الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: نُزُلًا: معناه تَكْرِمَةً.
وقوله تعالى: وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ يحتملُ أن يريد: خَيْرٌ مِمَّا هؤلاءِ فيه، من التقلُّب والتنعُّم، ويحتمل أنْ يريد: خَيْرٌ ممَّا هم فيه في الدّنيا، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم:
«الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ/، وَجَنَّةُ الكَافِرِ» «1» قال القاضِي ابْنُ الطَّيِّب: هذا بالإضافة إلى ما يصير إلَيْه كلُّ واحد منْهما في الآخرةِ، وقيل: المعنى أنها سِجْنُ المؤمن لأنها موضعُ تَعَبِهِ في الطاعة.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 199 الى 200]
وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (199) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)
وقوله تعالى: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ، قال جابر بن عبد اللَّه وغيره: هذه الآيةُ نَزَلَتْ بسبب أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ سُلْطَانِ الحبشة، آمن باللَّه، وبمحمَّد- عليه السلام، وأصحمة «2» : تفسيره بالعربيّة:
(1) أخرجه مسلم (4/ 2272) ، كتاب «الزهد» ، باب (1/ 2956) ، والترمذي (4/ 486) كتاب «الزهد» ، باب ما جاء أن الدنيا سجن المؤمن، حديث (2324) ، وابن ماجة (2/ 1378) ، كتاب «الزهد» ، باب مثل الدنيا، حديث (4113) ، وأحمد (2/ 323، 389، 485) ، وفي «الزهد» (ص 37) ، وابن حبان (687، 688) ، وأبو نعيم في «الحلية» (6/ 350) ، وابن أبي عاصم في «الزهد» (142) ، والبغوي في «شرح السنة» (7/ 325- بتحقيقنا) كلهم من طريق العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرحمن عن أبِيهِ عن أبي هريرة.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وللحديث شواهد من حديث ابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وسلمان:
حديث ابن عمر:
أخرجه البزار (3654- كشف) ، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (2/ 340) ، وابن أبي عاصم في «الزهد» رقم (143) ، والبيهقي في «الزهد الكبير» (449، 458)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (6/ 401) عن ابن عمر: والحديث ذكره الهيثمي في «المجمع» (10/ 292) وقال: رواه البزار بسندين أحدهما ضعيف، والآخر فيه جماعة لم أعرفهم.
حديث عبد الله بن عمرو:
أخرجه أحمد (5/ 68) ، وابن أبي عاصم في «الزهد» رقم (144) ، وأبو نعيم في «الحلية» (8/ 177، 185) ، وابن المبارك في «الزهد» (598) ، والحاكم (4/ 315) ، والبغوي في «شرح السنة» (7/ 326- بتحقيقنا) .
(2)
أخرجه الطبري (3/ 559) برقم (8376) ، وعبد الرزاق في «تفسيره» (1/ 144) عن قتادة، وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 444) ، والبغوي في «تفسيره» (1/ 388) عن ابن عباس، وجابر، وأنس، وقتادة، وذكره ابن عطية (1/ 559) ، وذكره السيوطي في «الدر» (2/ 200) عن جابر وغيره.
عَطِيَّة قاله سفيان وغيره، وقال قومٌ: نزلَتْ في عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ «1» ، وقال ابنُ زَيْدٍ ومجاهدٌ: نَزَلَتْ في جميعِ مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب «2» .
وقوله سبحانه: لَا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا: مدحٌ لهم، وذَمٌّ لسائر كفَّار أهل الكتاب لتبديلهم وإيثارهم مكاسبَ الدُّنْيا على آخرتهم، وعلى آياتِ اللَّهِ سُبْحانه، ثم خَتَمَ اللَّه سُبْحانه السُّورة بهذه الوَصَاةِ التي جَمَعَتِ الظُّهورَ في الدنيا علَى الأعداء، والفَوْزَ بنعيمِ الآخرةِ، فحضَّ سبحانه على الصبْرِ على الطاعات، وعنِ الشهواتِ، وأَمَرَ بالمصابرةِ، فقيل: معناه مصابرةُ الأعداء قاله زيدُ بْنُ أسلم «3» ، وقيل: معناه مصابَرَةَ وعْدِ اللَّهِ فِي النَّصْر قاله محمدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ «4» ، أي: لا تسأَمُوا وانتظروا الفرج، وقد قال صلى الله عليه وسلم:
«انتظار الفَرَجِ بِالصَّبْرِ عِبَادَةٌ» «5» .
قال الفَخْر «6» : والمصابرةُ عبارةٌ عن تحمُّل المكارِهِ الواقعة بَيْن الإنسان، وبَيْن الغَيْر.
انتهى.
وقوله: وَرابِطُوا: معناه عند الجُمْهُور: رَابِطُوا أعداءكم الخَيْلَ، أي: ارتبطوها كما يرتبطها أعداؤكم، قلْتُ: وروى مسلمٌ في «صحيحه» ، عن سلمان، قال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وإنْ مَاتَ جرى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الفَتَّان» «7» ، وخَرَّجَ الترمذيُّ، عن فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ على عَمَلِهِ إلَاّ الَّذِي مَاتَ مُرَابِطاً فِي سَبِيلِ اللَّهِ فإنَّهُ يَنْمُو عَمَلُهُ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ» ، قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسن
(1) أخرجه الطبري (3/ 560) برقم (8382) عن ابن جريج، وذكره البغوي في «تفسيره» (1/ 388) عن ابن جريج، والماوردي في «تفسيره» (1/ 445) ، وابن عطية (1/ 559) .
(2)
أخرجه الطبري (3/ 560) برقم (8384) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (1/ 388) ، والماوردي (1/ 445) ، وابن عطية (1/ 559) .
(3)
ذكره ابن عطية (1/ 559) .
(4)
ينظر المصدر السابق.
(5)
أخرجه القضاعي في «مسند الشهاب» رقم (44، 45) من حديث ابن عمرو ابن عباس.
(6)
ينظر: «مفاتيح الغيب» للرازي (9/ 126) .
(7)
أخرجه مسلم (3/ 1520) كتاب «الإمارة» باب فضل الرباط في سبيل الله عز وجل، حديث (163/ 1913) من حديث سلمان.
صحيحٌ «1» ، وخرَّجه أبو داود بمعناه، وقال:«ويُؤْمَنُ مِنْ فَتَّانِي القَبْرِ» «2» ، وخرَّجه ابنُ ماجة بإسناد صحيح، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَنْ مَاتَ مُرَابِطاً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَجْرَى اللَّهُ عَلَيْهِ أَجْرَ عَمَلِهِ الصَّالِحِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ، وأجرى عَلَيْهِ رِزْقَهُ، وَأَمِنَ الفَتَّانَ، وَيَبْعَثُهُ اللَّهُ آمناً مِنَ الفَزَعَ» «3» ، وروى مسلم والبخاريّ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:«رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا، ومَا فِيهَا» «4» . انتهى.
وجاء في فَضْل الرباطِ أحاديثُ كثيرةٌ يطُولُ ذكْرها.
قال صاحبُ «التَّذْكرة» : وروى أبيُّ بن كَعْب، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَرِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ وراء عورة المسلمين محتسبا من غير شهر رمضان- أعظم أجرا من عبادة مائة سنة صِيَامِهَا، وقِيَامِهَا، وَرِبَاطُ يَوْمٍ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ عند الله وأعظم أجرا» ، أراه قال:
«من عِبَادَةِ أَلْفَيْ سَنَةٍ، صِيَامِهَا، وقِيَامِهَا
…
» «5» الحديثَ ذكره القرطبيُّ مسنداً. انتهى.
والرباط: هو الملازمةُ في سَبيلِ اللَّهِ أصلها مِنْ رَبَطَ الخَيْلَ، ثم سُمِّيَ كلُّ ملازمٍ لثَغْرٍ من ثُغُور الإسلام/ مرابطاً، فارساً كان أو راجلاً، واللفظةُ مأخوذةٌ من الرَّبْط، قلْتُ:
قال الشيخُ زيْنُ الدينِ العِرَاقِيُّ في «اختصاره لغريب القرآن» لأبي حَيَّان: معنى: رابطوا:
(1) أخرجه الترمذي (4/ 165) ، كتاب «فضائل الجهاد» ، باب ما جاء في فضل من مات مرابطا، حديث (1621) ، وأبو داود (2/ 12) ، كتاب «الجهاد» ، باب في فضل الرباط، حديث (2500) ، وأحمد (6/ 20، 22) ، وسعيد بن منصور (2/ 194) رقم (2414) ، وابن حبان (1624- موارد) ، والطحاوي في «مشكل الآثار» (3/ 102) ، والحاكم (2/ 72) ، والطبراني في «الكبير» (18/ 311) رقم (802) كلهم من طريق أبي هانىء الخولاني عن عمرو بن مالك عن فضالة بن عبيد به.
وقال الترمذي: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وقال الحاكمُ: صحيحٌ على شرطِ مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وصححه ابن حبان.
(2)
ينظر الحديث السابق. [.....]
(3)
أخرجه ابن ماجة (2/ 924) ، كتاب «الجهاد» ، باب فضل الرباط في سبيل الله، حديث (2767) .
وقال البوصيري في «الزوائد» (2/ 391) ، هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
أخرجه ابن ماجة (2/ 924- 925) كتاب «الجهاد» ، باب فضل الرباط في سبيل الله، حديث (2768) .
قال المنذري في «الترغيب» (2/ 203) : وآثار الوضع ظاهرة عليه. ولا عجب فراويه عمر بن صبح الخراساني.
وقال البوصيري في «الزوائد» (2/ 392- 393) : هذا إسناد ضعيف لضعف محمد بن يعلى وشيخه عمر بن صبح، ومكحول لم يدرك أبي بن كعب، ومع ذلك فهو مدلس.
دُومُوا واثبتوا، ومتى ذكَرْتُ العِرَاقِيَّ، فمرادِي هذا الشيخُ. انتهى.
وروى ابنُ المبارك في «رقائقه» ، أنَّ هذه الآيةَ: اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا، إنما نزلَتْ في انتظار الصَّلاةِ خَلْفَ الصلاة قاله أبو سَلَمَةَ بْنُ عبدِ الرحمنِ، قال: ولم يكُنْ يومئذٍ عَدُوٌّ يرابَطُ فيه «1» . انتهى.
وقوله سبحانه: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ: ترجٍّ في حقِّ البَشَر، والحمد لله حقّ حمده.
(1) أخرجه الطبري (3/ 562) برقم (8394) ، والحاكم في مستدركه (2/ 301) وصححه، ووافقه الذهبي، وذكره البغوي في «تفسيره» (1/ 389) ، وابن عطية (1/ 560) ، والسيوطي في «الدر» (2/ 201) ، وعزاه لابن مردويه.