الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَمِعَ موسى- عليه السلام قولهم، ورأى عصيانهم، تبرَّأ إلى اللَّه منهم، وقال داعياً عليهم: رَبِّ إِنِّي لآ أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي، يعني: هارونَ.
وقوله: فَافْرُقْ بَيْنَنا: دعاء حرجٍ، والمعنى: فافرق بيننا وبينهم حتى لا نشقى بفسقهم، قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أي: قال اللَّه، وحرَّم اللَّه تعالى على بني إسرائيل دخولَ تلك المدينة أربعين سنةً يتيهونَ في الأرض، أي: في أرض تلك النازلة، وهو فَحْص التيه وهو على ما يحكى: طولُ ثلاثين ميلاً «1» ، في عَرْضِ ستَّةِ فراسِخَ، ويروى أنه لم يدخلِ المدينةَ أحد من ذلك الجِيلِ إلَاّ يُوشَعَ، وكَالُوث، وروي أنَّ يُوشَعَ نُبِّىءَ بعد كمالِ الأربعين سنَةً، وخرَجَ ببني إسرائيل من التيه، وقاتل الجَبَّارين، وفتح المدينةَ، وفي تلك الحَرْب، وقفَتْ له الشمسُ ساعةً، حتى استمرَّ هزم الجبَّارين، والتيه: الذَّهَاب في الأرض إلى غير مقصِدٍ معلوم.
وقوله تعالى: فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ معناه: فلا تحزَنْ، والخطابُ بهذه الآية لموسى- عليه السلام، قال ابنُ عباس: ندم موسى على دعائه على قومه، وحزن عليهم، فقال الله له: فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ «2» .
[سورة المائدة (5) : الآيات 27 الى 30]
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (30)
وقوله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً
…
الآية: اتل:
معناه: اسرد وأَسْمِعْهم إياه، وهذه مِنْ علوم الكتب الأُوَلِ، فهي مِنْ دلائل نبوَّة نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم إذْ هي من غامِضِ كتب بني إسرائيل. قال الفَخْر «3» : وفي الآية قولان:
أحدهما: اتل على الناس.
والثاني: اتل على أهْلِ الكتابِ. انتهى.
(1) الميل من الأرض: قدر منتهى مد البصر، وهو ثلث الفرسخ. وهو مقياس للطول قدّر قديما بأربعة آلاف ذراع، وحديثا بستين وسبعمائة وألف ياردة. ينظر:«لسان العرب» (4311) ، و «المعجم الوسيط» (901) .
(2)
أخرجه الطبري بنحوه في «تفسيره» (4/ 526)(11705) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (2/ 177) .
(3)
ينظر: «مفاتيح الغيب» (11/ 160) .
وابْنَيْ آدَمَ: هما لصلبه، وهما هَابِيلُ وقَابِيلُ، روت جماعة من المفسِّرين منهم ابن مسعود أنَّ سبب هذا التقريبِ أنَّ حوَّاء كانت تَلِدُ في كلِّ بطْن ذكراً وأنثى، وكان الذَّكَر يتزوَّج أنثَى البطْن الآخر، ولا تحلُّ له أخته توءمته، فولدَتْ مع قابيلَ أختاً جميلةً، ومع هابيلَ أختاً ليست كذلك، فلمَّا أراد آدم أن يزوِّجها من هَابِيلَ، قال قابيل: أنا أحَقُّ بأختي، فأمره آدم، فلم يأتمر، فاتفقوا على التَّقْريب، فتُقُبِّل قربانُ هابيلَ، ووجب أنْ يأخذ أخت قابيلَ فحينئذٍ: قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ «1» ، وقولُ هابيلَ: إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ: كلامٌ، قبله محذوفٌ، تقديره: ولِمَ تقتلُنِي، وليس لي ذنُبٌ في قبول اللَّه قربانِي، وإنما يتقبَّل اللَّه من المتَّقين؟! وإجماع أهل السُّنَّة في معنى هذه الألفاظ: أنها اتقاء الشِّرْكِ، فمن اتقاه، وهو موحِّد، فأعماله التي تَصْدُقُ فيها نيتُه مقبولةٌ، وأما المتَّقِي للشرْكِ وللمعاصِي، فله الدرجةُ العليا من القَبُول/ والخَتْم بالرحمة، عُلمَ ذلك بإخبار اللَّه تعالى لا أنَّ ذلك يَجِبُ على اللَّه تعالى عقْلاً.
قلتُ:
قال ع: في معنى هذه الألفاظ (يعني حيث وقعت في الشرع) ، وأما في هذه الآية، فليس باتقاء شرك على ما سيأتي، وقولُ هابيلَ: مَا أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ
…
الآية: قال عبد اللَّه بن عمر، وجمهورُ النَّاس: كان هابيلُ أشَدَّ قوةً من قابيلَ، ولكنَّه تحرَّج «2» ، وهذا هو الأظهر.
قال ع «3» : ومن هنا يقوى أن قابيل إنما هو عاصٍ، لا كافر لأنه لو كان كافراً، لم يكن للتحرّج هنا وجه، وتَبُوءَ: معناه: تمضِي متحمِّلاً، وقوله: بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ:
قيل: معناه: بإثم قَتْلي وسائرِ آثامك، وقيل: المعنى: بإثمي الذي يختصُّ بي فيما فَرَط لي، وهذا تأويل يعضده قول النبيّ صلى الله عليه وسلم:«يؤتى بِالظَّالِمِ وَالمَظْلُومِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِ الظَّالِمِ، فَتُزَادُ فِي حَسَنَاتِ المَظْلُومِ حتى يَنْتَصِفَ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ، أُخِذَ من سيّئات المظلوم، فتطرح عليه» «4» .
(1) أخرجه الطبري في «تفسيره» (4/ 529)(11718) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (2/ 28) ، وابن عطية (2/ 179) والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 481) وعزاه لابن جرير، عن ابن مسعود، عن ناس من الصحابة.
(2)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (4/ 532)(11730) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (2/ 29) ، وابن عطية (2/ 179) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 484) وعزاه لابن جرير.
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 179) .
(4)
تقدم تخريجه.