الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنفسَهُمْ كانَتْ بالباطلِ، والكَذِبِ ويُقَوِّي أنَّ التزكية كانَتْ بقولهم: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ أنَّ الافتراء أعظم في هذه المقالة، وكَيْفَ يَصِحُّ أنْ تكونَ في موضِع رَفْعٍ بالاِبتداءِ، والخبر في قوله يَفْتَرُونَ وكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً خبرٌ في ضِمْنه تعجُّب وتعجيبٌ مِنْ أمْرهم.
قال ص: وَكَفى بِهِ عائدٌ على الاِفتراءِ، وقيل: على الكذب. انتهى.
[سورة النساء (4) : الآيات 51 الى 52]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (51) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (52)
وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ
…
الآية: أجْمَعَ المتأوِّلون أنَّ المراد بها طائفةٌ من اليهود، والقَصَصُ يبيِّن ذلك، ومجموعُ ما ذكره المفسّرون في تفسيره الجِبْتِ والطَّاغُوتِ يقتضي أنَّهُ كُلُّ مَا عُبِدَ وأُطِيعَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تعالى.
وقوله تعالى: وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا
…
الآية: سببها أنَّ قريشاً قالَتْ لِكَعْبِ بْنِ الأشْرَفِ، حين وَرَدَ مكَّة: أنْتَ سَيِّدُنَا، وَسيِّدُ قَوْمِكَ، إنَّا قومٌ نَنْحَرُ الكَوْمَاءَ «1» ، وَنَقْرِي الضَّيْفَ، وَنَصِلُ الرَّحِمَ، وَنَسْقِي الحَجِيجَ، وَنَعْبُدُ آلِهَتَنَا الَّتِي وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا، وهَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ قَطَعَ الرَّحِمَ، فَمَنْ أهدى نَحْنُ أوْ هُوَ؟ فَقَالَ كَعْبٌ: أَنْتُمْ أهدى مِنْهُ، وَأَقْوَمُ دِيناً، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيةُ، قاله ابنُ عبَّاسٍ «2» ، فالضمير في «يَقُولُونَ» / عائد على كعْبٍ، وعلى الجماعةِ الَّتي معه من اليهودِ المُحَرِّضين على قتال النبيّ صلى الله عليه وسلم و «الّذين كَفَرُوا» في هذه الآيةِ هم كفَّار قريشٍ، والإشارة ب «هؤلاء» إليهم والَّذِين آمنوا هم النبيّ صلى الله عليه وسلم وأمته، وقالتْ فرقة:
بل المرادُ حُيَيُّ بنُ أَخْطَبَ وأتباعه، وهم المقصودُ من أول الآيات.
قال ص: «لِلَّذِينَ» : اللامُ للتبليغِ متعلِّقة ب «يقولون» . انتهى.
[سورة النساء (4) : الآيات 53 الى 55]
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (55)
(1) ناقة كوماء: عظيمة السّنام طويلته. ينظر: «لسان العرب» (3958) .
(2)
أخرجه الطبري (4/ 136- 137) برقم (9791) ، وذكره ابن عطية (2/ 66- 67) ، وابن كثير (1/ 513) .
وقوله تعالى: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ
…
الآية: عُرْفُ «أَمْ» أنْ تُعْطَفَ بعد استفهامٍ متقدِّم كقولك: أَقَامَ زَيْدٌ أَمْ عَمْرٌو؟ فَإذا وردَتْ، ولم يتقدَّمها استفهامٌ كما هي هنا، فمذهب سيبَوَيْهِ أنَّها مضمَّنةٌ معنى الإضراب عن الكلامِ الأوَّلِ، والقَطْع منه، وهي متضمِّنة مع ذلك مَعْنَى الاِستفهام، فهي بمعنى «بَلْ» مع همزةِ استفهامٍ كقول العربِ:«إنها لإِبِلٌ أَمْ شَاءٌ» ، التقدير عند سيبويه: إنَّهَا لإِبِلٌ بَلْ أَهِيَ شَاءٌ؟ وَكَذَلك هذا الموضعُ: بَلْ أَلهُمْ نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ، فإذا عرفْتَ هذا، فالمعنى على الأرجَحِ الذي هو مذْهَبُ سيبَوَيْهِ والحُذَّاقِ: أنَّ هذا استفهامٌ على معنى الإِنكار، أي: ألهم مُلْكٌ فإذن لَوْ كان، لَبَخِلُوا به، والنَّقِيرُ: هي النُّكْتَةُ التي في ظَهْر النَّوَاة من التَّمْر هذا قول الجمهور، وهَذَا كنايةٌ عن الغايَةِ في الحَقَارة والقِلَّة، وتُكْتَبُ «إذَنْ» بالنُّون وبالألِفِ، فالنُّونُ هو الأصْلُ ك «عَنْ» ، وَ «مِنْ» ، وجاز كتبها بالألِفِ لصحَّة الوقوفِ عليها، فأشبهَتْ نونَ التَّنْوينِ، ولا يصحُّ الوقوف على عَنْ ومِنْ.
وقوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ
…
الآية: «أمْ» هذه على بابها من العطْفِ بعد الاِستفهام.
وقال ص: أَمْ يَحْسُدُونَ: «أَمْ» أيضاً منقطعةٌ تتقدَّر ب «بَلْ» و «الهمزة» .
انتهى. قلت: والظاهر ما قاله ع «1» واختلف في المراد ب «الناس» هنا.
فقال ابن عبّاس وغيره: هو النبيّ صلى الله عليه وسلم، والفَضْلُ: النبوَّة فقط «2» ، والمعنى: فَلِمَ يخصُّونه بالحَسَد، ولا يَحْسُدُونَ آل إبراهيم في جميعِ مَا آتيناهم مِنْ هذا وغيره مِنَ المُلْك، وقال قتادة:«النَّاسُ» هنا: العَرَبُ، حَسَدَتْها بَنُو إسرائيل في أن كان النبيّ صلى الله عليه وسلم منْها، والفَضْلُ على هذا التأويل هو محمَّد صلى الله عليه وسلم «3» ، قَالَ أبو عُمَرَ بْنُ عبدِ البَرِّ: وقد ذَمَّ اللَّه قوماً على حَسَدهم، فقال: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، ثم حدَّث بسنده، عن عمرو بن مَيْمُونٍ، قَالَ: لما رَفَع اللَّه موسى نَجِيًّا، رأى رجُلاً متعلِّقاً بالعَرْش، فقال: يا رَبِّ، مَنْ هَذَا، فقالَ: هذا عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي، صَالِحٌ، إن شئت أخبرتك بعمله،
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 68) .
(2)
ذكره البغوي (1/ 442) ، وابن عطية (2/ 68) .
(3)
أخرجه الطبري (4/ 141) برقم (9825) ، وذكره البغوي (1/ 442) ، وابن عطية (2/ 68) ، والسيوطي (2/ 309) وعزاه لابن جرير. [.....]