الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلام شيْءٌ مقدَّر لا يستغنِي المعنى عنه كقوله تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ [البقرة: 184] المعنى: فَأَفْطَرَ، فَعِدَّةٌ.
وقوله تعالى: بَعْدَ إِيمانِكُمْ يقتضي أنَّ لهؤلاء المذكورين إيماناً متقدِّماً، واختلف أهل التأويل في تَعْيِينِهِمْ، فقال أُبيُّ بْنُ كَعْبٍ: هم جميعُ الكُفَّارِ، وإيمانهم هو إقرارهم يَوْمَ قِيلَ لهم: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى «1» [الأعراف: 172] وقال أكثر المتأوِّلين: المراد أهل القبْلَة مِنْ هذه الأمة، ثم اختلفوا، فقال الحسَنُ: الآية في المنافقين «2» ، وقال قتادة: هي في أهْل الرَّدة «3» ، وقال أبو أُمَامة: هي في الخَوَارج «4» .
وقوله تعالى: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ الإشارة ب «تِلْكَ» إلى هذه الآياتِ المتضمِّنة تعذيبَ الكُفَّار، وتَنْعِيمَ المؤمنين، ولَمَّا كان في هذا ذكْرُ التعذيبِ، أخبر سبحانه أنه لا يريدُ أنْ يقع منه ظُلْمٌ لأحدٍ من العبادِ، وإذا لم يردْ ذلك، فلا يوجد ألبتة لأنه لا يَقَعُ من شيء إلَاّ ما يريده سُبْحانه، وقوله: بِالْحَقِّ: معناه بالإخبار الحَقِّ، ويحتمل أنْ يكون المعنى: نَتْلُوهَا عَلَيْكَ مضمَّنة الأفعال التي هِيَ حَقٌّ في نفسها من كرامةِ قومٍ، وتعذيبِ آخرينَ، ولما كان للذِّهْنِ أنْ يقف هنا في الوَجْه الذي به خَصَّ اللَّه قومًا بعملٍ يرحمهم مِنْ أجله، وآخرين بعملٍ يعذِّبهم عليه، ذكر سبحانه الحُجَّة القاطعة في مِلْكِهِ جميعَ المخلوقاتِ، وأنَّ الحَقَّ أَلَاّ يعترض علَيْه وذلك في قوله: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ
…
الآية/.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 110 الى 112]
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَاّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (112)
(1) أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 387) وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 410) ، وابن عطية (1/ 487) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 112) بنحوه، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(2)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 387) برقم (7603) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 410) ، وابن عطية في «تفسيره» (1/ 487) .
(3)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 386) برقم (7599) ، وابن عطية، في «تفسيره» (1/ 487) ، والسيوطي بنحوه في «الدر المنثور» (2/ 112) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير.
(4)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 387) برقم (7601) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (1/ 340) ، وابن عطية (1/ 487) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 112) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير.
وقوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
…
الآية: اختلفَ في تأويل هذه الآية.
فقيل: نزلَتْ في الصحابة، وقال الحسَنُ بْنُ أبي الحَسَن وجماعةٌ مِنْ أَهْل العلْمِ:
الآيةُ خطَابٌ لجميع الأمة بأنهم خير أمة أخرجَتْ للنَّاس «1» ويؤيِّد هذا التأويلَ كونُهم شهداءَ عَلَى النَّاس. وأمَّا قوله: «كُنْتُمْ» على صيغة المُضِيِّ فإنها التي بمعنَى الدَّوامِ كما قال تعالى: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الأحزاب: 73] وقال قوم: المعنى: كنتم فِي عِلْمِ اللَّه، وهذه الخَيْريَّة التي خَصَّ اللَّه بها هذه الأمَّة، إنما يأخذ بحَظِّه منها مَنْ عمل بهذه الشُّروط مِنَ الأمر بالمعروفِ، والنَّهْيِ عن المنكر، والإيمانِ باللَّه ممَّا جاء في فَضْل هذه الأمَّة ما خرَّجه مُسْلِمٌ في صحيحه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ القِيَامةِ» وفي رواية: «السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّة» وفي رواية: «نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالأَوَّلُونَ يَوْمَ القيامة، المقتضي لَهُمْ قَبْلَ الخَلَائِقِ» ، وفي رواية:«المَقْضِيُّ بَيْنَهُمْ» «2» . اهـ.
وخرَّج ابن مَاجَة، عَنِ ابْنِ عَبَّاس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«نَحْنُ آخرُ الأُمَمِ، وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبَ، يقال: أين الأمّة الأمّيّة ونبيّها، فَنَحْنُ الآخرُونَ الأَوَّلُونَ» «3» ، وفي روايةٍ عن ابن عَبَّاس: «فتُفَرِّجُ لَنَا الأَمَمُ عَنْ طَرِيقَنَا، فَنَمْضِي غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الطُّهُورِ، فَتَقُولُ الأُمَمُ:
كَادَتْ هَذِهِ الأَمَّةُ أَنْ تَكُونَ أَنْبِيَاءَ كُلُّهَا» «4» ، وخَرَّجهُ أيضاً أبو داود الطَّيَالِسِيُّ في مسنده بمعناه. اهـ من «التذكرة» «5» .
ورَوَى أبو داودَ في سننِه، قال: حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبة، عن أبيه، عن أبي
(1) أخرجه الطبري في «تفسيره» بنحوه (3/ 391)، ولفظه «قال: قد كان ما تسمع من الخير في هذه الأمة» ، والأثر ذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 489) .
(2)
أخرجه مسلم (2/ 585) ، كتاب «الجمعة» ، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة، حديث (19/ 885) . [.....]
(3)
أخرجه ابن ماجة (2/ 1434) ، كتاب «الزهد» ، باب صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، حديث (4290) .
وقال البوصيري في «الزوائد» (3/ 317) : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
(4)
أخرجه أحمد في «مسنده» (1/ 282) .
(5)
ينظر: «التذكرة» للقرطبي (1/ 377) .
موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الآخِرَةِ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا الفِتَنُ، وَالزَّلَازِلُ، وَالقَتْل» «1» اهـ، وقد ذكرنا هذا الحديثَ أيضاً عن غَيْر أبي داود، وهذا الحديثُ ليس هو على عمومه في جميعِ الأمَّة لثبوت نُفُوذِ الوعيدِ في طائفةٍ من العُصَاة. اهـ.
وقوله: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وما بعده: أحوالٌ في موضعِ نصبٍ.
وفي الحديثِ: «خَيْرُ النَّاسِ أتُقَاهُمْ لِلَّهِ، وَآمَرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ، وَأَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ، وَأَوْصَلُهُمْ لِلرَّحِمِ» «2» ، رواه البغويُّ في «منتخبه» . اهـ من «الكوكب الدري» .
وقوله سبحانه: مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ: تنبيهٌ على حال عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وأخيهِ، وثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ، وغيْرِهِمْ مِمَّنْ آمَنَ.
وقوله تعالى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً، أي: إلا أَذًى بالألسنة فَقَطْ، وأخبر سبحانه في قوله: وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ، بخبر غَيْب، صحَّحه الوجود، فهي من آيات نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم، وفائدةُ الخَبَرِ هي في قولِهِ: ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ، أي: لا تكونُ حَرْبُ اليهودِ معكم سِجَالاً، وخص الأدبار بالذِّكْر دون الظَّهْرِ، تَخْسِيساً للفَارِّ، وهكذا هو حيثُ تصرَّفَ.
وقوله تعالى: ضُرِبَتْ: معناه: أُثْبِتَتْ بشدَّةٍ وإلزامٍ، وهذا وصْفُ حالٍ تقرَّرت على اليهودِ في أقطار الأرْضِ قبل مَجِيء الإسلام، وثُقِفُوا: معناه أُخِذُوا بحالِ المذْنِبِ المستحِقِّ الإهلاك، وقوله: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ في الكلامِ محذوفٌ يدركُهُ فهُمْ السامعِ، تقديره: فلا نجاة لهم مِنَ القَتْلِ أو الاستئصال إلَاّ بحَبْلٍ، وهو العَهْدُ.
وقوله: ذلِكَ إشارةٌ إلى الغَضَب، وضَرْب الذلَّة والمَسْكَنَة، وباقي الآية تقدّم تفسير نظيره.
(1) أخرجه أبو داود (2/ 507) ، كتاب «الفتن» ، باب ما يرجى في القتل، حديث (4278)، حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا كثير بن هشام، ثنا المسعودي، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى مرفوعا.
وسقط في السند عند المؤلف كثير، والمسعودي، وسعيد بن أبي بردة.
(2)
أخرجه أحمد (6/ 431- 432) ، من حديث درة بنت أبي لهب.
وقال الهيثمي في «المجمع» (7/ 266) : رواه أحمد والطبراني، ورجالهما ثقات.