الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله سبحانه: وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ، والمسارعة في الكُفْر: هي المبادرة إلى أقواله وأفعاله، والجِدُّ في ذلك، وسَلَّى اللَّه تعالى نبيَّه- عليه السلام بهذه الآية عنْ حالِ المنافقين والمجاهِرِين إذ كلُّهم مسارعٌ، وقوله تعالى: إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً: خبرٌ في ضِمْنِهِ وعيدٌ لهم، أي: وإنما يضرُّون أنفسهم، والحَظُّ: إذا أطلق، فإنما يستعملُ في الخير، وقوله سبحانه: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ: نُمْلِي: معناه: نُمْهِلُ ونَمُدُّ في العمر، والمعنى: لا تَحْسَبَنَّ إملاءنا للذين كَفَرُوا خَيْراً لهم، فالآيةُ ردٌّ على الكفَّار في قولهم: إنَّ كوننا مموَّلِينَ أصحّة دليل على رضا الله بحالتنا.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 179 الى 180]
ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)
وقوله تعالى: مَّا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ، أيْ: ليدع المؤمنين مختلطين بالمنافقين، مُشْكِلاً أمرَهُم حتى يميز بعْضَهُم مِنْ بعض بما يظهره مِنْ هؤلاء وهؤلاء في «أُحُدٍ» من الأفعال والأقوال، هذا تفسيرُ مجاهد وغيره «1» .
وقوله: وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ، أي: في أمر أُحُدٍ، وما كان من الهزيمة وأيضاً: فما كان اللَّه ليطلعكم على المنافقين تصريحاً وتسميةً لهم، ولكنْ بقرائنِ أفعالهم وأقوالهم.
قال الفَخْر «2» : وذلك أنَّ سنة اللَّه جاريةٌ بأنَّه لا يُطْلِعُ عوامَّ الناس على غَيْبِهِ، أي: لا سبيلَ لكم إلى معرفة ذلك الإمتياز إلَاّ بامتحانات كما تقدَّم، فأمَّا معرفةُ ذلك على سبيلِ الإطلاعِ مِنَ الغَيْبِ، فهو من خواصِّ الأنبياء، فلهذا قال تعالى: وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ. انتهى.
وقال الزَّجَّاج «3» وغيره: رُوِيَ أنَّ بعض الكُفَّار قال: لِمَ لا يكون جميعنا أنبياء،
(1) ذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 439) بنحوه، وذكره أيضا ابن عطية في «تفسيره» (1/ 546) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 184) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد. [.....]
(2)
ينظر: «مفاتيح الغيب» لفخر الدين الرازي (9/ 90) .
(3)
ينظر: «معاني القرآن وإعرابه» للزجاج (1/ 492) .
فنزلت هذه الآية، ويَجْتَبِي: معناه: يَخْتَارُ ويصْطَفِي، وقوله سبحانه: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ الآية: قال السُّدِّيُّ وجماعةٌ من المتأوِّلين: الآية نزلَتْ في البُخْل بالمال، والإنفاقِ في سبيل اللَّه، وأداء الزكاة المفْرُوضَة، وَنحْو ذلك، قال: ومعنى: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ هو الذي ورد/ في الحديثِ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:«مَا مِنْ ذِي رَحِمٍ يَأْتِي ذَا رَحِمِهِ، فَيَسْأَلَهُ مِنْ فَضْلٍ عِنْدَهُ، فَيَبْخَلُ عَلَيْهِ إلَاّ أُخْرِجَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعٌ مِنَ النَّارِ يَتَلَمَّظُ حتى يُطَوَّقَه» «1» ، قُلْتُ: وفي البخاريّ وغيره، عنه صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ شُجَاعاً أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ يَأْخُذُ بلَهْزَمَتَيْهِ، يَعْنِي: شِدْقَيهِ، يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلَا هذه الآيةَ: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
…
«2» الأية.
قلْتُ: واعلم أنه قد وردَتْ آثار صحيحةٌ بتعذيبِ العُصَاة بنَوْعٍ مَا عَصَوْا به كحديث:
(1) أخرجه الطبراني في «الكبير» (2/ 322) رقم (2343) من حديث جرير بن عبد الله.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/ 157)، وقال: رواه الطبراني في «الأوسط» و «الكبير» ، وإسناده جيد.
وله شاهد من حديث حجير بن بيان: ذكره الحافظ في «المطالب العالية» (3/ 314) رقم (3568) ، وعزاه لأبي بكر بن أبي شيبة.
(2)
أخرجه البخاري (3/ 315) ، كتاب «الزكاة» ، باب إثم مانع الزكاة، حديث (1403) من حديث أبي هريرة.
(3)
أخرجه البخاري (10/ 258) ، كتاب «الطب» ، باب شرب السم والدواء..، حديث (5778) ، ومسلم (1/ 103) كتاب «الإيمان» ، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، حديث (109/ 175) ، وأبو داود (2/ 400) كتاب «الطب» ، باب في الأدوية المكروهة، حديث (3872) ، والترمذي (4/ 386) كتاب «الطب» ، باب ما جاء فيمن قتل نفسه بسم أو غيره، حديث (2043، 2044) ، والنسائي (4/ 66- 67) كتاب «الجنائز» ، باب ترك الصلاة على من قتل نفسه، وابن ماجة (2/ 1145) ، كتاب «الطب» ، باب النهي عن الدواء الخبيث، حديث (3460) ، وأحمد (2/ 254، 478) ، والدارمي (2/ 192) كتاب «الديات» ، باب التشديد على من قتل نفسه، وابن حبان (5986- الإحسان) ، وابن منده في «الإيمان» (627، 628، 629) ، والبيهقي (8/ 23- 24) كتاب «الجنايات» ، باب التغليظ على من قتل نفسه، كلهم من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة به.
وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 291- 292) وقال: رواه أحمد والطبراني باختصار، ورجال أحمد رجال الصحيح، غير عبد الله بن جنادة، وهو ثقة.
حديث سلمان: -