الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُكْمِ الواحد «1» .
وقدَّم الوصيةَ في اللفظ اهتماما بها، وندباً إليها إذ هي أقلُّ لزوماً من الدَّيْن وأيضاً: قدَّمها لأنَّ الشرع قد حضَّ عليها فلا بُدَّ منها، والدَّيْنُ قد يكُونُ وقَدْ لا يكُونُ وأيضاً: قدَّمها إذْ هي حظُّ مساكينَ وضِعَافٍ، وأخَّر الدَّيْن لأنه حقُّ غريمٍ يَطْلُبه بقوَّة، وله فيه مقالٌ، وأجمعَ العلماءُ على أنَّ الدَّيْن مقدَّم على «2» الوصيَّة، والإجماعُ على أنه لا يوصى بأكْثَرَ مِنَ الثلث، واستحب كثيرٌ منهم أَلَاّ يبلغ الثلث.
وقوله تعالى: آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ رفْعٌ بالابتداء، والخَبَرُ مضمرٌ، تقديره: هم المَقْسُوم عليهم، أو هم المُعْطُونَ، وهذا عَرْضٌ للحكمة في ذلك، وتأنيسٌ للعرب الَّذين كانُوا يورِّثون على غير هذه الصِّفَة.
قال ابن زَيْد: لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً، يعني: في الدنيا والآخرة «3» ، قال الفَخْر «4» : وفي الآية إشارةٌ إلى الانقيادِ إلى الشَّرْعَ، وتَرْكِ ما يميل إليه الطّبع. انتهى.
[سورة النساء (4) : الآيات 12 الى 14]
وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (14)
(1) ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (2/ 17) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 223) ، وعزاه لابن جرير، والحاكم، وصححه، والبيهقي في «سننه» .
(2)
من الحقوق التي تثبت على العبد الديون المرسلة في الذمة، فتقدم على الوصية، وسميت مرسلة لأنها أرسلت، أي أطلقت عن تعلقها بعين التركة. ويجب تقديم دين الله على دين الآدمي إذا مات ولم يؤدهما ثم ضاقت التركة عنهما لقوله صلى الله عليه وسلم:«دين الله أحق بالقضاء» .
أما قبل الموت، فإن كان محجورا عليه قدم دين الآدمي جزما، ولو اجتمع عليه ديون لله (تعالى) قدمت الزكاة إن كان النصاب موجودا، وإلا فتستوي الحقوق. وإنما قدمت الديون المرسلة في الذمة على الوصية، لأن تلك الديون حق واجب على الميت، فقضاؤه مقدم، والوصية تبرع فلذا أخرت.
ينظر: «المواريث» لشيخنا وهبة إبراهيم.
(3)
أخرجه الطبري (3/ 624) برقم (8746) ، وذكره البغوي (1/ 403) ، وابن عطية (2/ 18) .
(4)
ينظر: «مفاتيح الغيب» (9/ 177) . [.....]
وقوله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ
…
الآية: الولَدُ هنا في هذه الآية، وفي التي بعدها: هُمْ بَنُو الصُّلْب، وبَنُو ذُكُورِهِمْ، وإن سَفَلُوا، والكَلَالَةُ: خُلُوُّ المَيِّتِ عَنِ الوَالِدِ والوَلَدِ هذا هو الصحيحُ.
وقوله تعالى: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ
…
الآية: الإجماع على الأُخُوَّة في هذه الآيةِ للأمِّ، وأما حُكْم سائر الإِخوة سواهم، فهو المذكور في آخر السورة.
وقرأ «1» سعدُ بْنُ أبي وَقَّاص «2» : «وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ لأُمِّهِ» ، والأنثى والذَّكَر في هذه النَّازلة سواءٌ، بإجماع.
وقوله سبحانه: غَيْرَ مُضَارٍّ، قال ابن عبَّاس:«الضِّرَارُ في الوصية من الكبائر» ورواه «3» عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وروى أبو هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ ضَارَّ فِي وَصِيَّتِهِ، أَلْقَاهُ اللَّهُ تعالى في واد في جهنّم» «4» .
(1) ينظر: «الكشاف» (1/ 486) ، و «المحرر الوجيز» (1/ 19) ، و «البحر المحيط» (3/ 198) ، و «الدر المصون» (2/ 326)، وفيه:«من أم» .
(2)
هو: سعد بن مالك (واسم مالك: أبي وقاص) بن أهيب (وقيل: وهيب) بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب. أبو إسحاق. القرشي. الزهري. أحد العشرة المبشرين بالجنة وآخرهم موتا. وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وهو أول من كوف ب «الكوفة» ، روى عن النبيّ كثيرا، روى عنه بنوه: إبراهيم، وعامر، ومصعب، وعمر، ومحمد، وعائشة. وروى عنه من الصحابة: عائشة، وابن عباس، وابن عمر، وجابر بن سمرة. وروى عنه من كبار التابعين: سعيد بن المسيب، وأبو سعيد الهندي، وقيس بن أبي حازم، وعلقمة، والأحنف، وغيرهم. وهو صحابي مشهور كتب في سيرته مؤلفات كثيرة. توفي سنة (55)، وقيل: سنة (58)، وقيل:(51)، وقيل:(57) .
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (2/ 366) ، و «الإصابة» (3/ 83) ، و «بقي بن مخلد» (16) ، و «صيانة مسلم» (240) ، و «التبصرة والتذكرة» (3/ 206) ، و «الزهد الكبير» (113) ، و «التعديل والتجريح» (1300) ، و «الزهد» لوكيع (98) ، و «الأنساب» (1/ 35) ، و «تفسير الطبري» (8/ 8772) ، و «تقريب التهذيب» (1/ 290) ، و «تهذيب التهذيب» (3/ 483) ، و «تاريخ بغداد» (1/ 144) .
(3)
أخرجه الطبري (3/ 630) برقم (8784) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (2/ 227) ، وعزاه للنسائي، وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة في «المصنف» ، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي.
(4)
لم نقف عليه بهذا اللفظ.