الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً
…
الآية: لما تقدَّم في الآية وصْفُ المَرَدَةِ مِنْ بني إسرائيل وذِكْرُ أفعالهم وذُنُوبِهِمْ، جاءَتْ هذه الآيةُ بالوَعيدِ النَّصِّ لهم بلفظٍ جَلِيٍّ عَامٍّ لهم ولغيرهم مِمَّنْ فَعَلَ فِعْلَهم من الكفرة، واختلف في معنى تَبْدِيل الجُلُودِ.
فقالت فرقةٌ: تُبَدَّلُ عليهم جُلُودٌ أغْيَارٌ إذْ نفوسُهم هي المعذَّبة، والجلودُ لا تَأْلَمُ في ذَاتِها، وقالتْ فرقة: تبديلُ الجُلُودِ هو إعادَةُ ذلك الجِلْدِ بعينِهِ الذي كان في الدُّنيا، وإنما سَمَّاه تبديلاً لأنَّ أوصافه تتغيَّر، قال الحَسَنُ بْنُ أبي الحَسَن: تُبَدَّلُ علَيْهم في اليومِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَرَّةٍ (عافَانا اللَّه مِنْ عذابِهِ برَحْمَتِهِ)«1» .
ولما ذكر سبحانه وعيدَ الكُفَّار، عَقَّبَ بوَعْد المُؤْمنين بالجَنَّة على الإيمان والأعمال الصّالحة، وظَلِيلًا: معناه عند بعضهم: يَقِي الحَرَّ والبَرْدَ، ويصحُّ أنْ يريدَ أنه ظِلٌّ لا يستحيلُ ولا يتنقَّلُ، وصح وصفه بظَلِيلٍ لامتداده، فقد قال صلى الله عليه وسلم:«إنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ الجَوَادُ المُضَمَّرُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ مَا يَقْطَعُهَا» «2» ، وَرَأَيْتُ لِبَعْضِهِمْ مَا نَصُّهُ وذكر الطبريُّ في كتابه، قال: لما خَلَق اللَّهُ عز وجل الجنَّةَ، قالَ لَهَا: امتدي، فقَالَتْ: يا ربِّ، كم، وإلى كم؟ فقال لها: امتدي مائة ألف سنة، فامتدت، ثم قال لها: امتدي، فقالت: يا رب: كم، وإلى كم؟ فقال لها: امتدي مائة ألف سنة، فامتدت، ثم قال لها:
امتدي، فقالت: يا رب: كم، وإلى كَمْ؟ فَقَالَ لَهَا: امتدي مِقْدَار رَحْمَتِي، فامتدت، فَهِيَ تَمْتَدُّ أَبَدَ الآبِدِينَ، فَلَيْسَ لِلجَنَّةِ طَرَفٌ كَمَا أنَّهُ لَيْسَ لِرَحْمَةِ اللَّهِ طَرَفٌ. انتهى، فهذا لا يُعْلَمُ إلا من جهة السَّمْع، فهو ممَّا اطلع عليه الطبريُّ، وهو إمامٌ حافظٌ محدِّثٌ ثقةٌ قاله الخطيبُ أحمدُ بن عليّ بن ثابت.
[سورة النساء (4) : آية 58]
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58)
وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها
…
الآية: قال ابن
(1) أخرجه الطبري (4/ 145) برقم (9842) ، وذكره البغوي (1/ 443) ، وابن عطية (2/ 69) ، وابن كثير (1/ 514) ، والسيوطي (2/ 311) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(2)
أخرجه البخاري (6/ 368) ، كتاب «بدء الخلق» ، باب ما جاء في صفة الجنة، حديث (3251) ، ومسلم (4/ 2175) ، كتاب «الجنة» ، باب أن في الجنة شجرة، حديث (8/ 2827) .
جريج وغيره «1» : الآية خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم في أمر مِفْتَاحِ الكَعْبَةِ حين أخذه من عُثْمَانَ بْنِ طَلْحة «2» ، ومن ابن عَمِّه شَيْبَة، فطلبه العَبَّاس بْنُ عَبْدِ المطَّلب «3» لِيُضِيفَ السَّدَانَةَ إلى السّقاية، فدخل النبيّ صلى الله عليه وسلم الكعبةَ، وكَسَرَ ما كَانَ فيها من الأوثانِ، وأخْرَجَ مَقَامَ إبراهيمَ، وَنَزَلَ عليه جِبْرِيلُ بهذه الآية، قال عمر بنُ الخَطَّاب: فخرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأُ هذه الآيةَ، وما كُنْتُ سَمْعْتُهَا قَبْلُ مِنْهُ، فَدَعَا عُثْمَانَ وشَيْبَةَ، فَقَالَ لَهُمَا: خُذَاهَا خَالِدَةً تَالِدَةً، لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلَاّ ظَالِمٌ «4» ، ثم الآيةُ بَعْدُ تتناوَلُ الوُلَاةَ فِيمَا لَدَيْهم مِنَ الأماناتِ في قِسْمة الأموال، وَردِّ الظُّلَامَاتِ، وعَدْلِ الحكوماتِ، وتتناول مَنْ دونهم مِنَ النّاس في حفظ
(1) أخرجه الطبري (4/ 148) برقم (9851) ، وذكره ابن عطية (2/ 70) ، والسيوطي (2/ 312) ، وعزاه لابن المنذر عن ابن جريج.
(2)
عثمان بن طلحة بن أبي طلحة: (عبد الله) بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة، القرشي، العبدري، حاجب البيت، قال ابن الأثير: قتل أبوه طلحة، وعمه عثمان بن أبي طلحة جميعا يوم أحد كافرين، قتل حمزة عثمان، وقتل علي طلحة مبارزة، وقتل يوم أحد منهم أيضا: مسافع، والجلاس، والحارث، وكلاب بنو طلحة كلهم إخوة عثمان بن طلحة قتلوا كفارا..
وهاجر عثمان بن طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية، مع خالد بن الوليد، فلقيا عمرو بن العاص قد أتى من عند النجاشي يريد الهجرة، فاصطحبوه حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم:«ألقت إليكم مكة أفلاذ كبدها» ، وأقام مع النبي بالمدينة، وشهد معه فتح مكة، ودفع إليه مفتاح الكعبة يوم الفتح، وإلى ابن عمه شيبة بن عثمان وقال:«خذوها خالدة تالدة ولا ينزعها منكم إلا ظالم» توفّي بمكة سنة (42)، وقيل: استشهد ب «أجنادين» . ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (3/ 578) ، «الإصابة» (4/ 220) ، «الثقات» (3/ 260) ، «الاستيعاب» (3- 4/ 1034) ، «تجريد أسماء الصحابة» (1/ 373) ، «سير أعلام النبلاء» (3/ 10) ، «التاريخ الكبير» (6/ 211) .
(3)
العبّاس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشيّ الهاشميّ، عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو الفضل.
ولد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، وضاع وهو صغير، فنذرت أمه إن وجدته أن تكسو البيت الحرير، فوجدته فكست البيت الحرير، فهي أوّل من كساه ذلك، وكان إليه في الجاهليّة السّقاية والعمارة، وحضر بيعة العقبة مع الأنصار قبل أن يسلم، وشهد بدرا مع المشركين مكرها فأسر فافتدى نفسه، وافتدى ابن أخيه عقيل بن أبي طالب، ورجع إلى مكّة، فيقال: إنه أسلم، وكتم قومه ذلك، وصار يكتب إلى النّبي صلى الله عليه وسلم بالأخبار، ثم هاجر قبل الفتح بقليل، وشهد الفتح، وثبت يوم حنين وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:«من آذى العبّاس فقد آذاني فإنّما عمّ الرّجل صنو أبيه» ، أخرجه الترمذيّ في قصّة.
وقد حدّث عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأحاديث، روى عنه أولاده، وعامر بن سعد، والأحنف بن قيس، وعبد الله بن الحارث، وغيرهم. ومات بالمدينة في رجب أو رمضان سنة اثنتين وثلاثين، وكان طويلا جميلا أبيض.
ينظر ترجمته في: «الإصابة» (3/ 511، 512) برقم (4525) .
(4)
أخرجه الطبري (4/ 148) برقم (9851) ، وذكره ابن عطية (2/ 70) ، وابن كثير (1/ 516) ، والسيوطي (2/ 312) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج.
الودائِعِ، والتحرُّز في الشهاداتِ، وغيرِ ذلك كالرجُلِ يُحَكَّمُ في نازلةٍ مَّا ونحوه، والصَّلاةُ والزكاةُ والصِّيامُ وسائرُ العباداتِ أماناتٌ للَّه تعالى، قال ابنُ العَرَبَيِّ/ في «أحكامه» : هذه الآيةُ في أداء الأمَانَةِ، والحكْم بين الناس- عامَّة في الوُلَاة والخَلْق لأنَّ كُلَّ مسلمٍ عَالِمٌ، بل كلّ مسلم حاكم، ووال، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:«المُقْسِطُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ على مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، وَهُمُ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي أنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا» «1» وقال صلى الله عليه وسلم: «كلّكم راع وكلّكم مسئول عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، وهو مسئول عَنْهُمْ، وَالعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالٍ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مسئول عنه، وكلّكم راع، وكلّكم مسئول عَنْ رَعِيَّتِهِ» «2» ، فهذه الأحاديثُ الصحيحةُ تدلُّ على ما قلناه. انتهى.
(1) أخرجه مسلم (3/ 1458) في الإمارة: باب فضيلة الإمام العادل (18/ 1827)، والنسائي (8/ 221- 222) في آداب القضاة: باب فضل الحاكم العادل في حكمه، وأحمد (2/ 160) ، والحميدي (2/ 268- 269) برقم (588) ، وابن حبان (1538) موارد، والبيهقي (10/ 87- 88) ، والخطيب في «التاريخ» (5/ 367) ، وابن أبي شيبة (13/ 127) ، والبغوي في «شرح السنة» (5/ 312) برقم (2464) من طريق سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس، عن عبد الله بن عمرو بن العاص به مرفوعا.
وعند مسلم، والنسائي، وابن حبان، والخطيب، والبغوي:«سفيان بن عيينة» .
وأخرجه عبد الرزاق (11/ 325) برقم (20664) ، وأحمد (2/ 159، 203) ، والحاكم (4/ 88- 89) من طريق معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه جميعا، وسكت عنه الذهبي.
قلت: لم يخرجه سوى مسلم كما تقدم في التخريج.
(2)
أخرجه البخاري (5/ 84) كتاب «الاستقراض» ، باب العبد راع في مال سيده، حديث (2409) ، (5/ 211) كتاب «العتق» ، باب كراهية التطاول على الرقيق، حديث (2554) ، (5/ 215) كتاب «العتق» ، باب العبد راع في مال سيده، حديث (2558) ، (5/ 444) كتاب «الوصايا» ، باب تأويل قوله تعالى:
مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ، حديث (2751) ، (9/ 163) كتاب «النكاح» ، باب قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً، حديث (5188) ، (9/ 210) كتاب «النكاح» ، باب المرأة راعية في بيت زوجها، حديث (5200) ، (13/ 119) كتاب «الأحكام» ، باب قول الله تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ
…
، حديث (7138) ، ومسلم (3/ 1459) كتاب «الإمارة» ، باب فضيلة الإمام، حديث (20/ 1829) ، وأبو داود (2/ 145) كتاب «الخراج» ، باب ما يلزم الإمام من حق الرعية، حديث (2928) ، والترمذي (1705) ، وأحمد (2/ 5، 54- 55، 111، 121) ، وابن الجارود في «المنتقى» برقم (1094) ، وأبو عبيد في كتاب «الأموال» (ص 10، 11) رقم (3، 4) ، وعبد الرزاق (11/ 319) برقم (20650) ، وأبو يعلى (10/ 199) برقم (5831) ، وابن حبان (4472، 4474) ، والبيهقي (71/ 291) ، والبغوي في «شرح السنة» (5/ 311- بتحقيقنا) ، والقضاعي في «مسند الشهاب» برقم (209) كلهم من حديث ابن عمر.
وللحديث شواهد من حديث أنس، وعائشة، وأبي لبابة بن عبد المنذر. حديث أنس: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته، فالأمير راع على الناس ومسؤول عن رعيته، والرجل راع-