الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلام عليه في قوله تعالى: وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ [البقرة: 217] انتهى، وهو حسنٌ، ونحوه للإمام الفَخْر «1» .
وفي قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً: ضرْبٌ من الوعيدِ، قال المُحَاسِبِيُّ:
سألتُ أبا جَعْفَرٍ محمدَ بْنَ موسى، فقلْتُ: أجمل حالاتِ العارفين ما هِيَ؟ فقال: إن الحال التي تَجْمَعُ لك الحالاتِ المَحْمُودةَ كلَّها في حالةٍ واحدةٍ هي المراقبةُ، فَألْزِمْ نفْسَكَ، وقَلْبَكَ دَوَامَ العِلْمِ بنَظَرِ اللَّه إليك في حركَتِك، وسكونِكِ، وجميعِ أحوالِكِ/ فإنَّك بعَيْنِ اللَّهِ عز وجل في جميعِ تقلُّباتك، وإنَّك في قبضته حيث كُنْتَ، وإنَّ عين اللَّه على قلبك، ونَاظِرٌ إلى سِرِّك وعلانيتِكَ، فهذه الصفةُ، يا فتى، بحْرٌ ليس له شطٌّ، بَحْر تجري منْه السواقِي والأنهارُ، وتسيرُ فيه السُّفُن إلى معادِنِ الغنيمةِ. انتهى من كتاب «القصد إلى الله سبحانه» .
[سورة النساء (4) : الآيات 2 الى 3]
وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَاّ تَعُولُوا (3)
وقوله سبحانه: وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ
…
الآية: قال ابنُ زَيْدٍ: هذه مخاطبةٌ لِمَنْ كانَتْ عادتُهُ من العَرَب ألَاّ يَرِثَ الصَّغيرُ من الأولاد «2» ، وقالتْ طائفة: هذه مخاطبةٌ للأوصياءِ.
قال ابنُ العَرَبِيِّ «3» : وذلك عند الابتلاء والإرشاد. انتهى.
وقوله: وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ، قال ابن المسيِّب وغيره: هو ما كان يفعله بعضهم من إبدال الشاة السَّمينة مِنْ مال اليتيم بالهَزِيلة مِنْ ماله، والدِّرْهَمِ الطَّيِّبِ بالزِّائِفِ، وقيل «4» : المراد: لا تأكلوا أموالهم خبيثًا، وتَدَعُوا أموالكم طيبًا، وقيل غيرُ هذا.
والطَّيِّب هنا: الحلالُ، والخبيث: الحرام.
(1) ينظر: «تفسير الرازي» (9/ 129) .
(2)
أخرجه الطبري (3/ 571) برقم (8446) ، وذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (2/ 5) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 208) ، وعزاه لابن جرير عن ابن زيد.
(3)
ينظر: «أحكام القرآن» (1/ 308) .
(4)
أخرجه الطبري (3/ 571) برقم (8441) ، وذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (2/ 5) والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 208) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. [.....]
وقوله: إِلى أَمْوالِكُمْ: التقدير: ولا تُضِيفُوا أموالهم إلى أموالكم في الأكْل، والضميرُ في «إنَّهُ» : عائدٌ على الأَكْلِ، والحُوبُ: الإثم قاله ابن عباس وغيره «1» وتَحَوَّبَ الرَّجُلُ، إذا ألْقى الحُوبَ عن نَفْسه، وكذلك تَحَنَّثَ وَتَأَثَّمَ وَتَحَرَّجَ فَإن هذه الأربعة بخلافِ «تَفَعَّلَ» كلِّه لأنَّ «تَفَعَّلَ» معناه: الدُّخُول في الشَّيْء ك «تَعَبَّد» ، و «تَكَسَّبَ» ، وما أشبهه ويلحق بهذه الأربعةِ «تَفَكَّهُونَ» في قوله تعالى: لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقعة: 65] أي: تطرّحون الفاكهة عَنْ أنفسكم.
وقوله تعالى: كَبِيراً: نصٌّ على أنَّ أكل مال اليتيم مِنَ الكَبَائر.
وقوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى
…
الآية: قال أبو عبيدة: خفتم هاهنا بمعنى أيْقَنْتُمْ.
قال ع «2» : وما قاله غيرُ صحيحٍ، ولا يكون الخَوْفُ بمعنى اليَقِينِ بوجْهٍ، وإنما هو من أَفْعَالِ التوقُّع، إلَاّ أنه قد يَمِيلُ فيه الظنُّ إلى إحدى الجِهَتَيْنِ قُلْتُ: وكذا رَدَّ الدَّاوُودِيُّ على أبي عْبَيْدة، ولفظه: وعن أبي عُبَيْدة: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا: مجازه:
أيْقَنْتُمْ «3» ، قال أبو جعفر «4» : بل هو على ظاهر الكلمة. انتهى.
وتُقْسِطُوا: معناه: تَعْدِلُوا يقال: أَقْسَطَ الرَّجُلُ إذا عَدَلَ، وقَسَطَ إذا جَار قالتْ عائشةُ رضي الله عنها : نزَلَتْ هذه الآيةُ في أولياء اليتامَى الَّذِينَ يُعْجِبُهم جمالُ وليَّاتهم، فيريدُونَ أنْ يبخَسُوهُنَّ في المَهْر لمكانِ وَلَايَتِهِمْ عَلَيْهِنَّ، فقيل لهم: اقسطوا في مهورِهِنَّ، فمَنْ خَافَ ألَاّ يُقْسطَ، فليتزوَّج ما طَابَ له مِنَ الأجنبيَّات اللَّوَاتِي يُكَايِسْنَ «5» في حقوقِهِنَّ، وقاله ربيعة.
قال الحسَنُ وغيره: ما طابَ: معناه «6» ما حلّ.
(1) ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (2/ 6) .
(2)
ذكره ابن عطية (2/ 6) .
(3)
ذكره ابن عطية (2/ 6) .
(4)
ينظر: الطبري (3/ 579) .
(5)
الكيس: الخفّة والتّوقّد، والكيّس: العاقل، ويقال: كايست فلانا فكسته أكيسه كيسا: أي غلبته بالكيس، وكنت أكيس منه.
ينظر: «لسان العرب» (3966، 3967) .
(6)
أخرجه الطبري (3/ 577) برقم (8479) ، وذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (2/ 7) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 210) ، وعزاه لابن جرير.
وقيلَ: «ما» ظرفيةٌ، أي: ما دُمْتُم تستحسنُون النِّكَاحَ، وضُعِّفَ قُلْتُ: وفي تضعيفه نَظَرٌ، فتأمَّله.
قال الإمام الفَخْر: وفي تفسير «1» مَا طابَ بِما حَلَّ- نَظَرٌ وذلك أنَّ قوله تعالى:
فَانْكِحُوا: أمْرُ إباحةٍ، فلو كان المرادُ بقوله: مَا طابَ لَكُمْ، أي: ما حَلَّ لكم- لتنزَّلت الآية منزلةَ ما يُقَالُ: أبَحْنَا لكم نِكَاحَ مَنْ يكون نكاحُها مباحاً لكم، وذلك يُخْرِجُ الآيةَ عن الفائدةِ، ويصيِّرها مُجْمَلَةً لا محالةَ، أما إذا حَمَلْنا «طَابَ» على استطابةِ النَّفْسِ، ومَيْلِ القلبِ، كانَتِ الآيةُ عامَّة دخَلَها التخْصيصُ، وقد ثَبَتَ في أصول الفقْهِ أنه إذا وقع التعارُضُ بَيْن الإجمال/ والتَّخْصِيص، كان رَفْع الإجمال أولى لأنَّ العامَّ المخصَّص حُجَّةٌ في غَيْر محلِّ التخصيص «2» ، والمُجْمَلُ لا يكونُ حجّة أصلا. انتهى، وهو حسن،
و
(1) ينظر: «مفاتيح الغيب» (10/ 141) .
(2)
اقتضت حكمة الله أن تكون التكاليف المشروعة في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم موضوعة على طريقة العموم وكثيرا ما تكون كذلك في البعض، وعلى طريقة الخصوص في البعض الآخر..
غير أن أغلب ما احتواه القرآن من عام وما اشتملت عليه السنة منه قد تطرق إليه التخصيص، فأخرجه عن عمومه وشموله لجميع الأفراد.. وحكم العام قبل التخصيص دال على أفراده قطعا عند البعض، وظنّا عند آخرين
…
ودليل التخصيص تارة يكون عقلا، وتارة يكون كلاما، وتارة لا يكون عقلا ولا كلاما، كالحس، والزيادة، والنقصان، فإن كان المخصص هو العقل، كان العام قطعيا في الباقي إذ ليس فيه ما يورث الشبهة لأن ما يقتضي العقل إخراجه فهو مخرج وغيره باق على ما كان إذ هو في حكم الاستثناء لكنه حذف اعتمادا على العقل، فمثلا ليس في قوله الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة: 6] ونظائر ذلك- شبهة في دلالته مع خروج الصبي والمجنون بالعقل، وإلا لما أجمعوا على كفر من جحد العمل بمقتضى الخطابات الواردة بالفرائض من مثل ما معنا، وليس لقائل أن يقول: من الجائز أن تكون قطعيتها بواسطة الإجماع لأنا نقول: هذه الخطابات قطعية قبل أن يتحقق الإجماع.
هكذا أطلق صدر الشريعة في «توضيحه» ، ولم يفصل بين ما إذا كان المخرج بالعقل معلوما أو مجهولا إذ العقل قد يقتضي إخراج بعض معلوم، وقد يقتضي إخراج بعض مجهول، بأن يكون الحكم مما يمتنع على الكل دون البعض مثل:«الرجال في الدار» .
وقد نبه صاحب «التلويح» وغيره على أن المخرج به إن كان مجهولا فهو لا يصلح حجة حتى يتبين المراد منه لأن جهالة المخرج أورثت جهالة في الباقي..
ولا شك أن القول بالقطعية إنما يكون على مذهب من يرى قطعية العام قبل التخصيص، أما من يرى ظنيته فظاهر أنه يكون ظنيا بعده كما كان قبله لأن الاحتمال الذي كان من أجله الحكم بالظنية عندهم باق بعد التخصيص بالعقل، فالحق أن إطلاق القول بالقطعية ليس على ما ينبغي، اللهم إلا إن كان الإطلاق بناء على مذهبه.
وإن كان المخصص غير العقل والكلام فالظاهر أنه لا يبقى قطعيا لاختلاف العادات وخفاء الزيادة والنقصان وعدم إطلاع الحس على تفاصيل الأشياء، اللهم إلا أن يعلم القدر المخصوص قطعا. -
مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ: موضعها من الإعراب نَصْبٌ على البدل من «مَا طَابَ» ، وهي نكراتٌ لا تنصرف لأنها معدولة وصفة.
- وإن كان المخصص كلاما وكان مبهما كما لو قال: «أحسن إلى الناس» ثم يقول عقيب ذلك: «لا تحسن إلى بعضهم» ، وكما لو قال:«اقتلوا المشركين إلا بعضهم» ، فقد نقل الآمدي في «الإحكام» اتفاق الكل على أنه لا يبقى حجة على معنى أن يتوقف في الاحتجاج به حتى يجيء البيان لأنه قد صار مجملا، وقد جرى على هذا النحو من حكاية الاتفاق العضد حيث قال: قد اختلف في العام المخصص بمبين هل هو حجة فيما بقي أم لا، أما المخصص بمجمل نحو هذا العام مخصوص أو لم يرد به كل ما يتناوله، فليس حجة بالاتفاق. وحكى في «إرشاد الفحول» أن ممن نقل الإجماع على هذا جماعة، منهم:
القاضي أبو بكر، وابن السمعاني، والأصفهاني..
وفي حكاية الاتفاق في هذا المقام نظر، ففي «المسلّم» وقال الجمهور: العام المخصوص بمبهم ليس حجة خلافا لفخر الإسلام. قال شارحه: «والإمام شمس الأئمة، والقاضي الإمام أبي زيد، وأكثر معتبري مشايخنا في المستقل بل لا مخصص عندهم إلا هو، فإنه عندهم حجة ظنية، وقيل: إذا كان المخصص مستقلا مبهما يسقط المبهم، ويبقى العام كما كان، وإليه مال أبو المعين من الحنفية.
وعبارة «كشف الأسرار» على «البزدوي» : والصحيح من المذهب أن العام يبقى حجة بعد الخصوص، معلوما كان المخصص أو مجهولا، إلا أن فيه ضرب شبهة.
ثم حكى أن القاضي الإمام أبا زيد ذكر في «التقويم» أن الذي ثبت عنده من مذهب السلف أنه يبقى على عمومه بعد التخصيص.
وفي «أصول الجصاص» : «والذي عندي من مذهب أصحابنا في هذا المعنى أن تخصيص العموم لا يمنع الاستدلال به فيما عدا المخصوص، وعليه يدل أصولهم واحتجاجهم للمسائل» .
ونقل صاحب «إرشاد الفحول» عن الزركشي في «البحر» أن ما نقلوه من الاتفاق، فليس بصحيح.
وقال المحلّي بعد حكاية الخلاف في المعين: وما اقتضاه كلام الآمدي وغيره من الاتفاق على أنه في المبهم غير حجة مدفوع بنقل ابن برهان وغيره الخلاف فيه.
والذي تطمئن النفس إليه بصدد حكاية الاتفاق على عدم الحجية إن خص بمبهم وأقوال من نقلنا عنهم الخلاف في الحجية أن حكاية الاتفاق على عدم حجيته فيما كان غير مستقل، يرشح ذلك تمثيل الأسنوي بعد أن ذكر ما قاله الآمدي وغيره من الاتفاق على عدم الحجية بقوله تعالى: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ [المائدة: 1] فإن المخصص فيه مبهم غير مستقل، ولذلك قال البدخشي: العام إن خص بغير مستقل من اللفظ مبهم نحو: «اقتلوا المشركين إلا بعضهم» ، فليس بحجة وفاقا، لأن المجموع كلام واحد لكون الغير المستقل بمنزلة وصف قائم بالأول، فتسري جهالته إليه، فيتوقف على البيان. اهـ.
فخص موضع الوفاق بالمخصص المبهم غير المستقل..
أما المستقل فمما تقدم نعلم أن للأصوليين فيه أقوالا ثلاثة:
الأول: عدم الحجية مطلقا، وإليه ذهب الجمهور
…
الثاني: حجية ظنية، وإليه ذهب فخر الإسلام، وشمس الأئمة، والقاضي الإمام أبو زيد.
الثالث: سقوط المبهم كأن لم يكن وبقاء العام كما كان من كونه حجة قطعية كما هو عند الحنفية، أو ظنية كما هو عند الشافعية، وإليه مال أبو المعين من الحنفية. -
وقوله: فَواحِدَةً، أي: فانكحوا واحدةً أو ما ملَكَتْ أيْمَانُكُم، يريد به الإماءَ، والمعنى: إنْ خَافَ ألَاّ يَعْدِلَ في عِشْرةٍ واحدةٍ، فما ملكت يمينه، وأسند المِلْكَ إلى اليمين إذ هي صفةُ مَدْحٍ، واليمينُ مخصوصةٌ بالمحاسِنِ أَلَا ترى أنّها المنفقة كما قال
- ونذكر آراءهم في المخصص المبين وهي كما جاءت في كتبهم من تقدم منهم ومن تأخر ستة أقوال:
الأول: فمن ذاهب إلى أنه حجة في الباقي، وهم الجمهور، غير أن الذين يرون قطعية العام قبل التخصيص يرون ظنيته هنا به.
الثاني: ومن ذاهب إلى أنه ليس بحجة مطلقا فيما بقي، وإليه ذهب أبو ثور في رواية، وفي أخرى أنه ليس بحجة إلا في أخص الخصوص، وهو رأي الكرخي والجرجاني وعيسى بن أبان، كذا في «التحرير» . وفي «أصول الجصاص» : كان شيخنا أبو الحسن الكرخي يقول في العام إذا ثبت خصوصه:
سقط الاستدلال باللفظ، وصار حكمه موقوفا على دلالة أخرى من غيره، فيصير بمنزلة اللفظ المجمل المفتقر إلى البيان. وكان يفرق بين الاستثناء المتصل باللفظ وبين الدلالة من غير اللفظ إذا أوجب التخصيص، فيقول: إن الاستثناء غير مانع من بقاء حكم اللفظ فيما عدا المستثنى لأن الاستثناء لا يجعل اللفظ مجازا ولا يزيله عن حقيقته. ودلالة التخصيص من غير جهة اللفظ تجعل اللفظ مجازا وتزيله عن حقيقته لأن الحقيقة هي العموم، وكان يقول: هذا مذهب، ولا يمكنني أن أعزيه إلى أصحابي. وكان محمد بن شجاع يذهب هذا المذهب، وقد ذكره في بعض كتبه. اهـ.
ثالثا: ومنهم من ذهب إلى أن العام إن كان منبئا عن الباقي ودالا عليه بسرعة، كلفظ «المشركين» في قوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة: 5] إذا خص بأهل الذمة، كان حجة لأن المراد من «المشركين» بعد تخصيصه بأهل الذمة ظاهر ينتقل الذهن بسرعة إلى أن المراد منه حينئذ المربيون. وأما إذا كان لا يدل عليه بسرعة لا يكون حجة لتوقفه على البيان، وذلك كلفظ «السارق» في قوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما [المائدة: 38] فإنه بعد تخصيصه بذي الشبهة لا يعلم المراد منه لأنه يحتمل سرقة نصاب وغيره، من حرز أم لا، فيحتاج إلى بيان الشارع، فلا ينتقل الذهن إلى سارق نصاب من حرز قبل بيان الشارع. وإلى هذا الرأي ذهب أبو عبد الله البصري تلميذ الكرخي.
رابعا: وقال القاضي عبد الجبار: إن كان العام قبل التخصيص ظاهرا لا يتوقف على البيان ولا يحتاج إليه، فهو حجة كما في قوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ فإنه بين في أفراده قبل إخراج أهل الذمة. وإن كان يتوقف على البيان ويحتاج إليه، فليس بحجة كما في قوله تعالى: أَقِيمُوا الصَّلاةَ [النساء: 77] فإنه لا يدري المراد منه قبل بيان الشارع بقوله وفعله، بل هو مفتقر إلى البيان قبل إخراج الحائض، ولذلك بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بفعله فقال:«صلوا كما رأيتموني أصلي» . وهذا المذهب قريب من سابقه.
خامسا: ومن الناس من ذهب إلى أنه حجة في أقل الجمع، وهو اثنان أو ثلاثة- على الخلاف- ولا يكون حجة فيما زاد على ذلك. قال في «إرشاد الفحول» : حكى هذا المذهب القاضي أبو بكر وابن القشيري، وقال: إنه تحكم. وقال الصفي الهندي: لعله قول من لا يجوز تخصيص التثنية، وحكى الغزالي في «المستصفى» أن فريقا من القدرية ذهبوا إلى هذا المذهب.
سادسا: وذهب البلخي (وهو ممن يرى أن الدليل المتصل كالشرط والصفة تخصيص) إلى أن العام إن خص بمتصل فهو حجة نحو: «اقتلوا المشركين إلا أهل الذمة» ، وإن خص بمنفصل لم يكن حجة.
وإذا ما علمنا أن البلخي يرى المتصل تخصيصا، وأن الكرخي لا يراه- يظهر لنا الفرق بين ما ذهب إليه-