الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقاً، أُعْطِيِهَا، وَلَوْ لَمْ تُصْبْهُ» «1» ، انفرد به مُسْلم. انتهى من «سلاح المؤمن» .
[سورة آل عمران (3) : الآيات 159 الى 160]
فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)
وقوله سبحانه: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ: معناه: فبرحمةٍ، قال القُشَيْريُّ في «التحبير» : واعلَمْ أنَّ اللَّه سبحانه يحبُّ من عباده مَنْ يرحم خَلْقه، ولا يرحم العبد إلَاّ إذا رحمه الله سبحانَهُ، قال اللَّه تعالى لنبيِّه- عليه السلام: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ.
انتهى.
قال ع «2» : ومعنى هذه الآيةِ التقريعُ لكلِّ مَنْ أخلَّ يومَ أُحُدٍ بمَرْكزه، أي: كانوا يستحقُّون الملام منْكَ، ولكنْ برحمةٍ منه سُبْحَانه/ لِنْتَ لهم، وجَعَلَكَ على خُلُقٍ عظيمٍ، وبعَثَكَ لتتميمِ محاسنِ الأخلاق، ولو كُنْتَ فظًّا غليظَ القَلْب، لانفضوا مِنْ حولك، وتفرَّقوا عَنْكَ، والفَظُّ: الجافي في منطقه ومقاطعه، وفي صفته صلى الله عليه وسلم في الكُتُب المُنزَّلة:«لَيْسَ بِفَظٍّ ولا غَلِيظٍ وَلَا صَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ» «3» ، والفَظَاظة: الجَفْوة في المعاشرة قولاً وفعلاً، وغِلَظُ القَلْب: عبارةٌ عن تجهُّمِ الوجْهِ، وقلَّةِ الانفعالِ في الرغَائِبِ، وقلَّةِ الإشفاقِ والرَّحْمةِ، والانفضاضُ: افتراق الجموع.
وقوله تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ
…
الآية: أمر سبحانه نبيَّه- عليه السلام بهذه الأوامر التي هِيَ بتدريجٍ بليغٍ، فأمره أنْ يعفو عَنْهم فيما له عليهم من حقّ، ثمّ
- والنسائي (6/ 36- 37) كتاب «الجهاد» ، باب مسألة الشهادة، وابن ماجة (2/ 935) كتاب «الجهاد» ، باب القتال في سبيل الله سبحانه وتعالى، حديث (2797) ، والدارمي (2/ 205) كتاب «الجهاد» ، باب فيمن سأل الله الشهادة، وابن حبان (3192) ، والبيهقي (9/ 169- 170) كتاب «السير» ، باب تمني الشهادة ومسألتها، والطبراني في «الكبير» (6/ 72) رقم (5550) كلهم من طريق عبد الرّحمن بن شريح عن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه عن جده مرفوعا.
وقال الترمذي: حديث حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إِلا من حديث عبد الرّحمن بن شريح.
(1)
أخرجه مسلم (3/ 1517) ، كتاب «الإمارة» ، باب استحباب طلب الشهادة في سبيل الله تعالى، حديث (156/ 1908) من حديث أنس بن مالك.
(2)
ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 533) .
(3)
تقدم.
يستغفر لهم فيما للَّه علَيْهم مِنْ تَبِعَةٍ، فإذا صاروا في هذه الدَّرَجَة، كانوا أهلاً للاستشارة.
قال ع «1» : ومَنْ لا يستشيرُ أهل العِلْمِ والدِّين، فعَزْلُه واجبٌ، هذا ممَّا لا خلافَ فيه، وقد وردَتْ أحاديثُ كثيرةٌ في الاستشارة، ومُشَاورته- عليه السلام إنما هي في أمور الحَرْب والبُعُوث ونحوه من أشخاصِ النَّوَازِلِ، فأما في حلالٍ، أو حرامٍ، أو حَدٍّ، فتلك قوانينُ شَرْعٍ، ما فرَّطنا في الكتابِ مِنْ شيء، والشورى مبنيَّة على اختلافِ «2» الآراءِ، والمُسْتَشِيرُ ينظر في ذَلِكَ الخلافِ، ويتخيَّر، فإذا أرشده اللَّه إلى ما شاء منْهُ، عزم علَيْه، وأنفذه متوكِّلاً على اللَّه إذ هو غايةُ الاجتهادِ المَطْلُوب منه، وبهذا أمر اللَّه تعالى نبيَّه في هذه الآيةِ، وصِفَةُ المُسْتشارِ في الأحكامِ أنْ يكونَ عالماً ديِّناً، وقلَّما يكونُ ذلك إلَاّ في عاقلٍ، فقَدْ قال الحَسَنُ ابْنُ أبِي الحَسَنِ: ما كَمَلَ دِينُ امرئ لَمْ يَكْمَلْ عَقْلُهُ «3» .
قال ع «4» : والتوكُّل على اللَّه سبحانه وتعالى مِنْ فروض الإيمانِ وفصولِهِ، ولكنَّه مقترنٌ بالجِدِّ في الطاعاتِ، والتَّشْميرِ والحَزَامَةِ بغايةِ الجُهْدِ، وليس الإلقاء باليدِ وما أشبهه
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 534) .
(2)
الشورى: مصدر بمعنى التشاور، يقال: تشاور القوم إذا اجتمعوا على الأمر ليستشير كل واحد منهم صاحبه، ويستخرج ما عنده من رأي، من قولهم: شرت الدابة: إذا عرضتها على مشتريها ليبلوها وينظر ما عندها، وبالعرض يعلم خيرها وشرها، فكذلك بالتشاور يعلم خير الأمور وشرها.
والشورى دعامة الحكومة الإسلامية، وعليها مدار انتظامها وحسن سلوكها وسعادتها، فأعدل الحكومات هي الحكومة الشورية، لذلك عنى الله سبحانه وتعالى بأمرها حتى قرر أصولها، في كثير من آيات الذكر الحكيم، وأمر بها رسوله المعصوم، قال تعالى: وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ [الشورى: 38] ، فامتدحهم بأن أمرهم شورى بينهم وقرنوه بأصل الإيمان، وهو الاستجابة إلى الله، وبأقوى أركانه وهو الصلاة، وفي هذا تنويه بشأنها، وإعلاء من أمرها، وتنبيه على أنها من أصول الإسلام ودعائمه.
وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: 159] .
روي عن الحسن البصري أنه قال في تفسير هذه الآية: «قد علم الله أنه ما به إليهم من حاجة، ولكن أراد أن يستنّ به من بعده» .
وقال البيضاوي في تفسيرها: عاملهم معاملة العفو والصفح فيما يختص بك، واطلب المغفرة لهم، واستظهر برأيهم، وشاورهم في أمر الحرب وفي كل ما تصح فيه المشاورة لتطييب نفوسهم ولتمهيد سنة المشاورة لأمتك.
ينظر: «الخلافة» لشيخنا عبد الفتاح الجوهري.
(3)
ذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 534) .
(4)
ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 534) .
بتوكُّل، وإنما هو كما قال- عليه السلام:«قَيِّدْهَا وَتَوَكَّلْ» .
وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ هذه غايةٌ في الرِّفْعة، وشَرَفِ المنزلةِ، وقد جاءت آثار صحيحةٌ في فَضْل التوكُّلِ وعظيمِ منزلةِ المتوكِّلين، ففي «صحيح مُسْلِمٍ» عن عمران بن حصين أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:«يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفاً بِغَيْرِ حِسَابٍ، قَالُوا: مَنْ هُمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ لَا يَرْقُونَ، وَلَا يَستَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» ، «1» وخَرَّج أبو عيسَى التِّرمذيُّ، عن أبي أُمَامَةَ، قَالَ: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِل الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفاً لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ، وَلَا عَذَابَ، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفاً وَثَلَاثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي» ، وخرَّجه ابن ماجة أيضاً «2» ، وخرَّج أبو بَكْرٍ البَزَّارُ، وأبو عَبْدِ اللَّهِ التِّرمذيُّ الحكيمُ، عنْ عبد الرحمنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصديقِ رضي الله عنه ، قَالَ: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَعْطَانِي سَبْعِينَ أَلْفاً يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَهَلَاّ استزدته قَالَ: قَدِ استزدته، فَأَعْطَانِي مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ السَّبْعِينَ الأَلْفَ سَبْعِينَ أَلْفاً، فقالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَهَلَاّ استزدته، فَقَالَ: قَدِ استزدته، فَأَعْطَانِي هَكَذَا، وفَتَحَ أَبُو وَهْبٍ يَدَيْهِ، قَالَ أَبُو وَهْبٍ: قَالَ هِشَامٌ:
هَذَا مِنَ اللَّهِ لَا يدرى، مَا عَدَدُهُ» «3» ، وخرَّج أبو نُعَيْمٍ، عن أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الجَنَّة/ مِنْ أُمَّتِي مِائَةَ أَلْفٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زِدْنَا، قَالَ: وَهَكَذَا، وَأَشَارَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زِدْنَا، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّ اللَّهَ عز وجل قَادِرٌ أَنْ يُدْخِلَ النَّاسَ الجَنَّةَ بحفنة واحدة، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «صدق عمر» «4» . اهـ من
(1) أخرجه مسلم (1/ 198) ، كتاب «الإيمان» ، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب، حديث (218/ 371) ، وأحمد (4/ 436، 441) ، والبغوي في «شرح السنة» (7/ 327- بتحقيقنا) .
(2)
أخرجه الترمذي (4/ 626) ، كتاب «صفة القيامة» ، باب (12) ، حديث (2437) ، وابن ماجة (2/ 1433) كتاب «الزهد» ، باب صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، حديث (4286) ، وأحمد (5/ 268) .
(3)
أخرجه البزار كما في «مجمع الزوائد» (10/ 413- 414)، وقال الهيثمي: رواه أحمد، والبزار، والطبراني بنحوه، وفي أسانيدهم القاسم بن مهران عن موسى بن عبيد، وموسى بن عبيد هذا هو مولى خالد بن عبد الله بن أسيد، ذكره ابن حبان في «الثقات» . والقاسم بن مهران ذكره الذهبي في «الميزان» ، وأنه لم يرو عنه إلا سليم بن عمرو النخعي، وليس كذلك، فقد روى عنه هذا الحديث هشام بن حسان، وباقي رجال إسناده محتج بهم في الصحيح.
(4)
أخرجه أحمد (3/ 193) ، وأبو نعيم في «الحلية» (2/ 344- 345) من طريق أبي هلال عن قتادة عن أنس مرفوعا.
وقال أبو نعيم: غريب من حديث قتادة عن أنس رضي الله عنه ، تفرد به أبو هلال، واسمه محمد بن سليم الراسبي، ثقة بصري. [.....]