو الخَزْرَجِ، فَقَالَ: وهلْ لنا من الأمْرِ من شَيْء، يريدُ أنَّ الرأْيَ ليس لنا، ولو كان لَنَا منْهُ شيْءٌ، لسمع مَنْ رأينا، فلم يَخْرُجْ، فلم يُقْتَلْ أحدٌ منا.
وقوله «1» سبحانه: قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ اعتراضٌ أثناء الكلامِ فصيحٌ، ومضمَّنه الردُّ عليهم، وقوله سبحانه: يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ
…
الآية: أخبر تعالى عنهم على الجُمْلة دُونَ تَعْيين، وهذه كانَتْ سُنَّتَهُ في المنافقينَ، لا إله إلا هو.
وقوله سبحانه: يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنا هاهُنا هي مقالةٌ سُمِعَتْ من مُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ المغموصِ «2» عليه بالنِّفَاق، وباقي الآية بيِّن.
وقوله تعالى: وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ: اللام في «ليبتلي» متعلِّقة بفعلٍ متأخِّرٍ، تقديره: وليبتليَ وليمحِّصَ فعْلَ هذه الأمور الواقعة، والابتلاءُ هنا/ الاختبار.
وقوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ قال عُمَرُ رضي الله عنه : المرادُ بهذه الآية جميعُ مَنْ تولى ذلك اليَوْمَ عن العدُوِّ «3» .
وقيل: نزلَتْ في الذين فرّوا إلى المدينة.
(1) ذكره ابن عطية في تفسيره (1/ 528) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 156) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج.
(2)
معتّب بن قشير بن مليل بن زيد بن العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن الأوس، الأنصاريّ، الأوسيّ.
ذكروه فيمن شهد العقبة. وقيل: إنه كان منافقا، وإنه الذي قال يَوْمَ أحُدٍ: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا [آل عمران: 154] وقيل: إنه تاب.
وقد ذكره ابن إسحاق فيمن شهد بدرا.
ينظر: «الإصابة» (6/ 137) ، و «أسد الغابة» ت (5017) ، و «الاستيعاب» ت (2485) ، و «المؤتلف والمختلف» (219) .
(3)
ذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 529) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 157) ، وعزاه لابن جرير عن كليب عنه به.