الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقالتْ طائفة: هذا حكم صدَقَاتِ المسلمين حتى نزلَت الزكاةُ المفروضةُ، فنسخَتْها.
قال ع «1» : والنسخ غَيْرُ مترتِّب في هذه الآية، ولا تَعَارُضَ بينها وبيْن آية الزكاة، بل تَنْبَنِي هذه على النَّدْبِ، وتلك على الفرض.
وقوله سبحانه: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ النهْيُ عن الإسراف: إما للناس عن التمنُّع عن أدائها لأن ذلك إسراف من الفعْلِ، وإما للولاة عن التشطُّط على الناسِ والإذاءة لهم، وكلٌّ قد قيلَ به في تأويل الآية.
وقوله سبحانه: وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً حَمُولَةً: عطْفٌ على جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ. التقدير: وأنشأنا من الأنعامِ حمولةً، والحَمُولَةُ: ما تحمل الأثقال مِنَ الإبل والبقر عنْدَ مَنْ عادته أنْ يحمل عليها، والفَرْش: ما لا يحمل ثقلاً كالغنم وصِغَار البَقَر والإبل، وهذا هو المرويُّ عن ابْنِ مسعود وابن عباس والحَسَن «2» وغيرهم، ولا مَدْخَل في الآية لغَيْر الأنعام، وقوله: كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ: نصُّ إباحةٍ، وإزالةُ مَا سَنَّه الكفرة من البَحِيرَة والسَّائبة وغير ذلك، ثم تابع النهْيَ عن تلك السُّنَن/ الآفكة بقوله سبحانه: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ، وهي جمع خُطْوَة، أي: لا تَمْشُوا في طريقه، قُلْتُ: ولفظ البخاريِّ: خُطُواتِ من الخَطْو، والمعنى: آثاره. انتهى.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 143 الى 145]
ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) قُلْ لآ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)
- ونحوه بعد دياسه وتقويمه.
ينظر: «لسان العرب» (229، 4382) ، و «المعجم الوسيط» (78) . [.....]
(1)
ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 353) .
(2)
أخرجه الطبري (5/ 372، 373) برقم (14050، 14055، 14056، 14057) عن ابن مسعود، (14051، 14060، 14061) عن ابن عباس، و (14058، 14059، 14067) عن الحسن، وغيرهم منهم (14052، 14053، 14054) عن مجاهد، و (14063، 14064) عن قتادة، وذكره ابن عطية (2/ 354) ، وابن كثير (2/ 182) ، والسيوطي (3/ 94) وعزاه للفريابي، وعبد بن حميد، وأبي عبيد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، والطبراني، والحاكم، وصححه عن ابن مسعود.
وقوله سبحانه: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ، واختلف في نَصْبِها فقيل: على البدل من «مَا» في قوله: كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ، وقيل: على الحال، وقيل: على البدل من قوله: حَمُولَةً وَفَرْشاً، وهذا أصوب الأقوال، وأجراها على «1» معنى الآيةِ، والزَّوْج: الذكر، والزَّوْج الأنثى، فكل واحدٍ منهما زَوْجُ صاحبِهِ، وهي أربعة أنواعٍ فتجيء ثمانية أزواجٍ، والضَّأْن:
جمع ضَائِنَة وضَائِن.
وقوله سبحانه: قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ، هذا تقسيمٌ على الكفَّار حتى يتبيَّن كذبهم على اللَّه، أي: لا بد أن يكون حَرَّم الذكَرَيْن فيلزمكم تحريمُ جميعِ الذُّكور، أو الأنثيين فيلزمكم تحريمُ جميع الإناث، أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ، فيلزمكم تحريمُ الجميعِ، وأنتم لم تلتزموا شيئاً يوجبه هذا التقسيمُ، وفي هذه السؤالاتِ تقريعٌ وتوبيخٌ، ثم أتْبَعَ تقريعَهُم بقوله: نَبِّئُونِي، أي: أخبروني بِعِلْمٍ، أي: من جهة نبوَّة أو كتابٍ من كتب الله إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، وإِنْ شرطٌ، وجوابه في نَبِّئُونِي.
وقوله سبحانه: وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ
…
الآية:
القولُ في هذه الآية في المعنى وترتيبِ التقسيمِ كما تقدَّم، فكأنه قال: أنتم الذين تدَّعون أن اللَّه حرم خصائصَ مِنْ هذه الأنعام لا يَخْلُو تحريمه مِنْ أن يكون في الذَّكَرَيْن أو في الأُنْثَيَيْن، أو فيما اشتملت عليه أرحامُ الأنثيين، لكنه لم يُحَرِّم لا هذا ولا هذا ولا هذا فلم يَبْقَ إلا أنه لم يَقَعْ تحريمٌ، قال الفَخْر «2» : والصحيحُ عندي أن هذه الآية لم ترد على سبيل الاستدلال على بطلان قولهم، بل هي استفهام على سبيل الإنكار، وحاصلُ الكلام: أنكم لا تعترفُون بنبوَّة أحد من الأنبياء، فكيف تثبتون هذه الأحكام المختلفة. انتهى.
وقوله سبحانه: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا: استفهامٌ على سبيل التوبيخ، وشُهَداءَ: جمعُ شهيدٍ، وباقي الآية بيِّن.
وقوله تعالى: قُلْ لآ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً
…
الآية: هذه الآيةُ نزلَتْ بمكَّة، ولم يكن في الشريعة في ذلك الوقْتِ شيء محرّم
(1) في أ: علي.
(2)
ينظر: «تفسير الرازي» (13/ 178) .
غير هذه الأشياء، ثم نزلَت، سورة المائدة بالمدينة، وزيدَ في المحرَّمات كالخمر، وكأكل كل ذي نابٍ من السباعِ ممَّا وردَتْ به السُّنَّة.
قال ع «1» : ولفظة التحريمِ، إذا وردَتْ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنَّها صالحةٌ أن تنتهي بالشيء المذكور غَايَةَ المنْعِ والحظرِ، وصالحةٌ بحسب اللغة أنْ تقف دون الغاية في حَيِّز الكراهية ونحوها، فما اقترنت به قرينةُ التسليمِ من الصحابة المتأوِّلينِ، وأجمع عليه الكلُّ منهم، ولم تَضْطَرِبْ فيه ألفاظ الأحاديث، وأمضاه الناسُ- وجب بالشَّرْعِ أنْ يكون تحريمه قَدْ وصَل الغايةَ من الحَظْر والمَنْع، ولحق بالخنزير والميتة، وهذه صفة تحريم الخمر، وما اقترنت به قرينةُ اضطراب ألفاظ الحديثِ، واختلف الأمة فيه، مع علمهم بالأحاديث كقوله- عليه السلام:«كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السّباع حرام» «2» ، وقد روي عنه
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 356) .
(2)
أخرجه البخاري (9/ 657) كتاب «الذبائح والصيد» ، باب أكل كل ذي ناب من السباع.
حديث (5530) ، ومسلم (3/ 1533) كتاب «الصيد والذبائح» ، باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع، حديث (13، 14/ 1932) ومالك (2/ 496) رقم (13) والطيالسي ص (136) ، حديث (1016) ، وأحمد (4/ 193) والدارمي (2/ 84- 85) كتاب «الأضاحي» ، باب ما لا يؤكل من السباع وأبو داود (4/ 159) كتاب «الأطعمة» ، باب النهي عن أكل السباع حديث (3802) ، والترمذي (4/ 73) ، كتاب «الأطعمة» ، باب ما جاء في كراهية كل ناب، حديث (1477) ، والنسائي (7/ 200- 201) وابن ماجة (2/ 1077) كتاب «الصيد» ، باب أكل ذي ناب من السباع، حديث (3232) .
وابن الجارود (889) والشافعي (2/ 172- 173) كتاب «الصيد والذبائح» ، رقم (604، 605) والحميدي (2/ 386) رقم (875) ، وابن حبان (5255- الإحسان) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/ 190) وأبو نعيم في «الحلية» (9/ 28) والبيهقي (9/ 331) والبغوي في «شرح السنة» (6/ 31- بتحقيقنا) من طريق أبي إدريس الخولاني، عن أبي ثعلبة به.
وقال الترمذي: حديث مشهور من حديث أبي ثعلبة حسن صحيح.
وأما حديث أبي هريرة:
أخرجه مسلم (3/ 1534) كتاب «الصيد والذبائح» ، باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع، حديث (16/ 1934) ، ومالك (2/ 496) كتاب «الصيد» ، باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع، حديث (14) والشافعي (2/ 172) كتاب «الصيد والذبائح» ، حديث (603) وأحمد (2/ 236) ، والترمذي (4/ 74) كتاب «الأطعمة» ، باب ما جاء في كراهية كل ذي ناب وذي مخلب، حديث (1479) والنسائي (7/ 200) كتاب «الصيد والذبائح» ، باب تحريم أكل السباع، وابن ماجة (2/ 1077) كتاب «الصيد» ، باب أكل كل ذي ناب من السباع، حديث (3233) والبيهقي (9/ 315) كتاب «الضحايا» باب ما يحرم من جهة ما لا تأكل العرب. بلفظ أكل كل ذي ناب من السباع حرام، أما حديث جابر بن عبد الله قال:
«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ» «1» ، ثم اختلفتِ الصحابة ومَنْ بعدهم في تحريمِ ذلك، فجاز لهذه الوجوه لِمَنْ ينظر أَنْ يحمل لفظ التحريم على المَنْع الذي هو على الكراهية ونحوها، وما اقترنت به/ قرينةُ التأويل كتحريمه- عليه السلام
- أخرجه أحمد (3/ 323) ، والترمذي (4/ 73) كتاب «الأطعمة» باب ما جاء في كراهية كل ذي ناب وذي مخلب.
حديث (1478) ، والبزار، والطبراني في «الأوسط» كما في «مجمع الزوائد» (5/ 47) .
وقال الترمذي: حسن غريب.
أما حديث خالد بن الوليد قال: «غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، فأتت اليهود، فشكوا أن الناس قد أسرعوا إلى حظائرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها، وحرام عليكم حمر الأهلية وخيلها وبغالها وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير» .
أخرجه أحمد (4/ 89، 90) وأبو داود (4/ 160- 161) كتاب «الأطعمة» ، باب النهي عن أكل السباع، حديث (3806) والنسائي (7/ 202) كتاب «الصيد والذبائح» ، باب تحريم أكل لحوم الخيل، والدارقطني (4/ 287) باب الصيد والذبائح والأطعمة، حديث (60، 61، 63) ، والبيهقي (9/ 328) كتاب «الضحايا» ، باب بيان ضعف الحديث الذي روي في النهي عن لحوم الخيل.
وقال النسائي في الحديث (يشبه أن يكون صحيحا، ولكنه منسوخ بإباحة الخيل بعد ذلك) .
أما حديث المقدام بن معد يكرب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل ذو ناب من السباع، ولا الحمار الأهلي، ولا اللقطة، من مال معاهد» .
أخرجه أحمد (4/ 131) ، وأبو داود (4/ 160) كتاب «الأطعمة» باب النهي عن أكل السباع، حديث (3804) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/ 209) كتاب «الصيد والذبائح» ، باب أكل لحوم الحمر الأهلية، والدارقطني (4/ 287) ، باب الصيد والذبائح، حديث (59) والبيهقي (9/ 332) كتاب «الضحايا» ، باب ما جاء في أكل لحوم الحمر الأهلية.
(1)
أخرجه مسلم (3/ 1543) كتاب «الصيد والذبائح» ، باب تحريم أكل كل ذي ناب، حديث (16/ 1934) وأبو داود (2/ 383) كتاب «الأطعمة» ، باب النهي عن أكل السباع، حديث (3803) والدارمي (2/ 85) كتاب «الأضاحي» ، باب ما لا يؤكل من السباع وأحمد (1/ 244، 289، 302، 373) ، وابن الجارود (892) وابن حبان (5256- الإحسان) ، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/ 190) والبيهقي (9/ 315) كتاب «الضحايا» ، باب ما يحرم من جهة ما لا تأكل العرب، وأبو نعيم في «الحلية» (4/ 95) والبغوي في «شرح السنة» (6/ 32- بتحقيقنا) . من طريق أبي بشر- والحكم عند بعضهم- عن ميمون بن مهران عن ابن عباس به.
وقد رواه ميمون بن مهران، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أخرجه أبو داود (2/ 383) كتاب «الأطعمة» ، باب النهي عن أكل السباع، حديث (3805) والنسائي (7/ 206) كتاب «الصيد والذبائح» ، باب إباحة أكل لحوم الدجاج، وابن ماجة (2/ 1077) كتاب «الصيد» ، باب أكل كل ذي ناب من السباع حديث (3234) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/ 190) وأحمد (1/ 339) والبيهقي (9/ 315) كتاب «الضحايا» ، باب ما يحرم من جهة ما لا تأكل العرب، وابن الجارود (893) من طريق علي بن الحكم، عن ميمون بن مهران، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.