الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، - قَالَ بِشْرٌ: أَحْسِبُهُ قَالَ: تَوَاضُعاً-، كَسَاهُ اللَّهُ حُلَّةَ الكَرَامَةِ» «1» ، وحدَّث الحافظُ أَبو الفَضْلِ محمَّد بنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيُّ «2» بسنده، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال:«من كفّ غضبه، كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ عَذَابَهُ، وَمَنْ خَزَنَ لِسَانَهُ، سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنِ اعتذر إلَى اللَّهِ قَبِلَ اللَّهُ عُذْرَهُ» «3» . اهـ من «صفوة التَّصوُّف» .
والعَفْوُ عَنِ النَّاسِ: من أجلِّ ضروبِ فعْلِ الخَيْرِ، ثم قال سبحانه: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، فعم أنواع البرِّ، وظَاهر الآية أنَّها مدْحٌ بفعل المندوب.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 135 الى 136]
وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (136)
وقوله سبحانه: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ
…
الآية:
ذكر سبحانه في هذه الآيةِ صِنْفاً هو دُون الصِّنف الأول، فألحقهم بهم برَحْمته ومَنِّه، وهم التَّوَّابون، وروي في سَبَب نُزُول هاتَيْن الآيتَيْن أن الصحابَةَ رضي الله عنهم ، قَالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنَّا حِينَ كَانَ المُذْنِبُ مِنْهُمْ يُصْبِحْ، وَعُقُوبَتُهُ مَكْتُوبَةٌ على بَابِ دَارِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ تَوْسِعَةً وَرَحْمَةً، وَعِوَضاً مِنْ ذَلِكَ الفِعْلِ بِبَنِي إسْرَائِيلَ» «4» .
ورُوِيَ أَنَّ إبليسَ بكى، حين نزَلَتْ هذه الآيةُ، والفاحشةُ لفظٌ يعمُّ جميع المعاصِي، وقد كثر استعماله في الزِّنا حتى فسر السُّدِّيُّ الفاحشَةَ هنا بالزِّنَا «5» ، وقال قومٌ: الفاحشة
(1) أخرجه أبو داود (2/ 663) ، كتاب «الأدب» ، باب من كظم غيظا، حديث (4778) من طريق سويد بن وهب عن رجل من أبناء أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به.
(2)
محمد بن طاهر بن علي بن أحمد المقدسي الشيباني، ابن القيسراني، أبو الفضل: رحالة مؤخر، من حفاظ الحديث، كان مولده ب «بيت المقدس» سنة 448 هـ ووفاته ب «بغداد» 507 هـ، له كتب كثيرة، منها:«تاريخ أهل الشام، ومعرفة الأئمة منهم والأعلام» ، و «معجم البلاد» ، و «صفوة التصوف» .
ينظر: «الأعلام» (6/ 171) ، و «وفيات الأعيان» (1/ 486) ، و «ميزان الاعتدال» (3/ 75) ، و «لسان الميزان» (5/ 207) .
(3)
ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/ 73) ، وقال رواه الطبراني في «الأوسط» ، وفيه عبد السلام بن هلال، وهو ضعيف.
(4)
ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (2/ 137) ، وعزاه لابن المنذر عن ابن مسعود.
(5)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 439) برقم (7846) ، وذكره ابن عطية (1/ 510) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 137) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.
هنا: إشارةٌ إلى الكبائِرِ، وظُلْمُ النَّفْس: إشارةٌ إلى الصَّغائر، واستغفروا: معناه: طلبوا الغُفْران.
قال النوويُّ: وَرُوِّينَا في سنن ابْنِ ماجة بإسنادٍ جيدٍ، عن عبد اللَّه بْنُ بُسْرٍ «1» (بضم الباء)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ استغفارا كَثِيراً» «2» انتهى من «الحلية» .
وذَكَرُوا اللَّهَ: معناه: بالخَوْفِ من عقابِهِ، والحَيَاءِ منه إذ هو المُنْعِمُ المتطَوِّل، ثم اعترض أثناء الكلام قوله تعالى: وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ اعتراضا موقِّفاً للنفْس، داعياً إلى اللَّه مرجِّياً في عفوه، إذا رجع إلَيْه، وجاء اسم «اللَّهِ» مرفوعًا بعد الاستثناء، والكلامُ موجَبٌ حملاً على المعنى إذ هو بمعنى، ومَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا اللَّه، وعن عليِّ بْنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه ، قَالَ: حدَّثني أبو بكر رضي الله عنه، وصَدَقَ أبو بكر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْباً، ثُمَّ يَقُومُ، فَيَتَطَهَّرُ، ثُمَّ يُصَلِّي، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَاّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ قرأَ هذه الآيةَ: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ
…
إلى آخر الآية» رواه أبو داود، والترمذيّ، والنسائيّ، وابن
(1) عبد الله بن بسر. أبو صفوان. وقيل: أبو بسر. المازني. الحمصي. قال ابن الأثير في «الأسد» : صلى القبلتين. وضع النبيّ صلى الله عليه وسلم يده على رأسه ودعا له. صحب النبيّ صلى الله عليه وسلم هو وأبوه وأمه وأخوه عطية وأخته الصماء. وروى عنه الشاميون، منهم: خالد بن معدان، ويزيد بن خمير، وسليم بن عامر، وراشد بن سعد، وغيرهم. وهو آخر من مات ب «الشام» من الصحابة. توفي سنة (88) وله (94 سنة)، وقيل:
مات ب «حمص» سنة (96) وله (100 سنة) .
ينظر: «أسد الغابة» (3/ 186) ، و «الإصابة» (4/ 40) ، و «الثقات» (3/ 232) ، و «الاستيعاب» (3/ 874) ، و «تجريد أسماء الصحابة» (1/ 300) ، و «الأعلام» (4/ 74) ، و «الرياض المستطابة» (205) ، و «التاريخ الكبير» (3/ 14) ، و «الصغير» (2/ 76) ، و «التاريخ» لابن معين (2/ 45) ، و «الطبقات الكبرى» (7/ 463) .
(2)
أخرجه ابن ماجه (2/ 1256) ، كتاب «الأدب» ، باب الاستغفار، حديث (3818) ، والنسائي في «الكبرى» (6/ 118) ، كتاب «عمل اليوم والليلة» ، باب ثواب ذلك، حديث (10289) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (1/ 440) رقم (647) من طريق محمد بن عبد الرّحمن عن عبد الله بن بسر مرفوعا.
قال البوصيري في «الزوائد» (3/ 196) : هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. اهـ.
وللحديث شاهد من حديث عائشة: أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (10/ 395) ، والخطيب في «تاريخ بغداد» (9/ 11) ، والبيهقي في «الشعب» (1/ 440) رقم (646) من طريق منصور بن صفية عن أمه عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن سب الأموات، وقال:«طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا» .
ماجه، وابن حبان في «صحيحه» ، وقال الترمذيُّ، واللفظ له: حديثٌ حَسَن «1» انتهى من «السلاح» .
وقوله سبحانه: وَلَمْ يُصِرُّوا: الإصْرَارُ: هو المُقَامُ على الذّنب، واعتقاد العودة
(1) أخرجه أبو داود (1/ 476- 477) ، كتاب «الصلاة» ، باب في الاستغفار، حديث (1521) ، والترمذي (5/ 228) كتاب «التفسير» ، باب سورة آل عمران، حديث (3006) ، وابن ماجة (1/ 446) كتاب «الصلاة» ، باب ما جاء في أن الصلاة كفارة، حديث (1395) ، وأحمد (1/ 2، 10) ، والحميدي (1، 4) ، والمروزي في «مسند أبي بكر» رقم (9، 10، 11) ، وأبو يعلى (1/ 11) رقم (1) ، وابن حبان (2/ 389، 390- الإحسان) رقم (623) كلهم من طريق عثمان بن المغيرة عن علي بن ربيعة عن أسماء بن الحكم الفزاري عن علي بن أبي طالب عن أبي بكر الصديق به. وأخرجه أحمد (1/ 8- 9) من طريق شعبة عن عثمان بن المغيرة عن علي بن ربيعة عن أسماء أو ابن أسماء به.
وقال الترمذي: هذا حديث قد رواه شعبة وغير واحد عن عثمان بن المغيرة فرفعوه، ورواه مسعر وسفيان عن عثمان بن المغيرة فلم يرفعاه، وقد رواه بعضهم عن مسعر فأوقفه ورفعه بعضهم، ورواه سفيان الثوري عن عثمان بن المغيرة، فأوقفه، ولا نعرف لأسماء بن الحكم حديثا إلا هذا. اهـ.
والحديث صححه ابن حبان.
وكذلك الدارقطني فقد تكلم على هذا الحديث في «العلل» (1/ 176- 180) فقال: رواه عثمان بن المغيرة، ويكنى أبا المغيرة، وهو عثمان بن أبي زرعة، وهو عثمان الأعشى. رواه عن علي بن ربيعة الوالبي عن أسماء بن الحكم الفزاري عن علي بن أبي طالب.
حدث به عنه كذلك مسعر بن كدان وسفيان الثوري، وشعبة، وأبو عوانة، وشريك، وقيس، وإسرائيل، والحسن بن عمارة، فاتفقوا في إسناده إلا أن شعبة من بينهم شك في أسماء بن الحكم، فقال: عن أسماء أو أبي أسماء أو ابن أسماء، وخالفهم علي بن عابس، فرواه عن عثمان بن المغيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجد عن علي، ووهم فيه قال ذلك عنه عبد الله بن وهب.
وخالفه عبيد الله بن يوسف الجبيري، فرواه عن علي بن عابس عن عثمان عن رجل عن علي.
وروى هذا الحديث أبو إسحاق السبيعي، واختلف عنه، فرواه عبد الوهاب بن الضحاك العرضي عن إسماعيل بن عياش عن أبان بن أبي عياش عن أبي إسحاق الهمداني قال: سمعت علي بن أبي طالب عن أبي بكر.
وخالفه عبد الوهاب بن نجدة عن إسماعيل فقال فيه: عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي عن أبي بكر.
وخالفهم موسى بن محمد بن عطاء، رواه عن إسماعيل بن عياش عن شعبة عن أبي إسحاق عن علي عن أبي بكر، لم يذكر بينهما أحدا، وموسى هذا متروك الحديث، مقدسي يعرف بأبي طاهر المقدسي، ورواه داود بن مهران الدباغ عن عمر بن يزيد قاضي المدائن عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي عن أبي بكر، وخالفه الفرج بن اليمان، رواه عمر بن يزيد عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي عن أبي بكر.
وروى هذا الحديث أبو المثنى سليمان بن يزيد، واختلف عنه، فحدث به عبد الله بن حمزة الزبيري عن عبد الله بن نافع الصائغ عن أبي المثنى عن المغيرة بن علي عن علي عن أبي بكر، ووهم فيه-