الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن زَيْدٍ: الدرجاتُ في الآيةِ هي السّبع المذكورة في «بَرَاءَةَ» في قوله تعالى:
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ
…
[التوبة: 120] الآية «1» .
قال ع «2» : ودرجاتُ الجهادِ، لَوْ حُصِرَتْ، أكْثَرُ من هذه، لكنْ يَجْمَعُها بذْلُ النفْسِ، والاعتمال بالبَدَنِ والمالِ في أنْ تكُونَ كَلمةُ اللَّهِ هي العُلْيَا، ولا شَكَّ أنَّ بحَسَب/ مراتِبِ الأعمال ودرجاتِهَا تكُونُ مراتِبُ الجَنَّة ودرجاتُها، فالأقوالُ كلُّها متقاربة، وباقي الآية وعد كريم وتأنيس.
[سورة النساء (4) : الآيات 97 الى 100]
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (97) إِلَاّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (99) وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (100)
وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ
…
الآية:
المرادُ بهذه الآيةِ إلى قوله: مَصِيراً جماعةٌ من أهل مكَّة كانوا قد أسلموا، فَلَمَّا هاجَرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أقَامُوا مَعَ قَوْمِهِمْ، وفُتِنَ منهم جماعةٌ، فافتتنوا، فلما كَانَ أَمْرُ بَدْرٍ، خَرَجَ منهم قومٌ مع الكُفَّار، فقُتِلُوا ببَدْرٍ، فنزلَتِ الآية فيهم.
قال ع «3» : والذي يَجْرِي مع الأصولِ أنَّ مَنْ ماتَ مِنْ هؤلاء مرتدًّا، فهو كافرٌ، ومأواه جهنَّم على جهة الخلودِ المؤبدِ، وهذا هو ظاهرُ أمْرِ هؤلاءِ، وإنْ فَرَضْنا فيهم مَنْ مَاتَ مؤمناً، وأُكْرِهَ عَلَى الخُرُوجِ، أوْ ماتَ بمكَّة، فإنما هو عاصٍ في ترك الهِجْرة، مأواه جهنَّم على جهة العِصْيَانِ دُونَ خُلُودٍ.
وقوله تعالى: تَوَفَّاهُمُ: يحتملُ أن يكون فعلاً ماضياً، ويحتملُ أنْ يكون مستقْبَلاً على معنى:«تَتَوَفَّاهُمْ» فحذِفَتْ إحدى التاءَيْنَ وتكون في العبارة إشارة إلى ما يأتي مِنْ هذا المعنى في المستقبل بعد نزول الآية، وظالِمِي أَنْفُسِهِمْ: نصب على الحال، أي:
(1) أخرجه الطبري في «تفسيره» (4/ 233) برقم (10262) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (2/ 98) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 364)، وعزاه لابن جرير عن ابن وهب قال: سألت زيد، وذكر الأثر.
(2)
ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 98) .
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 99) .
ظالميها بترك الهجرة، وتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ: معناه: تقبِضُ أرواحَهُمْ، قال الزَّجَّاج «1» ، وحُذِفَتِ النونُ مِنْ ظَالِمِينَ تخفيفاً كقوله: بالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95]، وقولُ الملائكة:
فِيمَ كُنْتُمْ: تقريرٌ وتوبيخٌ، وقولُ هؤلاء: كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ: اعتذار غيرُ صحيحٍ إذ كانوا يستطيعُونَ الحِيَلَ، ويَهْتَدُونَ السُّبُلَ، ثم وقَفَتْهُم الملائكةُ على ذَنْبهم بقولهم: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً، والأرْضُ الأولى: هي أرْضُ مكَّة خاصَّة، وأرْضُ اللَّهِ هي الأرضُ بالإطلاق، والمراد: فتهاجِرُوا فيها إلى مواضعِ الأَمْنِ، وهذه المقاوَلَةُ إنما هِيَ بعد توفي الملائكَةِ لأرواحِ هؤلاءِ، وهي دالَّة على أنهم ماتوا مُسْلِمِينَ وإلَاّ فلو ماتوا كافِرِينَ، لم يُقَلْ لهم شيءٌ مِنْ هذا، ثم استثنى سبحانه مَنْ كان استضعافه حقيقةً مِنْ زَمْنَى الرجالِ، وضَعَفَةِ النساءِ، والولدانِ، قال ابنُ عَبَّاس:«كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِينَ» «2» ، والحِيلَةُ: لفظٌ عامٌّ لأنواع أسبَاب التخلُّص، والسَّبِيلُ: سبيلُ المدينةِ فيما قاله مجاهد وغيره «3» ، والصوابُ: أنه عامٌّ في جميع السُّبُل، ثم رَجَّى اللَّه تعالى هؤلاءِ بالعَفْو عنهم، والمُرَاغِمُ: المُتَحَوَّلُ والمَذْهَب قاله ابن عبَّاس وغيره «4» ، وقال مجاهدٌ: المُرَاغَمُ المتزحْزَحُ عمَّا يُكْرَه «5» ، وقال ابن زيْدٍ: المُرَاغَمُ: المُهَاجَرُ «6» ، وقال السُّدِّيُّ: المُرَاغَمُ: المبتغى للمعيشة «7» .
قال ع «8» : وهذا كله تَفْسيرٌ بالمعنى، وأما الخاصُّ بِاللفظة، فإن المُرَاغَمَ هو موضِعُ المراغَمَةِ، فلو هاجر أَحَدٌ من هؤلاءِ المَحْبُوسِين بمكَّةَ، لأرْغَمَ أنُوفَ قريشٍ بحصوله في مَنَعَةٍ منهم، فتلكَ المَنَعَةُ هي مَوْضِعُ المراغَمَةِ، قال ابنُ عَبَّاس وغيره: السّعة هنا هي السّعة في
(1) ينظر: «معاني القرآن» (2/ 94) .
(2)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (4/ 235) برقم (10264) ، وذكره ابن عطية (2/ 100) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 367) ، وعزاه للطبراني.
(3)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (4/ 239) برقم (10284) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (1/ 470) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 368) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد.
(4)
ذكره ابن عطية في «تفسيره» (2/ 100) .
(5)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (2/ 242) برقم (10307) ، وذكره ابن عطية (2/ 101) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 368) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(6)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (4/ 243) برقم (10309) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (2/ 101) .
(7)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (4/ 242) برقم (10308) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (2/ 101) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 368) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.
(8)
ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 101) .
الرِّزْقِ «1» ، وقال مالك: السَّعة: سَعَةُ البلاد «2» .
قال ع «3» : وهذا هو المُشَبِهُ للفصاحة أنْ يريد سعة الأرْضِ وبذلك تكونُ السَّعَةُ في الرِّزْق، واتساع الصَّدْرِ، وغيرُ ذلك من وجوه الفَرَجِ، وهذا المعنى ظاهرٌ من قوله تعالى: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً.
قال مالكُ بْنُ أَنَسٍ رحمه الله : الآية تُعْطِي أنَّ كلَّ مسلمٍ ينبغي لَهُ أنْ يَخْرُجُ من البلادِ الَّتي تُغَيَّرُ فيها/ السُّنَنُ، ويُعْمَلُ فيها بغَيْر الحَقِّ «4» .
وقوله تعالى: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ
…
الآية حُكْمُ هذه الآية باقٍ في الجهَادِ، والمَشْيِ إلى الصلاةِ، والحَجِّ، ونحوِهِ، قلْتُ: وفي البابِ حديثٌ عن أبي أُمَامَةَ، وسيأتِي عند قوله تعالى: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ [النور: 61] .
قال ع «5» : والآية نزلَتْ بسبب رَجُلٍ من كِنَانَةَ، وقيلَ: من خُزَاعَةَ، اسمه ضَمْرَةُ في قولِ الأكْثَرِ لما سمع قَوْلَ اللَّه تعالَى: الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا قال: إنِّي لَذُو مَالٍ وَعَبِيدٍ، وَكَانَ مَرِيضاً، فَقَالَ: أَخْرِجُونِي إلَى المَدِينَةِ، فَأُخْرِجَ فِي سَرِيرٍ، فَأَدْرَكَهُ المَوْتُ بِالتَّنْعِيمِ، فَنَزَلَتِ الآيةُ بسببه.
قال ع «6» : ومِنْ هذه الآية رأى بعضُ العلماء أنَّ مَنْ مات من المسلمين، وقد خَرَجَ غازياً، فله سَهْمُهُ من الغنيمة، قَاسُوا ذلك علَى الأجْرِ، وَوَقَعَ: عبارةٌ عن الثُّبُوتِ، وكذلك هِيَ «وَجَبَ» لأنَّ الوقوعَ والوُجُوبَ نُزُولٌ في الأجْرَامِ بقوَّة، فشبه لازم المعانِي بذلك، وباقي الآية بيّن.
(1) أخرجه الطبري في «تفسيره» (4/ 243) برقم (10310) وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 522) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 368) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس.
(2)
ذكره ابن عطية في «تفسيره» (2/ 101) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 368)، وعزاه لابن القاسم بلفظ: «قال: سئل مالك عن قول الله وَسَعَةً؟! قال: سعة البلاء. [.....]
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 101) .
(4)
ذكره ابن عطية في «تفسيره» (2/ 101) .
(5)
ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 101) .
(6)
ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 102) .